الأربعاء، 3 يوليو 2019

القضاء والمحاماة شركاء في تحقيق العدالة بقلم : محمد أبوغدير المحامي

المحاماة رسالة ومهنة تشارك في تحقيق العدالة كالقضاء تماما وليست مهنة معاونة للقضاء في ذلك وإنما هي شريك ايجابي وجزء لا يتجزأ من سلطة العدل ، وليس ذلك ادعاء أو شرف يزعمه المحامون ، وإنما ذلك حق يثبته القانون ويفرضه الواقع .

أما من حيث ثبوته بالقانون فلقد نصت كافة التشريعات العربية على شراكة المحاماة في تحقيق العدالة فقررت المادة الأولى من قانون المحاماة المصري رقم 17 لسـنة 1983 على أن ( المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ويمارس المحاماة المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون ) .

وقد تقرر المبدأ في المادة الأولى قانون المحاماة في المغرب رقم 79/19 التي جاء فيها ( المحامون جزء من أسرة القضاء ومهنتهم حرة ومستقلة ) ، والمادة الأولى من قانون المحاماة السوري رقم 39 لسنة 1981 التي نصت على أن (المحاماة مهنة علمية فكرية حرة مهمتها التعاون مع القضاء على تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الموكلين وفـق أحكام القانون ) ونفس المعنى تضمنته المادة الأولى من قانون مهنة المحاماة اللبناني رقم 8/70 والمادة الثانية من قانون المحاماة التونسي رقم 37 لسنة 58 .

ومن حيث الواقع فهناك ترابط عضوي بين المحاماة والقضاء ، فالمحامي قد يكون جزءاً لا يتجزأ من المحكمة التي قد لا تنعقد أساساً إلا بوجوده كما في دوائر محكمة الجنايات وقد نصت الكثير من التشريعات العربية على ذلك .

ومهمة المحامي التعامل مع القاعدة القانونية كيف تفسر وكيف تطبق وتلك هي أيضاً مهمة القاضي ، والحكم القضائي السليم هو الذي يتم التوصل إليه بعد نقاش و حوار بين طرفين هما المحامي والقاضي مهمتهما الوصول إلى الحق وتحقيق العدل ، والقاضي يسطر حكمه ويؤسس قضاءه على حقائق القضية التي بسطها المحامون أمام المحكمة شفاهة في مرافعة أو مكتوبة في مذكرة وعلى ما قدموا من الأدلة والمراجع ذات الصلة بالقضية .

والعلاقة بين المحامي والقاضي أثناء قيامهما بتحقيق العدالة أساسها الاحترام والتقدير المتبادل ، فعلى القاضي أن يتيح للمحامي إبداء دفاعه ودفوعه واعتراضاته بكل حرية وأن يحترم حق المرافعة ويمنح المحامي الرخص المقررة في القانون للتأجيل وأن يعطى الوقت الكافي للمرافعة والاستعداد لها ومناقشة الشهود وغير ذلك من أعمال مهنته.

والواجب على المحامي أن يكون أداءه إمام القضاء يتفق وكرامة القاضي واستقلاله وأن يرتقي بأدب الحوار والمرافعة أمامه ، وأن يترك كل ما يخل بسير العدالة ، وذلك دون انتقاص من واجبه في الدفاع عن موكله وحقه في الانتقاد والاعتراض المؤسس على القانون ودونما خوف أو اتخاذ أية اعتبارات شخصية تعيقه في أداء دوره .

وينبغي أن يتمتع المحامي بالضمانات اللازمة لقيامه بدورة في تحقيق العدالة ، ومن ثم يجب أن لا يتعرض المحامي للملاحقة أو القبض عليه جراء ما يجريه من أعمال في خدمة موكله ، ويتعين أن ينال الرعاية والاحترام الكافيين أمام النيابة وجهات التحقيق ودوائر الشرطة ، وأن تحترم سرية أوراقه وملفاته وأن لا يتعرض شخصه ومكتبه للتفتيش والمداهمة.

ولقد تضمن قانون المحاماة بعض هذه الضمانات ، فاستثنت المادة 49 منه تطبيق الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها والمنصوص عليها في قانوني المرافعات والإجراءات الجنائية إذا وقعت من المحامى أثناء وجودة بالجلسة لأداء واجبة أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعى محاسبته نقابيا أو جنائيا يأمر رئيس الجلسة بتحديد مذكرة بما حدث ويحيلها إلى النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك .

كما حظرت المادة 50 القبض على المحامى أو حبسه احتياطياً أو أن ترفع الدعوى الجنائية في جرائم الجلسات المنصوص عليها في المادة 49 السالف بيانها إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه .

ولبس لشخص أو جماعة أو هيئة حتى البرلمان ليجرد المحامين والمحاماة من وصفهم شركاء في تحقيق العدالة والنزول بهم إلى كونهم مجرد أعوان للقضاة ويجعلهم عرضة للقبض عليهم وحبسهم أثناء تأديتهم لرسالتهم وبسببها ، وليس من حق القضاة ولا غيرهم أن ينالوا من حقوق المحامين وحرياتهم التي اكتسبوها.

ويجب على المحامين أن يغضبوا ، بل يجب على المحامين جميعا أن يهبوا جميعا وعلى قلب رجل واحد ليحافظوا على ما أوتوا من حقوق وأن ينتزعوا المزيد من الحقوق التي تكفل لهم أداء رسالتهم السامية وأداء واجبهم نحو وطنهم وشعبهم ، فالمحاماة مهنة حرة ورسالة سامية وجدت لحماية حياة الإنسان وماله وحريته وكرامته وعرضه ، وحماية حقوق الأفراد وحقوق الأمة .

السبت، 3 فبراير 2018

شرط ومشارطة التحكيم وصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية

شرط ومشارطة التحكيم وصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية

المحامي جمال عبد الناصر المسالمة

التحكيم سمة من سمات العصر وثمرة لتطور العلاقات الاقتصادية بين الدول بالرغم من ان التحكيم بمفهومه المطلق قديم قدم المجتمعات الإنسانية وكان العرب يمارسون التحكيم في تعاملاتهم التجارية منذ فجر التاريخ إلا ان تطور فكرة التحكيم جاءت مع النمو الاقتصادي والثورة الصناعية فكان من الضروري خلق نظام قانوني يتواكب مع التطور الحاصل لحل النزاعات التي قد تنشأ بين الفعاليات الاقتصادية بكافة أشكالها بسهولة ويسر دون اللجوء للقضاء العادي وتعقيداته.

وينقسم التحكيم من حيث تنظيمه إلى تحكيم حر وتحكيم مؤسسي وأساس هذه التفرقة يكمن في جود أو عدم وجود مؤسسة تحكيم تتولى تنظيم العملية التحكيمية ابتداءً من تعيين المحكمين ومروراً بإجراءات التحكيم، وانتهاءً بصدور حكم المحكمين وتبليغه لأطراف النزاع، بمعنى ان الاتفاق على إحالة النزاع إلى التحكيم فقط، أو وفق قواعد تحكيم معينة دون الإشارة إلى مؤسسة تحكيمية بعينها، هو اتفاق على تحكيم حر، في حين ان الاتفاق على التحكيم وفق قواعد مركز تحكيم معين أو هيئة معينة، هو تحيكم مؤسسي، ومثاله تحكيم غرفة التجارة الدوليةICC بباريس، وهيئة التحكيم الأمريكية AAA، ومحكمة لندن للتحكيم التجاري الدولي LCIA ومحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSID في واشنطن، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، ومنظمة الملكية الفكرية العالمية WIPO في جنيف، والغرفة العربية للتوفيق والتحكيم بالقاهرة ومركز دبي للتحكيم.

ومن ابرز قواعد التحكيم في المجال الدولي، القواعد التي وضعتها لجنة قانون التجارة الدولية UNCITRAL فبدلاً من قيام أطراف النزاع أو هيئة التحكيم بإعداد أو تحديد قواعد إجرائية لأتباعها في التحكيم، يتم اختيار قواعد UNCITRAL العامة وقد انتشرت هذه القواعد انتشارا واسعا في إطار التحكيم الدولي، حتى ان غالبية مؤسسات التحكيم تبنتها واعتبرتها القواعد الخاصة بها، وقد حذت الدول العربية هذا الحذو من خلال سن قوانين تحكيم خاصة في أغلبها مستمدة من قواعد UNCITRAL ومنها قانون التحكيم المصري والسعودي والإماراتي وحديثا مشروع قانون التحكيم السوري الذي لم يبصر النور بعد وغيرها الكثير.

وقد رأيت ان يكون هذا البحث في شرط ومشارطة التحكيم محاولاً قدر الامكان تخفيف العقبات التي تعترض طريق عملية التحكيم من خلال حسن صياغتهما.

بداية نقف على تعريف الفقه للتحكيم بأنه:

طريقة لحل النزاعات تعتمد على اختيار أطراف النزاع لقضاتهم بدلاً من الاعتماد على التنظيم القضائي وذلك بإعطائهم الحرية في اختيار محكميهم والقانون الناظم لتلك العلاقة من ناحية الموضوع والإجراءات والشروط وبما يتفق مع النظام العام.

وهو بهذا الوصف نظام قضائي من نوع خاص موازي للنظام القضائي العادي يتمتع بالسرعة في حسم النزاعات والاقتصاد في النفقات إضافة إلى السرية ويخدم مصالح الدولة في عدم تكدس القضايا ويساير الأنظمة الدولية الحديثة ويناسب بالتالي فض النزاعات المتعلقة بالأعمال التجارية سواء أكانت داخلية أم بين مؤسسات دولية لان طبيعة العمل التجاري تتطلب المرونة والسرعة والحسم، لذلك نجد ان غالبية العقود التجارية وخاصة على صعيد التجارة الدولية من أهم مكوناتها شرط التحكيم وتكمن أهمية أخرى للتحكيم تتمثل في كونه يساعد بشكل أساسي في انتعاش الحياة التجارية وتشجيع المستثمر الأجنبي على الدخول في استثمارات كبيرة وفى علاقات تجاريه واسعة مع الفعاليات الاقتصادية الوطنية دون الخوف من ضياع الحقوق إذا حدثت منازعة بشان عملية تجارية أو تنفيذ عقد أو تفسيره نتيجة لضعف وتخلف القوانين المحلية و إطالة أمد التقاضي فيتمكن المستثمر من اشتراط القانون واجب التطبيق في حالة حدوث منازعة سواء كان القانون السوري مثلاً أو الأجنبي مستفيداً من كون قوانين التحكيم كافة من القوانين التكميلية التي يجوز الاتفاق على خلاف بنودها.

ويرتكز التحكيم كغيره من العقود الرضائية ان جاز التعبير على أركان يجب توافرها في أطرافه وهي:

الرضى والأهلية الكاملة والسبب والمحل وقد استثنت أغلب التشريعات من التحكيم في نطاق المحل المواضيع التي لا يجوز الصلح فيها والمواضيع التي تتعلق بالنظام العام.

كما ان المحكم يجب ان يتمتع بالأهلية الكاملة فلا يصح ان يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية وإذا كان المحكمون أكثر من واحد فيجب ان يكون عددهم وتراً وهذا الشرط من اجل تأمين الأغلبية في الآراء وهو من متعلقات النظام العام ويجب مراعاته تحت طائلة البطلان ويجب ان يقبل المحكم مهمة التحكيم بالكتابة.

هذه هي الشروط العامة وننتقل عقب ذلك إلى البحث في.

شرط التحكيم ومشارطة التحكيم وما يجب ان يتضمناه من بنود أساسية لصحة صياغتهما بما يتفق مع القواعد الدولية:

شرط التحكيم: Clause Compromiser وهو الشرط الذي يرد كبند في العقد بإحالة المنازعات المستقبلية حول ذلك العقد إلى التحكيم وهذا هو الغالب في الممارسة العملية والعقود الدولية باختلاف أنواعها.

مشارطة التحكيم: Compromise وهي عبارة عن اتفاق تحكيم لاحق على وقوع المنازعة يبرم بشروط خاصة وعقد مستقل ويقوم على تراضي الطرفين.

وقد أعطت قوانين التحكيم الأطراف الحرية في صياغة شرط و مشارطة التحكيم فكان من المستحسن تضمينهما كل ما هو ضروري لتجنب الرجوع للقضاء لأن المبدأ القانون قد نص على ان ما لا ينطق به في العقود يحال بتطبيقه إلى القانون الساري مما ينجم عنه التعقيد وإطالة أمد النزاع، هذا وان القرار الذي سوف يصدره القضاء بخصوص أي خلاف على إجراء معين يكون في أغلب التشريعات قابل للاستئناف كغيره من القرارات القضائية مما يطيل أمد التحكيم ويعرقل إجراءاته
فكان واجباً على رجال القانون العمل على صياغة شرط ومشارطة التحكيم بدقة وروية من خلال مراعاة النقاط التالية:

1- عدم الارتكان عند صياغة شرط أو مشارطة التحكيم بشكل كبير إلى العقود النموذجية في هذا المجال لان هناك شروط خاصة بكل حالة وبكل قانون على حدا يجب إضافتها ومراعاتها في الصياغة.

2- مراعاة قواعد النظام العام (وهي مجموعة القواعد والقوانين الأساسية التي تنظم الجماعة من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية) عند صياغة شرط أو مشارطة التحكيم بما لا يخالفها.

3- اختيار القانون الموضوعي والقانون الإجرائي الذي يحكم عملية التحكيم بدقة متناهية من خلال دراسة طبيعة العقد المبرم بين الأطراف والنشاط الذي ينظمه بالشكل الذي يؤدي لاختيار القواعد الأنسب والأسهل والتي تحقق المنفعة المرجوة من اللجوء للتحكيم هذا مع الإشارة إلى انه ليس من الضرورة دائما التمسك بالقانون الوطني ليحكم النزاع خاصة في مجال المطالبة بالتعويضات في عقود نقل التكنولوجيا والأضرار المادية والجسدية وحالات الوفاة وحالات الإخلال بالبيئة حيث لا تزال اغلب التشريعات العربية في بداية تطورها في هذا المجال.

4- يجب ان تكون شروط تعيين المحكمين وجنسيتهم واضحة وصريحة في شرط أو مشارطة التحكيم بالنسبة لمحكمي الطرفين وطرق اختيار الحكم المرجح وبالتالي يمكن تلافي هذا الأمر من خلال تحديد المدة الزمنية الممنوحة لكل طرف لاختيار محكمه وتحديد الجهة التي ستقوم باختيار المحكم المرجح في حال امتنع أو عارض احد الأطراف في اختياره وهنا نكون قد غطينا هذا الجانب القانوني وهذه الثغرة في شرط أو مشارطة التحكيم وبالتالي تلافينا التأخير في تشكيل الهيئة وهي أهم مرحلة من مراحل التحكيم أما إذا كانت العملية التحكمية في مجملها تخضع للنظام المؤسسي فان نظام المؤسسة يحدد طريقة التعيين والإجراءات والمدد وغيرها مع أمكانية الاتفاق على خلافها وفي نواح معينة يحددها الأطراف.

5- مراعاة شروط حالات الوفاة والتنحي في اختيار البديل وتحديد الجهة التي تختاره والاتفاق على الجهة صاحبة الاختصاص في ردّ المحكم, والتي يقدم لها طلب الرد.

6- يجب مراعاة التفاصيل التي تخلق مشاكل في القانون المختار للتحكيم وفقه وتلافي هذه التفاصيل في شرط أو مشارطة التحكيم من خلال مراجعة نص القانون المراد تطبيقه ومثل ذلك - اختيار مكان المحكمة المختصة التي يلجأ إليها المتعاقدون عند الخلاف - أو القانون الذي يتم اختياره وتطبيقه على إجراء معين.

7- يمكن اختيار قوانين إجرائية مختلفة وتطبيقها على كل حالة منفردة من حالات العقد ويرجع هذا الأمر لإرادة الطرفين.

8- يجب ان تكون صيغة شرط التحكيم واضحة فيما يتعلق بموضوع النزاع وفيما يثور من خلافات في تفسير العقد وما يثور من خلافات أثناء تنفيذه وما يترتب على انهائه أو فسخه من تبعات قانونية وفيما إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح أو تخويلهم القضاء وفق قواعد العدل والانصاف.

9- يجب ضبط طريقة الإبلاغ والعلم في شرط التحكيم بشكل دقيق من حيث الاستلام والتسليم والمكان والوسيلة للتبليغ لانه عند اللجوء إلى تنفيذ شرط التحكيم أو المشارطة ينفذ على العنوان والطريقة المبينة فيهما فيتم على سبيل المثال النص على ان يتم التبليغ في مقر العمل أو محل الإقامة المعتاد أو على عنوان البريد المعروف للأطراف المحدد في شرط أو مشارطة التحكيم وحتى عن طريق البريد الالكتروني.

10- تحديد زمن ومدة بداية وانهاء التحكيم بدقة وتحديد مكان اجراء التحكيم.

11- يمكن تحديد الخصومة التي ينطبق علها شرط التحكيم بدقة واختيار البند من العقد أو الجزء المراد التحكيم بشأنه وتطبيق قانون أو أجراء معين عليه دون ان يشمل شرط أو مشارطة التحكيم العقد كله.

12- في حالة احتمال دخول طرف جديد على العقد عقب إبرامه يجب ان نشير في العقد الأساسي عند إبرامه انه فيما انتهى إليه شرط التحكيم يمتد أثره إلى العقود الممتدة والتي تطرأ عقب العقد الأساسي ويستعمل هذا الشرط كثيراً في عقود المقاولات والانشاءات الهندسية ويجب ان يتم تضمين رقم البند الخاص بالتحكيم في العقد الأساسي ضمن العقد الفرعي حتى نتلافى المشاكل وعرقلة عملية التحكيم وفي العقود الفرعية يكون الالتزام بالإحالة الضمنية بالموافقة على بنود العقد الأساسي وبالانضمام لمجموعة العقد ليتماشى العقد الفرعي مع العقد الأساسي فيما يلزم في تنفيذه.

13- تضمين شرط ومشارطة التحكيم اللغة المعتمدة في التحكيم بما يتناسب مع رغبة الأطراف وظروف النزاع ولغة العقد لتجنب استخدام المترجمين أثناء التحكيم مما يزيد في النفقات ويبطئ الإجراءات ويؤدي لحالات سوء فهم المحكمون للخصوم، وإذا لم يختاروا لغة معينة في التحكيم المؤسسي يعود للمحكمين تحديدها بناء على رأي الطرفين وظروف القضية ولا يمنع ذلك من مراجعة الخصوم باللغة التي يريدونها وتقديم وثيقة بلغة أخرى على ان يتم ترجمتها إلى اللغة المعتمدة في التحكيم.

14- منح هيئة التحكيم الحق باتخاذ الإجراءات الوقتية التي تراها ضرورية, بناء على طلب أحد الأطراف أو منعها من اتخاذ تلك الإجراءات أو تحديد الجهة القضائية التي يتم اللجوء اليها لاتخاذ إجراء معين ومثال ذلك, الحجز الاحتياطي على أموال أحد الطرفين الموجودة تحت يده أو تحت يد شخص ثالث, وتعيين حارس لإدارة المال المتنازع عليه, أو اتخاذ قرار ببيعه لأنه قابل للتلف السريع, أو إيداعه في مخزن تتوفر فيه شروط معينة تناسب طبيعته.



من خلال ما بيناه سابقاً يتضح لنا ان شرط ومشارطة التحكيم هما بالواقع اللبنة الأساسية في المشروع الهادف لإنهاء أي خلاف بواسطة التحكيم ومن خلالهما يمكن ان تتسم تلك العملية بالسهولة والسرعة والاقتصاد بالنفقات وصولاً لقرار عادل أو تتعقد نتيجة للارتكان للقضاء في الفصل في كل أمر خلافي لم يتضمن شرط أو مشارطة التحكيم حل له.

المحامي والمحكم التجاري

جمال عبد الناصر المسالمة

حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري المحامي/احمد طلال عبد الحميد

مقدمــة :
إن حق الدفاع بوجه عام هو من الحقوق المستقرة في معظم دساتير دول العالم والصكوك والمواثيق الدولية وإعلانات حقوق الإنسان باعتباره من الحقوق الشخصية، وحق الإنسان في الدفاع عن نفسه هو حق طبيعي لصيق بالصفة الإنسانية وقد تطور هذا المفهوم وخصوصاً على صعيد القانون الجنائي وأصبح من الركائز المهمة والضمانات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها المتهم للحصول على محاكمة عادلة ويترتب على الإخلال بحق المتهم في الدفاع بطلان الإجراءات المشوبة بإخلال وانتهاك لهذا الحق.
وهذا يدفع الأجهزة المعنية بتطبيق القانون وإنفاذ العدالة باحترام هذا الحق لضمان سلامة إجراءاتها من البطلان، وقد انعكس هذا المبدأ وتطبيقاته على صعيد القانون الإداري وتحديداً في ميدان التأديب الإداري إذ أمسى حق الموظف في الدفاع نفسه من الحقوق الملازمة للموظف المحال إلى التحقيق الإداري وأمسى حق الدفاع أحد ضمانات التحقيق الإداري بوجه خاص وأحد ضمانات الموظف العام السابقة على فرض العقوبة التأديبية بوجه عام وسنحاول دراسة هذا المبدأ في المباحث الآتية :
المبحث الأول : التعريف بحث الدفاع وبيان خصائصه.
المبحث الثاني : نشأة حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري وطبيعته القانونية.
المبحث الثالث : مقومات حق الدفاع.


المبحث الأول
التعريف بحق الدفاع وبيان خصائصه
سنتناول في هذا المبحث التعريف بحق الدفاع في مطلب أول وبيان خصائصه في مطلب ثانٍ.
المطلب الأول
تعريف حق الدفاع
لغرض تعريف حق الدفاع لغةً واصطلاحاً لابد من تحديد معنى الحق لغةً واصطلاحاً ومعنى كلمة الدفاع لغةً واصطلاحاً.
فالحق لغةً : من أسماء الله تعالى أو من صفاته، وهو الأمر المقضي وضد الباطل، العدل، المالك، الملك، الصدق وغيرها من المفردات([1]).
والحق غلبة في الخصومة، وقد وردت كلمة (الحق) في القرآن الكريم في عدة مواضع كقوله تعالى في سورة النساء {وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً} الآية (122) أي ثابتاً واقعاً لا محالة وقوله تعالى في سورة الأنفال الآية (7) {يُحِقَّ الْحَقَّ}، أي يظهر الأمر الثابت وقوله تعالى في سورة يونس الآية (8) {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}،
أي يثبته بحجته([2]) والحق نقيض الباطل وهو يعني الثابت([3]).
أما معنى الحق في الاصطلاح القانوني فإنه يختلف تبعاً للاتجاهات الفقهية التي عرفته، فأصحاب نظرية الإرادة عرفوا الحق بأنه قدرة أو مكنة أو سلطة إرادية يمنحها القانون لشخص ما([4]). أما أصحاب نظرية المصلحة فقد عرفوا الحق بأنه مصلحة يحميها القانون([5]). في حين ذهب جانب من الفقه إلى تعريف الحق بأنه (صلة أو رابطة قانونية واختصاص شخص من الأشخاص على سبيل الاستئثار بمركز قانوني ممتاز)([6]). وعرفه البعض الآخر بأنه (الاستئثار بشيء أو بقيمة يحميه القانون)([7]).
أما كلمة الدفاع فتعني لغةً : كثير الدفع والحماية ودفعه دفعاً : نحاه بقوة وأزاله، ودافع عنه : دفع عنه السوء والأذى وحماه منه، وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} الحج (38) أي يكفيهم شر أعدائهم ويحميهم([8])، والمدافعة : المماطلة والدفع، وسيدٌ غير مُدافَع بفتح الفاء : غير مزاحم، واسْتدَفعَ الله الأسْواءَ : طلب أن يدفعها عنه، وتدافعوا في الحرب : دفع بعضهم بعضاً([9]).
أما تعريف حق الدفاع بالاصطلاح القانوني : فقد أورد الفقه تعريفات كثيرة لحق الدفاع، فقد عرفه البعض بأنه (حق المتهم في محاكمة عادلة مؤسسة على إجراءات مشروعة)([10])، وعرفه الآخرون بأنه (مجموعة من الأنشطة التي يباشرها المتهم بنفسه أو بواسطة محاميه، لتأكيد وجهة نظره بشأن الإدعاء المقام عليه)([11]).
وعرفه جانب آخر من الفقه بأنه (تمكين المتهم من أن يعرض على قاضيه حقيقة ما يراه في الواقعة المسندة إليه، ويستوي أن يكون في هذا الصدد منكراً مقارفته للجريمة المسندة إليه أو معترفاً بها....)([12]).
في حين ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار حقوق الدفاع بأنها مجموعة المكنات المستقاة من طبيعة العلائق البشرية وإن إقرار الشرع لهذه المكنات نابع من رغبته في تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وحرياتهم وبين مصالح الدولة وهذه المكنات متبادلة، فكما هي متاحة للخصم في إثبات إدعاءاته القانونية أمام القضاء دفاعاً عن نفسه فهي متاحة أيضاً أمام الطرف الآخر من الخصومة بالرد كدفاع مضاد وكل هذا يجري في ظل محاكمة عادلة يكفلها القانون([13]).
وعرفه جانب آخر من الفقه بأنه (المكنات المتاحة لكل خصم بعرض طلباته وأسانيدها، والرد على طلبات خصمه وتفنيدها، إثباتاً لحق أو نفياً لتهمة على نحو يمكن المحكمة من بلوغ الحقيقة وحسم النزاع المعروض عليها بعدالة)([14]).
ومما لا شك فيه بأن التعاريف آنفة الذكر تتفق في كون حق الدفاع هو مجموعة المكنات التي خولها النظام القانوني للشخص الذي يكون محل إتهام بصرف النظر عن صفة ذلك الشخص سواء أكان فرداً عادياً أو موظفاً عاماً، هذه المكنات تتيح له الدفاع عن نفسه أما برد الإتهام الموجه إليه وإثبات براءته، أو لإثبات حق غمطه خصمه عليه من خلال تفنيد أسانيده.
ومما تقدم نستطيع أن نعرف حق الدفاع بأنه (مجموعة المكنات التي يقررها النظام القانوني ويباشرها المتهم بنفسه أو بواسطة محاميه للدفاع عن نفسه ورد التهم الموجهة إليه من خلال تفنيد أسانيدها، أو إثبات براءته من خلال إقامة الدليل على نقيضها وصولاً لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة)، ومن هنا كانت أهمية حق الدفاع التي لا تقتصر على منع إدانة المتهم البريء وإنما تكمن في مصلحة المجتمع في عدم معاقبة غير الفاعل الحقيقي، لذا كان حق الدفاع عنصراً مهماً من عناصر المنظومة القضائية ووسيلة يتوسل بها القضاء وصولاً للحقيقة وإحقاق الحق ولهذا نجد أن بعض البلدان حرصت في تشريعاتها على إنشاء أجهزة رسمية تضطلع بمهام الدفاع عن المتهمين أمام القضاء مجاناً للسبب آنف الذكر([15]).
ويذهب جانب من الفقه إلى استجلاء مفهوم حق الدفاع بكونه مجموعة من الضمانات أو الامتيازات التي تضمن لكل إنسان في حالة تعرضه لتهديد في حياته أو شرفه أو ماله أو حريته أو سمعته الوظيفية بسبب ارتكاب جريمة أو مخالفة تأديبية تستوجب العقاب الجنائي أو التأديبي أن يباشر بنفسه أو بواسطة محامي الإجراءات والنشاطات الكفيلة بإثبات براءته ورد التهمة الموجهة إليه([16]).


المطلب الثاني
خصائص حق الدفاع
ومما تقدم نستطيع أن نحصي خصائص وسمات حق الدفاع في النقاط الآتية :
1- إن حق الدفاع : هو حق أساسه مصلحة المتهم في أن يتلقى إجراءات ومحاكمة عادلة ومستقلة ومحايدة بشأن التهمة المسندة إليه وهذا ينسحب على الإجراءات التي تتخذها الإدارة بحق الموظف المخالف قبيل فرض العقوبة التأديبية بحقه إذ يجب أن يخضع الموظف لإجراءات محايدة ومستقلة وعادلة تضمن للموظف الدفاع عن نفسه أمام هيئة التحقيق أو المحاكمة التأديبية، فإذا كانت الإدارة صاحبة المصلحة في ضمان سير المرافق العامة بإطراد واستمرار تحقيقاً للمصلحة العامة من خلال إيقاع العقاب التأديبي على الموظف العام عند اقترافه فعل يبرر مجازاته تأديبياً فإن للموظف في الجانب الأخر مصلحة في أن يتم إتخاذ الإجراءات القانونية التي نص عليها القانون بصورة محايدة ومستقلة وعادلة من خلال تمكين الموظف محل الاتهام أو المجازاة في الدفاع عن نفسه ورد الإتهام التأديبي الموجه له وخصوصاً عندما نعلم أن الإدارة هي الطرف الأقوى في العلاقة التنظيمية التي تربط بين الموظف والدولة ولما تتمتع به الإدارة من سطوة ومكنة بموجب مركزها المتميز عن مركز الموظفين باعتبارها هي من تضع القواعد واللوائح والتعليمات وهي المسؤولة عن تحديد المخالفات ومسؤولة عن الإتهام وإيقاع الجزاء التأديبي في العديد من أنظمة التأديب في العالم، وهذا يقتضي تمكين الموظف من مباشرة كافة الأنشطة الإجرائية لضمان تحقيق هذا الدفاع سواء في مرحلة التحقيق الإداري أو في مرحلة المحاكمة التأديبية وهذا يستوجب توفير ضمانات سابقة ومعاصرة ولاحقة على فرض العقوبة التأديبية بحقه كإجراء التحقيق الإداري وتوجيه الإتهام من الجهة المختصة بذلك وإعلام الموظف بالمخالفة المنسوبة إليه وحقه في الإطلاع على الملف التأديبي، وحقه في توكيل محامٍ للدفاع عنه وحقه في التظلم والطعن وغيرها من الضمانات التي تعتبر من مقومات حق الدفاع في مجال التأديب الإداري وهذا ما سيتم تناوله بشيء من التفصيل في المبحث الثالث.
ونتيجة لما تقدم فإن الإخلال بهذه الضمانات ومكنات الدفاع تشكل عدوان على حق الموظف في إجراءات ومحاكمة تأديبية عادلة.
2- إن حق الدفاع : هو حق طبيعي لصيق بالإنسان سواء كان فرداً عادياً
أو موظفاً حكومياً وإن الدولة تقره وتنظمه وتحميه لا توجده هي
أو تمنحه للآخرين، فحق الدفاع هو من الحقوق الفطرية الذي يولد مع ولادة الإنسان، وحيث أن الأفراد متساوون في التمتع بالحقوق فإن ذلك
يقتضي المساواة في التمتع بهذا الحق، ويقع على عاتق الدولة حماية
هذه الحقوق وفي ذلك يقول جون لوك (Joon Locke) في كتابه الحكومة المدنية (Treatires on civil Government) (إن الناس يعملون في هذا الكون الذي صنعه الخالق وأتى بهم إليه بمشيئته وهو مالكهم الذي يوجههم كيفما يشاء ورائدهم فيما يفعلونه، ولذا فهم يجتمعون ويتقاسمون ما تمنحه لهم الطبيعة)([17]).
ومن هنا وجد مبدأ (المشروعية)، ومقتضى هذا المبدأ هو أن تتوافق تصرفات الهيئات العامة في الدولة مع قواعد القانون الوضعي، والمقصود بالقانون هنا هو القانون بمعناه الواسع شاملاً لأغلب القواعد متى ما كانت عامة ومجردة وأياً كان مصدرها دستورياً أو تشريعياً أو عرفياً أو قضائياً، وهذا المبدأ أمسى يمثل في الوقت الحاضر الضمانة الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته بما في ذلك حق الإنسان في الدفاع عن نفسه([18])، ويترتب على كون حق الدفاع من الحقوق اللصيقة بالإنسان عدم قابلية هذا الحق للانتقاص إذ أن أي انتقاص في هذا الحق يشكل خرقاً لمبدأ المشروعية.
3- إن حق الدفاع : حق شخصي عام ومقتضى هذه المزية أن حق الدفاع وإن كان يستهدف حماية مصلحة (المتهم) أو الموظف المخالف من خلال تمكينه من استيفاء كافة ضمانات الدفاع بالشكل الذي يضمن تحقيقه إلاّ أنه في ذات الوقت يستهدف تحقيق مصلحة المجتمع وهي مصلحة عامة تتمثل في كشف الحقيقة وضمان إيقاع العقاب الاجتماعي بحق الفاعل، وضمان استمرار سير المرافق العامة بانتظام واستمرار وهي غاية الإدارة في فرض الجزاء التأديبي.
وقد تصدى جانب من الفقه لفكرة الحقوق الشخصية كعلاقة قانونية تربط بين الأفراد والدولة باعتبار أن الدولة صاحبه حق ذاتي في السيادة وهذا يمنحها السلطة لتفعل ما تريد، وبالتالي يرى هذا الفقه أن من غير المعقول أن يكون القانون الذي هو من صنيع الدولة مصدراً لالتزام الدولة قبل الأفراد الذين تمارس عليهم تحكماً يصل إلى درجة السحق([19])، والحقيقة أن هذا الاتجاه يمكن الرد عليه (بمبدأ المشروعية) ذاته الذي سبق الإشارة إليه، فالدولة وإن كانت هي من وضعت القوانين إلاّ أن تصرفاتها يجب أن تكون محكومة بالقوانين التي تضعها، فالقانون يرتب الحقوق والالتزامات المتبادلة بين طرفي العلاقة التي ينظمها القانون (الدولة والأفراد)، ولا مناص أمام الدولة إلا أن تحترم الحقوق التي تقررها القوانين للأفراد طالما هي لا تخلق هذه الحقوق وإنما تقررها وتحميها وإن مقتضيات المصلحة العامة تستوجب حماية هذا الحق ويترتب على خرق هذا الحق أو الإخلال به بطلان الإجراءات، فالدولة ترتب الحقوق والواجبات للموظف العام كما تحدد الجزاءات التأديبية لإخلال الموظف بواجباته مما يقتضي وفقاً للعلاقة الثنائية المتبادلة بين الدولة والموظف أحترام الدولة للحقوق التي أقرتها له وبضمنها حق الدفاع وضمانات تحقيقه سواء في مرحلة التحقيق الإداري أو في مرحلة المحاكمة التأديبية وفي مرحلة ما بعد صدور القرار بفرض الجزاء التأديبي بحقه، وإن مفترضات هذا الحق وموجباته تشكل التزاماً واقعا على كاهل الدولة لا يمكنها خرقه أو انتهاكه وإلاّ كانت منتهكة لمبدأ المشروعية.
4- إن حق الدفاع : حق يستهدف تحقيق العدالة، إن تمتع الموظف بالضمانات الكافية لتحقيق دفاعه اتجاه الاتهامات الموجهة له من قبل الإدارة بصورة متوازنة وفعالة لهو كفيل بتحقيق العدالة، فإتاحة الفرصة للموظف للدفاع عن نفسه هو حق له وهو الطرف الذي يقع على نقيضه التزام الإدارة بحماية هذا الحق بمعنى آخر أن حق الدفاع يحقق التوازن في الرابطة الإجرائية التي تعطي للإدارة الحق في توجيه الإتهام وفرض العقوبة التأديبية على الموظف وبين حق الموظف في رد التهم الموجهة إليه بما يضمن تحقيق فكرة العدالة بمعناها العام([20]).
ولقد أكدت الشريعة الإسلامية الغراء على مبدأ العدالة وإحقاق الحق بين المتخاصمين، وإن من أهم المبادئ المقررة لتحقيق العدالة هو تخويل المتهم الحق في الدفاع عن نفسه أما بنفسه أو بواسطة وكيله ونجد مشروعية حق الإنسان في الدفاع عن نفسه واردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إذ يقول سبحانه وتعالى مؤكداً مبدأ العدالة {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}([21])، وقوله تعالى {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}([22])، وقوله تعالى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}([23]).
أما في السنة النبوية فقد روي عن علي (رضي الله عنه) انه قال : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قاضياً فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟، فقال : إن الله يهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلسَ بَيَن يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء([24])، وهذه الرواية تدل على وجوب سماع الطرف الأخر قبل إصدار الأحكام وهو أساس حق المتهم في الدفاع عن نفسه بنفسه وذلك من خلال إدلائه بأقواله ودفع التهمة عنه ويترتب على إهمال هذا الحق –أي حق الدفاع- بطلان كافة الإجراءات المتخذة إذ أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد نهى عن إصدار الأحكام قبل سماع أقوال الخصم الثاني ولأن الأصل في النهي يفيد فساد المنهي عنه.
5- حق الدفاع ذو صفة عالمية : إن حق الدفاع يتسم بنزعته العالمية حيث كفلت المواثيق والصكوك الدولية حق الدفاع بوجه عام إذ نصَ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في (10/كانون الأول/ 1948) على الحق المذكور في الفقرة (1) من المادة (11) فيه والتي جاء فيها (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه).
كذلك نصت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان أو ما تسمى باتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوربا الصادرة في (4/نوفمبر/1950) على حق الدفاع في المادة (6) الفقرة (3) فيها حيث جاء فيها (لكل شخص متهم في جريمة الحقوق الآتية :
 أ- إخطاره فوراً وبلغة يفهمها بالتفصيل بطبيعة الإتهام الموجه ضده وسببه.
ب- منحه الوقت الكافي والتسهيلات المناسبة لإعداد دفاعه.
ج- تقديم الدفاع بنفسه أو بمساعدة محام يختاره هو، وإذا لم تكن لديه إمكانيات كافية لدفع تكاليف هذه المساعدة القانونية يجب توفيرها له مجاناً كلما تطلبت العدالة ذلك.
د- توجيه الأسئلة لشهود الإثبات وتمكينه من استدعاء شهود نفي وتوجيه الأسئلة إليهم في ظل ذات القواعد كشهود الإثبات.
هـ- مساعدته بمترجم مجاناً إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستعملة في المحكمة).
كذلك كفل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام (1966) الكثير من الضمانات التي تكفل حماية حق الدفاع ومن هذه الضمانات حق المتهم في حضور الإجراءات المتخذة بحقه والدفاع عن نفسه أصالةً أو بالاستعانة بمحام يختاره وألزم العهد المحكمة المختصة بتنبيه المتهم إلى هذا الحق – أي حق الاستعانة بمدافع أو محامٍ- وإذا تعذر على المتهم تأمين محام للدفاع عنه فتكون المحكمة ملزمة بتوفير محامٍ له دون أن يكون مكلفاً بدفع أجوره إذا كان لا يملك دفع هذه الأجرة وهذا ما أشار إليه العهد صراحة في المادة (14/3/د)، وكذلك منع العهد إكراه أي أحد على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب وهذا ما نص عليه في المادة (14/3/ز)، كما يجوز لكل متهم أثناء محاكمته أن يناقش الإتهام بنفسه أو بواسطة محاميه وأن يفسح له المجال للاستعانة بشهود النفي
(م 14/3/هـ).
وأيضاً فعل الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي كفل لكل شخص الحق في الدفاع بما في ذلك الحق في اختياره مدافع عنه (م 7/1).
أما مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي فقد نصَ على وجوب توافر الضمانات اللازمة للمتهم للدفاع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام يختاره في محاكمة علنية وعلى المحكمة أن تزوده بمحام في حالة عجزه عن ذلك (م 5/3).
أما الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عام (1969) فقد توسعت في تحديد مفهوم الحق في الدفاع وتحديد حالات الإخلال بهذا الحق ومن أهم المبادئ التي جاءت بها هذه الاتفاقية هي :
 أ- إخطار المتهم مسبقاً وبالتفصيل بالتهم الموجهة إليه (م 8/2/ ب).
ب- الحق في الحصول على الوقت الكافي والوسائل المناسبة لإعداد دفاعه (م 8/2/ج).
ج- الحق في الدفاع عن نفسه شخصياً أو بواسطة محام يختاره بنفسه وحقه في الاتصال بمحاميه بحرية وسراً (م 8/2/ د).
د- الحق في وجوب قيام الدولة بتوفير محامٍ له إذا لم يدافع عن نفسه أو إذا لم يحضر محاميه (م 8/2/هـ).
هـ- حق الدفاع في استجواب الشهود الموجودين في المحكمة واستحضار الشهود والخبراء وغيرهم (م 8/2/ و).
و- حق المتهم في أن لا يجبر أن يكون شاهداً ضد نفسه (م 8/ 2/ ز).
ز- عدم جواز إكراه المتهم على الاعتراف (م 8/ 3).
كما تضمنت الكثير من الضمانات الإجرائية والموضوعية الضرورية لحماية المتهم من حين القبض على المتهم في مرحلة التحقيق الأولي أو الابتدائي، أو ما يسمى – بمرحلة الاستدلال - ولحين المحاكمة لا مجال لذكرها في هذا المبحث.
أما على صعيد المؤتمرات الدولية فنلاحظ أن مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين السابع المنعقد في (ميلانو عام 1985) فقد أكد على ضرورة توفير الحماية اللازمة للمحامين من قبل الدول الأعضاء أثناء أدائهم لواجباتهم الدفاعية عن المتهمين بالشكل الذي يمنع من ممارسة الضغوط عليهم في أداء هذه المهام أو فرض القيود التي لا مبرر لها والتي تعيق قيامهم بهذه المهمة المقدسة.
أما مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الثامن المعقود في (هافانا – وكوبا عام 1990) فقد أقر جملة من المبادئ المهمة التي تكفل حق الدفاع، حيث أقر الحق لكل شخص في طلب المساعدة من محام يختاره لحماية حقوقه والدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية وألزم وجوب استجابة الدول لتوفير محام للمتهمين وتوفير التخصيصات المالية له، وتتيح الاستعانة بالمحامين لغرض الدفاع على كافة المتهمين المتواجدين على أراضيها دون تمييز بما في ذلك توفير الخدمات القانونية للفقراء والمحرومين والعاجزين عن دفع تكاليف الاستعانة بمحامٍ للدفاع عنهم، كما كفل حق الأشخاص في الحصول على المشورة القانونية بالسرعة اللازمة وبدون إبطاء والمساعدة في توكيل المحامي الذي يختارونه وإفساح المجال للمحامي في زيارة موكله والتكلم معه وإمداده بالاستشارة القانونية دون مراقبة وبسرية كاملة.
وقد أكدت على هذه المضامين التي سبق ذكرها الكثير من المؤتمرات العالمية كمؤتمر (باجيو وسانتياكو) ومؤتمر (أثينا لسنة 1955)([25]).
مما تقدم نلاحظ أن حق الدفاع بسبب طبيعته الفطرية اللصيقة بالإنسان أمسى مبدأ عالمياً اعتمدته مواثيق حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام (1948) والكثير من المؤتمرات الدولية كما سبق وأن فصلنا([26]).
6- حق الدفاع حق دستوري : سبق وأن بينا بأن حق الدفاع هو من المبادئ العالمية المعتمدة كضمان من ضمانات المتهم اتجاه الإجراءات المتخذة ضده على المستوى الجنائي حيث أمسى حق الدفاع مبدأ مسلماً به لا مجال للحيدة عنه ويترتب على إغفاله الإخلال بحق المتهم بالدفاع عن نفسه وبطلان كافة هذه الإجراءات وقد انعكس هذا المبدأ جلياً على التشريعات الدستورية حيث أن غالبية الدساتير الحديثة قد نصت على حق المتهم في الدفاع والحق في محاكمة عادلة وبإجراءات قانونية متخذة بحقه على قدم المساواة مع الآخرين (المساواة في الخصومة) ودون الإخلال بأي ضمان من الضمانات التي يكفلها حق الدفاع ونحن بهذا الصدد لن نحصي عدد الدساتير التي نصت أو أوردت هذا الحق ضمن نصوصها وإنما نورد بعض النصوص على سبيل المثال لا الحصر إذ نستطيع القول بأنه لا يوجد دستور من دساتير العالم خالٍ من النص على هذا المبدأ سواء ورد النص عليه صراحةً أم ضمناً، إذ أن مبدأ الدفاع يقتضي المساواة بين الخصوم حتى لو كانت الإدارة أحدهم وهذا لايمكن تحقيقه إلاّ من خلال إجراءات محايدة تضمن هذه المساواة وصولاً لتحقيق مفهوم العدالة باعتبارها خدمة عامة تكفل للمواطنين المعاملة على قدم المساواة وخصوصاً إذا ما كانت الإدارة طرفاً في هذه الخصومة لما تتمتع به الإدارة من امتيازات مقررة لها بموجب القانون يجعلها في موقع يعلو على موقع الموظف مما يخل بموازين الخصومة التي تنشأ بين الطرفين.
وعود على بدء، نقول أن غالبية الدساتير قد كفلت حق الدفاع كالدستور المصري والكويتي والفرنسي والعراقي حيث نصت الفقرة (رابعاً) من المادة (19) من دستور جمهرية العراق لسنة (2005) على أن (حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة)، وكذلك نصت الفقرة (سادساً) من نفس المادة على أن (لكل فرد أن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية).
أما الدستور المصري فقد نص في المادة (69) منه على أن (حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ويكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم).
7- إن حق الدفاع هو مبدأ قانوني عام : وهو مبدأ واجب التطبيق حتى وإن لم يتم النص عليه، وإن عدم أحترام حق الدفاع يشكل خرقاً للمشروعية الإدارية التي تكون ملزمة للإدارة ويجب عليها مراعاتها في جميع قراراتها بما في ذلك، القرارات الصادرة بفرض العقوبات التأديبية وسنرى لاحقاً كيف استطاع مجلس الدولة الفرنسي من استجلاء هذا المبدأ من النصوص الجزئية المتناثرة في القوانين كنص المادة (65) الواردة في القانون رقم (12/نيسان/1905) واعتبار هذه النصوص كاشفة لحق الدفاع لا منشئة له ويبرز ذلك من الأحكام الصادرة من مجلس الدولة الفرنسي ومفوضي الحكومة([27]).
8- إن حق الدفاع هو حق يتسم بالعمومية والدوام : فبالنسبة لصفة العمومية فهي ترجع إلى الدور التاريخي الذي لعبه مجلس الدولة الفرنسي في استخلاص هذا المبدأ من النصوص التطبيقية التي كشفت عن المبدأ المذكور في نطاق المسؤولية التأديبية للموظف العام، فما استخلصه مجلس الدولة من نصوص جزئية لمعالجة حالة مطروحة أمامه، لا تقتصر على معالجة هذه الحالة وإنما تتعداها لتشمل تطبيقات أعم وأوسع من هذه النصوص الجزئية ولحالات جديدة لا تدخل في نطاق هذه النصوص الكاشفة لحق الدفاع وهذا بدوره يتطلب أن يكون المبدأ مستقراً عبر الزمن وقابلاً للتطبيق من الناحية الزمنية بغض النظر عن التقلبات السياسية والاقتصادية والقانونية التي قد تعصف في خلفيات المبادئ القانونية ومنها مبدأ حق الدفاع وهذا يعطي للمبدأ صفة الدوام والاستقرار وخير مثال على ذلك ما جرى في فرنسا إبان صدور قرارات التطهير الإداري التي لم تعطِ للموظف الضمانات الجدية الأساسية بما يضمن احترام حق الدفاع حيث انبرى مجلس الدولة الفرنسي للإعلان صراحة ومن خلال سلسلة من الأحكام الصادرة عنه بوجوب احترام الإجراءات الخاصة بالتطهير الإداري لحق الدفاع وكانت ضمانات في دور التحقيق ومقومات كحق الموظف في المواجهة والإطلاع على التهمة الموجهة، والإطلاع على الملف التأديبي والاستعانة بمدافع (محامي)... الخ من الضمانات.
9- إن حق الدفاع يمكن أن ترد عليه الاستثناءات : سبق وأن بينا أن حق الدفاع من المبادئ القانونية العامة ويتصف بالعمومية والدوام والاستقرار إلاّ أن ذلك لا يمنع من أن يرد على هذا المبدأ استثناءاً، وهذا الاستثناء قد يرد بموجب نصوص قانونية أو بسبب اجتهاد قضائي ومن الأمثلة على الاستثناء بموجب نص قانوني هو ما ورد في المادة (8) من المرسوم (28/نوفمبر/1983) التي أشارت إلى عدم جواز إصدار القرارات الإدارية الواجب تسببها طبقاً لقانون (11/Juillet/1979) إلاّ بعد إخطار صاحب العلاقة لتقديم ملاحظاته باستثناء حالة الاستعجال والظروف الاستثنائية، وكذلك ضرورات النظام العام وسير العلاقات الدولية، حيث صدرت في فرنسا أبان الحرب العالمية الأولى والثانية مراسيم تنظم تأديب الموظفين دون ضمان حق الدفاع وإن مجلس الدولة الفرنسي قد أقر شرعية هذه المراسيم بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها فرنسا إلاّ أن هذه الاستثناءات مؤقتة وغير دائمة تزول بزوال سبب صدور مثل هذه المراسيم وبالفعل تم إعادة ضمانات الموظف التأديبية بموجب المرسوم الصادر بالأمر (19/تشرين أول/1945).
وكذلك من الأمثلة على الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ هو قانون التطهير الإداري في لبنان رقم (54/65) الصادر في (12/1/ 1965) الذي تضمن أحكاماً تتعلق بإنهاء علاقة الموظفين وصرفهم أو إحالتهم على التقاعد وملئ المراكز الوظيفية التي شغرت بسبب هذا الإجراء مع إنشاء مجلس تأديبي عام للموظفين مع تضمن المادة (11) من هذا القانون حكماً يقضي بمنع الموظفين بمراجعة أي طريقة من طرق الطعن بما في ذلك الطعن بسبب تجاوز حد السلطة أمام مجلس شورى الدولة اللبناني وهذا النص يشكل خرقاً لحق التقاضي والدفاع في آن واحد.
أما الاستثناءات الواردة بموجب الاجتهادات القضائية منها ما يتعلق بالضبط الإداري وتدابير الشرطة أو التدابير التي تفرضها السلطات العامة ويكون لهذه التدابير طبيعة زجرية أو تأديبية قد تلحق بالموظف أو الأفراد الضرر كالإجراءات المتعلقة بالمحافظة على الصحة العامة والأمن العام والسلامة العامة والحقيقة نرى أن مثل هذه الإجراءات هي ذات طبيعة وقائية وليست تأديبية وبالتالي لا مجال للتذرع باحترام حق الدفاع كما أن مثل هذه الإجراءات تتخذ من السلطة العامة ليس بقصد الإضرار بالموظف أو بفرد معين وإنما أتخذت هذه الإجراءات لمبررات المصلحة العامة أو الأمن العام أوالأداب العامة وهذا هو اتجاه مجلس الدولة الفرنسي حيث يذهب في أحد أحكامه الصادرة إلى (أن التدابير التي تتخذها الإدارة في نطاق الضابطة الإدارية في المحافظة على الصحة العامة والسلامة العامة أو ما شابههما لا تعتبر من عداد العقوبات ولا تستوجب بالتالي تطبيق مبدأ حق الدفاع) إذ غالباً ما تكون إجراءات الشرطة وقائية سابقة بينما تكون الإجراءات التأديبية أو الزجرية الماسة بالموظف لاحقة لوقوع المخالفة التأديبية الهدف منها محاسبة فاعلها على اقتراف مثل هذه المخالفة إلاّ أن هذا لا يمنع من التداخل بين هذه الإجراءات عندما تنحرف عن هدفها وهو تحقق المصلحة العامة لتعاقب فرداً أو موظفاً بداعي تحقيق المصلحة العامة([28]).
إلا أنه يجب عدم إنكار دور مجلس الدولة الفرنسي في التضييق من نطاق الاستثناءات الواردة على مبدأ أحترام حق الدفاع حيث ركن مجلس الدولة الفرنسي إلى إعمال حق الدفاع في حالة الموظفين المضربين عن العمل، فبعد أن كان الاتجاه السائد للمجلس يذهب إلى اعتبار الموظف المضرب قد وضع نفسه خارج نطاق النظام أو اللائحة التي تنظم علاقته بالوظيفة، وبالتالي يكون خارجاً عن القانون وهذا لا يسمح له بالتمسك بحق الدفاع الممنوح للموظف الذي يقع مركزه داخل الإطار التنظيمي والذي تم تجاوزه بالإضراب وبعد صدور دستور (1946) الذي اعتبر الإضراب حقا دستوريا أخذ مجلس الدولة الفرنسي يأخذ منحى آخر في أعمال هذا المبدأ والسماح للموظفين المضربين بالتذرع به بعد أن أصبح الإضراب حقاً دستورياً في ضوء القيود التشريعية التي تنظمه في حين أن قانون العقوبات اللبناني والمصري أعتبر الإضراب عن العمل جريمة([29]).


المبحث الثاني
نشأة حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري
وطبيعته القانونية
سنتناول في هذا المبحث نشأة حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري في مطلب أول وسنبحث في طبيعة هذا الحق في مطلبٍ ثانٍ.

المطلب الأول
نشأة حق الدفاع وتطوره في نطاق التأديب الإداري
إن تبلور حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري هو أمرمرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضاء الإداري الذي من أهم سماته هو كونه قضاءاً حديث النشأة وكونه قضاءاً إنشائياً، وإن البحث في نشأة أو ظهور حق الدفاع على مستوى التأديب يجرنا إلى البحث عن مصدر وجوده وهو القضاء الإداري الذي رسخ هذا المبدأ في مجال التأديب الإداري، فحق الدفاع كما بينا سابقاً هو حق فطري وجد مع وجود الخليقة الإنسانية وتطور مع تطور المجتمعات الإنسانية والأنظمة القانونية وخصوصاً في نطاق القانون الجنائي لارتباط فكرة الدفاع مع فكرة الإتهام وأمسى حق الدفاع ضمانة لازمة لا غنى عنها لوصف الإجراءات الجنائية سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة بأنها مطابقة للوصف أو الشكل القانوني المطلوب ليتسنى خلع وصف الشرعية على هذه الإجراءات، وهذا طبعاً انعكس جلياً على المنازعات التي بدأ القضاء الإداري بنظرها مما دفعه إلى خلق وإيجاد مبادئ عامة واجبة التطبيق وإن لم ينص عليها القانون الإداري كحق الدفاع، ومن هنا بدأ يتبلور هذا المبدأ ويسري للظهور كضمانة أساسية من ضمانات الموظف العام اتجاه إجراءات الإدارة، فالقضاء الإداري لم يخلق أو يبتدع هذا الحق – أي حق الدفاع - من العدم لأنه حق موجود، بل يقرن البعض من أنصار مذهب القانون الطبيعي وجود هذا الحق مع وجود الإنسان إلاّ أن القضاء الإداري قد أخذ يعكس هذا المبدأ في تطبيقات ومنازعات القضاء الإداري ومنها ما يتعلق بتأديب الموظفين.
إذ بسبب حداثة نشأة القانون الإداري نسبياً لم تتكامل نصوصه بشكل يسمح بمعالجة مختلف الوقائع، وهذا دفع القضاء الإداري إلى لعبِ دورا مهما في بناء صرح المشروعية الإدارية من خلال إنشاء نظرية (المبادئ العامة للقانون) لتكون مصدراً مهماً ومستقلاً عن القانون بالشكل الذي يضمن التصدي للإدارة وما تتمتع به من امتيازات ومن بين هذه المبادئ مبدأ أحترام حق الدفاع، وقد كان لمجلس الدولة الفرنسي اليد الطولى في تثبيت دعائم هذا المبدأ مبرراً ذلك بأنه إذا كان للإدارة سلطة إتخاذ القرارات والتدابير بإرادتها المنفردة لتحقيق المصلحة العامة دون أن تكون ملزمة بإطلاع الأفراد أو الموظفين على القرارات المتعلقة بهم إلا أن هذه السلطة غير مطلقة من كل قيد لأن إطلاقها سيؤدي إلى تعسف الإدارة وتجاوزها لحدود سلطاتها وبذلك يتوجب على الإدارة إذا ما قررت إتخاذ قرارات أو تدابير تمس بالمركر الوظيفي أو المالي للموظف أن تطلعه على هذه الإجراءات وبيان ماهية الأفعال المنسوبة إليه وإفساح المجال له للدفاع عن نفسه تحجيماً من سطوة الإدارة التي قد يصل إلى حد الاستبداد.
فاستطاع مجلس الدولة الفرنسي من خلال دوره الإنشائي الخلاق من ترسيخ مبدأ الدفاع وكما أسلفنا أن حق الدفاع لم يوجده مجلس الدولة من العدم وإنما قد استوحاه ووضعه من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي لسنة (1789) ومقدمة دساتير الجمهورية الفرنسية لسنة (1958 و1946) إضافة لذلك فإن إقرار هذا المبدأ قد جاء استجابة لمتطلبات العدالة والإنصاف وتطور مفهوم الوظيفة العامة وضرورة إيجاد الموازنة بين ضمانات الموظف العام وسلطات الإدارة.
وقد أصر مجلس الدولة الفرنسي على تطبيق هذا المبدأ بالرغم من عدم وجود نص مكتوب في نطاق القانون الإداري منطلقاً بذلك من القوة الذاتية للمبادئ العامة للقانون التي لا تحتاج إلى نص للتطبيق طالما أن الهدف من وراء تطبيقه هو احترام مبدأ المشروعية ومن هنا أصبح من المسلم به أن القضاء الإداري مصدر رسمي من مصادر القانون الإداري، فاعتمد مجلس الدولة الفرنسي أسلوب التعميم ابتداءً من نصوص جزئية مبعثرة في ثنايا التشريعات في استخلاص مبدأ حق الدفاع والتي توجب أحترام حق الموظف في جوانب معينة وحقه في تقديم دفاعه قبل توقيع الجزاء التأديبي بحقه([30]).

المطلب الثاني
الطبيعة القانونية لحق الدفاع
            لقد وسع القضاء الإداري من نطاق وظيفته الرقابية على الإدارة من خلال ابتداع نظرية المبادئ العامة التي بمقتضاها أخضع كل قرار أو لائحة تصدر من الإدارة بشكل مستقل لا يخضع للقانون إلى المبادئ العامة التي لا يجوز للقرارات الإدارية واللوائح مخالفتها بما في ذلك القرارات الإدارية الصادرة بفرض العقوبات التأديبية بحق الموظفين، فقد استطاع القضاء الإداري من احتواء النقص في النصوص التشريعية التأديبية التي أغفلت النص صراحة على حق الدفاع من خلال اجتهاد هذا القضاء في اعتبار حق الدفاع مبدأ قانونياً عاماً يحمل نفس الخصائص التي تتميز بها المبادئ العامة، إن حق الدفاع باعتباره من المبادئ القانونية العامة لم يكن يثير مشكلة على صعيد الفقه والقضاء الإداري في فرنسا قبل صدور الدستور الفرنسي الحالي لعام (1958) حيث كان الرأي السائد بأن حق الدفاع كمبدأ قانوني عام له قيمة التشريع العادي الوضعي، إلا أن الاتجاهات الفقهية بعد صدور الدستور الفرنسي أخذت منحاً أخراً وسنحاول إيجاز هذه الاتجاهات في يأتي :
أولاً : الاتجاه الفقهي الذي يضفي على مبدأ حق الدفاع القيمة الدستورية :
ويذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن مبدأ الدفاع باعتباره من المبادئ العامة يتمتع بالقيمة الدستورية وهذا هو اتجاه فقهاء القانون العام ومفوضي الحكومة الفرنسية ابتداءً من عام (1958) مستندين في ذلك إلى أن إضفاء القيمة الدستورية لهذا المبدأ ضرورة لرقابة اللوائح المستقلة التي نص عليها الدستور الفرنسي في المادة (37) لضمان رقابة موضوعية وفعالة من مجلس الدولة على هذه اللوائح وهذا لا يتحقق طالما أن المبادئ العامة للقانون لا زالت في مستوى التشريع العادي مما دفع جانب من الفقه إلى الارتقاء بالمبادئ العامة إلى قمة هرم القاعدة القانونية (القواعد الدستورية) وهذا يكفل تحقيق الرقابة القضائية الفعالة على اللوائح المستقلة والقرارات بقانون، التي نصت عليها المادة (38) من الدستور الفرنسي لعام (1958) التي تجيز للحكومة إصدار القوانين بقرارات على شكل مراسيم بموافقة من رئيس الجمهورية بناءً على تفويض تشريعي من البرلمان.
وبعد دستور عام (1958) وابتداءً من عام (1971) أعلن المجلس الدستوري القيمة الدستورية للمبادئ العامة للقانون وبضمها مبدأ حق الدفاع في عدة أحكام بما في ذلك حكمه الصادر في (23/ يناير/ 1987) الذي أعلن فيه القيمة الدستورية لمبدأ حق الدفاع، وهو مبدأ من المبادئ الأساسية الذي تقره الجمهورية الفرنسية وهو يتمتع بالقيمة الدستورية.

ثانياً : الاتجاه الفقهي الذي يضفي على مبدأ حق الدفاع قيمة التشريع العادي :
ويتنازع في هذا الاتجاه فريقان،  الأول: يذهب إلى تأكيد القيمة التشريعية لجميع المبادئ القانونية العامة، في حين يذهب الفريق الثاني الذي تزعمه الفقهاء (Vedel) و(Rivero) و(Morange) إلى التمييز بين نوعين من المبادئ القانونية العامة ، مجموعة ذات قيمة دستورية بالاستناد إلى مصدرها الدستوري،  ومجموعة ذات قيمة تشريعية تنزل منزلة القانون العادي كونها لا تجد أساسا لها في مقدمة الدستور وإعلان حقوق الإنسان الفرنسي . ويدخل ضمن هذه المجموعة من المبادئ العامة مبدأ أحترام حقوق الدفاع لعدم وجود نص دستوري صريحا محددا كأساس يستند له لإضفاء القيمة الدستورية عليه . وقد أيد الرأي الأخير فئة من مفوضي الحكومة الفرنسية التي لا زالت تنادي بالقيمة التشريعية لمبدأ حق الدفاع([31]) مستندين في ذلك إلى أحكام مجلس الدولة الفرنسي الذي يؤكد القيمة التشريعية للمبادئ العامة للقانون. صحيح أن الأحكام التي كانت تصدر تكتفي بالقول في معرض تطبيقها للمبادئ العامة بأنها مبادئ واجبة التطبيق دون تحديد القيمة القانونية لهذه المبادئ ومنزلتها من حيث التدرج القانوني فيما إذا كانت ترقى لمستوى القاعدة الدستورية أم هي في مستوى التشريع العادي، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي أكد القيمة التشريعية للمبادئ في حكمه الصادر في قضية
(Forets chênes - Lièges Syndicat despropriétaires) إذ يقرر صراحة بعد استخلاص وإنشاء المبدأ العام أن من حق المشرع وحده أن يضيق أو يوسع من نطاقه وطالما هي كذلك فإن ذلك يعني أن لهذه المبادئ قيمة التشريع العادي.
أما الأستاذ (Chapus) فهو فضلاً عن رفضه القيمة الدستورية للمبادئ العامة فهو يذهب إلى وضع هذه المبادئ ومنها حق الدفاع في منزلة وسطى ما بين التشريع العادي واللائحة، فالمبادئ العامة في منظوره تنزل منزلة أدنى من منزلة التشريع البرلماني وبمنزلة أسمى من (اللائحة)، ويرى أن تحديد قيمة القاعدة القانونية تكون تبعاً لقيمة السلطة التي أوجدتها، فالقاضي الإداري يخضع للقانون وهو يراقب اللوائح وبذلك تكون المبادئ القانونية العامة التي يصدرها مجلس الدولة الفرنسي ذات قيمة معادلة لمصدرها القضائي – أي أدنى من التشريع وأعلى من اللائحة -([32]).
أما في مصر : فإن حق الدفاع يعتبر من المبادئ العامة التي لا تستند إلى نص مكتوب (مصدر مكتوب) إنما يستخلصها القاضي الإداري من مجموعة القواعد التي تحكم المجتمع في زمان ومكان معينين ويلزم الإدارة على احترامها عن طريق إبطال كل عمل صادر بصورة مخالفة لها حيث يرى جانب من الفقه (أن المبادئ العامة تجد حدها الطبيعي في روح التشريع العام الذي ينظم المجتمع متمثلاً في ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والفكرية والروحية)([33]).
أما عن قيمة حق الدفاع كمبدأ قانوني عام فيذهب جانب من الفقه إلى
(أن لهذا المبدأ قوة إلزامية بالنسبة للإدارة ما لم تتعارض مع نص تشريعي)([34]).
فإذا ما أصدرت الإدارة قراراً تنظيمياً أو فردياً مخالفاً لمبدأ قانوني عام أقرته الأحكام القضائية وقع قرارها باطلاً لمخالفته مبدأ المشروعية، بمعنى أن اللائحة أو القرار الفردي مخالف للقانون، وهذا يعني ضمناً أن لمبدأ حق الدفاع قيمة معادلة للقانون.
ويذهب جانب آخر من الفقه إلى القول (أن تكرار هذه المبادئ العامة، وتأكيدها بواسطة القضاء يجعل من العسير انتهاكها حتى من المشرع نفسه)([35]).
في حين يذهب جانب أخر من الفقه إلى القول (بعد أن أثبتنا أو حاولنا أن نثبت – فيما سبق - أن القيمة الدستورية للمبادئ العامة لا تستند على أسس سليمة مقنعة، فإن هذه المبادئ تظل كما كانت دائماً ذات قيمة معادلة للقانون أو التشريع العادي)([36]).
أما في لبنان : فإن الأمر لا يختلف عن فرنسا ومصر فحق الدفاع من المبادئ العامة التي جعلها القضاء الإداري من مجموعة القواعد التي تحكم المجتمع في فترة زمنية معينة ويؤكد مجلس الدولة اللبناني أنه في حالة وجود نصوص قانونية تتضمن قواعد تخالف المبادئ العامة للقانون فإن على القاضي أن يلجأ إلى التقليل من نطاق تطبيق هذه النصوص لضمان تفوق المبادئ القانونية العامة على هذه النصوص باعتبار أن هذه النصوص تتضمن أحكاماً استثنائية لا يجوز التوسع في تطبيقها ويجب حصرها في أضيق الحدود طبقاً لقاعدة (الخاص يقيد العام) وبالتالي يكون القانون المخالف لأحكام المبادئ العامة استثناءاً عليه وهنا تبقى القواعد العامة في مستوى التشريع العادي ولا تعلو عليه وهذه النصوص تشكل حكما خاصا استثناءاً من الحكم العام ومن الأمثلة على ذلك هو الاستثناء الوارد على حق الدفاع الذي جاء به القانون رقم (54/65) في (2/10/1965) الخاص بالتطهير الإداري في لبنان والذي تضمن أحكاماً خاصة بصرف الموظفين وإحالتهم الى التقاعد حيث نصت المادة (11) من هذا القانون على أن (لا تقبل التدابير المتخذة بالاستناد إلى أحكام هذا القانون أي طريق من طرق المراجعة بما في ذلك الطعن بسبب تجاوز حد السلطة)، فهذا النص وإن كان يستبعد مبدأ الطعن لتجاوز حدود السلطة كمبدأ عام إلا أنه في مضمونه يستبعد حق الدفاع.
أما في العراق : فإن حق الدفاع هو مبدأ دستوري ورد النص عليه في المادة (19/رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة (2005) التي جاء فيها
(حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة)، وطبقاً للنص المذكور فإن لحق الدفاع قيمة دستورية.
يترتب على ذلك أن القرارات الصادرة عن الإدارة المتعلقة بتأديب الموظفين يجب أن تكفل حق الدفاع حتى إن لم يتم النص عليه في القانون، فقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل لم ينص صراحة على حق الدفاع، إلا أن الحق المذكور ورد كمبدأ دستوري لا تستطيع الإدارة أو القضاء الإداري إغفاله وإلا ترتب على ذلك بطلان إجراءات وقرارات الإدارة  لمخالفتها لمبدأ الشرعية الدستورية التي كفلت حق الدفاع واعتبرته حقا مقدساً، كما أن دستور جمهورية العراق كفل عدم وجود أي استثناء على مبدأ حق الدفاع يرد في نصوص القوانين، حيث نصت المادة (100) منه على أن (يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن).


المبحث الثالث
مقومات حق الدفاع
سبق القول ونعيده أن حق الدفاع هو من الحقوق الطبيعية اللصيقة بشخصية الإنسان بل إن هذا الحق من الحقوق الغريزية الفطرية التي تتزامن مع ولادة شخصية الإنسان فهو يميل للدفاع عن نفسه غريزياً عندما يتعرض للخطر ثم تطور مفهوم هذا الحق ليأخذ بعداً عالمياً وفلسفياً ، حتى أننا نجد اليوم أنه لا يخلو أي قانون إجرائي من نصوص تعالج موضوع الدفاع . ومع تطور هذا المبدأ على صعيد القانون الجنائي بشكل عام بدأ هذا المبدأ ينعكس جلياً على الجانب التأديبي للنظام الوظيفي باعتبار أن الموظف من حقه أن يدافع عن نفسه اتجاه ما يلصق به من تهم ومخالفات . ولكن للأسف نجد أن بعض القوانين التأديبية قد جاءت خالية من النص على هذا الحق . إلا أن القضاء الإداري بدأ يوظف هذا المبدأ تدريجياً على صعيد التحقيق والمحاكمة التأديبية التي يتعرض لها الموظف المخالف ويستنير بالإجراءات المتبعة بحق المتهم على الصعيد الجنائي سواء ما تعلق منها بجانب الدفاع أو ما تعلق منها بجانب الإثبات لجهة الإدارة . وسنحاول بحث مقومات حق الدفاع على صعيد التأديب الإداري في مطلبين أساسيين :
الأول : سنخصصه لبحث الحق في المواجهة  والإطلاع على الملف التأديبي.
والثاني : سنخصصه لبحث مبدأ حرية الدفاع في نطاق التأديب الإداري وما ينضوي تحت هذا المبدأ من حقوق فرعية تعتبر جزءاً لا يتجزء من حق الدفاع.

المطلب الأول
الحق في المواجهة والإطلاع على الملف التأديبي.
يعتبر مبدأ مواجهة الموظف أو العامل بالتهم والمخالفات الموجهة إليه من المبادئ والضمانات الأساسية التي كفلتها الدساتير والقوانين وأنظمة تأديب الموظفين بشكل عام، كما إن القضاء قد كرس هذا المبدأ في العديد من أحكامه، فهذا المبدأ أصبح حقاً وضمانة جوهرية ليس على المستوى الجنائي أو التأديبي فحسب وإنما على مستوى العقوبات الإدارية العامة([37]).
فمن مقتضيات دفاع الموظف عن نفسه هو إحاطته علماً بالوقائع والتهم والمخالفات المطلوب مساءلته عنها تأديبياً، كما يجب أن يطلع الموظف أو العامل على كافة الأدلة والمستندات التي تثبت حدوث هذه الوقائع أو المخالفات، كما ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر إلى أن تكون المواجهة على نحو يستشعر منه الموظف أن الإدارة في سبيلها لمؤاخذته إذا ما ترجحت لديها أدلة واقعية، وذلك لكي يكون على بينة من خطورة موقفه فينشط في الدفاع عن نفسه([38]).
ويجب أن نميز بين حالتين في المواجهة، الحالة الأولى : هي مواجهة الموظف وإعلامه بماهية المخالفة أو التهمة المسنودة إليه قبل مباشرة التحقيق والاستجواب معه من قبل اللجنة أو الهيئة التحقيقية المشكلة من قبل السلطة المختصة بالتأديب للتحقيق في الوقائع والمخالفات المنسوبة إليه . أو قبل إحالته إلى المجالس أو المحاكم التأديبية بالنسبة للدولة التي تأخذ بالنظام القضائي أو المختلط في التأديب.
والحالة الثانية : هي مواجهة الموظف مباشرة بالتهم المسندة إليه أثناء أو بعد انتهاء التحقيق من قبل الهيئة أو اللجنة التحقيقية أو أثناء المحاكمة الجارية من قبل المحاكم التأديبية، وهنا تنطوي المواجهة على إتهام مباشر بالأفعال أو الوقائع أو المخالفات المسندة إلى الموظف، أما الحالة الأولى التي أشرنا إليها فإنها لا تعدو سوى إشعار الموظف وإحاطته علماً بنية الإدارة في توجيه الإتهام له وإجراء التحقيق معه عن هذه التهمة الموجهة إليه.
لذا نجد أن هذا المبدأ يضم تحت جناحيه عنصرين هامين الأول يتمثل بعنصر إعلام الموظف بالوقائع والمخالفات المنسوبة إليه والعنصر الثاني يتمثل بإطلاع الموظف على الوثائق والمستندات التي تشير إلى حدوث هذه الوقائع والمخالفات والتي تستند إليها الإدارة في إجراء الاستجواب أو التحقيق، وإطلاع الموظف على هذه المستندات في مرحلة المواجهة يجب أن يكون سابقاً لاستجوابه أو التحقيق معه من قبل الهيئة التحقيقية أو المحكمة التأديبية، الغاية منها إحاطته علماً بفحوى هذه المستندات والوقائع ليكون على بينة من أمره ومن التهمة الموجهة إليه والتي قد يؤدي الأمر في النهاية إلى فرض عقوبة تأديبية بحقه ، والمساس بمصالحه وحقوقه أو بمركزه الوظيفي.
ففي مصر فإن إخطار الموظف أو العامل بما منسوب إليه يعتبر إجراءاً جوهرياً. وهذا ما كانت تنص عليه المادة (85) من قانون العاملين رقم (210) لسنة (1951) الملغي، أما قانون العاملين المصري الحالي رقم (47) لسنة (1978) فإنه لم يشر إلى مبدأ إخطار الموظف بما منسوب إليه صراحة إلاّ أن ذلك لا يعني أن الإخطار أو الإعلام لم يعد إجراءاً جوهرياً إذا لم يتم النص عليه صراحة . ذلك أن المبادئ القانونية العامة قد كفلت هذا الحق واستقر هذا في ضمير القضاء بشكل نهائي، ومع ذلك فإن المادة (79) من قانون العاملين المصري نص في فقرته الأولى على أن (لايجوز توقيع جزاء على العامل إلاّ بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه) . الأمر الذي يفهم منه ضمناً أن الموظف يجب أن يكون على علم مسبق بما هو منسوب إليه قبل أن يوقع بحقه الجزاء التأديبي وإلاّ كان القرار الصادر بفرض العقوبة التأديبية باطلاً . ويشترط لتحقق علم الموظف بالتهم المنسوبة إليه بشكل صحيح، هو أن تحدد المخالفة المنسوبة إليه تحديداً نافياً للجهالة ، وأن يترك للموظف المهلة الكافية لتحضير دفاعه وإعداد ملاحظاته حول الوقائع والتهم المسنودة إليه. فلكي يحقق الإشعار أو الإخبار أو الإعلام آثاره القانونية لابد أن يكون مستوفياً للشروط القانونية وبخلاف ذلك فإن هدر أو تخلف أي شرط من شروط الإعلام كأن يكون غامضاً أو غير واضح ، أو لا يتضمن مهلة كافية للتهيؤ من قبل الموظف فإنه يكون باطلاً ويترتب عليه بطلان الإجراءات اللاحقة له([39]).
فحتى يؤدي الإعلام غايته كضمان للعامل لابد أن يتحقق بصورة يستفاد منها اتجاه نية الإدارة إلى إيقاع الجزاء التأديبي بحق العامل، وبهذا الإجراء ينتبه العامل إلى خطورة موقفه مما يدفعه إلى بذل عنايته لدفع هذا الإتهام والدفاع عن نفسه، لذا فعلى كافة السلطات الرئاسية المختصة بتأديب العاملين التقيد بهذا المبدأ من خلال إخطار العاملين التابعين لها، والمتهمين بأرتكاب مخالفات تأديبية بفحوى هذه المخالفات وتفاصيل وقائعها وأدلة ثبوتها، قبل توقيع أي عقوبة تأديبية بحقهم ، وبخلافه يعد القرار الصادر بفرض هذه العقوبة باطلاً.
أما على مستوى المحاكمة التأديبية فإن المادة (23) من القانون رقم (117) لسنة (1958) فقد أوجبت أن يتضمن الأمر الصادر بالإحالة بياناً بالمخالفات المنسوبة إلى الموظف. ويحدد رئيس المحكمة جلسة للنظر في الدعوى وتتولى سكرتارية المحكمة إعلام صاحب الشأن بقرار الإحالة وتاريخ الجلسة خلال أسبوع من تاريخ إيداع الأوراق، ويكون الإعلام بخطاب رسمي موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، وأن يكون مشتملاً على ما تضمنه قرار الإحالة من مخالفات إضافة لذكر تاريخ الجلسة، ليكون العامل عالماً بالموعد والإجراءات والتهمة علماً نافياً للجهالة. ويمنع مفاجئة العامل بالتهم المنسوبة إليه عند حضوره للمحاكمة التأديبية، مع إتاحة الوقت له لإتخاذ ترتيباته، كتوكيل محام، أو إعداد دفوعه ، ومستندات دفاعه.
ويترتب على الإخلال بهذه الضمانة عيباً شكلياً يبطل إجراءات المحاكمة التأديبية ويبطل الحكم الصادر فيها. وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في مصر في حكمها المرقم (25/ديسمبر/1982) بقولها (ولما كانت الطاعنة لم تعلن بقرار إحالتها إلى المحكمة التأديبية، ولم تخطر بجلسات محاكمتها ومن ثم لم تتح لها فرصة الدفاع عن نفسها وكانت الدعوى بذلك لم تتهيأ أمام المحكمة التأديبية للفصل فيها يتعين بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه).
إلا أن القضاء الإداري في مصر وسانده جانب من الفقه، لم يكن مستقراًً بشأن تقرير بطلان الإجراءات في حالة مخالفتها للضمانات المقررة للعامل وبضمنها حق المواجهة، حيث ميز القضاء الإداري بين الشكليات الجوهرية والشكليات غير الجوهرية، وترتب على هذا التمييز عدم بطلان الإجراءات إذا كانت مخالفة لشكليات غير جوهرية، كذلك فإن القضاء في مصر رفض طعون الإلغاء إذا ما وجد أن التحقيق كان مشوب بعيب أو بنقص كان في وسع العامل تلافي هذا النقص أو القصور أمام المحكمة التأديبية([40]). والحقيقة أن هذا الاتجاه برأينا أيضاً يشكل إخلالاً بضمانات الموظف في الدفاع عن نفسه حتى وإن كان بإمكانه أن يتلافى هذا العيب أو الخلل الذي شاب مرحلة التحقيق ويتداركه أثناء المحاكمة التأديبية ذلك أن المحكمة التأديبية سوف تستند في تقديرها للأمور إلى التحقيق السابق الذي تخلف فيه ضمان من ضمانات الموظف وهو حقه في المواجهة وأضعف موقفه في الدفاع، كما أن هذا الاتجاه وإن كان يمكن قبوله في حالة العقوبة التأديبية التي توقعها المحكمة التأديبية أو المجلس التأديبي على اعتبار إمكانية تلافي الخلل الحاصل في مرحلة التحقق في مرحلة المحاكمة إلا أن ذلك لا يمكن قبوله بالنسبة للعقوبات التأديبية التي توقعها السلطة الرئاسية وبالتالي فإن أي خلل أو عيب يشوب مرحلة التحقيق يؤدي إلى إلغاء القرار الصادر بالعقوبة من قبل الرئيس الإداري وذلك لعدم إمكانية تلافي النقص أو القصور الذي شاب عملية التحقيق أمام السلطة الرئاسية التي ستصدر العقوبة التأديبية.
أما حق الإطلاع على الملف التأديبي فإن قانون العاملين المصري رقم (47) لسنة (1978) لم ينص عليه صراحة في حين  ورد النص عليه في قانون موظفي الدولة الملغي رقم (210) لسنة (1951) الذي أعطى للموظف المحال إلى المحاكمة التأديبية الحق في أن يطلع على التحقيقات التي أجريت وعلى جميع الأوراق المتعلقة بها وإن يأخذ صورة منها، في حين أجازت المادة (16) من اللائحة الداخلية لقانون النيابة الإدارية رقم (117) لسنة (1958م) الإطلاع على أوراق التحقيق بعد الانتهاء منه، في حين ذهب جانب من الفقه المصري إلى اعتبار حق الإطلاع على الملف التأديبي بما يتضمن من مستندات ووثائق تساعد الموظف في الدفاع عن نفسه ودفع التهمة المسندة إليه من مضامين حق الدفاع ومن الأمور التي تقتضيها مبادئ العدالة والإنصاف بما تكفل للموظف الإطمئنان إلى سلامة الإجراءات([41]).
أما المحكمة الإدارية العليا في مصر فقد اعتبرت بأن مواجهة الموظف بما يُنسب إليه يمثل الحد الأدنى من الضمانات الأساسية التي ينبغي كفالتها للموظف سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة حيث قضت (.... إيقاف العامل على حقيقة التهم المسندة إليه وإحاطته علماً بمختلف الأدلة التي تشير إلى ارتكابه حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه قبل توقيع الجزاء عليه، ويتطلب ذلك استدعاء العامل وسؤاله وسماع الشهود إثباتاً ونفياً حتى يصدر الجزاء مستنداً على سبب يبرره دون تعسف أو انحراف....) وهذا هو اتجاه محكمة الاستئناف العليا المدنية في مملكة البحرين([42]).
أما في العراق فإن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل لم يتضمن نصاً صريحاً لمواجهة الموظف بالوقائع والمخالفات المطلوب مساءلته عنها وإنما نصت المادة (10) منه على تشكيل لجنة تحقيقية تتولى التحقيق مع الموظف المخالف والاستماع لأقواله ولأقوال الشهود تحريرياً، ومن الطبيعي أن من مقتضيات التحقيق هو إشعار الموظف بالمخالفة المنسوبة إليه، ومع ذلك فقد جرى العرف في العراق بإشعار الموظف بصورة من كتاب تشكيل اللجنة التحقيقية والذي يذكر فيه أسباب تشكيل اللجنة والمخالفة المرتكبة إضافة لتسمية رئيس وأعضاء اللجنة التحقيقية ويتولى رئيس اللجنة التحقيقية قبل مباشرة التحقيق تحريرياً بإشعار الموظف المخالف تحريرياً بكتاب رسمي أو شفوياً بالحضور في الزمان والمكان الذي يحدده رئيس اللجنة التحقيقية لإجراء التحقيق كما جرى على عرض المستندات والوثائق التي تشكل أساس تشكيل اللجنة التحقيقية وتحريك الإجراءات التأديبية بحقه، ونرى أن صمت المشرع العراقي عن ذكر هذه الضمانة لا يعني إهدار حق المواجهة لأن مواجهة الموظف وإخطاره بالتهمة المنسوبة إليه يعتبر لازماً وضرورياً حتى مع غياب النص لأن ذلك يعتبر من المبادئ العامة للقانون ومن مقتضيات حق الدفاع الذي كفلته المواثيق الدولية والدساتير والقوانين، فضلاً عن ذلك فإن القضاء الإداري في مصر والأردن قد استقر على هذا المبدأ.
كذلك لم يرد في القانون المذكور نصاً صريحاً يجيز للموظف الإطلاع على ملف الأوراق التحقيقية والمستندات والوثائق المرفقة به التي جمعتها اللجنة التحقيقية أثناء إجراء تحقيقها كما لم يتضمن حق الموظف في طلب صورة من هذه الأوراق أو المستندات ليستعين بها في التظلم أمام الرئيس الإداري أو عند الطعن بقرار فرض العقوبة الانضباطية أما مجلس الانضباط العام، وهذا نقص تشريعي كان على المشرع أن ينتبه إليه ويتلافاه في التعديل الأول للقانون بموجب القانون رقم (5) لسنة (2008)، في حين أن قانون الإشراف العدلي رقم (124) لسنة (1979) أجاز في المادة (38) منه لوزير العدل أن يأذن للقاضي أو المدعي العام أو نائبه أن يطلع على إضبارته السرية التي ثبتت فيها الشكاوي والتقارير السرية التي تقدم منه أو ضده وقد أنيط الأذن بالإطلاع برئيس مجلس القضاء الأعلى استناداً إلى القسم (7) من مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (12) لسنة (2004)([43])، ومع ذلك فإن عدم النص على هذه الضمانة صراحة لا يعني نفيها أو إهدارها، كون الإطلاع على ملف الأوراق التحقيقية أو طلب صورة منها تعتبر من مقتضيات الدفاع الذي كفله الدستور العراقي([44]).
أما في الأردن : فقد استقر قضاء محكمة العدل العليا على اعتبار مواجهة الموظف بالتهم المنسوبة إليه إجراءاً إجبارياً يتعين على الإدارة أحترامه، حيث ألزمت اللجنة التحقيقية المشكلة للتحقيق مع الموظف المخالف بمواجهة الموظف بالتهم المسندة إليه واعتبرته إجراءً وجوبياً أساسياً وضمانه لا غنى عنها لكفالة قيام الموظف بالدفاع عن نفسه، ولم تعتبره إجراءاً اختيارياً متروكاً لتقدير اللجنة التحقيقية([45]).
وكذلك قضت في حكم آخر (بأنه إذا صدر قرار فصل المستدعية دون أن تبلغ نوع التهمة المسندة إليها، ودون أن تعلن للحضور أمام لجنة شؤون الموظفين بصفتها المجلس التأديبي، فإن هذا القرار يكون قد صدر معيباً عيباً جوهرياً يستدعي بطلانه)([46])، وهذا يعني أن عدم تبليغ الموظف بالتهم المسندة إليه يعتبر عيباً جوهرياً يترتب عليه بطلان القرار الصادر بفرض عقوبة الفصل.
كما أجازت المادة (147) من نظام الخدمة المدنية الأردني رقم (55) لعام (2002) للموظف المحال على التحقيق أن يطلع على جميع الأوراق والمستندات المتعلقة بالمخالفة التي يتم التحقيق معه بشأنها، وهذا يشير ضمنياً إلى إشعار الموظف ابتداءً بالتهمة المنسوبة إليه والسماح له بعد ذلك بالإطلاع على الأوراق التي تشكل الأدلة التي تستند إليها الإدارة لمجازاة الموظف تأديبياً.
أما في البحرين فإن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية البحريني رقم (35) لسنة (2006) والصادرة عن مجلس الوزراء بالعدد (37) لسنة (2007) أوصت المادة (221) منه إخطار الموظف كتابه خلال مدة لا تتجاوز (15) خمسة عشر يوماً من تاريخ إحالته للتحقيق للمثول أمام اللجنة التي تنظر في المخالفة أو المخالفات المنسوبة إليه، ويجب أن يتضمن الإخطار بيانات إلزامية تتعلق بخلاصة أو موجز للوقائع التي تمثل المخالفة أو المخالفات وتاريخ وقوعها وألزمت أن يوقع الإخطار من قبل الموظف المخالف.
أما في لبنان فإن المرسوم (7236) الصادر في (8/ آيار/ 1967) نص في الفقرة (الأولى) من المادة (25) منه على أن (يحق للموظف أن يطلع على ملف القضية الموجودة لدى المجلس وأن يستنسخ منه ما يراه لازماً للدفاع عن نفسه وعليه توقيع وثيقة تعهد لهذه الغاية تثبت إطلاعه وتحفظ في الملف) ومما تقدم نلاحظ أن المشرع اللبناني قد أخذ بمبدأ المواجهة أيضاً.
أما في فلسطين فإن المادة (88) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة (1998) المعدل بالقانون رقم (4) لسنة (2005) ألزمت وجوب تضمين القرار الصادر بتشكيل اللجنة التحقيقية بيانات بالمخالفات المنسوبة للموظف المخالف وأن يتضمن مهمة اللجنة وزمان ومكان انعقادها، كما اجازت المادة (89/ 2) من اللائحة المذكورة للموظف المخالف الإطلاع على الملف التأديبي والأوراق التحقيقية المتعلقة بموضوع التحقيق.
أما في فرنسا : فإن مواجهة الموظف بالتهم المنسوبة إليه وإطلاعه على الملف التأديبي الذي تعتمده الإدارة لمحاكمته تأديبياً فإنه يعتبر من أقدم الضمانات للموظف في القانون الفرنسي، حيث أجاز القانون الفرنسي للموظف الإطلاع عليه بطريقة سرية ولا يجوز لمحامي الموظف الإطلاع عليه إلا إذا أجاز موكله له ذلك ويشترط أن يكون الإطلاع على الملف التأديبي محدداً لمرة واحدة، ولا يجوز أخذ أكثر من نسخة واحدة منه، على أن يكون الإطلاع عليه في مقر عمل الإدارة الذي يوجد فيه الملف الشخصي للموظف، أما إذا كان الموظف مقيماً في الخارج فيرسل الملف إلى القنصلية الفرنسية في البلد الذي يقيم فيه الموظف للإطلاع عليه هذا طبعاً قبل مدة مناسبة لتمكين الموظف من إعداد دفاعه، وهذا المبدأ يسري في فرنسا على كافة الموظفين سواء كانوا على الملاك الدائم أو المؤقت المثبتين في الوظيفة أو من كانوا تحت التمرين وقد أستقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي على أن إهدار أو تجاهل هذه الضمانة من قبل سلطة التحقيق يجعل قرارها عرضة للطعن بالإلغاء([47]).
إن مبدأ المواجهة هو قاعدة مضمونة في فرنسا في المجال الإداري بواسطة مجلس الدولة والمجلس الدستوري([48])، وحق إطلاع الموظف على الملف التأديبي مبدأ مستقر وقديم في التشريع الفرنسي إذ بعد صدور دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة قررت المادة (31) من الأمر الصادر في (4/ شباط/ 1959) باتباع الإجراءات التي نصت عليها المادة (65) من القانون رقم (22) الصادر في (نيسان/ 1905) بعد استشارة مجلس إداري مشترك منعقد على شكل هيئة تأديبية حيث نصت المادة المذكورة (كل الموظفين المدنيين والعسكريين وكل المستخدمين والعمال في جميع الإدارات العامة لهم حق الإطلاع على ملفهم الشخصي والسري وعلى الأوراق والوثائق التي يتكون منها ملفهم قبل إتخاذ إجراء تأديبي ضدهم)، وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي المادة المذكورة المحور الذي تعتمده في قراراتها، وقد أخذت بهذا المبدأ صراحة محاكم الاستئناف الإدارية في فرنسا أيضاً ولم تقبل بمبدأ سرية الملف التأديبي([49]).
وكذلك الحال في إنكلترا فإن مواجهة العامل وإحاطته علماً بالاتهامات المنسوبة إليه تعتبر من الضمانات الأساسية للموظف في القانون الإنكليزي حتى يتاح له المجال واسعاً لإعداد دفاعه وإبداء ملاحظاته ودفوعه بشأن هذه التهم والمخالفات([50]).


المطلب الثاني
مبدأ حرية الدفاع
تعني حرية الدفاع : حرية لجوء الموظف المتهم بارتكاب مخالفة إلى وسائل وأساليب الدفاع المختلفة لرد ودفع التهمة الموجهة إليه بالشكل الذي يضمن تحقيق دفاعه، فحق الدفاع يعد خاوياً من مضمونه إذا ما تجرد من الحرية في اعتماد الأساليب المشروعة للدفاع عن النفس، فالعبرة ليست بتقرير الحق أو الضمان وإنما بالوسائل التي تكفل فاعلية هذا الحق أو ذلك الضمان للمتهم([51])، فحرية الدفاع تقتضي تمكين الموظف من اختيار الوسائل والأساليب اللازمة لدفع التهمة المنسوبة إليه سواء أكان هذا الدفاع شفوياً أو تحريرياً وتتجلى أهم مظاهر حرية الدفاع في الحقوق المتفرعة عن هذا الحق والتي شكل في مجموعها المنظومة القانونية التي يلجأ إليها الموظف للدفاع عن نفسه متى ما كان في موضع الإتهام وهذا ما سنحاول بحثه فيما يأتي :
1- حق الاستعانة بمدافع :
إن حق المتهم بالاستعانة بمحامي من الضمانات الجوهرية المهمة المقررة لمصلحة المتهم في المجال التأديبي والجنائي معاً([52]) ، وهذا الحق يعد امتداداً طبيعياً لحق الدفاع ومن أهم ضماناته وركائزه، وهذا الحق يجد أساسه في القاعدة المعروفة (الأصل براءة الذمة)، وإن المتهم بريء حتى تثبيت إدانته لذا نجد أن هذا الحق هو ليس مجرد ميزة منحها القانون إياه أو إجراء ينصحه المشرع باتباعه بل هو حق أصيل يتمتع به المتهم لضمان حقه في الدفاع فالمتهم مهما كانت ثقافته أو مستوى ذكائه قد لا يتمتع بنفس الكفاءة التي يتمتع بها رجل القانون الذي يكون مطلعاً وملماً بنصوص القانون وخصوصاً الإجراءات الواجبة الاتباع للدفاع ورد الإتهام وقد يتعرض المتهم في حالة إهداره لهذه الضمانة للإدانة نتيجة للأخطاء التي قد يرتكبها في مرحلة التحقيق أو المحاكمة التأديبية لما قد يبدر منه من أقوال قد تؤدي إلى إدانته بدلاً من دفع التهمة عنه نتيجة جهله بطبيعة القوانين الإجرائية وكيفية استخدام هذا الحق بالشكل الذي يحقق دفاعه.
فأهمية الاستعانة بمحامي تكمن بخبرة هذا المحامي بأصول الإجراءات أمام السلطات التحقيقية أو أمام المحاكم التأديبية وكيفية توظيف هذه الخبرة لمواجهة الأدلة المقدمة من قبل الإدارة لإدانة الموظف، كما أن المحامي يلعب دوراً كبيراً في كشف الحقائق وملابسات الأمور مما يدفع سلطة التحقيق أو المحكمة نحو جادة الصواب فالمحامي يمنع من التلاعب بموكله وهو تحت التأثير النفسي والعاطفي لأنه يرى ما لا يراه المتهم مما يحول دون الإيقاع به تحت أغطية الأسئلة الخادعة والأساليب المبرقعة وصولاً إلى الهدف المتوخى وهو تأمين فاعلية الضمانات المقررة لمصلحة المتهم.
وقد نصت معظم القوانين التأديبية على حق الموظف بالاستعانة بمحامي، ففي فرنسا نجد أن الدكريتو الصادر عام (1954) أعطى للمحامين الحق في مباشرة وظيفتهم أمام القضاء والهيئات التأديبية إلا أن المشرع قيد ممارستهم لمهنة المحاماة ببندين أساسيين :
الأول : أن لا تكون الاستعانة بمحام متعارضة مع مصلحة الجهة الإدارية ذاتها.
والثاني : أن لا يكون الاستعانة بمحامي مستبعداً وفقاً للنظام الأساسي للمرفق
أن قانون الوظيفة العامة رقم (634) لسنة (1988) نص صراحة على حق الموظف في الاستعانة بمحام في المادة (19) منه إلا أن المشرع في فرنسا لا يكفل للمتهم حق الاستعانة بمحامي إلا أمام مجالس التأديب التي يجب استشارتها قبل توقيع الجزاءات الأشد من اللوم والإنذار([53]).
أما في مصر فإن المادة (37) من القانون رقم (47) لسنة (1972) والخاص بتنظيم مجلس الدولة المصري نصَ على أن (للعامل المقدم إلى المحكمة التأديبية أن يحضر جلسات المحاكمة أو أن يوكل عنه محامياً) فهذا النص يقرر للمتهم حقاً اختيارياً في الدفاع عن نفسه أصالة من خلال حضور جلسات المحاكمة بنفسه أو من خلال توكيل محام عنه إذا رأى المتهم أنه غير قادر على تولي الدفاع عن نفسه إلا أن المشرع المصري قد قصر الاستعانة بالمحامي في جلسات المحاكمة التأديبية دون الإشارة إلى مرحلة التحقيق السابقة للإحالة إلى تلك المحاكم وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا على ضرورة تمكين الموظف المتهم من الدفاع عن نفسه سواء بنفسه أو بواسطة محام عنه حيث اعتبرت ذلك من مقتضيات حق الدفاع([54]) المقرر بموجب المادة (79) من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم (47) لسنة (1987) التي نصت على أن (لا يجوز توقيع جزاء على العامل إلاّ بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه) وإن تحقيق الدفاع من مقتضاه الاستعانة بمحامي ليسَ أمام المحاكمة التأديبية وإنما أيضاً في مرحلة التحقيق الإداري.
أما على صعيد التحقيق الذي تجريه النيابة الإدارية([55]) فإنه في غير حالات التلبس والسرية والخوف من ضياع الأدلة لا يجوز لسلطة التحقيق في الجنايات استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من الشهود والمتهمين إلاّ بعد دعوة محاميه للحضور، أما إذا لم يكن للمتهم محامياً أو كانت الواقعة جنحة وليست جناية فإن سلطة التحقيق غير ملزمة بدعوة المحامي لحضور استجواب المتهم والغاية من دعوة المحامي لحضور الاستجواب والمواجهة وذلك لجعله رقيباً على سلطة التحقيق وله الاعتراض على طبيعة الأسئلة الموجهة للمتهم وتثبيت الاعتراض في محضر التحقيق كما له توجيه الأسئلة للمتهم باعتبارها أسئلة تتعلق بكشف حقائق تخص الدفاع، إلاّ أن تعليمات النيابة الإدارية لم تجز للمحامي الإجابة بدلاً عن المتهم أو تلقينه بعض البيانات أو المعلومات كما لم تجز التعليمات للمحامي التكلم إلا بأذن من المحقق إلا أن المادة (109) من هذه التعليمات أجازت للمتهم أن يحضر بنفسه أو مع محاميه جميع إجراءات التحقيق إلا إذا قضت مصلحة التحقيق أن يجري في غيبته، وللمحامي الإطلاع على التحقيق السابق لاستدعائه إذا كان استدعائه وجوبياً ما لم يقرر المحقق غير ذلك([56])، ونلاحظ على تعليمات النيابة الإدارية أنها قد ضيقت من المساحة التي يستطيع المحامي مباشرة واجباته في حدودها حيث جعلت حضوره وجوبياً في الجنايات دون الجنح كما أعطت لسلطة التحقيق صلاحيات تقديرية تمنع المحامي من تحقيق دفاعه بشكل كامل وهذا نراه إخلالاً بالضمانات الممنوحة للمتهم وجعل حضور المحامي مجرد إجراء شكلي لا يحقق الغاية المرجوة من حضوره وهي الدفاع الفعال عن المتهم.
أما في السعودية فإن المادة (20) من نظام تأديب الموظفين والمذكرة التفسيرية الصادرة بموجب المرسوم الملكي (م /7) في (1/2/1391هـ) نصت على حضور المتهم بنفسه لجلسات المحاكمة التأديبية وأجاز له الاستعانة بمحامي للدفاع عن نفسه.
أما في العراق فإن قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة (1991) المعدل لم يتضمن نصاً يجيز للموظف المخالف الاستعانة بمحامي أمام اللجنة التحقيقية إلا أنه يمكن القول طبقاً للقواعد العامة بجواز ذلك، ذلك أن حق الدفاع من الحقوق التي كفلها دستور جمهورية العراق لسنة (2005) في المادة (19/رابعاً) التي نصت على أن (حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة) ومقتضى هذا النص يستوجب أعمال حق الدفاع في أي تحقيق سواء كان التحقيق إدارياً أو جنائياً هذا من جانب ومن جانب آخر إن المادة (15/خامساً) من نفس القانون قد قضت على مراعاة مجلس النضباط العام عند النظر في الطعن أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية وبما يتلاءم وأحكام هذا القانون وبالرجوع للمادة (144) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل نجد أنها ألزمت رئيس محكمة الجنايات بندب محامي للدفاع عن المتهم في الجنايات إن لم يكن قد وكل محامياً وقياساً على هذا النص فإن للموظف أن يوكل محامياً للدفاع عنه أمام مجلس الانضباط العام وكذلك نرى أيضاً أن من حق الموظف أن يوكل محامياً للدفاع عنه أمام اللجنة التحقيقية على أن يحضر جلسات التحقيق بنفسه أو يرافقه محاميه، فقانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة (1991) المعدل وإن لم يشير صراحة إلى جواز الاستعانة بمحامي أمام اللجان التحقيقية إلا أن هذا الضمان –أي الاستعانة بمحامي- يعتبر امتداداً لحق الدفاع الذي كفله الدستور وذلك لأن حضور المحامي في مرحلة التحقيق الإداري له أهمية كبيرة ومؤثرة على نتائج التحقيق وفرض العقوبة الانضباطية بحقه إلا أننا نرى أن عدم السماح للمحامي للحضور أمام لجنة التحقيق وإن كان يشكل إهداراً لضمانات المتهم في الدفاع إلا أنها لا تؤدي إلى بطلان التحقيق إذا كانت اللجنة التحقيقية قد راعت أحكام القانون في إجراءاتها باستثناء عقوبتي الفصل والعزل ترى ضرورة حضور محامي مع الموظف المخالف أمام اللجنة التحقيقية إذا كانت التهمة من الخطورة يترتب عليها فرض مثل هذه العقوبات.
أما في فلسطين فإن المادة (89/ أ) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الفلسطيني (4) لسنة (1998) المعدل أجازت للموظف الاستعانة بمحامي لتقديم دفاعه أمام لجنة التحقيق.
2- الحق بالاستشهاد شهود الدفاع :
تعني الشهادة في اللغة من الفعل شهده يشهده، كسمعه، شهوداً، وترد هذه المفردة في اللغة لمعان متعددة منها الحضور والمعاينة والعلم والخبر القاطع والحفظ وغير ذلك، أما في الاصطلاح فتعني (أخبار بحق للغير على أخر عن يقين في مجلس الحكم، وذلك المخبر يسمى شاهداً)([57])، والشهادة وسيلة من وسائل الإثبات المشروعة في الإسلام لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}([58])، ولقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (ليسَ لك إلا شاهداك أو يمينه)([59]).
أما على مستوى الدفاع في نطاق التأديب الإداري فإن الشهادة هي الأقوال التي يدلي بها غير الخصوم بما أدركوه من حواسهم، أو ما استقوه من غيرهم بأسماعهم أو أبصارهم عن ظروف وملابسات الواقعة موضوع التحقيق أو المحاكمة التأديبية مما تقود إلى براءة المتهم عما أُسنِدَ إليه، ويكفي أن تكون الشهادة مؤدية إلى استنتاجات مقبولة أو توضيح لبعض وقائع الدعوى مما يجعل التحقيق الإداري أو المحكمة التأديبية تتوصل إلى الحقائق([60])أن دور الشاهد لا يقل أهمية عن دور المحامي في تحقيق دفاع المتهم لأن من شأن شهادته تعزيز موقف المتهم ودفع التهمة عنه لذا يجب على السلطات التحقيقية أو المحاكم التأديبية سؤال المتهم فيما إن كان له شهود للدفاع وعدم الاكتفاء بالاستماع لشهود الإثبات وإلا عد ذلك إهداراً لضمان من ضمانات المتهم يعرض إجراءات سلطة التحقيق والمحكمة إلى البطلان لذا نجد معظم التشريعات قد نصت على حق الموظف بالاستشهاد بشهود الدفاع في دوري التحقق والمحاكمة.
ففي مصر نصت المادة (17) من القانون رقم (117) لسنة (1958) أنه من حق الموظف أن يطلب من السلطة التأديبية سماع شهادة شهود لها علاقة بالدفاع عن نفسه أمام هذه السلطات حيث جاء فيها (للمحكمة سماع الشهود من الموظفين وغيرهم ويكون أداء الشهادة أمام المحكمة بعد حلف اليمين).
وقد وضعت تعليمات النيابة الإدارية ضوابط للاستماع لشهادات الشهود باعتبار الشهادة وسيلة مهمة من وسائل الإثبات في الدعاوى التأديبية في المواد (79-96) منها أهلية الشاهد لأداء الشهادة كونه يتمتع بالإدراك والتمييز وحلف اليمين قبل أداء الشهادة إلا إذا كان الشاهد دون سن (14) سنة فإنه يؤدي شهادته دون حلف اليمين([61])، ويترتب على عدم أداء اليمين بطلان الشهادة وتتحول الشهادة إلى مجرد أقوال وإيضاحات كأقوال الشاهد الذي لم يبلغ سن (14) سنة الذي لا يجوز تحليفه اليمين في حين ذهبت المحكمة الإدارية العليا في حكم لها إلى أن (..... ومن ثم فإن عدم مطالبة المحقق لبعض الشهود في التحقيق الذي بني عليه قرار مجلس التأديب المطعون فيه بأداء اليمين قبل إبداء أقوالهم لا يشوب وحده هذا التحقيق بالبطلان ولا يؤثر في سلامته ما دام أنه لم يثبت أن ذلك قد أخل بحق الطاعن في الدفاع وقد أتيحت له الفرصة لإبدائه كما يراه فيما يتعلق بصحة وسلامة هؤلاء الشهود)([62]).
ونرى أن عدم تحليف الشاهد لليمين القانونية يرتب البطلان في شهادته وذلك لأن النيابة الإدارية في مصر تتبع قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بقواعد الاستماع إلى شهادات الشهود أمام النيابة الإدارية في كل ما لم يرد به نص في هذه التعليمات ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص لذا فالبطلان جزاء تخلف اليمين في الشهادة وهذا هو اتجاه محكمة النقض في مصر([63]) وكذلك هو اتجاه مجلس الدولة الفرنسي الذي رتب بطلان الإجراء التأديبي عند إغفال استدعاء الشهود الذين طَلبَ سماع أقوالهم المتهم([64]) كما لا يجوز سماع شهادة الشاهد ضد نفسه مع ضرورة تنبيه الشاهد إلى مركزه القانوني أمام المحقق باعتباره شاهداً وليسَ متهماً ليتسنى له الإدلاء بشهادته، أما توجيه الإتهام الضمني واستجواب الشاهد أو أتخاذ إجراءات تشير إلى مثل هذا الإتهام كتفتيشه وتفتيش منزله أو مكتبه فإن ذلك غير جائز إذ أن الشاهد لو عرف بأنه في موضع الإتهام لا في موضع الشهادة كان له الحق في الامتناع عن أداء اليمين أو الصمت وعدم الإجابة على أسئلة المحقق، كما ألزمت تعليمات النيابة الإدارية ترك الحرية للشاهد في الإدلاء بشهادة لأن الشاهد يُسمع ولا يستجوب وعدم استعمال أساليب الحيلة والتخويف أو التهديد([65]) وغيرها من الضوابط والإجراءات والقواعد التي نصت عليها التعليمات المذكورة لا مجال لذكرها، ومع ذلك فإن لسلطة التحقيق صلاحية تقديرية في الاستجابة لطلبات الموظف في استدعاء كافة الشهود الذين يطلبهم للشهادة بحيث يمكن الاكتفاء بالعدد المعقول من الشهود الذي يرى أن هناك فائدة من سماعهم وبذلك قضت المحكمة الإدارية العليا (ليس مطلوباً لصحة التحقيق أن يستمع المحقق في كل الأحوال إلى أكثر من أقوال الشاكي والمشكو في حقه متى استظهر من وضوح الرؤية وجلاء الصورة وبروز وجه الحق عدم الحاجة إلى سماع الشهود شريطة أن يكون لهذا الاستخلاص ما يبرره)([66]).
وأيضاً نصت المادة (81) من القانون رقم (47) لسنة (1978) بشأن العاملين المدنيين بالدولة على حق الموظف الخاضع للتحقيق الإداري طلب الاستماع إلى شهود حيث جاء فيها (للمحقق من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب من يجري معه التحقيق الاستماع إلى الشهود...).
إن حق الاستماع لشهود الدفاع أكدته قوانين التوظيف الفرنسية وأقرها القانون رقم (634) لسنة (1983) وأيضاً نصت عليه المادة (57) من نظام الخدمة المدنية الكويتي حيث جاء فيها (للمحقق سماع الشهود من الموظفين وغيرهم ويكون أداء الشهادة بعد حلف اليمين) وأيضاً نصت على هذا الحق المادة (20) من نظام تأديب الموظفين في السعودية الصادرة بموجب المرسوم الملكي (م/7) لسنة (1391هـ) وأيضاً نصت المادة (142/أ) من نظام الخدمة المدنية الأردني رقم (1) لسنة (1988) التي ألزمت المجلس التأديبي بمنح الفرصة للمتهم لتقديم بياناته الشخصية والخطية سواء قد قدمت أثناء التحقيق في المخالفة أو لم تقدم من قبل على الإطلاق وأن يستدعي الشهود الذين يطلبهم لسماع أقوالهم ولا تسمع أي شهادة إلاّ بعد أداء القسم القانوني.
أما في العراق فإن المادة (10/ثانياً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل نصت على أن (تتولى اللجنة التحقيق تحريرياً مع الموظف المخالف المحال عليها ولها في سبيل أداء مهمتها سماع وتدوين أقوال الموظف والشهود والإطلاع على جميع المستندات والبيانات التي ترى ضرورة الإطلاع عليها وتحرير محضراً تثبت فيه ما أتخذته من إجراءات وما سمعته من أقوال مع توصياتها المسببة أما بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق أو بفرض إحدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون).
وطبقاً لمنطوق النص المتقدم فإن المشرع العراقي نص على استماع اللجنة التي تتولى التحقيق لأقوال الموظف والشهود وقد وردت مفردة الشهود مطلقة دون تقييد حيث تتمتع سلطة التحقيق بصلاحيات تقديرية واسعة للاستماع لشهود الإثبات أو لشهود النفي (الدفاع) إلاّ أن المادة لم تتضمن قواعد تفصيلية بشأن أداء الشهادة وما هي الإجراءات الواجبة الاتباع في ذلك، وبذلك يكون المشرع العراقي قد أحال الإجراءات الخاصة بالاستماع لشهادات الشهود إلى القواعد العامة الواردة في القوانين الإجرائية التي تتضمن قواعد الاستماع لشهادات الشهود، إلا أن العرف الإداري استقر على كتابة إفادات الشهود وتحليفهم اليمين القانونية قبل تدوين شهاداتهم هذا على مستوى التحقيق الإداري.
أما على مستوى الجلسات التي يعقدها مجلس الانضباط العام للنظر في الطعون الخاصة بقرارات فرض العقوبات الانضباطية بحق الموظفين فإن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل قد نص في المادة (15/خامساً) منه على تطبيق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية وبما يتلائم وأحكام هذا القانون ومن المعروف أن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل قد عالج موضوع سماع الشهود في المواد
(58-68) وفي المواد (167-178) على أن يقوم مجلس الانضباط بأخذ القواعد التي تتلائم وطبيعة أحكام هذا القانون، ونحن نجد أن قانون أصول المحاكمات الجزائية قد تضمن أحكاماً تفصيلية للاستماع لشهادات الشهود إلاّ أن البعض منها غير ملائم لتطبيقه على المنازاعات التأديبية ممثلاً لقاضي التحقيق أن يصدر أمراً بالقبض على الشاهد المتخلف عن حضور التحقيق وإحضاره جبراً لأداء الشهادة وهذا ما ورد في المادة (59/ ج) منه وهذا النص من المتعذر تطبيقه من قبل اللجنة التحقيقية، كذلك ما ورد في المادة (174) منه التي أجازت للمحكمة في حالة امتناع الشاهد من الحضور أمام المحكمة رغم تكليفه بالحضور إصدار أمر القبض عليه وتوقيفه وإحضاره أمامها لأداء الشهادة ولها أن تحكم عليه بالعقوبة المقررة قانوناً بسبب تخلفه عن الحضور وهذا النص أيضاً من المتعذر تطبيقه من قبل مجلس الانضباط العام فقانون انضباط موظفي الدولة العراقي فضلاً عن كونه لم يتضمن قواعد تفصيلية في كيفية استدعاء الشهود والاستماع لأقوالهم فإنه لم يتضمن آلية لضبط وإحضار الشاهد أمام سلطة التحقيق أو مجلس الانضباط وهذا خلل تشريعي كان على المشرع تلافيه في تعديله الأخير لقانون انضباط موظفي الدولة رقم (5) لسنة (2008).
3- الحق في الصمت :
إن الحق في الصمت وعدم الإقرار له جذوره المتعمقة في التاريخ فقد كانت الشرائع القديمة كالقوانين الفرعونية واليونانية، والرومانية تجيز استخدام التعذيب ووسائل الإكراه البدني لحمل المتهم على الاعتراف وخصوصاً إذا كان المتهم من فئة العبيد كما تضمن قانون لبت عشتار نصوصاً تجبر المتهم على الاعتراف ومع إجباره على أداء اليمين كوسيلة ضغط معنوية أما قانون حمورابي فقد احترم حق الدفاع وما يتضمنه بالتبعية من أحترام إرادة المتهم بالصمت باعتبار ذلك من مقتضيات الدفاع الرئيسية([67])، أما في ظل القانون الكنسي وسيادة محاكم التفتيش في أوربا فإنه أعتمد التعذيب باعتباره وسيلة مشروعة لإجبار المتهم على الكلام والإقرار، فالحق بالصمت يتلاشى مع اعتماد التشريعات للإقرار أو الاعتراف كوسيلة للإثبات وهذا واضح في بعض الأوامرالملكية الفرنسية للأعوام (1539-1670) التي بالغت في الاهتمام بالاعتراف وتقنين التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعتراف([68]).
أما الشريعة الإسلامية السمحاء فإنها قررت مبدأ الأصل براءة الذمة وإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته لقوله تعالى {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}([69])، فالشريعة الإسلامية لم تجز إكراه المتهم على الاعتراف بل الأكثر من ذلك أجازت للمتهم العدول عن اعترافه استناداً لقوله تعالى {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ}([70])، ولقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
وبمرور الزمن بدأ التشريعات تعدل عن فكرة الإكراه والتعذيب لحمل المتهم على الكلام ففي إنكلترا تضمنت وثيقة الحقوق الصادرة عام (1689) العديد من الضمانات ومنها حق المتهم بالصمت ومبدأ عدم تجريم النفس والحق بالاستعانة بمحامي وتبلور فكرة افتراض براءة المتهم التي عرفتها الشريعة الإسلامية بفترة طويلة، أما في القانون الأمريكي القديم فقد حظر الاعترافات الجبرية وأخذ بما يعرف بالاعتراف الطوعي أو (الإرادي)([71]) وقد وجد هذا المبدأ مناخاً ملائماً في ظل القوانين الجنائية وبالرغم من أختلاف موقف الأنظمة الإجرائية من حق المتهم بالصمت([72]) فإن موقف التشريعات انقسم إلى ثلاث طوائف الأولى أقرت بحق المتهم بالصمت بصورة مباشرة في وقوانينها كما هو الحال في القانون الأسباني والبرتغالي والألماني والإيطالي والإنكليزي والطائفة الثانية أقرت بحق الصمت ضمنياً كقانون الإجراءات الفرنسي وقانون الإجراءات العراقي والسوداني أما الطائفة الثالثة فهي تقر بوجود الحق بالصمت استناداً للمبادئ العامة دون ورود نص صريح بذلك كقانون الإجراءات المصري والأمريكي إلا أنه الأخير وبعد التعديل الخامس للدستور الأمريكي تم إقرار قاعدة ميراندا (Miranda) والتي تقضي بوجوب تحذير المشتبه به أو المتهم بارتكاب جريمة في التزام الصمت وإنه ليسَ لممثل الإدعاء استغلال صمت المتهم كقرينة ضده([73]).
إن الصمت يعني عدم الكلام ولا نقصد بذلك مدلول كلمة الصمت بصورة مجردة وإنما ينصرف ذلك إلى أي موقف سلبي اتجاه كل إجراء يهدف إلى جمع الأدلة ضد المتهم لإثبات إدانته، إن الصمت باعتباره حقاً طبيعياً يستند إلى مصادر منها المواثيق وإعلانات حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية([74])، والدساتير([75])، والقوانين الإجرائية الداخلية والجدير بالذكر أن الحق بالصمت يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحق الدفاع، فالحق في الاتهام يقابله الحق بالدفاع ومن مقتضيات الدفاع الحق في الصمت وعدم تجريم النفس إلا أن هذا الحق يمكن أن يتعرض لمخاطر الانتهاك من خلال الاتهام المتأخر عندما يتم أخذ إفادة الموظف باعتباره شاهداً مع توافر الأدلة وقناعات لدى سلطة التحقيق تفيد ارتكابه المخالفة مما يحرمه من حقه بالدفاع ابتداءً، إذ لو علم الموظف بأنه في موضع الاتهام لما استرسل في إعطاء المعلومات والبيانات إلى سلطة التحقيق ولكان أكثر حذراً عند الإدلاء بأقواله وقد يمتنع عن الكلام، كما أن الإتهام المتأخر يترتب عليه مخالفة أخرى إذ أن ضبط إفادة الموظف المخالف باعتباره شاهداً يترتب عليه تحليفه اليمين والذي يعتبر من وسائل الضغط المعنوي ومن ثم إعادة تدوين أقواله بصفة متهم يحرمه من حقه في الصمت والدفاع وقد يتهم في حالة تغيير أقواله بشهادة الزور في الوقت الذي هو من المفروض أن يمارس حقه في الصمت أو الكذب، فالمشكلة في الإتهام المتأخر هو التلاعب بمركز الموظف القانوني عندما تضبط إفادته بصفة شاهد ثم يتم إعادة ضبطها باعتباره متهماً بارتكاب مخالفة تأديبية تستوجب الجزاء التأديبي.
ومن المخاطر التي تهدد حق المتهم بالصمت هي مسألة الاستجواب المطول من قبل السلطة المختصة بالتحقيق الإداري بقصد التأثير على إرادة المتهم ودفعه للاعتراف بالمخالفة المنسوبة إليه، لذا ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الاستجواب المطول المفرط بالشكلية على حساب الموضوعية يشكل إكراهاً على إرادة المتهم ودفعه للاعتراف بسبب الضغط المتواصل الذي يؤدي إلى الانهيار ويترتب على ذلك قيام المتهم بإدانة نفسه أما باعتراف صريح أو ضمني([76]).
ومن المخاطر التي تنال الحق بالصمت وتشكل اعتداء ومساساً به قيام سلطة التحقيق باستعمال صلاحياتها في إدارة التحقيق الإداري بشكل ينطوي على تهديد لإرادة المتهم كاستعمال الأسئلة الإيحائية أو الغش والخداع والطرق الاحتيالية في توجيه الأسئلة وإدارة التحقيق، كما أن اعتماد سلطة التحقيق لمبدأ الإثبات الحر أو ما يعرف بمبدأ (حرية الدليل) سواء كان هذا الدليل مادياً أو معنوياً أو شفوياً أو تحريرياً، أو عن طريق البينة الشخصية (شهادت الشهود) يشكل خطراً على حق المتهم بالصمت وخصوصاً إذا قاد ذلك إلى تفسير الصمت لغير صالح المتهم إذ أن الصمت لا يعني الاعتراف أو الإقرار بالذنب أو القبول كما هو معروف في قواعد القانون الخاص حيث يفسر الصمت بمعنى القبول أو الإقرار أو الرضى وبالتالي فإن صمت المتهم لا يجوز تفسيره باعتباره قرينة ضده، وإنه في جميع الأحوال يجب أن لا يفسر الصمت على وجه يضر بمصلحته أو يستغل بأي كيفية ضده في الإثبات([77]).
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا في مصر بقولها (أن امتناع المتهم عن الحضور إلى التحقيق أو سكوته عن إبداء دفاعه في المخالفة المنسوبة إليه في التحقيق لا يشكل بذاته مخالفة إدارية أو ذنباً إدارياً مستوجباً للمسؤولية التأديبية أو العقاب التأديبي، وكل ما في الأمر أن المتهم في هذه الحالة يكون قد فوت على نفسه فرصة إبداء أوجه دفاعه في المخالفة المنسوبة إليه في هذا التحقيق وعليه تقع تبعية ذلك، ولكن لا محل لإجباره كمتهم على الإدلاء بأقواله في التحقيق مهدداً بالجزاء التأديبي الذي سيوقع عليه في حالة امتناعه أو سكوته، إذ أنه من المقرر وفق الأصول العامة للتحقيق أنه لا يسوغ إكراه متهم على الإدلاء بأقواله في التحقيق بأي وسيلة من وسائل الإكراه المادي والمعنوي)([78]).
ووفقاً لما تقدم فإن القضاء الإداري في مصر اعتبر صمت المتهم إهداراً لحقه في الدفاع ولم يعتبره مخالفة تأديبية تستوجب العقاب التأديبي ما لم يكن الامتناع عن المثول أمام سلطة التحقيق والامتناع عن الإدلاء بالأقوال مقترنة بإساءة لرؤسائه في العمل حيث يكون فعله في مثل هذه الحالة مخالفة تأديبية تستوجب مساءلته عنها حيث جاء في أحد قرارات المحكمة الإدارية العليا
(...أن امتناع الموظف أو العامل عن الحضور للتحقيق أو رفض إبداء أقواله يعد مخالفة تأديبية فيما لو ورد نص في لائحة الجزاءات يجرم هذا الفعل، ذلك أنه متى كانت لائحة الجزاءات المعمول بها في الشركة قد جعلت امتناع العامل عن الحضور للتحقيق أو رفض إبداء أقواله مخالفة تأديبية فلا وجه للقول أن امتناعه غير مؤثم لأنه تنازل عن حقه في الدفاع، وأساس ذلك أنه يجب على العامل أن يوطن على توقير رؤسائه والإقرار بحقهم في ممارسة اختصاصاتهم الرئاسية ومنها توجيهه والتحقيق معه لاستجلاء الحقيقية ... فامتناع الموظف أو العامل بغير مبرر صحيح عن إبداء أقواله في التحقيق الذي تجريه الجهة التي يعمل بها ينطوي على ما سبق وأن قضت به هذه المحكمة من تفويت لفرصة الدفاع عن نفسه وعلى مخالفة تأديبية أيضاً وإذا أقترن ذلك منه بما يتضمن الإساءة إلى إدارة الشركة بما قاله من عدم تبصرها بالأمور وعدم وعيها وانعدام عدالتها ينطوي على خروج منه على الواجب عليه كعامل بها يجب عليه أن يوطن نفسه عى توقير رؤسائه....)([79]).
وخلاصة القول أن صمت المتهم أمام السلطات التأديبية وإن كان يعد رخصة له إلا أن استعمالها في غير موضعها قد يؤدي إلى نتائج تضر بمصلحة المتهم نفسه ففي الوقت الذي يحاول المتهم دفع التهمة عنه بالتزام الصمت فإن هذا الصمت قد يقلل من مكنة الدفاع عن نفسه وقد يفسر من قبل السلطات التأديبية ضمنياً بعجزه عن الدفاع لافتقاره للأدلة والأسانيد وهذا ينعكس طبعاً على القرار الصادر بفرض الجزاء التأديبي.
أما في فرنسا فإن القانون الصادر في (15/يونيو/2000) أقر حق المتهم بالصمت وله الحرية في الإجابة أو عدم الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه([80]).
أما في فلسطين فنلاحظ أن نص المادة (90) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة (1998) المعدل اعتبرت الموظف الممتنع عن المثول أمام سلطة التحقيق والممتنع عن الإدلاء بإفادته في حكم المتغيب عن العمل من تاريخ رفضه الإدلاء بإفادته أمام لجنة التحقيق حيث اعتبر القانون الفلسطيني الإدلاء بالإفادة واجب والامتناع عنها مخالفة مسلكية إضافة لإهداره حقه في الدفاع.
أما نظام تأديب الموظفين السعودي ونظام الخدمة المدنية الأردني رقم (1) لسنة (1988) فلم يتضمنا نصاً صريحاً يعطي للموظف المحال للتحقيق الحق في الصمت وإنما أشار إلى ذلك ضمناً من خلال كفالة حق الدفاع وإن الصمت يعتبر من أهم مظاهر هذا الحق.
أما في العراق، فإن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل لم يتضمن نصاً صريحاً يشير إلى كفالة تحقيق الدفاع وما يتفرع عنه من مبادئ كحق الموظف المخالف بالصمت وهو بذلك أحال الأمر إلى القواعد العامة الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل حيث نصت المادة (126/ب) منه على أن (لا يجبر المتهم على الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه) كما منعت المادة (127) منه استعمال أية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره ويعتبر من الوسائل غير المشروعة إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقارات هذه النصوص يمكن تطبيقها على مستوى التحقيق الإداري أو على مستوى قضاء مجلس الانضباط العام، لذا نرى من الأوفق إشارة المشرع العراقي إلى حق الدفاع صراحة في قانون انضباط موظفي الدولة وما يتفرع عن هذا الحق من ضمانات للموظف المخالف المحال إلى اللجان التحقيقية ولا سيما أن العراق يأخذ بالنظام الرئاسي في التأديب وإن سلطة الإتهام وسلطة فرض العقوبة هي واحدة والمتمثلة في جهة الإدارة باعتبار أن المشرع قد أخذ بمبدأ فاعلية الإدارة لضمان استمرار سير المرافق العامة وهذا يقتضي كفالة ضمانات الدفاع مقابل تمتع الإدارة بمثل هذه السلطات التقديرية في تكييف أفعال الموظفين وفرض الجزاء بحقهم لذا كان من الأجدر الإشارة إلى تمكين الموظف من تحقيق دفاعه سواء في مرحلة التحقيق الإداري أو على صعيد مجلس الانضباط العام في صلب قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل، وعدم الإحالة للقواعد العامة في قانون الإجراءات وذلك لاختلاف طبيعة الجريمة التأديبية عن طبيعة الجرائم الجنائية وإن كان حق الدفاع واحد من حيث  المضمون في كلا النوعين من الجرائم المشار إليها آنفاً، إلا أن القانون التأديبي يجب أن ينفرد بنصوص تعالج حق الدفاع بما ينسجم وطبيعة النظام الوظيفي وإجراءات التحقيق الإداري وطبيعة المنازعات التأديبية أمام القضاء التأديبي.
ويثور التساؤل حول مدى امكانية اللجوء للكذب كوسيلة للدفاع :
إذا كان الصمت حقاً مقرراً للمتهم للدفاع عن نفسه فإن الكذب يعتبر مظهراً أخر من مظاهر الدفاع عن النفس، ورد التهم الموجهة إليه، ذلك أن حرية الدفاع تقتضي أن يلجأ الموظف للدفاع عن نفسه بالصدق وبالكذب، فالمتهم عندما يلجأ إلى الكذب له مبرراته ألا وهي الدفاع عن مصلحته إذ لا يقع على الموظف المتهم بارتكاب جريمة تأديبية التزاماً بمعاونة سلطة التحقيق في إنجاز أعمالها المتمثلة بإتهامه وإلا كنا أمام خرق لمبدأ أخر وهو حق المتهم في عدم تجريم نفسه أو إدانتها، فالأصل أن لا يجبر المتهم على إدانة ذاته بغض النظر عن وسائل الدفاع التي يستخدمها ومنها توسله بالكذب لرد التهمة عنه.
إلا أنه بسبب كون الكذب صفة مذمومة وغير حميدة، نهت عنها الشرائع السماوية والقيم الأخلاقية نجد أن جانباً من الفقه ذهب إلى إنكار حق المتهم في الالتجاء للكذب لرد التهمة عنه، ذلك لأن المتهم إن كان بريئاً يستلزم أن يكون دفاعه شريفاً وأن لا يلجئه ذلك إلى سلوك المسلك المشين في الدفاع.
كما أن توصل السلطات التحقيقية أو المحكمة التأديبية إلى حقيقة الأمور من خلال الأدلة الدامغة يؤدي إلى افتضاح المتهم وانعدام الثقة بدفاعه لكونه قد عمد إلى تشويه الحقيقة وبالتالي يوهن مركزه في الدفاع ويختلط صدق الأمور بكذبها وبالتالي فإن الكذب في هذه الحالة لا يجدي نفعاً بل قد يتسبب في مضرته، لذا فإن الموظف يحاسب على كذبه إذا ما تجاوز في ذلك حدود حق الدفاع كما لو أتخذ كوسيلة لتحدي الرؤوساء وإحراجهم والمساس بهم أو التشهير بالمسؤولين([81])، لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأن إدلاء الموظفين بأقوال غير صحيحة يشكل مخالفة تأديبية مبررة قضاءها بقولها (ينبغي على الموظف التزام الصدق في كل ما يصدر عنه من أقوال في مجال الوظيفة العامة، ولا وجه للقياس على ما يجوز قوله من أقوال غير صحيحة في مجال الدفاع عن النفس في المجال الجنائي، أساس ذلك أن الكذب في المجال الإداري يشكل مخالفة تأديبية)([82]).
أما في العراق فإن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل لم يتضمن نصاً صريحاً يشير إلى حق الموظف المخالف بالكذب لأغراض تحقيق دفاعه إلا أن المادة (15/خامساً) منه نصت على مراعاة مجلس الانضباط العام عند النظر في الطعون الخاصة بفرض العقوبات التأديبية أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل وبالقدر الذي يتلائم وأحكام هذا القانون وبالرجوع إلى نصوص القانون المذكور لم نجد ما يشير إلى حق المتهم بالكذب، وإنما أشار القانون المذكور إلى عدم جواز إجبار المتهم على الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه وفي حالة امتناعه عن الإجابة عن هذه الأسئلة أو كانت إجابته تخالف أو تتعارض مع أقواله السابقة فللمحكمة أن تأمر بتلاوتها وتسمع تعقيبه عليها وفي جميع الأحوال لا يجوز اعتبار الامتناع عن الإجابة دليلاً ضده([83]).
وخلاصة القول أن إباحة الكذب في مجال التأديب الإداري ليست مطلقة بلا حدود بل يجب أن يكون الكذب لأغراض الدفاع المشروع عن النفس بالامتناع عن قول الحقيقة أو تعمد إخفاؤها على جهة التحقيق لما يترتب على الإفشاء بها من مخاطر تقود إلى إدانته لاحقاً استناداً للقاعدة المعروفة لا يجبر الشخص على تقديم الدليل ضد نفسه أو ما يعرف بمبدأ تحريم تجريم النفس، كما يشترط أن يكون المتهم حسن النية في عدم قول الحقيقة أما إذا كان القصد من الكذب تحريف الحقيقة وإلصاق التهم بالآخرين أو الإساءة لرؤسائه بالعمل بقصد تشويش التحقيق وتضليل العدالة فإنه لا يكون حسن النية وبالتالي فإنه يكون مسؤولاً عن ذلك باعتباره قد تجاوز حدود الدفاع([84]).
4- عدم جواز تحليف الموظف المخالف اليمين القانونية :
إذا كانت القوانين التأديبية قد أقرت صراحة أو ضمناً حق الموظف المخالف في الصمت أو عدم قول الحقيقة استناداً للمبدأ المعروف بعدم جواز تجريم الذات أو النفس فإن حرية الدفاع تقتضي عدم جواز تحليف الموظف الخاضع للمساءلة التأديبية اليمين القانونية عند استجوابه من قبل سلطة التحقيق أو المحكمة التأديبية لأن في ذلك خرق لحق المتهم في إعداد دفاعه وإبداء أقواله بحرية، كما أن هذه الوسيلة تشكل ضغطاً معنوياً ونفسياً كبيراً على المتهم تدفعه إلى الإقرار وهذا يعرضه للجزاء التأديبي وعند ذلك تنهار منظومة الدفاع الخاصة بالموظف المخالف إذ أن الضغط النفسي والمعنوي الذي يترتب على أداء الموظف المخالف اليمين القانونية يؤدي إلى إهدار حقوق الدفاع الأخرى لأن الموظف قد يلجأ إلى الاعتراف والإقرار بذنبه أو إثمه موضوع المساءلة التأديبية وعند ذلك تنتفي الحاجة للاستعانة بمحامي أو الاستماع للشهود أو الامتناع عن الكلام.
وتعد قاعدة عدم جواز تحليف المتهم اليمين القانونية في مجال التأديب الإداري من المبادئ القانونية المستقرة في مرحلتي التحقيق والمحاكمة التأديبية إلاأنه من الملاحظ أن غالبية التشريعات قد نصت صراحة على ضرورة تحليف الشهود لليمين القانونية قبل الإدلاء بشهادتهم دون أن تشير صراحة إلى عدم جواز ذلك بالنسبة للمتهم فمثلاً المادة (36) من قانون مجلس الدولة المصري سابق الذكر نصت على أن (للمحكمة استجواب العامل المقدم للمحاكمة وسماع الشهود من العاملين وغيرهم ويكون أداء الشهادة أمام المحكمة بعد حلف اليمين....) وأيضاً ما نصت عليه المادة (137/ ب) من نظام الخدمة المدنية الأردني رقم (1) لسنة (2008) حيث جاء فيها (... ويشترط لتطبيق أحكام هذه الفقرة أن لا تسمع أقوال أي شاهد إلا بعد القسم القانوني) وكذلك ألزمت المادة (83) من تعليمات النيابة الإدارية في مصر بوجوب قيام الشاهد بحلف اليمين قبل أداء الشهادة ولا يجوز له أدائها بعد الشهادة والغاية في ذلك حمل الشاهد على أداء شهادته بالصدق تحت تأثير اليمين وتأنيب الضمير وإلا فإن أداء اليمين بعد الإدلاء بشهادته قد يدفعه للتهاون في أدائها ويدفعه للتهرب من سرد كافة الحقائق المتعلقة بموضوع الشهادة، ويستفاد من هذه النصوص عدم إجازة المشرع الضمنية لتحليف المتهم اليمين ولو أراد غير ذلك لنص على الإجازة صراحة على نحو ما فعل بالنسبة للشاهد([85])، إن عدم جواز تحليف المتهم اليمين القانونية هو مبدأ يتفق مع العدالة والمنطق السليم إذ أن الغاية من إلزام الشاهد بأداء اليمين القانونية قبل الإدلاء بشهادته هو حمله على قول الصدق وعدم التهاون في إخفاء الحقائق في حين يكون من غير المنطقي تحليف المتهم اليمين القانونية لحمله على قول الحقائق التي تؤدي إلى إدانة نفسه، لذا كان تحليف المتهم اليمين القانونية خرقاً لحرية الدفاع وخصوصاً إذا ما كان المتهم يقع تحت تأثير الوازع الديني لعقيدته مما يجعله في حالة أداء اليمين أمام خيارين أحلاهما مراً أما قول الحقيقة بتجريم نفسه أو الكذب وهذا يخالف عقيدته الدينية لذا نجد أن الفقه يجمع على تحريم تحليف المتهم لليمين ورتب البطلان كجزاء لمخالفة هذه القاعدة لما يترتب عليها من خرق لمبدأ حرية الدفاع إذ لا يجوز للمتهم أن يكون شاهداً على نفسه وبالتالي لا عبرة بأقوال المتهم التي من شأنها تجريم ذاته تحت تأثير الضغط المعنوي لليمين([86]).
أما في العراق نجد أن المشرع العراقي وإن كفل حق الدفاع باعتباره حق مقدس بموجب نص المادة (19/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لعام (2005) إلا أن قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة (1991) المعدل لم يتطرق صراحة إلى كفالة تحقيق دفاع الموظف الخاضع للمساءلة التأديبية وما يتفرع عنها من ضمانات ومنها الضمان المتعلقة بعدم جواز تحليف المتهم اليمين القانونية وإحالة ذلك إلى المبادئ العامة وهذا منهج قد شذ عن غالبية القوانين التأديبية التي أكدت على حق الدفاع ومقوماته([87]).


الخاتمـــة :
لقد تناولنا فيما سبق بشيء من التفصيل حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري، إذ غالباً ما يُبحث موضوع الدفاع في نطاق القانون الجنائي، لذا نجد أن هذا الحق قد تطور في المجال الجنائي قبل أن تنتقل مبادئه إلى مجال القانون التأديبي وإن كانت هنالك بعض المشتركات ما بين القانون الجنائي والقانون التأديبي من حيث الإجراءات وموانع المسؤولية وأسباب الإباحة إلا أن هذا التماثل في بعض المشتركات لا يعني التطابق بين هذين القانونين فلكل واحد منهم ميزاته وذاتيته الخاصة لذا فإن حق الدفاع وحماية حق المتهم في محاكمة عادلة وإن كان هو نفسه في كلا القانونين من حيث المبدأ إلا أن مجال وآليات التطبيق تختلف وتتراوح ما بين التشديد والتخفيف بين القانونين وقد توصلنا من خلال البحث الموضوعي المتعمق للنتائج والمقترحات الآتية :
النتائج :
1- إن حق الدفاع هو حق طبيعي لصيق بالإنسان وهو حق شخصي يستهدف بالأساس حماية مصلحة المتهم في إجراءات ومحاكمة عادلة مستوفية لكافة الضمانات اللازمة لتحقيق هذا الدفاع ومن جانب أخر يستهدف هذا الحق تحقيق مصلحة المجتمع في معاقبة الموظف المخالف لواجباته وفي عدم معاقبة الموظف البريء لذا فإن هذا الحق يستهدف في مضمونه العام تحقيق العدالة وتحقيق التوازن بين الرابطة الإجرائية التي تعطي للإدارة الحق في توجيه الإتهام وفرض العقوبة التأديبية على الموظف المخالف وبين حق هذا الموظف في رد التهم الموجهة إليه بما يضمن فكرة العدالة بمعناها العام.
2- إن هذا الحق يجد أساسه في النصوص الدستورية والمواثيق العالمية وإعلانات حقوق الإنسان لذا وصف أنه حق ذو سمة عالمية بسبب ارتباط القانون التأديبي بالقانون الإداري ولكون القانون الإداري قانون حديث النشأة نسبياً مقارنة بالقانون الجنائي لذا نجد أن تبلور حق الدفاع في نطاق التأديبي الإداري جاء متماشياً مع التطور الحاصل في القانون الإداري ذاته الذي أستمد الكثير من قواعده من المبادئ العامة للقانون وقد كان لمجلس الدولة الفرنسي السبق في استيحاء هذا الحق من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي لعام (1789) ومقدمة دساتير الجمهورية الفرنسية للأعوام (1946 و 1958) وإصرار مجلس الدولة الفرنسي على تطبيق هذا المبدأ بالرغم من عدم وجود نصوص مكتوبة منطلقاً من القوة الذاتية للمبادئ العامة للقانون لذا نجد أن خلافاً ثار بين الفقهاء حول تحديد القيمة القانونية لمبدأ حق الدفاع في نطاق التأديب الإداري فذهب البعض إلى أن يتمتع بالقيمة الدستورية وذهب البعض إلى إضفاء قيمة التشريع العادي عليه في حين ذهب البعض إلى اعتبار هذا المبدأ في منزلة وسطى ما بين التشريع العادي واللائحة فإذا غاب النص في التشريع وجب الرجوع إلى هذا المبدأ أما في العراق فإن المشرع العراقي قد أضفى على حق الدفاع القيمة الدستورية عندما اعتبره حق مقدس لا يجوز المساس به حيث نصت المادة (19/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة (2005) على أن (حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة).
3- إن لحق الدفاع مقومات تعتبر هي الضمانات الرئيسة لهذا الحق وهذه المقومات هي الحق في مواجهة الموظف بالتهمة المنسوبة إليه، والحق بالإطلاع على الملف التأديبي والحق في الإطلاع على لوائح العمل كما هو الحال في القانون الإنكليزي ومبدأ حرية الدفاع الذي من أهم مظاهره الحق في الاستعانة بمدافع في مرحلتي التحقيق والمحاكمة التأديبية والحق بالاستشهاد بالشهود والحق في عدم جواز تحليف الموظف المخالف اليمين القانونية باعتبار ذلك يشكل ضغطاً معنوياً ونفسياً على المتهم يخل بدفاعه والحق بالصمت أو ما يعرف بـ(الحق في عدم تجريم النفس) ، إن هذه المبادئ لها جذورها التاريخية في الحضارات القديمة ثم تطورت مفاهيمها وتطبيقاتها على صعيد القانون الجنائي وتم توظيف هذه المبادئ من قبل القضاء الإداري في المنازعات التأديبية.
4- إن بعض القوانين التأديبية قد نصت صراحة على حق الموظف المخالف في تحقيق دفاعه ورتبت البطلان جزاء عدم مراعاة الضمانات الأساسية للموظف المتهم بارتكابه مخالفة تأديبية ومنها القانون الفرنسي والمصري والأردني، في حين نجد أن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل لم ينص على هذا الحق صراحة ولا على ضمانات تحقيق الدفاع وأحال ذلك إلى المبادئ العامة الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل حيث نصت المادة (15/خامساً) قانون انضباط موظفي الدولة آنف الذكر على أن (يراعي مجلس الانضباط العام عند النظر في الطعن أحكام أصول المحاكمات الجزائية وبما يتلائم وأحكام هذا القانون وتكون جلساته سرية).

التوصيات :
1- ندعو المشرع العراقي إلى النص صراحة على حق الموظف المتهم بارتكابه مخالفة تستوجب الجزاء التأديبي في تحقيق دفاعه بنصوص قانونية صريحة وكان عليه تلافي هذا النقص التشريعي في تعديله الأخير لقانون انضباط موظفي الدولة رقم (5) لسنة (2008) لتكون نصوصه متلائمة مع الدستور الذي عدّ حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وهذا من مقتضاه تعديل النصوص القانونية في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل بما يكفل هذا الحق الدستوري حيث نصت المادة (13) من الدستور بأن الدستور يعد القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في أنحائه كافة دون استثناء ولا يجوز سن قانون يتعارض وأحكامه ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني أخر يتعارض معه في حين نجد أن قانون انضباط موظفي الدولة رقم (69) لسنة (1936) (الملغى) رغم النقص والقصور الذي شابه وكان موضع نقد الفقهاء إلا أن المادة (23) منه أجازت الاستعانة بمحام عند حضور الموظف لجلسات مجلس الانضباط العام وهذا النص وإن كان قد قصر حق الاستعانة بمحامي أمام مجلس الانضباط العام دون مرحلة التحقيق إلا أنه نص على هذا الحق صراحة في حين أن قانون انضباط موظفي الدولة الحالي لم يشير إلى هذا الحق نهائياً.
2- وجوب أن يتضمن قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة (1991) كافة الضمانات المقررة لحق الدفاع والتي تشمل (تنبيه الموظف المسبق إلى لوائح العمل والمحظورات، وإبلاغ الموظف المتهم بالمخالفة المنسوبة إليه تحريرياً، الحق في الإطلاع على الملف التأديبي وطلب تزويده بصورة منه لأغراض إعداد دفاعه، الحق في الاستعانة بمحامي في مرحلة التحقيق الإداري والمحاكمة التأديبية، الحق في عدم جواز تحليفه اليمين القانونية، الحق في الصمت وعدم اعتبار ذلك قرينة ضد المتهم، الحق بالاستشهاد بالشهود ومناقشتهم، الحق في تقديم الوثائق والمستندات والبيانات التحريرية التي تثبت براءته.
3- على القضاء الإداري في العراق متمثلاً بمجلس شورى الدولة أن يعزز هذا المبدأ في تطبيقاته القضائية وأن يسهب في تسبيب الأحكام الصادرة منه لإرساء مبادئ قانونية عامة يمكن الركون إليها عند غياب النص حيث أن أحكام المجلس المذكور تعتبر فقيرة فيما يتعلق بحق الدفاع وضمانات التأديب وآليات تطبق هذه الضمانات.
4- تنظيم إجراءات التبليغ والمثول أمام اللجان التحقيقية وبيان آلية ضبط وإحضار الموظف المخالف والشاهد الممتنع عن الإدلاء بشهادته أمام سلطة التحقيق، وتنظيم إجراءات تفتيش الموظف أو مسكنه أو مكتبه إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك مع كفالة حقوق الموظف قبل هذه الإجراءات.
5- تنظيم العلاقة ما بين اللجنة التحقيقية والسلطة الرئاسية التي تشكلها بما يضمن تحقيق نوع من الفصل والاستقلالية بين سلطتي الإتهام والمحاكمة إذ أن وحدة سلطة الإتهام والمحاكمة تؤدي إلى إهدار مبدأ الحياد أو الموضوعية وإهدار لضمانات المتهم في الدفاع عن نفسه وخصوصاً عندما تتعسف السلطة الرئاسية في فرض أرائها وقناعاتها اتجاه الموظف المخالف على اللجنة التحقيقية وبالتالي التأثير على توصياتها.

                                                                       



([1]) انظر مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 2008، باب القاف، فصل الحاء، ص939.
([2]) انظر د. محمد خميس، الإخلال بحق المتهم في الدفاع، منشأة المعارف، ط2، 2006، ص19.
([3]) انظر د. حاتم بكار، حماية حق المتهم في محاكمة عادلة، منشأة المعارف في الإسكندرية، بدون سنة طبع، ص51، هامش رقم (1).
([4]) أصحاب هذه النظرية هم من كبار الفقهاء الألمان أمثال (فيندشايد) و(سافيني) و(جيرك)، ولمزيد من التفصيل انظر د.رمضان أبو السعود، شرح مقدمة القانون المدني، النظرية العامة للحق، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1999، ص19 وما بعدها.
([5]) القائل بهذه النظرية الفقيه الألماني (أهرنج)، ولمزيد من التفصيل انظر د. رمضان أبو السعود، المرجع السابق، ص33 وما بعدها.
([6]) انظر د. حسن كيرة، المدخل لدراسة القانون، القسم الثاني، النظرية العامة للحق، مكتبة مكاوي، بيروت، 1977، ص523.
([7]) انظر د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، مكتبة مكاوي، بيروت، لبنان، 1975، ص468.
([8]) انظر د. محمد خميس، المرجع السابق، ص19.
([9]) انظر الفيروز آبادي، المرجع السابق، باب العين، فصل الدال، ص769.
([10]) انظر د. حسن محمد علوب، استعانة المتهم بمحام في القانون المقارن، أطروحة دكتوراه، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1970، ص71.
([11]) انظر د. هلالي عبد اللاه أحمد، المركز القانوني للمتهم في مرحلة التحقيق الابتدائي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1989، ص138 وما بعدها.
([12]) انظر د. حسن صادق المرصفاوي، ضمانات المحاكمة في التشريعات العربية، مطبعة محرم بك، الاسكندرية، 1970، ص92.
([13]) انظر د. حسنين عبيد، الوجيز في قانون العقوبات، دار النهضة، 1988، ص232.
([14]) انظر د. حاتم بكار، المرجع السابق، ص239، بند 291.
([15]) لمزيد من التفصيل انظر د. سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، المطبعة العالمية، ط3، 1986، ص413.
([16]) انظر د. محمد خميس، المرجع السابق، ص21.
([17]) نقلاً عن د. حاتم بكار، المرجع السابق، ص52، هامش رقم (1).
([18]) انظر د. فاروق أحمد خماس، الرقابة على أعمال الإدارة، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، بدون سنة طبع، ص11.
([19]) تزعم هذا الاتجاه الفقيه الألماني (Joseph Barthelemy)، لمزيد من التفصيل انظر د. حاتم بكار، المرجع السابق، ص54.
([20]) يذهب الدكتور سمير تناغو في كتابه (النظرية العامة للقانون) إلى أن العدل والإنصاف متطابقان وكلاهما مرغوب فيه، غاية ما في الأمر أن الإنصاف عدل، ولكن ليس عدلاً بالمطابقة للقانون وإنما تحسين لما يعتبر عدلاً بحسب القانون وهو لذلك يبرز في حالة عدم وجود نص تشريعي، حيث يتعين على القاضي إيجاد حل للنزاع باجتهاده نقلاً عن :
د.حاتم بكار، المرجع السابق، ص57، هامش رقم (1).
([21]) المائدة، الآية 42.
([22]) النساء، الآية 58.
([23]) النساء، الآية 65.
([24]) انظر محمود عايش متولي، ضمانات العدالة في القضاء الإسلامي، دار الكتب العالمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003، ص46، كذلك انظر أ. د. محي هلال السرحان، النظرية العامة للقضاء في الإسلام، مطبعة هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف السني، بغداد، 2007، ص22.
([25]) انظر د. حاتم بكار، المرجع السابق، ص36.
([26]) لمزيد من التفصيل انظر د. حاتم بكار، المرجع السابق، ص42 وما بعدها
([27]) انظر مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([28]) لمزيد من التفصيل انظر بحث مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([29]) انظر المادة (240) من قانون العقوبات اللبناني، والمادة (124) من قانون العقوبات المصري.
([30]) ذهب جانب من الفقه في فرنسا وعلى رأسهم الأستاذ (Rivero) والأستاذ (Jeanneau) إلى اعتماد أربعة أساليب من قبل مجلس الدولة الفرنسي لخلق وابتداع المبادئ القانونية وبضمنها (مبدأ الدفاع) وهي :
1- إنشاء المبدأ العام بطريق التعميم ابتداءاً من نصوص جزئية.
2- استخلاص المبدأ العام من روح نص قانوني معين أو مجموعة من النصوص.
3- إنشاء المبدأ العام من جوهر النظام القانوني أو من طبيعة الأشياء.
4- إنشاء المبدأ العام من المعتقدات الدفينة في ضمير الأمة.
      لمزيد من التفصيل انظر–مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام- بحث منشور على الموقع الإلكتروني : (http://ar.jurispedia.org).
([31]) ومن هؤلاء المفوض (Bouffand eau) الذي يفسر أن المبادئ العامة هي قواعد قانونية غير مكتوبة لها قيمة التشريع ومن ثم فهي تلزم السلطة اللائحية والسلطة الإدارية طالما لم يخالفها نص قانوني وضعي، وكذلك مفوض الحكومة (Chenot) الذي بَينَ في حكمه الصادر في قضية (Guiesse) أن المبادئ العامة للقانون لها قيمة التشريع التي تنطبق على كافة أقطار الأرض الفرنسية، انظر مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام، مرجع سابق،
بحث منشور على الموقع الإلكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([32]) انظر : بحث مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([33]) رأي للدكتور فؤاد العطار، مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([34]) رأي للأستاذ الدكتور محمد فؤاد المهنا، مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظف العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([35]) رأي للدكتور مصطفى أبو زيد فهمي، مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظفين، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([36]) رأي للدكتور محمد رفعت، مبدأ حق الدفاع في تأديب الموظفين، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الأنترنيت) على الموقع الألكتروني (http://ar.jurispedia.org).
([37]) انظر د. محمد سعد فودة، النظام القانوني للعقوبات الإدارية، دراسة فقهية قضائية مقارنة، 2006-2007، ص178.
([38]) انظر أمجد جهاد نافع عياش، ضمانات المساءلة التأديبية للموظف العام، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين، 2007، ص4.
([39]) انظر د. محمد سعد فودة، المرجع السابق، ص180، كذلك انظر د. عبد الغني بسيوني عبد الله، النظرية العامة في القانون الإداري، دراسة مقارنة لأسس ومبادئ القانون الإداري وتطبيقها في مصر، منشأة المعارف، في الاسكندرية، 2003، ص361.
([40]) انظر أمجد جهاد نافع عباس، المرجع السابق، ص5، كذلك انظر د. سليمان الطماوي، القضاء الإداري، قضاء التأديب، دراسة مقارنة، ك3، دار الفكر العربي، مصر، 1979، ص566.
([41]) انظر د. عمرو فؤاد أحمد بركات، السلطة التأديبية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1979، ص236.
([42]) انظر الموقع الإلكتروني : http:// www.mohamoon -bh.com.
([43]) انظر أ.د. غازي فيصل مهدي، شرح أحكام قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة (1991) المعدل، 2006، ص71، كذلك انظر القسم (7) من مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (12 / 2004)، إدارة نظام قضائي مستقل.
([44]) نصت المادة (19/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة (2005) على أن (حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة).
([45]) انظر د. علي خطار شطناوي، دراسات في الوظيفة العامة، منشورات الجامعة الأردنية، 98/1999، ص337،
كذلك انظر المادة (47/ أ) من نظام الخدمة المدنية الأردني رقم (55) لسنة (2002).
([46]) انظر قرار محكمة العدل العليا الأردنية (142/ 71) المنشور في مجلة نقابة المحامين الأردنية، العدد 1، سنة (1973) ص25، نقلاً عن أمجد جهاد نافع، المرجع السابق، ص8.
([47]) انظر د. علي جمعة محارب، التأديب الإداري في الوظيفة العامة – دراسة مقارنة في النظام العراقي والمصري والفرنسي والانكليزي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2004، ص232، ص234، وكذلك انظر في المعنى نفسه
أ.د. غازي فيصل مهدي، شرح قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14)  لسنة (1991) المعدل، المرجع السابق، ص70.
([48]) انظر محمد حسن فودة، المرجع السابق، ص181.
([49]) انظر الموقع الإلكتروني، مبدأ الدفاع في مجال المحاكمة التأديبية (http:// ar.jurispedia.org).
([50]) انظر د. علي جمعة محارب، المرجع السابق، ص270.
([51]) انظر د. سعد الشتيوي، التحقيق الإداري في نطاق الوظيفة العامة، دار الفكر الجامعي، 2007، ص126.
([52]) انظر د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة، منشأة المعارف في الاسكندرية، 2008، ص224.
([53]) انظر د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص126.
([54]) انظر د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة، المرجع السابق، ص226.
([55]) تشكلت النيابة الإدارية في مصر بموجب القانون رقم (117) لسنة (1958) وقد عدت هيئة قضائية استناداً لنص المادة الأولى من قانون التعديل رقم (12) لسنة (1989).
([56]) صدرت تعليمات النيابة الإدارية بموجب قرار هيئة النيابة الإدارية المرقم (136) لسنة (1994)، ولمزيد من التفصيل انظر د. عبد الفتاح بيومي حجازي، أصول التحقيق الابتدائي أمام النيابة الإدارية، دار الكتب القانونية، مصر، 2007، ص18 وص223 وص224.
([57]) انظر أبي الحسن محمد بن يحيى بن سراقة العامري البصري الشافعي، أدب الشهود، دراسة وتحقيق أ.د. محي هلال السرحان، ط1، بغداد، 1999، ص65.
([58]) سورة الطلاق، الآية2.
([59]) انظر أبي الحسن محمد بن يحيى بن سراقة العامري البصري الشافعي، المرجع السابق، ص66.
([60]) د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص129.
([61]) المادة (83) من تعليمات النيابة الإدارية.
([62]) انظر حكمها في الطعن المرقم (646) لسنة (72 ق/ جلسة (5/11/ 1988) نقلاً عن د. عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص114.
([63]) انظر د. عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص115.
([64]) انظر د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص130.
([65]) انظر المواد (85، 87، 89) من تعليمات النيابة الإدارية في مصر.
([66]) حكم المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم (3858) لسنة (35-ق-مجموعة سنة 33- ص497) نقلاً عن د. سعد الشتيوي، المصدر السابق، ص131.
([67]) انظر د. حسام الدين محمد أحمد، حق المتهم في الصمت، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، ط4، 2006، ص15 وص16 وص18.
([68]) انظر د. حسام الدين محمد أحمد، المرجع السابق، ص19 وص20.
([69]) سورة النجم، الآية 28، ولمزيد من التفصيل انظر أ. د. مصطفى إبراهيم الزامي، الشرعية والقانون، أربيل، 2010، ص54.
([70]) سورة النحل، الآية 106.
([71]) انظر د. حسام الدين محمد أحمد، المرجع السابق، ص26.
([72]) المقصود بذلك النظام الاتهامي، ونظام التنقيب والتحري، والنظام المختلط.
([73]) لمزيد من التفصيل انظر د. حسام الدين محمد، المرجع السابق، ص41، كذلك انظر د. محمد خميس، المرجع السابق، ص217.
([74]) انظر المادة (11/ 1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في (10/ 12/ 1948) على سبيل المثال والمواد (2، 3) من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لعام 1953 والمادة (2) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام (1969).
([75]) انظر المادة (19) من دستور جمهورية العراق لعام (2005)، والمادة (42) من الدستور المصري والمادة (13) من الدستور الإيطالي.
([76]) انظر د. حسام الدين محمد أحمد، المرجع السابق، ص124.
([77]) انظر د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص119.
([78]) حكمها في جلسة (30/ 8/ 1998) الطعن رقم (3494) لسنة (43)، نقلاً عن د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص120.
([79]) حكمها في الجلسة المؤرخة (22/ 11/ 1988) الطعن رقم (2255) لسنة (33 –ق عليا) أورده المستشار ممدوح طنطاوي، الدعوى التأديبية، ط1، المكتب الجامعي الحديث، 2001، ص434.
([80]) انظر د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص119.
([81]) انظر د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص214.
([82]) حكمها في الجلسة المؤرخة (12/ 3/ 1988)، الطعن المرقم (128) لسنة (30 ق)، نقلاً عن د. سعد الشتيوي، المرجع السابق، ص122.
([83]) انظر المواد (126/ ب) و(179) و(180) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971) المعدل.
([84]) انظر د. منصور إبراهيم العتوم، المسؤولية التأديبية للموظف العام، دراسة مقارنة، ط1، 1984، ص324. كذلك انظر د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص214.
([85]) انظر د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص215.
([86]) انظر د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، المرجع السابق، ص216.
([87]) نصت المادة (126/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة (1971) المعدل على أن (لا يحلف المتهم اليمين إلا إذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين).