السبت، 28 نوفمبر 2015

التحكيم الالكتروني ماهيته ، إجراءاته أ‌. أسامة إدريس بيدالله عضو هيأة تدريس بكلية القانون جامعة قاريونس

التحكيم الالكتروني   ماهيته ، إجراءاته
 
أ‌. أسامة إدريس بيدالله عضو هيأة تدريس بكلية القانون
جامعة قاريونس
                                         
توطئة
       بعد شيوع استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في إنجاز الأعمال الإلكترونية وإبرام العقود وتنفيذها عبر شبكة الإنترنت ، اتجه التفكير إلى استخدام نفس هذه التقنيات الإلكترونية لتسوية ما قد ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات ، بمعنى أن إجراءاتها تجري عبر شبكات الوسائل الإلكترونية .
     ويلاقي التحكيم ازدهاراً ملحوظاً في العصر الحديث في مجال المعاملات والتجارة الدولية أمام ما يمكن أن نقول عنه عودة النزعة الفردية وحرية التبادل التجاري وسلطان الإرادة ؛ حيث يعد اللجوء إليه ادعى بالنسبة للتجارة الالكترونية التي تقوم على السرعة في الإبرام والتنفيذ ولا تتمشى مع بطء وغموض إجراءات القضاء العادي .
     فعندما يثار إشكالات في مثل هذه العقود التي تبرم وتنفذ في العالم الافتراضي ، يرغب الأفراد في حلها بذات الطريقة  ومع أن التحكيم التقليدي المتعارف عليه دولياً في حل منازعات التجارة الدولية سريع وغير مكلف مادياً بالنسبة للأطراف ، إلا أن هذا التحكيم يبقى بالنسبة لمعاملات التجارة الإلكترونية بطيئاً ومكلفاً ، وذلك بسبب ضآلة المبالغ المادية أو التعويض المطالب به في غالب الأحيان ، وما قد يؤدي إليه ذلك البطء والتكاليف من تقاعس الأفراد والمستهلكين وحتى التجار عن المطالبة بحقوقهم ، إضافة إلى ما يتطلبه من تبادل مادي للبيانات والطلبات والدفوع من الأطراف والاستماع للشهود وغير ذلك من الأمور .
   وعليه سوف يتم إيضاح بعض المواضيع المتعلقة بهذه الوسيلة بنوع من الإيجاز على النحو الأتي :
المطلب الأول : ماهية التحكيم الإلكتروني .
المطلب الثاني : إجراءات التحكيم الإلكتروني .
     ثم يعقب ذلك خاتمة فيها بعض النتائج والتوصيات ذلك ضماناً لسلامة البحث من الناحية الشكلية .


المطلب الأول : ماهية التحكيم الالكتروني

أولاً : مفهوم التحكيم

    تباينت وتعددت التعريفات الخاصة بالتحكيم وذلك وفقاً للزاوية التي يتناول كل فقيه منها التحكيم .
فيعرفه البعض بأنه : نظام قضائي خاص يختار فيه الأطراف قضائهم ، ويعهدون إليهم بمقتضى اتفاق مكتوب بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل بينهم بخصوص علاقاتهم التعاقدية أو غير التعاقدية والتي يجوز حسمها بطريق التحكيم ، وفقاً لمقتضيات القانون والعدالة وإصدار قرار قضائي ملزم لهم .(1)
    وهناك من يعرف التحكم بأنه : الاتفاق على عرض النزاع أمام محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بدلاً من المحكمة المختصة وذلك بحكم ملزم للخصوم شريطة أن يقر المشرع هذا الاتفاق شرطاً كان أم مشارطة.(2)
    وعلى ذلك فالتحكيم يقوم أساساً على مبدأ سلطان الإرادة، بمعنى انه يجب أن يكون لإرادة الخصوم شأن فيه ، بحيث إذا محيت هذه الإرادة فلا يعتبر تحكيماً وإنما هو قضاء دولة ، إلا أن هذه الإرادة لا تكفي دائماً ، بل لابد أن يقر المشرع اتفاق الخصوم ، بمعنى أن يجيز المشرع للخصوم اللجوء التي التحكيم ، فإرادة الخصوم مع إقرار المشرع لهذه الإرادة الجوهر القانوني للعملية التحكيمية ، ومتى وضحت هذه الإرادة وفق الشكل الذي يتطلبه القانون التزم الخصوم بحسم النزاع عن طريق التحكيم ويلتزمون بحكمه، وتنتهي اثر إراداتهم عند هذا الحد .
    ولكن يثور التساؤل التالي وهو هل التحكيم الالكتروني يشكل تطوراً للتحكيم التقليدي أم هو بديل عنه ؟
    ذهبت بعض الآراء إلى التقرير بان التطور التكنولوجي تبعه تطور في كل شيء مثل الرسائل التي أصبحت الكترونية ولا تحتاج إلى أوراق أو استخدام الفاكس أو البريد .
    بينما يرى البعض الآخر بأنه لا يمكن تصور التحكيم بلا المتطلبات التقليدية مثل الكتابة على الورق، الاجتماعات المادية أي الحضور الشخصي لجلسات التحكيم لكل الأطراف والهيئة والتي هي من المظاهر اليومية للتحكيم .
    في حين يقرر اتجاه ثالث بأن التحكيم التقليدي لا يجب أن يأخذ قالباً الكترونياً، كما أن البيئة الالكترونية لا يجب أن تستخدم التحكيم التقليدي .(3)
    ويرى البعض (4) أنه لا يمكن إنكار دور قواعد ومبادئ التحكيم التقليدي في المساهمة في بزوغ التحكيم الالكتروني، إلا انه في نفس الوقت لا يجب إغفال وجود قواعد وأعراف جديدة شكلت نوعاً من الاستقلالية للنوع الجديد من التحكيم ، وينبغي دراستها كنوع مستقل من أنواع الحلول البديلة للمنازعات، فقد نشأ التعاقد عبر الانترنت على التحكيم قبل صدور قوانين المنظمة للتحكيم الالكتروني ، وقد رتب آثارا لا يمكن تجاوزها رغم عدم المرجعية إلى أي من الاتفاقيات ، ورغم إمكانية أبطال القرار التحكيمي ككل إذا ما طبقنا عليه قواعد الاتفاقيات الدولية ( السابقة على نشؤ التحكيم الالكتروني ) والتي مازالت سارية بهذه الخصوص كاتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية .
     وفي نفس الوقت فإن إمكانية عقد إجراءات ولقاءات التحكيم قد جاء نتيجة تطور التكنولوجيا، ففي بعض الحالات يتم انعقاد كامل المؤتمر أو الندوة الكترونياً عبر الانترنت دون التقيد بشكليات قانونية، ولا شك أن آثار هذه المؤتمرات والندوات لا يمكن إنكارها .
    وعليه فليس صحيحاً قصر تعريف التحكيم الالكتروني على انه التحكيم عبر تبادل الوثائق فقط ، حيث أن التحكيم الالكتروني قد يتم إجراؤه بشكل كامل أو جزئي عبر الانترنت أو وسائل الاتصال الالكترونية الأخرى مثل :
أولاً : الاتفاق الالكتروني على إجراء التحكيم سواء فيما بين الأطراف أنفسهم أو فيما بينهم وبين هيئة أو مركز التحكيم وذلك عبر تبادل الرسائل الالكترونية بين الأطراف ابتداءً ، وما بينهم وبين مركز التحكم الالكتروني أو تعبئة نموذج خاص ببعض مراكز التحكيم التي تمارس أعمالهم من خلال الانترنت .
ثانياً : أن تتم إجراءات التحكيم عبر وسائل الكترونية ، كانعقاد الجلسات عن طريق الانترنت بواسطة استخدام الوسائل المرئية أو السمعية، أو حتى بواسطة تبادل الرسائل الالكترونية فيما بين أعضاء هيئة التحكيم ، وفي مراحل متقدمة أكثر فإنه من الممكن سماع شهادة الشهود وإصدار القرار التحكيمي الكترونياً .
    ومن ثم يقرر البعض(1) بأن المفهوم التحكيم الالكتروني لا يختلف عن المفهوم المتعارف عليه للتحكيم كإجراء خاص بحسم منازعات التجارة الدولية وإن تميز في الآلية التي يتم بها هذا الإجراء من بدايته إلى نهايته باستخدام الانترنت وغيره من وسائل الاتصال الحديثة كالكمبيوتر والفاكس وغيرها .
    وبعبارة أخرى فإن الإجراء كله يتم الكترونيا بدءاً من الاتفاق على التحكيم بملء النموذج الذي يرسل بعد ذلك إلى الطرف الآخر ، فيكون بذلك قد تمت دعوته إلى التحكيم إذا قبل المشاركة فيه بقبول الدعوى التي رفعت ضده  مروراً بتبادل المستندات وسماع الشهود والخبراء وانتهاء بصدور حكم يتعهد الأطراف باحترامه أياً كانت القوانين والمعاهدات الواجبة التطبيق وللمحكوم لصالحه الحصول على القوة التنفيذية لهذا الحكم .
    وعلى ذلك يمكن تعريف التحكيم الالكتروني بأنه « التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة الانترنت ، وفق قواعد خاصة دون الحاجة إلى التقاء أطراف النزاع والمحكمين في مكان معين ».(2)
    وقد عُنيت التشريعات الدولية بهذا النوع من التحكيم وأشارت إليه في العديد من النصوص والتوصيات ؛ حيث أن الهدف من التحكيم الالكتروني هو تنقية وتأمين بيئة العمل الالكتروني ، وما يتصل بها من خلال تسوية أو حل المنازعات الالكترونية القائمة وتقديم الخدمات الاستشارية التي من شأنها منع حدوث المنازعات من اجل مجتمع رقمي معافى .

ثانياً : الطبيعة القانونية للتحكيم الالكتروني

    إن ارتكاز التحكيم على الاتفاق ( العقد ) في مصدره وانتهائه بقرار يشبه إلى حد كبير الحكم القضائي أدى إلى اختلاف الفقه حول طبيعته القانونية (1) وتفصيل ذلك على النحو التالي :

أ - الطبيعة التعاقدية للتحكيم :
    اختلف الفقه والقضاء حول تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم بصفة عامة ، فاعتبر البعض التحكيم عقداً رضائياً ملزماً للجانبين من عقود المعاوضة .
     وقد استند هذا الاتجاه إلى أنه طالما أن نظام التحكيم يقوم على أساس مبدأ سلطان الإرادة ، فإن له طابع تعاقدي فالأطراف باتفاقهم على التحكيم يتخلون عن بعض الضمانات القانونية والإجرائية التي يحققها النظام القضائي وذلك بهدف تحقيق مبادئ العدالة والعادات التجارية وإتباع إجراءات سريعة واقل رسمية من إجراءات المحاكم .
     هذا بالإضافة إلى أن الصفة التعاقدية يحتمها أيضاً اعتبار التحكيم من أدوات المعاملات الدولية ، ولاشك أن التجارة الدولية أو المعاملات الدولية تعترضها التشريعات والقضاء في مختلف الدول ، ولا يمكن تحرير المبادلات الدولية إلا عن طريق العقد لما يتصف به من طابع دولي ومن ثم فلن تقم للتحكيم قائمة بدون جوهره التعاقدي .(2)
     فاتفاق التحكيم هو الذي يؤدي إلى إخراج النزاع من سلطان القضاء وإسناده إلى محكم خاص ، ويعين في ذات الوقت القواعد الإجرائية الواجب إتباعها والقانون الواجب تطبيقه ، ولذلك فإن القرار الذي يصل إليه المحكم في النهاية هو محصلة لتطبيق الشروط التي اتفق عليها الطرفان ولذلك يكتسب التحكيم الصفة التعاقدية .(3)
     ويرى أنصار هذا الاتجاه أن كل مراحل التحكيم تدل بوضوح على أنه ذو طبيعة تعاقدية ويتضح ذلك من خلال الآتي :
1 . إن الغاية أو الهدف من التحكيم هو رغبة الأطراف في حل نزاعهم بطريقة ودية عن طريق إخراج النزاع من سلطان القضاء ، وإسناده إلى محكم خاص وقبول الطرفين بالقرار الذي يصدره المحكم .(4)
2 . إن التحكيم يهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة لأطراف عقد التحكيم ، وذلك عكس القضاء الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة هي إقامة العدالة .(5)
3 . إن مصدر سلطة المحكم في حل النزاع بين الطرفين هو اتفاق التحكيم ورضاء الخصوم بالقرار الذي يصدره المحكم وعلى ذلك فالمحكم يستمد سلطته من إرادة الأطراف ، وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه السلطة قضائية .(6)
4 . إن المحكم يمكن أن يكون وطنياً أو أجنبياً عكس القاضي ، الذي لابد أن يكون وطنياً بالإضافة إلى أن المحكم إذا لم يقم بواجبه فلا تنطبق عليه قواعد إنكار العدالة ، وإذا أخطا فلا يخضع لقواعد المخاصمة ولا يلزم أن تتوافر في المحكم الشروط الواجب توافرها في القاضي .
5 . إن عمل المحكم لا يمكن اعتباره عملاً قضائياً سواء من الناحية الشكلية أو من الناحية المادية .
     فمن الناحية الشكلية لا يلزم المحكمون بإتباع الإجراءات التي يتطلبها القانون إذا ما أعفاهم الخصوم من التقيد بها ، ومن الناحية المادية ليس للمحكم سلطة الأمر التي يتمتع بها القاضي ، فهو لا يستطيع مثلاً إلزام شاهد بالحضور أمامه وتوقيع غرامة عليه في حالة عدم حضوره ، ولا يستطيع إلزام الغير بتقديم مستند تحت يده ليكون منتجاً في الدعوى .
    وفي إطار تقييم هذا الاتجاه ذهب البعض(1) إلى القول بأن هذا الاتجاه له فضل إبراز الدور الذي يؤديه اتفاق الأطراف في مجال التحكيم ، غير أنه يتجاهل مع ذلك حقيقة الوظيفة التي يؤديها المحكم .
    فالمحكم يقوم في الواقع بالوظيفة ذاتها التي يقوم بها القاضي ، وهو ينتهي في هذا الشأن إلى حكم مشابه للحكم الذي يصدره القاضي ، ولعل مرجع هذا التجاهل هو الانطلاق من ظاهرة هيمنة الدولة الحديثة على الوظيفة القضائية واحتكارها إقامة العدل بين الناس بواسطة قضاة موظفين يختارون من قبلها إذ الاستسلام لواقع هذه الهيمنة وهذا الاحتكار من شأنه أن يحول دون الاعتراف لمحكم يختاره طرفا النزاع ويحددان صلاحياته بوظيفة قضائية ويؤدي من ثم إلى البحث عن تفسير آخر لنظام التحكيم لا يتصادم مع الحقائق الواقعة .
    وهذا ما تقدمه بالفعل فكرة العقد التي تدور في فلك آخر غير فلك القضاء ، هو فلك سلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقود ، لكن النظر إلى هيمنة الدولة على الوظيفة القضائية واحتكارها لإقامة العدل بين الناس من خلال السياق التاريخي للأمور ، من شأنه أن يفتح الباب أمام البعض بالدور القضائي الذي يؤيده المحكم ، فاحتكار الدولة للقضاء ولتنظيم السلطة القضائية إن هو إلا مرحلة من مراحل تطور الوظيفة القضائية سبقته مرحلة كان التحكيم يستقل فيها بهذه الوظيفة أو يكاد ، وتلوح في الأفق ملامح مرحلة أخرى تتوزع فيها الوظيفة القضائية بين قضاء الدولة وبين التحكيم .(2)

ب - الطبيعة القضائية للتحكيم :
    حيث يرى أنصار هذا الاتجاه إسباغ الطابع القضائي على التحكيم ، وذلك على اعتبار أن التحكيم هو قضاء إجباري ملزم للخصوم حتى ولو اتفقوا عليه ، وإن التملص منه لا يجدي وإنه يحل محل قضاء الدولة الإجباري وإن المحكم لا يعمل بإرادة الخصوم وحدها مما يجعل الصفة القضائية هي التي تغلب على التحكيم ، كما أن حكم المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة ، هذا بالإضافة إلى أن كل من المحكم والقاضي يحل النزاع بحكم يحوز حجية الأمر المقضي فيه .(3)
    وقد ذهب البعض في سبيل استظهار أوجه الشبه بين نظام التحكيم ونظام القضاء إلى الموازنة بين دور الإرادة المشتركة للخصوم في التحكيم ودورها في القضاء ، فإذا كان اختيار التحكيم وسيلة لحسم النزاع يتم بعمل إرادة من طرفيه ، فإن الالتجاء إلى القضاء يتم بعمل إرادي من جانب احدهما ، ومتى تم هذا العمل تعلق به حق الآخر بحيث لا يجوز لرافع الدعوى النزول عنه إلا بموافقة خصمه ، وقد يتفق أطراف النزاع على رفعه إلى محكمة غير المحكمة المختصة به أصلاً أو إلى محاكم دولة غير الدولة التي يثبت الاختصاص لمحاكمها .
    وقد يتفق أطراف الخصومة على النزول عنها بعد رفعها ، وهذا كله دليل واضح على أن ما تؤديه إرادة الخصوم من دور في طرح النزاع على التحكيم بدلاً من القضاء ليس له من اثر على حقيقة الوظيفة التي يؤديها التحكيم من كونها وظيفة قضائية مثلها في ذلك مثل وظيفة قضاء الدولة. (1)

وقد استند هذا الاتجاه في تقرير الصفة القضائية للتحكيم إلى المبررات الآتية :

1 . أن وظيفة المحكم لا تعدو أن تكون وظيفة قضائية ، وإن ما يصدر عنه من أحكام تعد أعمالاً قضائية سواء كانت صادرة طبقاً لقواعد القانون أو وفقاً لقواعد العدالة ، هذا فضلاً على المحكم يملك تصحيح أحكامه من الأخطاء المادية التي تشوبها وإن كان ذلك مقيد بتوافر الشرطين الآتيين :
الأول : ألا يكون ميعاد التحكيم قد انقضى ، لأنه بفوات هذا الميعاد تزول سلطته .
الثاني : ألا يكون قد تم إيداع حكم التحكيم قلم كتاب المحكمة ولو تم هذا الإيداع قبل انقضاء ميعاد التحكيم .

2 . إن الإجراءات المتبعة في خصومة التحكيم ذات طبيعة قضائية ، وبالتالي يكون حكم المحكم بمثابة حكم قضائي على اعتبار أن المحكم يحل محل القاضي فتكون له وظيفته القضائية ، فأحكام المحكمين تعتبر أحكاماً قضائية سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون أو الموضوع .

3 . إن حكم التحكيم يعتبر قد صدر من تاريخ كتابته والتوقيع عليه ، والأمر الصادر بتنفيذه لا يتدخل في مضمون الحكم ، وإنما هو مجرد إجراء شكلي الغرض منه التأكد من عدم وجود ما يمنع من تنفيذ حكم التحكيم ، فالأمر الصادر من القاضي لتنفيذ حكم التحكيم يتماثل مع الأمر الصادر منه لتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية .
ج – الطبيعة المختلطة للتحكيم :
    يرى هذا الاتجاه إن التحكيم ليس إلا قالباً قانونياً يحتوي عملين ، الفاعل في احدهما غير الفاعل في الآخر ، وهما اتفاق التحكيم وقضاء المحكم ، فالأول يحدثه المتنازعان ، والثاني يحدثه المحكم .
    فاتفاق التحكيم ، فهو وإن كان عقداً له كل الخصائص العامة للعقود إلا أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه في آن واحد ، فهدفه ليس إقامة علاقة قانونية مبتداه بين الطرفين مالية كانت أو شخصية كما هو الحال في غيره من العقود ، وإنما تسوية الآثار الناشئة عن علاقة سابقة قائمة بالفعل وأما موضوعه فهو ليس التراضي على تسوية نهائية محددة بذاتها للنزاع ، وإنما إقامة كيان عضوي – فرداً كان أو هيئة - ترفع إليه ادعاءات الطرفين ويتولى الفصل فيها استقلالاً عنهما .
     أما عمل المحكم فهو يتمثل في حسم المنازعة ، وهو يتولى بالضرورة هذا العمل وفقاً للضوابط العامة التي يضعها النظام القانوني لحسم المنازعات والتي تجد مكانها في التنظيم التشريعي لقضاء الدولة بحسبانه التنظيم العام الذي يسري على كافة الهيئات ذات الصفة القضائية - وأهمها إلى جانب قضاء الدولة - الهيئات واللجان ذات الطابع القضائي وجهات التحكيم .(2)
وصفوة القول فيما يتعلق بمدى انطباق أي من النظريات الثلاثة على التحكيم الالكتروني نجد أن النظرية الثالثة ويُعني بها النظرية المختلطة والتي تقرر عدم خضوع التحكيم لأي قانون وطني بدءاً من اتفاق التحكيم وانتهاءً بحكم التحكيم هي انسب وأفضل النظريات الملائمة للتحكيم الالكتروني وذلك وفقاً لطبيعة إجراءاته حيث يتم رفع الدعوى ، وتوجيه الإخطارات بالمحررات اللاحقة على الدعوى عبر البريد الالكتروني ، كما أن القرارات والاطلاعات والاتصالات الأخرى تتم بنفس الطريقة ويسبق هذه الإجراءات اتفاق الأطراف على قبول عولمة حلول المنازعات الخاصة بالتجارة الدولية والتحكيم التجاري الدولي دون اكتفاء بما تقرره الاتفاقات الدولية والتشريعات المقارنة النافذة في الوقت الحالي . (1)

ثالثاً : مزايا التحكيم الالكتروني ومعوقاته :

أ‌- مزايا التحكيم الالكتروني :

    إذا كان الواقع يقول بأن نشأة التحكيم الالكتروني كان مصدرها الفضاء التخيلي والانترنت ، إلا أنه لازال بالإمكان استعمال الوسائل الالكترونية وتقنية المعلومات حل عديد من العقبات التي تواجه الحلول البديلة للنزاعات التجارية الناشئة في العالم الواقعي ، وإذا كان التحكيم يتصف بأهمية خاصة في حل المنازعات الدولية ، وذلك بالنظر إلى سهولة إجراءاته والسرعة في الفصل في المنازعات مقارنة بالإجراءات القضائية العادية ؛ ذلك أن هيئة التحكيم عادة ما تضم محكماً متخصص فنياً في مجال موضوع التحكيم ليتمكن من إيجاد الحلول الملائمة للنزاعات بطريقة أسرع وأفضل مما يجدها القضاة العاديين لأنه يعايش المهنة أو العمل مما يجعله اقدر على حل النزاع بطريقة عملية وواقعية .(2)
    كما يتميز التحكيم بالسرية ، ويجنب الأطراف سلبيات طرح نزاعهم أمام الجمهور على عكس المحاكم العادية التي تخضع لمبدأ علانية المحاكمة .
فإنه بالإضافة إلى الميزات السابقة فإن التحكيم الالكتروني يتميز بدوره بمزايا إضافية أهمها ، عدم التزام الأطراف بالانتقال من بلد إلى آخر من اجل حضور الجلسات وتبادل الوثائق والمستندات ، ويتم تبادل المستندات في التحكيم الكترونياً بطريقة فورية وآنية على شبكة المعلومات أو الفاكس الأمر الذي يتلاءم مع كون الوقت عنصراً جوهرياً في المعاملات الاقتصادية .
    أضف إلى ذلك سرعة إصدار الأحكام لسهولة الإجراءات حيث يتم تقديم المستندات والأوراق بالبريد الالكتروني ، ويمكن الاتصال المباشر بالخبراء أو تبادل الحديث معهم عبر الانترنت ، ويلاحظ أن المميزات العديدة التي يتمتع بها التحكيم الالكتروني أسهمت في فعالية الحقوق الذاتية للمستخدمين في العالم الافتراضي .
     ويضيف البعض(3) أن اللجوء إلى التحكيم الالكتروني يجنب أطراف العقد عدم مسايرة القانون والقضاء للعقود الالكترونية سواء قانونياً أو قضائياً ، حيث يجنبهم عدم الاعتراف القانوني بهذه العقود أو صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق وتحديد المحكمة المختصة ، وهذا الأمر ليس بالأمر اليسير وفقاً للقضاء العادي عند إحالة النزاع إليه.
    كما يتميز التحكيم الالكتروني بقلة التكلفة وذلك بما يتناسب مع حجم العقود الالكترونية المبرمة التي لا تكون في الغالب الأعم كبيرة بل متواضعة ، وتستخدم أحياناً نظم الوسائط المتعددة التي تتيح استخدام الوسائل السمعية والبصرية في عقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء ، وهذا يقلل من نفقات السفر والانتقال .
    هذا فضلاً عن وجود اتفاقية دولية بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين وهي اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها لعام 1958، وذلك على خلاف أحكام القضاء حيث لا يوجد حتى الآن اتفاقية تحكيم بشأن الاعتراف والتنفيذ الدولي مثل اتفاقية نيويورك المذكورة آنفاً مع إن هناك اتفاقيات إقليمية وثنائية لتنفيذها .
    ويلاحظ أن المحكم في التحكيم الالكتروني قد يطبق قواعد تحقق مصالح اكبر من تلك التي نص عليها التشريع الوطني ، تكون موجودة في قانون الطرف الآخر أو من طبيعة الأعراف التجارية وفقاً لطائفة معينة من طوائف التجارة ، كما أن المحكم يهدف إلى تحقيق مصالح وأهداف المجتمع الدولي والوسائل التي يمكن له استعمالها لاحترام وحماية مصالح الطرف الضعيف أو المستهلكين تكون أكثر من تلك الممنوحة للقاضي الوطني ؛ حيث يمكن للمحكم أن يختار ضمن عدة قوانين ليحدد القانون الذي يحقق الأهداف التي تحمي الطرف الضعيف أو المستهلك .(1)

ب- معوقات التحكيم الالكتروني :
    على الرغم من المزايا المتعددة للتحكيم الالكتروني ، إلا أنه توجد بعض المشكلات والمعوقات التي تعترض التحكيم الالكتروني تتمثل في الآتي :

1 . الأهلية :
   اشترطت سائر أنظمة وتشريعات التحكيم وجوب توافر الأهلية القانونية في كل من فريقي النزاع والمحكمين . وبالطبع فإن مسألة بحث الأهلية بالنسبة للمحكمين لا ضرورة لها إذ تتم العملية التحكيمية عموماً عن طريق الانترنت بواسطة مراكز كبرى تحرص على الدقة في شتى الجوانب وخصوصاً الأمور الأساسية فيها ، ويبقى مجال الحديث والبحث في الأهلية القانونية لطرفي النزاع ، وحيث أنه على فرض عدم توافر الأهلية لطرفي النزاع فإننا نكون بصدد اتفاق تحكيم باطل لنقص أو انعدام أهلية احد أطراف النزاع عند توقيعه وما يترتب عليه من بطلان لحكم التحكيم الصادر في المنازعة التجارية .(2)
    ويمكن التغلب على هذه المشكلة بعمل تصميم بذات الموقع بشكل يلزم الطرف الذي ينوي الاتفاق لإحالة نزاعه لإحدى مراكز التحكيم الالكتروني بالكشف عن هويته والإفصاح عن عمره ، على أنه إذا اغفل تحديد ذلك لا يسمح له بالمضي أو استكمال اتفاقه مما يضفي نوع من المصداقية أمام طرفي النزاع ويبعده عن شبهة البطلان .(3)

2 . ضمان سرية العملية التحكيمية :
    حيث تعد صيانة وحفظ سرية التحكيم – وفقاً لما أُشير إليه سلفاً- احد الشروط الجوهرية لنجاح عملية التحكيم الالكتروني والإقبال عليها ، وقد عملت مراكز التحكيم الالكترونية على صيانة ذلك بتضمينها نصوصاً تحفظ سرية أية معلومة تتعلق بالنزاع لتؤكد على كل من يطلع عليها تعهده بعدم نشر ما اطلع عليه وخصوصاً من الشهود والخبراء  ، ولكن المشكلة تكمن في فرض تحدياً آخر ألا وهو الاختراق القادم من الخارج عن طريق المتطفلين ؛ وهم من يقتحمون خصوصيات الغير لمجرد إشباع الفضول ، وكذلك المخربين ممن يبحثون عن ضحايا يوقعون بهم مثل سرقة أرقام بطاقات الائتمان أو بطاقات الدفع الالكتروني واستغلالها  ، والحل المطروح حالياً يكمن في تشفير البيانات المحفوظة والمتبادلة بصورة وتمنع من قراءتها إلا من قبل المرسل إليه.(4)

رابعاً : مخاطر اللجوء للتحكيم الالكتروني :

    حيث أنه مع الأهمية المتزايدة للتحكيم الالكتروني باعتباره احد المفاهيم المرنة والأنظمة القانونية المتطورة التي تواكب التطور المتلاحق في مجال التجارة الالكترونية والتي تفي بمتطلباتها التي تميز بالسرعة ، إلا أنه قد توجد بعض المخاطر التي تصاحبه وتشكك في مدى جدواه وفاعليته ، وتتمثل هذه الإخطار فيما يلي :

1 . عدم مواكبة النظم القانونية الحالية للتطور السريع الحاصل في مجال التجارة الالكترونية :
    حيث يلاحظ أن النظم القانونية لا تشرع هذه المعاملات والتجارة الالكترونية في قوانينها ، إضافة إلى جمود القواعد القانونية الموجودة في كثير من دول العالم المتعلقة بإجراءات التقاضي والتحكيم التقليدي من الاعتراف بإجراءات التحكيم بوسائل الكترونية ، وعدم تعديل التشريع الموجود للاعتراف بأحكام التحكيم الالكترونية  ومن هنا ثار التساؤل عن مدى صحة إجراءات التسوية بالوسائل الالكترونية ، ومدى الاعتراف بالحكم التحكيمي الالكتروني ؟
    كذلك فان المسألة هامة تتعلق بتحديد مكان التحكيم ، والذي يترتب عليه آثار كثيرة ومهمة ، فما هو المكان الذي يعتبر انه مكان التحكيم ، هل هو مكان المحكم الفرد أم مكان المورد ؟ أو المستخدم في عقود خدمات المعلومات الالكترونية ؟ هذا إذا كان المحكم فرداً ؟ ولاشك أن هذه المسائل جميعها تتطلب تدخلاً تشريعياً من جانب الدولة إضافة إلى الاتفاقيات الدولية .

2 . عدم قبول المستخدم لشرط التحكيم قبولاً واضحاً :
    ويحيق هذا الخطر بالمستهلك ، حيث يخشى من أن يكون قبول المستهلك لشرط التحكيم ناتجاً عن عدم خبرة وجهل بحقوقه ، لاسيما إذا كان اختيار هذا الشرط قبل حدوث النزاع ، لأنه لا يؤدي إلى حرمان المستهلك من اللجوء إلى القاضي الوطني قبل نشأة النزاع ، ويرجع ذلك إلى أن المستهلك لا يمكنه التفاوض على هذه الشروط حيث يقوم المورد بعرض شروطه على موقع Web ويمكن لكل من يرغب الوصول إليها .
   هذا فضلاً عن أن سرعة وتعدد العقود التي تبرم في هذا المجال لا تعطي الفرصة لحدوث تفاوض حول هذه الشروط ، كما أنه لا يمكن تعديل الشروط العامة الموجودة بشكل الكتروني لحظة إبرام العقد ، علاوة على أنه من الصعوبة بمكان البحث عن بديل آخر بسبب انتشار العقود النموذجية بشكل واسع على الانترنت .(1)

3 . الخشية من عدم المساواة الحقيقية بين الأطراف والنزاهة النسبية للمحكمين :
    ويعود ذلك إلى وجود علاقات مالية تجمع بين المهنيين ومؤسسات التحكيم تجعل المحكمين يميلون لصالح المهنيين مراعاة لحجم الأعمال التي يخضعها هؤلاء المهنيون لمراكز التحكيم ، أما العملاء فيكون أول تعامل لهم أمام مركز التحكيم وقد يكون الأخير ، فلا توجد علاقة سابقة مع مركز التحكيم .

4 . عدم تطبيق المحكم للقواعد الآمرة :
    يخشى الطرف الضعيف في العقد من اللجوء إلى التحكيم بصفة عامة والتحكيم الالكتروني بصفة خاصة ، وذلك بسبب الخشية من عدم تطبيق القواعد الآمرة والمنصوص عليها في القانون الوطني  الخاص به ، خاصة إذا كان هذا الطرف مستهلكاً مما يترتب عليه بطلان حكم التحكيم وعدم إمكانية تطبيقه وتنفيذه على ارض الواقع .(2)

5 . خطر إنكار العدالة :
    وأساس هذا الخطر هو الخشية والخوف من أن يؤدي اتفاق الأطراف على خضوع جميع المنازعات التي تحدث بينهم إلى التحكيم إلى إنكار العدالة ، وذلك خاصة وأنه يتم حرمان الشخص أو الطرف الآخر في الاتفاق من اللجوء إلى القضاء الوطني دون ضمان أن يتم حل النزاع من خلال الطرق غير القضائية .(1)
6 . الإخلال بحقوق الدفاع :
    ويقوم هذا الخطر على سند من أن التقاضي أو التحكيم الالكتروني يلغي روح القانون ، كما يلغي حقوق الدفاع في كثير من الأحيان بتقليص فرص المطلوبة في أن يستفيد من الدفوع الإجرائية والموضوعية التي هي أساس مهنة المحاماة ، كما تلغي حقه في الاستفادة من المشاعر الإنسانية التي بطبعها العفو والتسامح والظروف المخففة.(2)


المطلب الثاني  :  إجراءات التحكيم الالكتروني

     لا تجري خصومة التحكيم في فراغ زماني أو مكاني ، فهي لابد منطلقة من مرتكز وموقع جغرافي محدد تنعقد فيه هيئة التحكيم وتباشر مهمتها ، ويطلق على هذا المرتكز النطاق المكاني للتحكيم .
     ولما كان تحديد المكان بذاته غير كاف لضبط بدء وسير إجراءات التحكيم ، بل لابد من التعرف على الخطة التي منها تلك الإجراءات ، بحيث تكون هي نقطة الأساس التي تحسب منها المدة الاتفاقية أو القانونية التي يعبر عنه بالنطاق الزماني للتحكيم .
    وحيث إن الإجراء التحكيمي يمر بمرحلتين هما مرحلة نشوء النزاع وبدء الخصومة ، ومرحلة إصدار حكم في النزاع ، ومن ثم فإنه يجب التعرض لهاتين المرحلتين باعتبارهما جوهر عملية التحكيم من الفقرات الآتية :

أولاً : النطاق المكاني والزماني لإجراءات التحكيم :

    يمثل النطاق المكاني والزماني لإجراءات التحكيم أهمية كبرى تؤثر على التحكيم ذاته وذلك على النحو التالي :

أ- النطاق المكاني لإجراءات التحكيم :
    باستقراء نصوص وتشريعات التحكيم الوطنية والدولية نستخلص أن المشرع قد ترك لطرفي النزاع الحرية الكاملة في اختيار مكان التحكيم ،(1) دون تمييز بين العلاقات التي تتركز عناصرها في الداخل ، والعلاقات التي يتركز عنصر أو أكثر من عناصرها في الخارج ، وإذا لم يوجد اتفاق بين الطرفين على مكان التحكيم بطريق مباشر أو غير مباشر تولت هيئة التحكيم ذاتها تعيين المكان على أن تراعي في هذا التعيين ظروف الدعوى وملائمة المكان الذي تختاره لأطرافها .
    وتجدر الإشارة إلى أنه إذا ما تم التحكيم في مكان غير المكان المتفق عليه ، فلا يترتب البطلان على المخالفة ، ما لم تؤد إلى إخلال بحق الدفاع ، كما إذا اتفق مثلاً على إتمام التحقيق في مكان الواقعة المسببة للمسؤولية ، ضماناً لمعاينته ، وتم التحكيم في مكان آخر دون إتمام المعاينة .(2)
    وفيما  يتعلق بالتحكيم الالكتروني يقرر البعض أن هناك صعوبة في توطين مثل هذا النوع من التحكيم ، ولذا فقد تم طرح العديد من الحلول لتحديد مكان التحكيم :
    منها أن المسالة يتم حلها بالرجوع إلى المكان الذي يوجد فيه المحكم وهو ما يعني تطبيق قانون مكان المحكم بيد أن ذلك الحل يبدو اقل إقناعاً عندما نكون بصدد تحكيم الكتروني ، حيث يثور التساؤل التالي وهو هل يجب الامتداد بمكان وجود المحكم في بداية الإجراء أو الامتداد بقانون موطنه أو محل إقامته ، وتتعقد الأمور عندما نكون أمام هيئة تحكيم ثلاثية ولسنا أمام محكم وحيد .
    وقد يقال لحل المسالة بالرجوع إلى قانون مكان مقدم الخدمة ، وهذا الحل يتركز على التوطين الجغرافي لمقدم الخدمة  ، ولا يمكن قبول هذا الحل أيضا في حالة تعدد مقدمو خدمة الانتفاع بالإجراء التحكيمي إذا كان كل منهم مقيماً في دولة مختلفة .
    وقد يطرح البعض حلاً آخر للمشكلة يتمثل في نظرية التحكيم غير التوطيني التي توجب الاعتراف للتحكيم الالكتروني بالطابع غير التوطيني وغير الوطني وهو ما يعني عدم إسناد هذا النوع من التحكيم إلى قانون مكان التحكيم ، غير أنه يصعب قبول هذا الرأي  بالنسبة للمحاكم الوطنية ، كما أنه لا يتوافق مع أحكام اتفاقية نيويورك.
    ويرى اتجاه فقهي آخر أنه بالنظر إلى أن التحكيم الالكتروني هو ذلك النظام الذي بدأ يظهر مع تزايد وتنوع استخدامات شبكة الاتصالات الدولية ( الانترنت ) حيث تخصصت بعض محاكم التحكيم الافتراضية في فض منازعات عقود التجارة الدولية ، لاسيما ما يبدو منها عبر شبكة الانترنت ، حيث لا يلزم أمامها حضور الأطراف بل يكفي تبادل المستندات ومذكرات الدفاع والطلبات الأخرى الكترونياً ، ويجري تداول القضية ودراستها وإصدار الحكم وإبلاغه الأطراف عبر شبكة الانترنت .
    ومن ثم فإن تحديد مكان هذا النوع من التحكيم ليس بذي أهمية كبيرة ، بالنظر أن مختلف جوانبه تتم عبر مجتمع افتراضي يعلو مجتمع الدول ، وله قواعده وأحكامه الخاصة ولا تحده حدود جغرافية ولا يلزم لتمام عملياته تأشيرة مرور ، ومجال مخالفة القواعد الإجرائية للخصومة لحضور الخصوم وإعلانهم واستجوابهم وتبادل المستندات والمذكرات ، وتمكين كل طرف من الدفاع عن نفسه يبدو محدود الغاية .(1)

ب- النطاق الزماني لإجراءات التحكيم :
     يعد تحديد وقت بدء إجراءات التحكيم أمراً مهماً سواءً من ناحية بدايات التحكيم أو من ناحية سير ونهاية إجراءات التحكيم .
    . فمن حيث بدايات التحكيم ، فإن تحديد وقت بدء الإجراءات يعني تحديد الوقت الذي تعتبر قد رفعت فيه الدعوى بالنزاع أمام هيئة التحكيم ، وذلك بتقديم المدعي طلب التحكيم إلى تلك الهيئة ، وهنا يتعين على هذه الأخيرة أخطار المطلوب التحكيم ضده في غضون مدة زمنية محددة من ذلك الوقت ، كما يتعين على الطرف المطلوب التحكيم ضده الرد على طلب الطرف الأول خلال مدة معينة .
    . ومن ناحية إجراءات التحكيم ، فإن تحديد وقت بدء الإجراءات يبدو مهما في ضرورة اتخاذ إجراء معين ، أو إتمامه خلال سير خصومة التحكيم ، ويبدو حساب مدته من تاريخ بدء إجراءات التحكيم لتسليم المستندات وتبادل المذكرات أو غلق باب المرافعة أو إبداء دفع من الدفوع .
    . ومن ناحية نهاية إجراءات التحكيم ، فإن تحديد وقت بدء الإجراءات يبدو حاسماً في حساب المدة التي يتعين في غضونها إصدار حكم التحكيم ، أو الأمر بإنهاء إجراءات التحكيم .
    وفي التحكيم الالكتروني فإنه وفقاً لبرامج تحكيم المحكمة الافتراضية ، فإن إجراءات التحكيم تبدأ من اللحظة التي يتم فيها تعيين محكم متخصص لنظر النزاع ، حيث يقوم المحكم بمباشرة مهامه وذلك بالاتصال لطلب أي معلومات إضافية تتعلق بموضوع النزاع ، ويجب على هيئة التحكيم سواء كانت محكم واحد أو ثلاثة محكمين - في حالات خاصة- أن تفصل في موضوع النزاع خلال 72 ساعة أي ثلاثة أيام عمل تبدأ من تاريخ تلقي المركز لرد المدعي عليه وادعات المدعى ، ويجوز للمحكم تمديد هذه المدة في حالة الأعطال في الشبكة لمدة أخرى ، أو بناءً على طلب الأطراف .

ثانياً : القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم الالكتروني :

    الأصل أن مسائل الإجراءات تخضع لقانون القاضي ، أي قواعد المرافعات والإجراءات في قانون الدولة التي تقام فيها الدعوى أو تباشر فيها الإجراءات ، ولما كان المحكم ليس له قانون خاص ؛ حيث أن المحكمين لا يعملون باسم أو لحساب دولة معين ، وإنما يتم اختيارهم عن طريق الخصوم أنفسهم ، ويستمدون سلطهم من اتفاقهم على تنصيب حكماً بينهم ، ويفصلون في منازعة تحقيقاً للسلام الخاص بين هؤلاء الخصوم ، ومن ثم فإذا كان القانون قد اعترف بحق الأطراف المتنازعة في اللجوء إلى قضاء التحكيم ، واستبعاد قضاء الدولة فإنه يكون قد اعترف في ذات الوقت بحق التنظيم الاتفاقي لمسائل التحكيم ، غير أن الأطراف المنازعة قد لا تقوم بتحديد القانون أو القواعد الإجرائية التي تتبعها هيئة التحكيم ، وبالتالي القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم أما يتم تحديده باتفاق الطرفين ، وفي حالة غياب إرادة هذين الطرفين يتم الاحتكام إلى معايير أخرى لتحديد ماهية هذا القانون وهذه المعايير هي :
- المعيار الأول : يستند إلى قانون دولة مقر التحكيم .
- المعيار الثاني : يستند إلى تطبيق قانون الدولة الذي يحكم موضوع النزاع .
- المعيار الثالث : يستند إلى تطبيق القواعد الإجرائية المنصوص عليها في اللوائح والأنظمة الداخلية لهيئات التحكيم المنتظم .(1)
    وقد تواترت نصوص المواثيق المنظمة لهذه الهيئات على تأكيد هذا الحق ، منها لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس (م 15/1) والاتفاقية الأوروبية بشأن التحكيم التجاري لعام 1961 (م4) ، وهكذا يتعين على الأطراف الراغبين في إجراء التحكيم الالكتروني مراعاة أن القانون أو لائحة التحكيم التي تم اختيارها للتطبيق تسمح بمثل هذا النوع من التحكيم ، ومن ثم لم تعد هناك صعوبات في ظل وجود لوائح تحكيم تنص على أتباع إجراءات الكترونية  من ذلك لائحة تحكيم المحكمة الالكترونية ، ولائحة تحكيم المنظمة العالمية للملكية الفكرية ، ونظامها لحل المنازعات الخاصة بالأسماء والعناوين أو المواقع الالكترونية .(2)

ثالثاً : سير إجراءات التحكيم الالكتروني :

   تبدأ إجراءات التحكيم بتقديم طلب التحكيم ، ثم توالى بعد ذلك إجراءات التحكيم من إعلانات وتبليغات ومرافعات وتقديم أوجه الدفاع المختلفة وتبادل المستندات والمذكرات وذلك على النحو التالي :

أ . تقديم طلب التحكيم :
    يقصد بطلب التحكيم ذلك الطلب الذي يوجهه احد طرفي اتفاق التحكيم إلى مركز التحكيم المتفق عليه أو إلى الطرف الآخر يخطره فيه برغبته في رفع النزاع إلى التحكيم ، ويطلب منه اتخاذ اللازم  لتحريك إجراءات التحكيم واستكمالها ، ويحتوي هذا الطلب عادة عدة شروط منها :
الشرط الأول : أن يكون مكتوباً .
الشرط الثاني : يتمثل في تقديم الطلب خلال الميعاد المتفق عليه بين الطرفين .
الشرط الثالث : يتعلق بالبيانات الواجب توافرها في الطلب ، حيث يتضمن الطلب نوعين من البيانات ، الأولى تتعلق بطرفي الدعوى من حيث الاسم والعنوان للمدعى والمدعي عليه ، والثانية تتعلق بموضوع الدعوى وتشمل وقائعها والمسائل المختلف عليها الطرفان . (3)
    وفيما يتعلق بالتحكيم الالكتروني فقد أوضح برنامج تحكيم المحكمة الافتراضية كيفية تقديم الطلب وبياناته كالآتي :
1 . عندما ينشأ نزاع يتعلق بمعاملة أو بنشاط ناشئ عن استخدام شبكة الانترنت ، يقوم المتضرر بزيارة موقع البرنامج على العنوان التالي (www.Vmag.org) لتقديم ادعاء عن طريق الضغط على العبارة (fill a comp Iaint) والتي ستوصل المدعي إلى نموذج ليملأ الفراغات الموجودة فيه والتي تشمل :
أ . المعلومات المتعلقة بالمدعي من ناحية اسمه كاملاً  ، وعنوانه الالكتروني واسم الشركة التي يمثلها – إن وجدت- وعنوان الشركة كاملاً .
ب . المعلومات المتعلقة بالمدعي عليه من ناحية اسمه كاملاً ، وعنوانه الالكتروني واسم الشركة التي يمثلها – إن وجدت- وعنونها كاملاً .
جـ . المعلومات المتعلقة بالنزاع ، وظروف نشأته ( وقائع النزاع ) بالتفصيل الممكن وحسب التاريخ ، وسبب الدعوى ، وفيما إذا كانت تتعلق بحقوق الملكية الفكرية أو بالأسرار التجارية أو أي سبب آخر يؤسس عليه دعواه .
د . الطلبات المتعلقة بحسم النزاع ، ويمكن أن يطلب المدعي أن تكون المعلومات المتعلقة بادعائه سرية .
2 . يقوم المدعي عليه بعد ملء النموذج بالضغط على عبارة عرض النزاع في نهاية النموذج .
3 . بعد أن يستلم مركز التحكيم هذا الطلب ، يبدأ في استكمال إجراءات التحكيم والاتصال بالمدعي عليه .(1)

ب- الإعلانات والتبليغات والإخطارات :
    لا تخضع إجراءات التحكيم للقواعد النظامية المعروفة في نظم التقاضي الداخلية ، حيث تلعب إرادة الأطراف في التحكيم دور كبير في تنظيم تلك الإجراءات وتتابعها ، ومن ثم فللأطراف الحرية الكاملة في تحديد كيفية الإعلان أو الأخطار أو الوسيلة التي يتم بها تبليغ الطرف الأخر بطلب التحكيم ، وكذلك التبليغ لأي أوراق أو مستندات يقدمها احد الطرفين إلى علم الطرف الأخر .

ج- خصوصيات جلسات التحكيم :
    في إطار التحكيم العادي تعقد هيئة التحكيم جلسات مرافعة لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته ، ولها الاكتفاء بتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة (2) ، وفي هذا الصدد يثور التساؤل هل من المقبول إدارة الجلسات في الشكل الالكتروني ؟
    ذهب البعض (3) إلى أنه عملاً بمبدأ سلطان الإرادة ، فإن للأطراف الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد لزوم عقد جلسات مرافعة شفوية من عدمه ، فإن اتفقوا على الاكتفاء بتبادل المذكرات والمستندات الشارحة والمدعمة لادعاءاتهم وطلباتهم وأوجه دفوعهم ، التزمت هيئة التحكيم بذلك وإن هذا أمر متصور وقائم على الأقل في التحكيم الالكتروني ، وهناك اتجاه آخر يرى أنه بالنظر إلى أن الوسائل الفنية متاحة في هذا المجال حيث ظهرت من خلال الانترنت وسائل حديثة للاتصال تسمح بتبادل الأصوات والصور والنصوص بشكل شبة متزامن بين الأطراف ومن ثم فلا غضاضة في إدارة الجلسات الكترونياً .(4)

رابعاً : القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم الالكتروني :

    عقب تقديم المدعي والمدعى عليه لأوجه دفاعهم وتقديم كافة المستندات اللازمة في هذا الشأن ، تقوم هيئة التحكيم بالاطلاع عليها ، ثم تقرر الفصل في الدعوى ، ولكن يثور التساؤل عن ماهية القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم الالكتروني ؟
    في هذا الصدد يقرر البعض (1) أن أطراف اتفاق التحكيم يتمتعون بالحرية الكاملة في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع محل التحكيم ، ويضيف بأنه في حالة انتفاء اختيار الأطراف للقواعد الواجبة التطبيق على موضوع النزاع يرجع إلى المحكم لتحديد تلك القواعد ويتعين على المحكم والحال كذلك أن يختار قواعد القانون الذي يحكم بمقتضاه .
    ويرى جانب فقهي آخر (2) أن قواعد القانون الموضوعي الالكتروني الدولي للمعاملات عبر الانترنت هي القواعد الواجبة التطبيق على موضوع التحكيم الالكتروني ، ويبدأ هذا الاتجاه عرض رأيه بتعريف القانون الموضوعي الالكتروني الدولي بأنه : كيان قانون موضوعي ذاتي خاص بالعمليات التي تتم عبر الانترنت ، وهو نظير للقانون الموضوعي للتجارة الدولية ويتشكل من مجموعة من العادات والممارسات المقبولة إلى نشأت واستقرت في المجتمع الافتراضي للانترنت وطورتها المحاكم ومستخدمو الشبكة وحكومات في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات . فهو قانون تلقائي النشأة ، وجد ليتلاءم مع حاجات مجتمع قوامه السرعة في التعامل ، والبيانات الرقمية التي تتم بها المعاملات والصفقات عبر شاشات أجهزة الحاسوب الآلية ويتوافق مع توقعات أطراف تلك المعاملات .

وقد تعرض هذا الاتجاه للنقد وتمثلت أوجه الاعتراض عليه فيما يلي :
1 . أن قواعد ذلك القانون لا تشكل بوضعها المشار إليه نظاماً قانونياً متكاملاً لا يوجد فيه أي قصور ؛ حيث أن هناك بعض المسائل التي سوف تظل خاضعة لأحكام القانون الداخلي خاصة ما يتعلق بالقانون واجب التطبيق على أهلية أطراف المعاملات عبر الانترنت وعلى التراضي والتقادم المسقط ومقدار التعويض المستحق للمضرور .
2 . عدم توافر الإلزام في قواعد القانون الموضوعي الالكتروني حيث تفتقد هذه القواعد عنصر الجزاء الذي يكفل احترامها .
3 . أنه لا يمكن قبول الادعاء بوجود مجتمع افتراضي مستقل عن كل الدول له أحكامه وقواعده المتميزة عن القواعد القانونية السائدة في تلك الدول ؛ حيث أن الأفراد المتعاملين عبر شبكة الانترنت سواء كانوا مقدمين للخدمة أو منتفعين بها لهم موطن معلوم ، كما أن الوسائل الفنية للاتصالات تتمركز في إقليم دولة محددة ، وبالتالي أن تخضع العمليات التي تتم عبر الانترنت لقوانين تلك الأقاليم .(3)
    وفي إطار لائحة المحكمة القضائية وبخصوص القواعد القانونية المطبقة على موضوع النزاع تنص المادة (15) من هذه اللائحة على الآتي :
1 . يكون لأطراف النزاع الحرية في اختيار قواعد القانون التي تطبقها المحكمة على موضوع النزاع ، وفي حالة عدم اختيار الأطراف للقانون ستطبقه المحكمة على موضوع النزاع ، القانون الذي تراه أكثر اتصالاً بالموضوع .
2 . وعلى المحكمة في كل الأحوال الالتزام بأحكام العقد والأعراف التجارية المتصلة بموضوع النزاع .
3 . ويجوز للمحكمة أن تفصل في النزاع باعتبارها وسيط حسن ، أو تفصل فيه بتطبيق قواعد العدل والإنصاف إذا ما اتفق الأطراف على إعطائها هذه الصلاحية فقط .
    وقد أكدت على المعنى السابق المادة (17/1) من لائحة المحكمة الالكترونية التي توجب تطبيق القانون الوطني الذي يرتبط به النزاع بالروابط الأكثر وثوقاً .(1)
    ويستفاد مما سبق أن اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم الالكتروني وإن كان يتحدد وفقاً للإدارة المشتركة لأطراف التحكيم إلا أنه يجب أن يأخذ في الاعتبار أو يتعين عليه مراعاة عادات التجارة الدولية والأعراف التجارية ، والعادات الجارية في مجال الانترنت وقواعد العدالة والإنصاف .

خامساً : سرية جلسات التحكيم :

     في إطار التحكيم الالكتروني يظل مبدأ سرية الجلسات هو الأصل حيث لم تشذ أو تخرج قواعد التحكيم الالكتروني عن القواعد العامة للتحكيم في هذا الصدد ، فوفقاً للمادة (7/3) من لائحة محكمة التحكيم الالكترونية فإنها تعطى الأمانة العامة ( السكرتارية ) لكل محكم دليل للدخول وكلمة سر للدخول إلى موقع القضية ، وتقرر المادة (19/2) من ذات اللائحة أن على الأطراف الالتزام بدخول موقع القضية بطريقة شرعية وبالموافقة فقط .
    وأضافت الفقرة الثالثة من نفس المادة أن البيانات المنشورة على موقع القضية تعتبر سرية ولا يمكن مراجعاتها إلا من خلال الأمانة العامة ومحكمة التحكيم والأطراف أو ممثليهم ،كما أنه وفقاً لإجراءات التحكيم أمام محكمة التحكيم الخاصة بنظام القاضي الافتراضي فإنه تتم إجراءات التحكيم بإنشاء موقع خاص على شبكات الانترنت يخصص لنظر كل قضية معروضة ، ولا يتاح الدخول إلى هذا الموقع إلا للأطراف في القضية ، وهيئة التحكيم فقط من خلال مفتاح شفري خاص بهم بحيث يمتنع على أي شخص آخر الدخول إلى هذا الموقع .(2)
    هذا بالإضافة إلى أن تتابع إجراءات التحكيم الالكتروني المتعلقة بعناوين المواقع الالكترونية يشير إلى احترام مبدأ السرية ، حيث تسير إجراءات التحكيم بين الطرفين والمحكم أو هيئة التحكيم عن طريق تبادل المعلومات عبر شبكات الانترنت دون جلسات تحكيمية ، وبعد أن ينتهي المحكم أو هيئة التحكيم من تسلم جميع البيانات التي يقدمها الخصوم أو يطلبها منهم يتخذ قراراً في الدعوى على أساس البيانات المقدمة إليه وفقاً لشروط النظام الموحد لتسوية المنازعات ، ويجب عليه أن يرسل قراره في الدعوى وعلى المركز خلال أربعة أيام من تعيينه وبعد أن يتسلم المركز قرار التحكيم يقوم أيضا بتبليغه للطرفين ولمسجل الموقع الالكتروني ، لمؤسسة الانترنت (ICANN) .

سادساً : التحكيم الالكتروني واحترام المبادئ الأساسية للتحكيم :

    لما كان أطراف الاتفاق التحكيم الالكتروني أو وكلاءهم ليسوا بحاجة إلى الانتقال إلى مكان بعيد لحضور جلسات تحكيمية تعقدها هيئة التحكيم في بلد أجنبي وإنما يمكنهم المشاركة في الإجراءات التحكيمية كل منهم في بلده ، ولما كانت إجراءات التحكيم الالكتروني تسير بشكل أسرع من إجراءات التحكيم التقليدي وذلك لأن بإمكان الانترنت أن يوفر خدمة الاتصال وتبادل المستندات والمذكرات بالوسائل الالكترونية المباشرة ، ومن ثم فأنه يثور التساؤل عما إذا كان إتمام إجراءات التحكيم كلها في الشكل الالكتروني لا يخل بالمبادئ الأساسية للتحكيم  ومنها مبدأ احترام حقوق الدفاع ومبدأ المواجهة باعتبار أن واقعة عدم حضور احد الأطراف بشخصية في مواجهة الآخر منها تبعه حرمانه من الرؤية الواضحة للنزاع ، وكذلك حرمانه من أمكنية تقدير ملائمة حجج الخصم ؟    وباستقراء الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية نجد أنها قد تضمنت عدداً من المبادئ يتعين على هيئة التحكيم مراعاتها في أدائها لمهمتها ما يلي :

1 . مبدأ احترام حق الدفاع :
   ليس من السهل وضع تعريف محدد ودقيق لمفهوم حقوق الدفاع ، ولكن المفهوم التقليدي لها ينصرف إلى حق الخصم في أن يسمع القاضي أو المحكم وجهة نظره ، بحيث إذا صدر الحكم دون سماعه كان الحكم مشوباً بالإخلال بحق الدفاع (1) ولقد تطور هذا المفهوم وصار يعني حق الخصم في مناقشة خصمه فيما يقدمه من وسائل دفاع وأدلة أثناء سير الخصومة ، ولقد حرصت التشريعات الوطنية  والاتفاقيات الدولية (2) وأنظمة المؤسسات الدائمة للتحكيم على النص على وجوب احترام هذا المبدأ (3) ومن ثم يجب على التحكيم احتراماً لهذا المبدأ إتاحة فرصة الدفاع كاملة أمام الأطراف أما استخدام الأطراف لهذه الوسائل فأمر رهين بإرادتهم .

2 . مبدأ المواجهة :
    ينصرف مدلول هذا المبدأ إلى أنه لا يجوز الحكم على خصم دون سماع دفاعه ووجهة نظره ، أو على الأقل دعوته للدفاع عن نفسه فيما يوجه إليه من طلبات بحيث يكون الحكم نتيجة تفاعل وجهات النظر بين الخصوم .
    وتحقيق هذا المبدأ لا يكن فقط في علاقة الخصوم بعضهم البعض أثناء سير الخصومة التحكيمية ، وإنما يتعين على المحكم أيضا الالتزام به ، ومن ثم فلا يسوغ لهيئة التحكيم أن تستند في حكمها إلى وقائع وأدلة إثبات ومذكرات ومستندات قدمها احد الأطراف ولم تكن محلاً للاطلاع والحوار والمناقشة من الطرف الآخر فإذا خالفت هيئة التحكيم مبدأ المواجهة كان حكمها باطلاً لمخالفته النظام العام الإجرائي . (4)

3 . مبدأ المساواة :
    يعتبر مبدأ المساواة في المعاملة بين الأطراف في خصومة التحكيم من الركائز الأساسية لضمان العدالة ، وترسيخ ثقة هؤلاء في قضاة التحكيم ، ويكون المحكم قد اخل بهذا المبدأ إذا إذن لأحد الخصوم بالحضور أمامه في غيبة الخصم الآخر ، وإذا أجرى مع احدهما اتصالات شخصية في ظروف يمكن أن يظن معها إنها تتم بشأن موضوع النزاع في غيبة الطرف الآخر .
    وفيما يتعلق باحترام التحكيم الالكتروني لهذه المبادئ الأساسية للتحكيم فقد أُشير إلى أنه بشأن إدارة الجلسات في الشكل الالكتروني فإن الوسائل الفنية متاحة في هذا المجال ؛ حيث ظهرت من خلال الانترنت وسائل حديثة للاتصال تسمح بتبادل الأصوات والصور والنصوص بشكل شبه متزامن بين الأطراف ، كما أن البريد الالكتروني يسمح بنقل النصوص وكذلك المستندات المسموعة والمرئية المقدمة من طرفي الخصومة .(5)
    هذا فضلاً عن المؤتمرات الافتراضية المرئية تسمح بنقل الصوت والصورة والفيديو بطريقة فورية ويكفي لاستخدامها أن يكون الكمبيوتر مزوداً بميكروفون وكاميرا فيديو ، وقد استخدمت تلك التقنية في الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الخصومات القضائية ، وهكذا نلاحظ أن المداولة المرئية تلبي مقتضى احترام حقوق الدفاع واحترام مبدأي المواجهة والمساواة بين أطراف الخصومة .

سابعاً : إصدار حكم التحكيم الالكتروني :

     يصدر قرار التحكيم بعد فض المحاكمة وإنهاء الإجراءات ما لم تطرأ ظروف استثنائية تحول دون ذلك مع توضيحها للإفراد إن وجدت ، ويشترط أن يصدر القرار كتابة وتكفي الأغلبية لصدوره مع التوقيع عليه من الرئيس والأعضاء مع ذكر رأي العضو المخالف إن لم يكن الحكم بالإجماع ، وملخص أقوال المتهم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره .(1)
    وفيما يتعلق بإصدار حكم التحكيم الالكتروني يرى البعض (2) أن هناك بعض الصعوبات التي تواجهه منها ما يتعلق بشكل الحكم ومنها ما يتعلق بوجوب توقيع الحكم .
    ففيما يتعلق بشكل الحكم فإنه يثور التساؤل عن مدى استلزام أن يكون الحكم ثابتاً بالكتابة على دعامة ورقية ؟ قفي هذا الشأن نجد أن بعض النصوص تستلزم صراحة أن يكون الحكم مكتوباً .
    وفيما يتعلق بوجوب توقيع الحكم، فقد تواترت الوثائق الدولية والوطنية التي تستلزم توقيع الحكم منها المادة (31/1) من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي التي تنص على أن « يصدر الحكم كتابه ويوقعه المحكم أو المحكمون » .
     ووفقاً لنظام القاضي الافتراضي فإنه بعد تعيين المحكم يبدأ في الاتصال بالأطراف لطلب أي معلومات إضافية تتعلق بموضوع النزاع ، ويجب عليه أن يفصل في موضع النزاع خلال 72 ساعة أي ثلاثة أيام عمل تبدأ من تاريخ تلقي المركز لرد المدعى عليه على ادعاءات المدعي ، ويقوم المحكم بإصدار حكم في النزاع بعد دراسته ، ويصدر هذا الحكم وفقاً لظروف الدعوى وما يراه عادلاً وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف ، وتتم هذه الإجراءات جميعها الكترونياً بداية من ملء النموذج الخاص بالتحكيم وحتى صدور حكم التحكيم الممهور بالتوقيع الالكتروني للمحكم هيئة التحكيم (3) وفي هذا المعنى نصت المادة (25/4) من لائحة المحكمة الالكترونية على أن « يتولى السكرتارية نشر الحكم على موقع القضية ، وتبليغه للأطراف بكل وسيلة ممكنة » وباعتبار أن النص جاء مطلقاً في شكل وسيلة إبلاغ الحكم للأطراف فمن المتصور أن يتم ذلك الإبلاغ بإرسال بريد الكتروني مع الحصول على إفادة بالاستلام عند الاقتضاء .(4)

- تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني :
    إن الثمرة الحقيقية للتحكيم تتمثل في الحكم الذي يصل إليه المحكمون ، هذا الحكم لن يكون له من قيمة قانونية أو عملية إذا ظل مجرد عبارات مكتوبة غير قابلة للتنفيذ ، فتنفيذ حكم التحكيم يمثل أساس ومحور نظام التحكيم نفسه ، وتتحدد به مدى فاعليته كأسلوب لفض وتسوية المنازعات .(5)
     وفي إطار التحكيم الالكتروني يرى البعض أن الجهات الرسمية المنوط بها التنفيذ والتي تبدأ بالمحكمة المختصة بإصدار الصيغة التنفيذية للحكم وكذلك رجال التنفيذ من محضرين وشرطة لن يقبلوا بسهولة مسؤولية تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني إلا في حالة وجود قانون وطني أو اتفاقية دولية تلزم السلطات الوطنية بقبول وتنفيذ الأحكام الالكترونية .(1)
    ويذهب اتجاه ثاني إلى أنه إذا كان طالب تنفيذ الحكم التحكيم التقليدي أو العادي يلزم أن يقدم أصل ذلك الحكم أو نسخة رسمية من هذا الأصل ، وإذا كان ذلك المقتضى لا يثير أية مشكلات في مجال التحكيم العادي فالأمر لا يسير على نفس المنوال في مجال التحكيم الالكتروني وذلك لسببين هما :
الأول : يرجع إلى نظام المعلوماتية التي لا تميز بين الأصل والصورة .
الثاني : يرجع إلى الصعوبات التي تثيرها رسمية المستند الالكتروني .
    ويضيف بأنه يمكن أن تماثل الوثيقة الالكترونية الأصل ، ويتم التنفيذ بمقتضاها إذا توافر شرطاً هما :
أولاً : يتعين وجود ضمان إمكان التشغيل فيما يخص كمال المعلومة .
ثانياً : يتعين أن تكون المعلومة يمكن الكشف عنها للشخص المقدمة إليه .
    كما يقرر أن اقتضاء كمال المعلومة يتم استيفاؤه بمجرد بقاء المعلومة كاملة دون إتلاف أو تشويه . وأن مستوى إمكانية التشغيل يتم تقديره بالنظر إلى موضوع المعلومة .(2)
    ويرى اتجاه ثالث (3) أن التنفيذ الطوعي لأحكام التحكيم الالكتروني أمر مرغوب فيه ، إذا أن أهم أهداف التحكيم الالكتروني هو تعزيز الثقة في التجارة الالكترونية ، وبالأخص ثقة المستهلك فالطرف القوي الذي يصدر حكم التحكيم ضده ولصالح المستهلك قد يقوم بتنفيذ الحكم على الرغم من عدم رضائه ، وذلك لأنه يسعى أن يبقى شخصاً موثوقاً به في سوق التجارة الالكترونية ، ولكن في حالة عدم التنفيذ الطوعي يتعين على التنظيم الذاتي للتحكيم الالكتروني أن يوفر للمتحكمين آلية إجبار على التنفيذ تقوم مقام سلطات التنفيذ في الدولة ، أو أن يوفر حوافز خاصة للمحكوم عليه تدفعه نحو التنفيذ الطوعي لحكم التحكيم ، وعليه فإن هناك فائدة كبيرة سوف تعود على التجار الذين يقومون طواعية بتنفيذ أحكام التحكيم الالكتروني ، وذلك حتى لا يفقدون المنافع الاقتصادية العديدة التي يحصلون عليها من جراء تواجدهم في السوق الالكتروني .

-  آليات تنفيذ أحكام التحكيم الالكتروني :
    تتعد آليات التنفيذ الجبري التي يمكن لمجتمع التجارة الالكتروني أن يوفرها لضمان تنفيذ أحكام التحكيم الالكتروني ، وتشمل هذه الآليات على سبيل المثال لا الحصر : خدمات التعهد بالتنفيذ ، وصناديق تمويل الأحكام  وربط مراكز التحكيم الالكتروني بمصدر بطاقات الائتمان ويُعرض فيما يلي لهذه الآليات بشيء من الإيجاز :
1 . خدمات التعهد بالتنفيذ :
    تفترض هذه الآلية وجود عقد بين طرفي العقد الالكتروني وهما البائع والمشتري ، وبين متعهد التنفيذ قبل إبرام عقد البيع ، ويجب يجب أن يتضمن هذا العقد شرط تنفيذ التحكيم الكتروني تحت مظلة احد مراكز التحكيم الالكتروني .(4)
2 . صندوق تمويل الأحكام :
    من خلال هذه الآلية يتم إنشاء صندوق لتمويل الأحكام يساهم فيه تجار السوق الالكتروني ، ويتولى الإشراف عليه وإدارته مركز تحكيم معتمد من قبلهم ، ويضمن هذا الصندوق للمستهلكين حصولهم على أموالهم التي يقضي بها المحكم مباشرة ؛ ذلك لأن المركز يملك تنفيذ الحكم الصادر عنه من خلال الأموال المودعة في الصندوق .
3 . ربط مراكز التحكيم الالكتروني بمصدر بطاقات الائتمان :
    وتفترض هذه الآلية قيام مركز التحكيم الالكتروني بإبرام عقد مع احد مصدري بطاقات الائتمان ، كشركة فيزا أو شركة ماستر كارد ، والذي بدوره يبرم عقد مع التاجر الذي يريد أن يستفيد من خدمة الائتمان ، ويتضمن كل عقد من هذين العقدين شرطاً يخول مصدر بطاقات الائتمان ويلزمه برد الثمن إلى حساب المشتري  (المستهلك)  إذا تلقى قراراً تحكيمياً من المركز المتفق عليه يفيد ذلك .

-  رسوم التحكيم الالكتروني :
    أوضحت لائحة مركز تحكيم ووساطة الويبو التي يلتزم بها المحتكمون بداية من تقديم طلب التحكيم ونهاية بالحصول على حكم التحكيم الالكتروني رسوم التحكيم ، وتتنوع هذه الرسوم بين رسوم التسجيل ، والرسوم الإدارية ، ورسوم المحكمين ، ففي ما يتعلق برسوم التسجيل يتم تقديرها بحسب المبلغ المتنازع عليه ، فإذا لم يكن المبلغ غير محدد يتعين دفع 1000 دولار مع طلب التحكيم ، ويتم دفع نفس المبلغ إذا كان موضوع النزاع ليس مالياً (1) وفيما يتعلق بالرسوم الإدارية فيلتزم بها المدعي ، وتستحق هذه الرسوم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إرسال طلب التحكيم ، ويتم احتساب هذه الرسوم وفق جدول الرسوم المطبق وقت بدء التحكيم ، وفي حالة التأخير عن أداء الرسوم الإدارية يمنح من تأخر عن أدائها مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ الأخطار الكتابي لأدائها ، وإلا اعتبر راجعاً عن ادعائه أو ادعائه المقابل أو عن الزيادة فيها ، وفيما يتعلق برسوم المحكمين فإنها تحتسب على أساس مجموع مبلغ النزاع ، وإذا كان هناك ادعاء مقابلاً فإنه يضاف لمجموع مبلغ النزاع ، وتشمل تلك الرسوم الأتعاب والنفقات التي تطلبها فض النزاع ، ويقوم المركز بتقدير رسوم هيئة التحكيم سواء أكانت الهيئة مكونة من ثلاثة أعضاء أو من عضو واحد بعد استشارته للمحكمين وأطراف النزاع إذا لم يكن موضوع النزاع مالياً .
   ويقدر مركز التحكيم رسوم الهيئة في حالتين : الأولى : إذا لم تكن الهيئة مكونة من محكم فرد ولا ثلاثة حيث تقدير الرسوم في هذه الحالة وفقاً للجهد الذي تحملته الهيئة ومقدار المسئوليات التي كانت على عاتقها .
والحالة الثانية : إذا لم يكن مبلغ النزاع محدد عند إحالته للتحكيم ، أو لم يكن أصل النزاع مالياً فيلتزم الأطراف بدفع ألف دولار عند إحالة النزاع ليقوم المركز بعدها بتقدير الرسوم للمحكمين بعد دارسته لموضوع النزاع والوسائل الملائمة لحاله وفي حالة فشل النزاع كونه لا يدخل ضمن اختصاص المركز فانه يستحق رسماً مقداره ألف دولار ، وتجدر الإشارة إلى أن مراكز التحكيم تستوفي بداية وبعد إخطارها للمحكمين مبلغ التأمين يدفع خلال 30 يوماً من إحالة النزاع إليها . (2)

الخاتمـــــة

   اتضح من خلال هذا البحث أن التحكيم الالكتروني لا يختلف عن التحكيم بصورته التقليدية أو العادية إلا من حيث توظيف الوسائل التي هيأتها ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة في كافة مراحل عملية التحكيم ، بدءاً من الاتفاق عليه ومروراً بإجراءاته وانتهاءً بصدور حكم فيه .
    فالتحكيم الالكتروني إذا هو وسيلة لحسم المنازعات الناشئة من التجارة الالكترونية ، والعناوين الالكترونية وغيرها عن طريق اختيار محكم أو محكمين يقومون بالفصل في تلك المنازعات من خلال وبواسطة الانترنت بقرار ملزم للخصوم .
    ولعل من أهم المزايا التي يحققها التحكيم الالكتروني هي المزيد من السرعة في الفصل في النزاع ، والاقتصاد في النفقات ، بالإضافة إلى ميزة الخبرة في مجالات التجارة الالكترونية ، والملكية الفكرية والتي تتوافر في المحكمين .
    وأخيراً فإننا نوصي بعقد المؤتمرات الدولية والندوات – وما هذه الندوة إلا إحداها - لبيان مفهوم التحكيم الالكتروني وإبراز أهمية وتعاظم دوره في حسم المنازعات المتعلقة بالمعاملات الالكترونية .
    كما يجب العمل على توفير الأمن القانوني المعلوماتي للمعاملات التي تتم عبر الانترنت والارتقاء به وتطويره ويتعين استخدام تقنيات حديثة ومتطورة للحفاظ على الوجود المادي للمحررات الالكترونية والتوقيع الالكتروني كما يجب على الجهات المختصة والمهتمة بشؤون التحكيم الالكتروني القيام بإعداد الدراسات والبحوث حول التجارة الالكترونية والمعاملات والعقود الرقمية وعلاقتها بالتحكيم الالكتروني ، هذا بالإضافة إلى تنمية الكوادر البشرية في مجال التحكيم الالكتروني .
   هذا وما كان من صواب فمن الله ، وما كان من تقصير أو إهمال فمني ومن الشيطان ،،،

والله ولي التوفيق

أهم المراجع
أولاً : الكتب :
- د. إبراهيم احمد إبراهيم : التحكيم الدولي الخاص . دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2000 .
- د. أبو زيد رضوان : الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي . دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، 1999 .
- د. احمد أبو الوفا : التحكيم الاختياري والإجباري . منشأة دار المعارف ، الإسكندرية ، 1979.
-  د. احمد عبد الكريم سلامة : التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية . دار النهضة العربية ، القاهرة .
- د. احمد عمر بوزقية : أوراق في التحكيم . منشورات جامعة قاريونس ، الطبعة الأولى ، 2003 .
- د. حسام الدين فتحي ناصف : عقود الوسطاء في التجارة الدولية . دار النهضة العربية ، القاهرة   2002 .
- د. حسام الدين فتحي ناصف : التحكيم الالكتروني في منازعات التجارة الدولية . دار النهضة العربية ، القاهرة  ، 2005 .
- د. حسام الدين فتحي ناصف : تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة الصادرة في الخارج . دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2005 .
- د. جورجي شفيق ساري : التحكيم ومدى جواز اللجوء إليه لفض المنازعات في مجال العقود الإدارية . دار النهضة العربية القاهرة ، 1999 .
- د. عزمي عبد الفتاح : قانون التحكيم الالكتروني . مطبوعات جامعة الكويت ، 1990 .    
- د. عصمت عبد الله الشيخ : التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي . دار النهضة العربية القاهرة ، 2000 .
- د. علاء محي الدين مصطفى : التحكيم في منازعات العقود الإدارية الدولية . دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، 2008 .
- د. عصام عبد الفتاح مطر : التجارة الالكترونية في التشريعات العربية والتشريعات الأجنبية . دار الجامعة الجديدة الإسكندرية  ،  2000 .
- د. عصام عبد الفتاح مطر : التحكيم الالكتروني . دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، 2009  .
- د. مصطفى الجمال و د. عكاشة عبد العال : التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية والداخلية . الإسكندرية ، 1998 .
- د. مختار بربري : التحكيم التجاري الدولي . دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1995.
- د. محمد نور شحاته : سلطة التكييف في القانون الإجرائي . دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1993 .
ثانياً : الرسائل العلمية :
- د. احمد حسان الغندور : التحكيم في العقود الدولية للإنشاءات . رسالة دكتوراه ، جامعة بني سويف ، 1998.
ثالثاً : شبكة المعلومات الدولية :
- د. نبيل زيد مقابلة : (( التحكيم الالكتروني )) . بحث منشور بموقع               www. f.law.net/Law
- د. خالد ممدوح : (( التحكيم الالكتروني )) بحث منشور بموقع  www. kenanaonline .com          
- أ. معتصم سويلم نصير: (( مدى تحقق الشروط المطلوبة في التحكيم التقليدي في ظل التحكيم الالكتروني )) . بحث منشور بموقع                                                                 www.arablawinfo.com
- د.هيثم عبد الرحمن البقلي : (( التحكيم الالكتروني كأحد وسائل تسوية المنازعات )) .          
                                                    

الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

البطاقات الائتمانية تعريفها وأخذ الرسوم على إصدارها والسحب النقديالبطاقات الائتمانية تعريفها وأخذ الرسوم على إصدارها والسحب النقدي بها صالح بن محمد الفوزان بها ... تأليف د/ صالح بن محمد الفوزان


المبحث الأول
تعريف البطاقات الائتمانية، والفرق بينها وبين بطاقات السحب الفوري


المطلب الأول : تعريف البطاقات الائتمانية (Credit Cards)

المسألة الأولى : التعريف الإفرادي :

أولاً : تعريف البطاقات (Cards)
البطاقات جمع بِطاقة ككِتابة ، وهي كلمة عربية فصيحة ، فقد جاءت في كلام أفصح الخلق _صلى الله عليه وسلم_ كما في حديث البطاقة المشهور ، وفيه : "فتُخْرج له بِطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله"(1) .
قال ابن منظور : "البِطاقةُ: الوَرَقةُ؛ عن ابن الأَعرابـي ، وقال غيره: البِطاقة رُقْعة صغيرة يُثْبَتُ فـيها مِقْدار ما تـجعل فـيه، إِن كان عيناً فوزْنُه أَو عدده، وإِن كان متاعاً فقـيمته...، وهي كلـمة مبتذلة بمصر وما والاها، يَدْعُونَ الرقعة التـي تكون فـي الثوب وفـيها رقْمُ ثَمنِه بطاقة؛ هكذا خصّص فـي التهذيب، وعمَّ (صاحب) الـمـحكم ولـم يُخصِّص به مصر وما والاها ولا غيرها، فقال: البِطاقة: الرقعة الصغيرة تكون فـي الثوب ... قال ابن سيده: والبطاقة الرقعة الصغيرة تكون فـي الثوب، وفـيها رقم ثمنه بلغة مصر؛ حكى هذه شمر، وقال: لأَنها تُشَدُّ بطاقةٍ من هُدْب الثوب، قال: وهذا الاشتقاق خطأٌ؛ لأَن الباء علـى قوله باء الـجر فتكون زائدة ، قال: والصحيح ما تقدم من قول ابن الأَعرابـي ، وهي كلـمة كثـيرة الاستعمال بمصر، حماها الله _تعالـى_"(2) .
ومما تقدم يتضح أن معنى البطاقة في اللغة الورقة ، وهذا أصل البطاقات ثم إنها تطورت وصارت تُصنع من المعدن ، بحيث يُحفر عليها الرقم والاسم ، ثم صنعت من اللدائن (البلاستيك) ، وقد عرَّف الدكتور محمد العصيمي البطاقات المصرفية من الناحية الاصطلاحية الفنية، فقال : "قطعة لدائنية مستطيلة (5.5سمx8.5سم تقريباً) مكتوب عليها بحروف نافرة اسم حاملها، وتاريخ إصدارها (غالباً)، وتاريخ انتهاء صلاحيتها ورقمها المتسلسل ، ومكتوب بحروف غير نافرة صورة حاملها وتوقيعه (غالباً) واسم مصدرها وشعاره (ومن شاركه إن وجد) ، ومطبوع عليها طباعة شفافة شعار المنظمة التابعة لها وشعار الشبكة الحاسوبية ، ويوجد خلف أغلب أنواعها شريط ممغنط (وفي بعضها رقاقة حاسوبية) تُسجَّل عليه بعض المعلومات المهمة ـ حسب عمل الشركة المصدرة ونوعية البطاقة ـ كرقم البطاقة ورقم الإثبات الشخصي لحاملها وشفرة البنك والمنظمة المصدرين ، ويوجد كذلك خلف البطاقة رقم هاتف المُصدِر (المجاني غالباً) وعنوانه ومكان لتوقيع حاملها والشبكات التي تخدمها"(3) .

ثانياً : تعريف الائتمان (Credit)
لم يورد الفقهاء المتقدمون ـ في حدود إطلاعي ـ لفظ (ائتمان) بالمعنى المعاصر الدقيق الذي توصف به البطاقات(4) ، وإنما وفد كترجمة للمصطلح الإنجليزي (Credit) ، وقد اختلف الباحثون في صحة هذه الترجمة من خلال اختلافهم في معنى الائتمان .
وبينما اعترض بعضهم على ترجمة الكلمة بلفظ الائتمان ، إذ يرى أن الأدق أن يُقال: بطاقات الإقراض(5) ، فإن بعضهم الآخر ينازع في ذلك ، ويرى أن القرض نتيجة تابعة للائتمان ، إذ معنى الائتمان مأخوذ من الثقة التي يمنحها المصرف لعميله ؛ ولذا فقد نقل بعض الباحثين تعريف الائتمان بأنه "التزام يقطعه مصرف لمن يطلب منه أن يجيز له استعمال مال معيَّن نظراً للثقة التي يشعر بها نحوه"(6).
فالائتمان أقرب إلى الدَّين منه إلى القرض ، ومما يؤيد ذلك وجود فروق كثيرة بين الائتمان والقرض ، منها ما يلي :
1ـ أن المقترض يُعْطى المال مباشرة ، وفي الائتمان يُعطى الشخص القدرة على قضاء حوائجه دون دفع الثمن ثقةً فيه على أن يسدد في وقت لاحق .
2ـ أن مبلغ القرض يثبت في ذمة المقترض كاملاً حين قبضه ، أما في الائتمان فإنه لا يثبت من المبلغ في ذمة من مُنح الائتمان إلا ما تم صرفه فعلاً .
3ـ يقابل القرض في الإنجليزية (Loan) ، ويقابل الائتمان (Credit)(7) .

المسألة الثانية : التعريف المركَّب

تعددت تعريفات البطاقات الائتمانية في المراجع الأجنبية والعربية الاقتصادية والفقهية ، ويطول المقام لو أردت عرض هذه التعريفات ، إلا أنني أشير إلى أهمها فيما يلي :

1ـ عرفها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السابعة بأنها: " مستند يعطيه مصدره (البنك المُصْدِر) لشخص طبيعي أو اعتباري (حامل البطاقة) بناءً على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند (التاجر) دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع ، ويكون الدفع من حساب المصدر ، ثم يعود على حاملها في مواعيد دروية ، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد مدة محددة من تاريخ المطالبة ، وبعضها لا يفرض فوائد"(8) .
ونلحظ أن هذا التعريف اشتمل على أطراف العقد الرئيسة ، كما صوَّر كيفية تسديد مستحقات المُصدر ، لكنه لم يشر إلى حصول حاملها على بعض الخدمات دون مقابل .

2ـ عرَّفها الدكتور محمد العصيمي بأنها:"أداة دولية للدفع الائتماني المدار ، ذات نطاق عام ، ناتجة عن عقد ثلاثي ، تصدر من بنك تجاري ، تمكِّن حاملها من إجراء عقود خاصة والحصول على خدمات خاصة"(9).
ورغم ما في هذا التعريف من إجمال في طبيعة العقود والخدمات الناشئة عن البطاقة ، إلا أنه أشار إلى جانب مهم في البطاقات الائتمانية، وهو: الائتمان المُدار (Revolving Credit) ، والمراد به : اكتفاء البنك (المقرض) بسداد نسبة مئوية زهيدة من إجمالي الرصيد الدائن على حامل البطاقة (المقترض) مع تقسيط المبلغ المتبقي وفرض نسبة ربوية مركبة عليه(10) .
وهذا يسري على بطاقات الائتمان المفتوح فقط ، إلا أنها أشهر الأنواع وأكثرها رواجاً .

3ـ عرفها عبد الرحمن الحجي بأنها: "أداة دفع وسحب نقدي ، يصدرها بنك تجاري أو مؤسسة مالية ، تمكِّن حاملها من الشراء بالأجل على ذمة مصدرها ، ومن الحصول على النقد اقتراضاً من مصدرها أو من غيره بضمانه ، وتمكنه من الحصول على خدمات خاصة"(11) .
ويظهر لي أن هذا التعريف من أفضل التعريفات ، فهو ـ مع إيجازه ـ أوضح صفة البطاقة (أداة دفع وسحب نقدي) ، ومصدرها(بنك تجاري أو مؤسسة مالية) ، ووظائفها الأساسية (الشراء والحصول على النقد اقتراضاً) ووظائفها التابعة (خدمات خاصة) .

وللبطاقات الائتمانية نوعان رئيسان :

1ـ بطاقات الائتمان المحدود : وتتميز بأن سداد الدَّين يكون دفعة واحدة عند حلول أجله، ومن أمثلتها البطاقات الائتمانية للبنوك الإسلامية وبطاقات الخصم (Debit Cards)(12).
وتتميز هذه البطاقات بأنها لا تشتمل على تقسيط الدَّين ، كما أنها يمكن أن تتوافق مع الشريعة الإسلامية خاصة إذا صدرت عن بنوك إسلامية مرتبطة بقرارات الهيئات الشرعية .

2ـ بطاقات الائتمان المفتوح : وفيها يكون حامل البطاقة بالخيار عند حلول الدَّين ، فإما أن يسدد دفعة واحدة ، وإما أن يسدد وفق الائتمان المُدار .
وتتميز عن النوع الأول بكون الائتمان فيها مفتوحاً، وتتميز عن بطاقات الحساب الجاري بوجود الائتمان فيها ، كما أنها أشهر أنواع البطاقات الائتمانية وأكثرها شيوعاً ، وإليها ينصرف الاسم عند الإطلاق ، ويغلب عليها أن تكون مرتبطة بمنظمة فيزا أو ماستر كارد(13) .

وللبطاقة الائتمانية عدة أطراف لا تزيد عن خمسة على النحو التالي:
1ـ المنظمة العالمية: وهي التي تملك العلامة التجارية للبطاقة، وتقوم بالإشراف على إصدار البطاقات وفق اتفاقيات خاصة مع البنوك المُصدرة ، ومن أشهرها:منظمة فيزا (VISA) ، ومنظمة ماستر كارد (MASTER CARD) ، ومنظمة أمريكان إكسبرس (AMERICAN EXPRESS) .
2ـ مُصْدِر البطاقة : وهو البنك أو المؤسسة التي تصدر البطاقة بناءً على ترخيص معتمد من المنظمة العالمية بصفته عضواً فيها ، ويقوم بالسداد وكالةً عن حامل البطاقة للتاجر .
3ـ حامل البطاقة : وهو عميل البنك الذي صدرت البطاقة باسمه أو خُوِّل باستخدامها ، ويلتزم لمصدرها بالوفاء بكل ما ينشأ عن استعماله لها .
4ـ قابل البطاقة : وهو التاجر الذي يتعاقد مع مصدر البطاقة على تقديم السلع والخدمات التي يطلبها حامل البطاقة .
5ـ البنوك الأخرى ، وذلك كبنك التاجر الذي يتسلم مستندات البيع من التاجر ، ويقوم بمتابعة تسديد البنوك الأعضاء للديون المترتبة على استخدام البطاقة مقابل رسوم يأخذها من التاجر(14) ، وهذه الأطراف قد تنقص بحسب تعامل البنك المصدر وحامل البطاقة والتاجر .
المطلب الثاني : الفرق بين البطاقات الائتمانية وبطاقات الحساب الجاري
المراد بالحساب الجاري (Current Account) : المال المودَع لدى البنك بحيث يتصرف فيه مع ضمانه ، ويحق لصاحبه سحبه في أي وقت شاء(15) .

ويمكن تعريف بطاقات الحساب الجاري بأنها : " أداة دفع وسحب نقدي ، يصدرها بنك تجاري ، تمكِّن حاملها من الشراء بماله الموجود لدى البنك ، ومن الحصول على النقد من أي مكان مع خصم المبلغ من حسابه فوراً ، وتمكنه من الحصول على خدمات خاصة"(16) .
وتسمى هذه البطاقات : بطاقات أجهزة الصراف الآلي (A.T.M.)(17) ، ولها نوعان :

1ـ بطاقات الصراف الآلي الداخلية ، وهي البطاقات التي تؤدي وظائفها داخل دولة واحدة ، ومن أمثلتها بطاقة صراف الراجحي، ومع تطور الاتصالات أمكن استعمالها في جهاز أي بنك من خلال شبكة تنظم العلاقة بين البنوك والعملاء كالشبكة السعودية داخل المملكة.

2ـ بطاقات الصراف الآلي الدولية ، وهي التي تتبع منطقة دولية ترعى هذه البطاقات ، بحيث يستطيع حاملها استخدامها في جميع أنحاء العالم ، ومن أمثلتها بطاقة (فيزا إلكترون) التابعة لفيزا، وبطاقة (مايسترو) التابعة لماستر كارد ، ويتم التعامل بها من خلال شبكة دولية توفرها المنظمة الراعية للبطاقة .
وتتميز هذه البطاقات بإمكانية استعمالها في أجهزة الصراف الآلي ونقاط البيع في المحلات التجارية (P.O.S.)(18) ، كما أنها ترتبط مباشرة بالحساب الجاري سحباً وشراءً؛ ولذا لا تُصدرها إلا البنوك غالباً،وتعتمد على قدرة أجهزة الاتصال الإلكتروني، ولا يمكن أن تعمل بطريقة يدوية(19).

ومن العرض السابق للبطاقات الائتمانية وبطاقات الحساب الجاري يمكن أن نلخِّص أبرز الفروق بينهما فيما يلي :
1ـ أن بطاقات الحساب الجاري مرتبطة برصيد حاملها في البنك المُصْدِر لها ، فلا يمكن لحاملها أن يسحب أو يشتري بأكثر من رصيده المودَع في البنك المصدر ، أما البطاقات الائتمانية فإنها لا ترتبط برصيد حاملها ، بل قد لا يكون له رصيد في البنك المصدر ، وإنما تعتمد على ثقة المصدر بالملاءة المالية لحامل البطاقة وقدرته على السداد عند استحقاق الدفع .
2ـ أن البنك المصدر لبطاقة الحساب الجاري يُعد موفياً للقرض في حال السحب النقدي بها ، والعميل (المقرض) إنما يقوم باستيفاء دينه أو بعضه ، أما في البطاقة الائتمانية فإن البنك المصدر يُعد مقرضاً عند استعمال حامل البطاقة لها،ويكون مديناً للبنك بمقدار استعماله للبطاقة.
3ـ عند السحب النقدي بالبطاقات الائتمانية تُحسب نسبة مئوية من المبلغ المسحوب ، أما السحب النقدي ببطاقات الحساب الجاري فهو مجاني أو يُحتسب رسوم مالية مقطوعة غالباً.
4ـ أن بطاقات الحساب الجاري تعد من بطاقات السداد الفوري ، أما البطاقات الائتمانية فهي بطاقات تقسيط تعتمد على تدوير الائتمان في غالبها .
5ـ أن بطاقات الحساب الجاري تعد من البطاقات المجانية بالنسبة للبائع ، أما البطاقات الائتمانية فيتكبد البائع فيها دفع رسم أو نسبة مئوية من قيمة الفاتورة .
6ـ أن البطاقات الائتمانية بطاقات ذات ربحية مباشرة ، إذ صدرت لأجل الربح المباشر بسبب كثرة الرسوم المفروضة عليها ، أما بطاقات الحساب الجاري فهي ذات ربحية غير مباشرة ، فالربح ليس هدفاً لإصدارها في الأصل ، لكن الخدمات التي تقدمها أصبحت تدر ربحاً على المصدر .
7ـ الغالب أن بطاقات الحساب الجاري لا يصدرها إلا البنوك لارتباطها برصيد حاملها لدى البنك المصدر ، أما البطاقات الائتمانية فقد تصدرها البنوك أو المنظمات الدولية والمؤسسات المالية؛ لأنها لا ترتبط برصيد حاملها لدى المصدر .
8ـ يعتمد استعمال بطاقات الحساب الجاري على تطور الاتصالات الإلكترونية ، ولا يمكن أن تُستعمل بشكل يدوي ، أما البطاقات الائتمانية فقد تستعمل بشكل يدوي خاصة في الدول غير المتقدمة(20) .



المبحث الثاني
أخذ الرسوم على إصدار البطاقات الائتمانية


لم تكن جهات إصدار البطاقات الائتمانية تفرض رسوماً على حامل البطاقة في مقابل الإصدار ، إلا أنها اضطرت إلى ذلك بسبب قلة الأرباح ، وسعت لترويج هذه البطاقات إلى ربط إصدارها ببعض الخدمات كالتأمين ، وكثيراً ما خفَّضت هذه الرسوم بسبب التنافس ، بل إن بعضها يصدر البطاقة بدون رسوم لترويجها لما تدره من أرباح بسبب فوائد الديون(21) .
والخدمات المرتبطة بالبطاقة منها ما هو أساسي وهو الضمان الذي يؤول إلى القرض ، ومنها ما هو تابع كالأمن على النفس بسبب عدم حمل النقد وإمكانية إجراء كثير من العمليات المصرفية دون الذهاب إلى البنك وإمكانية الشراء بواسطة البطاقة عبر أجهزة نقاط البيع(22) .
وقبل الخوض في حكم هذه الرسوم أشير بإيجاز إلى التكييف الفقهي للعلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها ، وأشهر الأقوال في ذلك ما يلي :
1ـ أن العلاقة بينهما ضمان ، فالمصدر ضامن للحامل ، فإن كان ذلك قبل استخدامها فهو من ضمان ما لم يجب ، وهو جائز شرعاً عند جمهور الفقهاء(23) ، وهذا التكييف رجَّحه بعض الباحثين في المجمع الفقهي(24) .
ونوقش بأن هذا التكييف لا يشمل عملية السحب النقدي من مصدر البطاقة ، فهذه العملية ليس فيها ضمان ، فلا يشملها هذا التكييف(25) .
كما نوقش بأن الضمان يعني ضم ذمة إلى ذمة أخرى في المطالبة ، بحيث يستطيع الدائن مطالبة الضامن أو المضمون عنه ، لكن التاجر لا يملك مطالبة حامل البطاقة(26) .
وقد أجيب ذلك بما يلي :
أـ أن بعض الفقهاء أجاز في الضمان اشتراط براءة ذمة المضمون عنه ، وهو مذهب الحنفية والمالكية .
قال العيني في البناية : " والمكفول له بالخيار إن شاء طالب الذي عليه الأصل ، وإن شاء طالب كفيله ... إلاَّ إذا شُرط في عقد الكفالة براءة الأصل"(27) .
ب ـ أن جمعاً من الفقهاء يرون أن الدَّين ينتقل إلى ذمة الضامن ، وليس للدائن أن يطالب الأصيل(28) .
ج ـ أن ذمة حامل البطاقة لا تزال مشغولة ، وعدم مطالبته ليس لبراءتها ؛ بل لأن البنوك ملتزمة بالوفاء ، ولا يوجد حالات عجزت فيها عن الوفاء حتى يطالب الحامل .
د ـ أن أهل الخبرة والاختصاص في أمور البطاقات لا ينفون حق التاجر في مطالبة حامل البطاقة ، ولا يعول في ذلك على نصوص العقود(29).
2ـ أن العلاقة بينهما حوالة ، أي: أن الحامل يحيل التاجر على المصدر ، وهذا تكييف بعض أعضاء المجمع(30) ، وقال بعضهم : ضمان قبل استخدامها حوالة بعده(31) .
ويمكن أن يُناقش بأن الحوالة لا تكون إلا بدين ثابت ، وقبل استخدام البطاقة لم يثبت دين في ذمة حاملها ، وأما بعد الاستخدام فالقابل لها لا يطالب حاملها ليس لأنه أحاله على المصدر، وإنما لالتزام المصدر بسداد ديون الحامل للقابل ثقةً بملاءتة المالية ، وهذا معنى الائتمان .
وقد أضاف بعضهم الوكالة إلى الضمان أو الحوالة ، لكن ذلك مناقش بأن حامل البطاقة لا يملك الدفع للتاجر ، والوكالة لا تكون إلا في تصرف مملوك للموكِّل(32) .
3ـ أن العلاقة بينهما علاقة بين مقرض (مصدر البطاقة) ومقترض (حامل البطاقة)(33) .
ويمكن أن يُناقش بأن حامل البطاقة قد لا يستخدمها ، ولا بد في القرض من دفع مال ورد بدله ، ثم إن بين الائتمان والقرض فروقاً كثيرة _كما سبق_ .
4ـ أن العلاقة بينهما تتركب من عقدين : عقد الضمان وعقد القرض، فهي عقد ضمان يؤول إلى القرض في عمليات الشراء والاقتراض من غير مصدر البطاقة ، وعقد وعد بالقرض يؤول إلى القرض في عملية السحب النقدي من مصدر البطاقة(34) ، وهذا هو الأظهر .
وإذا كان الضمان جانباً رئيساً في هذه العلاقة، فإن مما يجدر ذكره أن الفقهاء مجمعون على تحريم أخذ الأجرة على الضمان(35) ؛ وذلك لأن الضامن له حالتان :
1ـ أن يدفع الدَّين نيابة عن المضمون عنه ثم يرجع إليه ، فيكون الأجر المشترط من المنفعة المشروطة في القرض ، وهذا محرم .
2ـ ألا يدفع الدين ، فيكون اشتراطه للعوض من أكل أموال الناس بالباطل(36) .

وقد اختلف المعاصرون في حكم أخذ الرسوم على إصدار البطاقة على أقوال :

القول الأول : أنه يحرم أخذ الرسوم، وهذا رأي بعض أعضاء مجمع الفقه كالدكتور محمد القري، وبعض المناقشين حول هذا الموضوع(37) .
أدلة هذا القول :
1ـ أن العلاقة بين المصدر وحامل البطاقة ضمان ، وأخذ هذه الرسوم من أخذ الأجر على الضمان ، وهو محرم _كما سبق_(38).
ونوقش بأنه لا يظهر أن هناك علاقة بين الرسوم والضمان ، ((إذ لا فرق في فرضها ومقدارها بين ما إذا استخدمها حاملها بمبالغ كثيرة أو قليلة أو لم يستخدمها بتاتاً))(39) .
2ـ أن الائتمان الذي يقدمه المصدر شبيه بالقرض ، فما يأخذه من رسوم فيه شبهة الربا باعتباره من المنفعة المشروطة في القرض(40) .
ونوقش بأنه لا علاقة بين القرض وبين هذه الرسوم ، إذ تُفرض ولو لم تستخدم البطاقة، وهي رسوم مقطوعة لا تتغير بتغير دين حامل البطاقة ، ثم إن الرسوم تكون عند الإصدار، أي قبل وجود القرض الذي لا يحصل إلا باستخدام المشترك للبطاقة(41) .
3ـ أن بعض البطاقات كالبطاقة الذهبية تقدِّم خدمات محرمة كالتأمين على الحياة ، وهذا مأخوذ في الاعتبار عند تقدير هذه الرسوم ، فيحرم أخذها لذلك(42) .
ونوقش ذلك بأنه يحرم الزيادة في الرسوم من أجل المنافع المحرمة، ولا يعني ذلك تحريم كل رسم في أي بطاقة ؛ لأن هذه الخدمات المحرمة لا تقدمها جميع المؤسسات المالية .
4 ـ أن هذه الرسوم في مقابل عدد مرات استفادة حامل البطاقة من التسهيلات المالية التي تمنحها البطاقة ، وهذه المرات غير معلومة العدد ، فالعقد لا يخلو من غرر وجهالة(43) .
ويمكن أن يُناقش ذلك بأن الرسوم في مقابل تكاليف الإصدار ، ولا علاقة لها بعدد مرات الاستخدام ، حتى إن حاملها يدفع الرسوم ولو لم يستخدمها إطلاقاً .

القول الثاني : جواز أخذ هذه الرسوم، وهذا رأي أكثر الباحثين الذين تصدوا لدراسة أحكام هذه البطاقات ، وهو ما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات الشرعية ، كمجمع الفقه الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي(44) ، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين(45) ، والهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية(46) ، وهيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي(47) ، وندوة البركة الفقهية الثانية العشرة(48) ، واختاره كثير من الباحثين كالدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، والدكتور عبد الستار أبو غدة، والدكتور رفيق المصري، والدكتور نزيه حماد، والشيخ عبد الله بن منيع(49) .
ومن أدلة هذا القول :
1ـ أن هذه الرسوم في مقابل تقديم الخدمات المصرفية من شراء السلع والخدمات وعملية السحب النقدي من فروع بعض البنوك أو الأجهزة التابعة لها، وهي أجرة مقطوعة لا علاقة لها بمقدار دين حامل البطاقة ، فهي أجرة في مقابل عمل(50) .
وقد يُقال: إن من أهم الخدمات المصرفية الائتمان القائم على الضمان ، فقد يكون فيها شبهة أخذ الأجرة على الضمان .
2ـ أن إصدار هذه البطاقات تكلف البنك أعمالاً إدارية كثيرة كتجهيز البطاقة وإرسال الإشعار وإجراءات فتح الملف وتعريف الجهات التي قد يحتاج للتعامل معها وما يترتب على ذلك من أعمال مكتبية وموظفين واستئجار مواقع للأجهزة وإجراء اتصالات هاتفية وتكاليف الاشتراك في المنظمات ، فهذه الرسوم في مقابل هذه التكاليف(51) .
ويمكن أن يُناقش بأن مجموع الرسوم قد يزيد كثيراً على هذه التكاليف خاصة مع كثرة البطاقات المصدرة ؛ لذا فلا بد من التأكيد على أن تكون الرسوم في مقابل التكلفة الفعلية خروجاً من شبهة الأجر على الضمان والمنفعة المشروطة في القرض فيما زاد عن التكلفة .
3ـ على تكييف العلاقة بين المصدر والحامل بأنها قرض ، فهذه الرسوم تعد من أجور خدمات القروض ، وقد أجاز مجمع الفقه في دروته الثالثة هذه الأجور بشرط أن تكون في حدود النفقات الفعلية ، وأشار بعض الفقهاء إلى ما يشبه هذه الصورة(52) .
وقد سبق ما في تكييف العلاقة على أنها قرض .

القول الثالث : التفصيل ، وذلك أن الرسوم على أقسام :
أـ التكاليف والنفقات الفعلية ، وهذه جائزة إذا لم تكن تكاليف أمور محرمة كالتأمين وتم تقديرها بدقة وعدل .
ب ـ رسوم الضمان ، وهذه لا يجوز أخذها لما مضى .
ج ـ أجور الخدمات المقدمة لحامل البطاقة ، وهذه في الواقع تابعة للضمان ؛ لذا لا يجوز أخذها ؛ للقاعدة الفقهية (التابع تابع)، وحكم رسوم الخدمات تابعة لحكم رسوم الضمان ، ولما جاء في القاعدة الأخرى (إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب جانب الحرام)(53) .
ويظهر لي رجحان هذا القول لقوة أدلته ، ولما فيه من التوسط بين تضييق القول الأول وإطلاق القول الثاني ، وفيه جمع بين الأدلة ، وتحاشٍ لما ذكره أصحاب القول الأول من موانع لأخذ هذه الرسوم، مع أن هذا القول في الواقع هو مراد كثير من أصحاب القول الثاني، حيث قيَّد بعضهم الجواز بأن تكون الرسوم أجراً مقطوعاً في حدود التكلفة الفعلية كما في قرار مجمع الفقه ، إلا أن هذا القول تميز بالتفصيل وبيان حالات الرسوم المأخوذة .
وعلى الرغم من ذلك فإذا أمكن إصدار هذه البطاقات دون رسوم فهو أحوط وأبعد عن الشبهة ، بحيث يغطي البنك تكاليف الإصدار من الرسوم الأخرى الجائزة شرعاً .
وعلى المصارف الإسلامية التي تتقاضى رسوم الإصدار إجراء دراسات فنية دقيقة لتقدير التكاليف الفعلية لإصدار هذه البطاقات ، بحيث لا يزيد الرسم عن هذه التكاليف ، أما مع عدم ربط هذه الرسوم بالتكاليف الفعلية فهي محل شبهة ، إذ قد تكون أكثر من التكاليف بكثير خاصة مع كثرة البطاقات المُصْدَرة وارتفاع هذه الرسوم، حيث يصل بعضها إلى ما يقرب من ألف ريال سعودي(54) .
وقد ذكر بعض الباحثين أن معظم البنوك والمؤسسات المالية المصدرة لهذه البطاقات في أمريكا لا تتقاضى أي رسم مقابل إصدارها(55) ، ولعل ذلك مرده إلى اكتفاء هذه المؤسسات بالفوائد الكبيرة التي تدرها هذه البطاقات خاصة مع مبدأ تدوير الائتمان .
ومما ينوَّه إليه أن بعض المصارف الإسلامية قد تخفِّض من رسوم الإصدار بالنسبة لبعض العملاء حسب أرصدتهم فيها ، وهذا فيه محذور ؛ لأن الرسوم لم يُنظر فيها إلى التكلفة الفعلية ، وإنما نُظر إلى الملاءة المالية ، وهذا له علاقة بالضمان ، فكأن البنك يخفض من الرسم لثقته بالعميل ، أي أن البنك لن يواجه مشكلة معه عند تقديم الضمان ، فالأولى توحيد الرسوم إذا كانت التكلفة الفعلية واحدة .



المبحث الثالث
أخذ الرسوم على السحب النقدي بالبطاقات الائتمانية .


تقوم جهات إصدار البطاقات الائتمانية بفرض رسوم (فوائد) على السحب النقدي بالبطاقة ، وتتبع في فرض الفوائد طريقة الاحتساب الفوري ، حيث يتم احتساب الفائدة على المبلغ المسحوب مباشرةً من أول يوم تم فيه السحب ، أي أن الساحب لن يدفع المبلغ المسحوب إلا ومعه الفائدة ، وهذه الرسوم من أهم موارد جهات الإصدار ،
وعادة ما تكون الفوائد على شكل نسبة مئوية من المبلغ المسحوب ، وقد تكون مبلغاً مقطوعاً ، وقد تجمع الاثنين معاً(56) .

وقد سبقت الإشارة إلى أن استعمال البطاقة الائتمانية في السحب النقدي يعني إنشاء قرض يمثِّل فيه المسحوب منه مقرضاً والساحب مقترضاً .
ومن القواعد المقررة تحريم المنفعة المشترطة في القرض ، إلا أن ذلك ليس على إطلاقه ، فلا يدخل في المنفعة المحرمة ما يلي :

1ـ التكاليف الفعلية التي يتكبدها المقرض لتقديم القرض ؛ لأنه محسن، وقد قال الله _تعالى_: "ما على المحسنين من سبيل" ، فلا يغرم المقرض في سبيل إحسانه .
2ـ المنفعة التي للمقترض ؛ لأنها زيادة إرفاق .
3ـ المنفعة المشتركة أو إذا كانت منفعة المقترض أقوى .
4ـ المنفعة غير المشروطة بعد السداد .
5ـ المنفعة الأصلية التي لا تنفك عن القرض كالانتفاع بالمال المقترض .
فالمنفعة المحرمة ،هي: ((المنفعة الزائدة المشروطة للمقرض على المقترض))(57) .

حالات السحب النقدي :
للسحب النقدي بالبطاقة الائتمانية حالتان :
1ـ السحب اليدوي : والمراد ما يحصل بإبراز البطاقة للبنك والحصول على النقود مناولةً ، وفي هذه الحالة لا يجوز أخذ أي رسوم في مقابل السحب؛ لأن ذلك من الربا الصريح، وهذه الرسوم لا يقابلها تكاليف فعلية في الغالب ؛ ومن هنا فقد أكدت فتاوى الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية على حرمة استخدام البطاقة الائتمانية في السحب اليدوي من البنوك الربوية ؛ لأن هذه البنوك تحتسب فائدة ربوية عبارة عن نسبة مئوية من المبلغ المسحوب(58) .
2ـ السحب الآلي ، وهو ما يكون عن طريق أجهزة الصراف الآلي (ATM) ، وهذا النوع من السحب عادةً ما يكون له تكاليف من أجهزة وصيانة واستئجار مواقع ونحو ذلك .

وللسحب النقدي باعتبار المسحوب منه حالتان :
1ـ السحب النقدي من مصدر البطاقة ، وهذا قرض كما سبق .
2ـ السحب النقدي من غير مصدر البطاقة ، وهذا ضمان يؤول إلى قرض ، فهو قرض بين حامل البطاقة والبنك المسحوب منه ، وضمان بين البنوك الأعضاء في المنظمة الراعية للبطاقة بما فيها المصدر وبين البنك المسحوب منه ، حيث يعود على المصدر بالمبلغ(59) .

وقد اختلف الباحثون في حكم الرسوم المأخوذة على السحب النقدي ببطاقة الائتمان :

القول الأول : إنه لا يجوز أخذ الرسوم مطلقاً، سواءً أكانت في مقابل نفقات فعلية أم لم تكن، وهذا رأي الدكتور محمد القري(60)،
ودليل هذا القول أن هذه الرسوم من الربا المحرم؛ لأنها من فوائد القروض .
ويمكن أن يناقش بما يلي :
1ـ لا يُسلم أن أي زيادة تعد من الربا ؛ فقد سبق أن المنفعة المحرمة هي المنفعة الزائدة المشروطة للمقرض ، وقد تكون الزيادة من تكلفة القرض ، فلا يتكبدها المقرض ، فالسحب يتطلب أجهزة لها كلفة من ثمن الجهاز وأجرة مكانه ، كما يتطلب إجراء اتصالات وتحمل إرسال معلومات وتكاليف إبراق ونحو ذلك .
2ـ أن أكثر الفتاوى والقرارات أكدت على ألا تكون الرسوم على السحب مرتبطة بالدَّين قدراً أو أجلاً ، وهذا يدل على أن هذه الرسوم لا علاقة لها بالقرض .

القول الثاني : جواز أخذ الرسوم، سواءً أكانت نسبة مئوية من المبلغ المسحوب أم كانت مبلغاً مقطوعاً، وهذا ما صدر عن هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي(61)، وفتوى ندوة البركة(62) ، وبعض الباحثين كالدكتور عبد الستار أبو غدة، والدكتور محمد مختار السلامي(63) .
ومن أدلة هذا القول : أن رسوم السحب النقدي في مقابل خدمات يقدمها المصدر من توصيل المال إلى حامل البطاقة في أي مكان عبر فروعه أو أجهزة الصرف ، كما أنها في مقابل خدمات يقدمها المسحوب منه من إجراء اتصالات وتكاليف إبراق وأجهزه صرف ونحو ذلك(64) .
وقد نوقش ذلك بما يلي :
أـ أنه لا يُسلم بأن هذه الرسوم في مقابل الخدمات التي يقدمها المصدر أو المسحوب منه ، إذ لو كانت كذلك لما اختلفت باختلاف المبلغ (النسبة المئوية) ، فتحصيل مئة ألف لا يختلف كثيراً من حيث التكاليف عن تحصيل ألف ، فالواجب أن يكون الرسم مبلغاً مقطوعاً على مقدار التكلفة الفعلية خروجاً من التستر على الربا باسم الرسوم(65) .
ب ـ أن حامل البطاقة قد يستخدمها في الحصول على بعض الخدمات كالاستعلام عن الرصيد ونحوه مع أنها كالسحب النقدي تقريباً من حيث التكلفة إلا أن البنوك لا تحتسب فوائد كما في السحب النقدي ، وهذا يدل على ارتباط هذه الرسوم بالقرض(66) .

القول الثالث : أنه يجوز أخذ الرسوم بشرط أن تكون مبلغاً مقطوعاً لا نسبةً مئويةً .
وهذا ما صدر بالأغلبية عن الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية(67) ، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية(68) .
ودليل هذا القول كما جاء في القرار (466) أن تغير الرسم بتغير المبلغ المسحوب فيه شبهة الربا (النسبة المئوية) ، وهذا منتفٍ في حالة كون الرسم مبلغاً مقطوعاً في كل حالة من حالات السحب .
ويمكن أن يُناقش ذلك بأن هذا الرسم قد يكون أكثر من التكلفة الفعلية لعملية السحب النقدي ، وما زاد عنها فيه شبهة المنفعة المشروطة في القرض .

القول الرابع : أنه يجوز أخذ الرسوم بشرط أن تكون مبلغاً مقطوعاً في مقابل النفقات الفعلية لعملية الإقراض ، ولا يجوز الزيادة على التكلفة الفعلية ، وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي(69) ، وبعض أعضاء المجمع كالدكتور نزيه حماد والدكتور علي السالوس(70) ، واختاره بعض أعضاء الهيئة الشرعية لشركة الراجحي كالدكتور أحمد بن علي سير المباركي(71) ، والباحث عبد الرحمن الحجي(72) .
ودليل هذا القول: أن السحب النقدي في حقيقته اقتراض من المسحوب منه ، فما يأخذه المقرض من زيادة ربا محرم شرعاً ، وهذا من ربا القروض ، ويستثنى من ذلك التكلفة الفعلية للإقراض فهي غير داخلة في المنفعة المحرمة لما سبق ، وهي من أجور خدمات القروض التي أجازها مجمع الفقه في دورته الثالثة بشرط أن تكون في حدود النفقات الفعلية ، وما زاد فهو ذريعة لربا القروض وستار لإخفائه(73) .
ويظهر لي ـ والله أعلم ـ رجحان القول الرابع لما فيه من الاحتياط والحذر من أكل الربا باسم الرسوم ، إذ لا يظهر مسوغ شرعي لأخذ ما زاد على النفقة الفعلية للإقراض ، فعلى البنوك الإسلامية مراعاة ذلك وحساب التكلفة الفعلية وعدم أخذ ما زاد عليها .
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الراعية للبطاقات تحتسب رسوم السحب لصالح المسحوب منه ولو كان بنكاً إسلامياً ، وبينما تأخذ بعض البنوك هذه الرسوم باعتبارها مقابلاً لخدمات معينة(74) فإن بعضها ترى وضع صندوق خاص لهذه الفوائد المحتسبة ثم تتخلص منها(75) ، وهذا أسلم ، لكن لا مانع من أخذ التكلفة الفعلية حتى في هذه الحالة .
------------------------
الهوامش :-
(1) رواه الترمذي رقم(2639) وابن ماجه رقم(4300) ، والإمام أحمد في مسنده 2/213 ، وقال عنه محققو المسند : "إسناده قوي" ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم(2127) .
(2) لسان العرب (بطق) : 10/21 ، وانظر : القاموس المحيط (بطق) : ص868 ، والنهاية في غريب الحديث : 1/135 .
(3) البطاقات اللدائنية للدكتور محمد العصيمي (بحث غير منشور) : ص95 ، وقد أشار إلى أن هذا الوصف لا ينطبق على جميع البطاقات ، بل تتفاوت بحسب قدرتها الشرائية والنطاق الجغرافي الذي يسمح بقبولها .
(4) ربما كان أقرب الألفاظ إلى هذا المصطلح ما جاء في قوله _تعالى_: "فليؤد الذي اؤتمن أمانته" (سورة البقرة ، الآية 283) ، والمعنى أنه إذا تعذَّر وجود الكاتب والشهود في السفر،ولم يمكن بذل الرهن فإنه يمكن الاعتماد على أمانة المدين، وهو مأمور بالأداء،وقد استعمل بعض المفسرين مصطلح (ائتمان) بمعنى الثقة بالمدين،ومن ذلك ما نقله الطبري عن بعض السلف((أنه ليس لرب الدين ائتمان المدين وهو واجد إلى الكاتب والكتاب والإشهاد عليه سبيلا)). (تفسير الطبري: 3/141).
(5) البطاقات البنكية للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص23) .
(6) بطاقات الائتمان غير المغطاة (بحث للدكتور محمد القري ضمن مجلة مجمع الفقه) : ع12ج3ص530 .
(7) البطاقات المصرفية لعبد الرحمن الحجي (رسالة ماجستير) : ص39 .
(8) مجلة مجمع الفقه : ع12ج3ص676 ، ويقرب منه تعريف ندوة البركة . انظر : قرارات وتوصيات ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي (12) : ص201 .
(9) البطاقات اللدائنية : ص128 .
(10) المصدر السابق : ص125،131 ، والبطاقات المصرفية للحجي : ص52 .
(11) البطاقات المصرفية : ص42 .
(12كانت هذه البطاقات مرتبطة بوجود رصيد لحاملها يغطي ديونه، وكان العميل يسدد ديونه الناشئة عن استعمالها قبل انتهاء مدة السماح ، إلا أن البنوك صارت تخصم المبلغ من حسابه في البنك ، ومع تقدم الاتصالات الإلكترونية حلَّت محلها بطاقات الصراف الآلي التي سيأتي ذكرها في المطلب الثاني . انظر : البطاقات اللدائنية : ص137 .
(13) المصدر السابق : ص43 وما بعدها ، والبطاقات اللدائنية : ص130 ، والبطاقات البنكية : ص70 وما بعدها .
(14) مجلة مجمع الفقه (بحث الدكتور أبو غدة والضرير) : ع12ج3ص468،593 ، والبطاقات البنكية : ص44 .
(15) القاموس الاقتصادي لمحمد علية : ص154 ، والذي يظهر أن المال هو الذي ينشئ الحساب الجاري ، فتعريف الحساب بالمال من تعريف الشيء بسببه .
(16) البطاقات المصرفية : ص57 .
(17) هذه الأحرف الثلاثة اختصار للمصطلح الإنجليزي (Automated Teller Machine Cards) .
(18) اختصاراً لعبارة (Point Of Sale) .
(19) انظر : البطاقات اللدائنية : ص142،146 ، والبطاقات المصرفية : ص58،60 ، ومحاضرة للدكتور عبد الرحمن الأطرم عن البطاقات الائتمانية في جامع المنيع بالرياض بتاريخ 10/2/1424هـ .
(20) انظر : البطاقات المصرفية : ص60 ، والبطاقات اللدائنية : ص145،148،176،184 ، ومحاضرة الدكتور الأطرم .
(21) البطاقات اللدائنية : ص209 ، وانظر بحث القري في مجلة مجمع الفقه : ع7ج1ص381 ،ع12ج3ص551 .
(22) البطاقات المصرفية للحجي : ص179 ، علماً بأنه رسم الإصدار قد يسمى رسم العضوية أو الاشتراك .
(23) تبيين الحقائق : 4/152 ، ومواهب الجليل : 5/99 ، والمبدع : 4/252 ، وشرح منتهى الإرادات : 2/248 .
(24) مجلة مجمع الفقه : (د.نزيه حماد) : ع12ج3ص502 ، (د.القري) : ع12ج3ص535 .
(25) البطاقات المصرفية للحجي : ص154 .
(26) مجلة مجمع الفقه (د.الضرير) : ع12ج3ص604 ، وتعقيب الشيخ عبد الله بن منيع : ع12ج3ص658 .
(27) البناية للعيني: 6/745 ، وانظر : فتح القدير: 8/182 ، والشرح الصغير للدردير : 3/43 ، وانظر : البطاقات البنكية لعبد الوهاب أبو سليمان : ص197 ، .
(28) المحلى : 8/113 ، والإشراف لابن المنذر : 1/119 ، والحاوي الكبير للماوردي : 8/112 ، والمغني : 7/84 ، وانظر الأدلة على ذلك في بحث د.نزيه حماد في المجلة : ع12ج3ص504.
(29) بحث القري في مجلة المجمع : ع12ج3ص541 .
(30) مجلة المجمع (د.الضرير) : ع12ج3ص605 ، وتعقيب الشيخ عبد الله بن منيع : ع12ج3ص658 .
(31) مجلة مجمع الفقه (د.عبد الستار أبو غدة) : ع12ج3ص478 ، وتعقيب الدكتور القره داغي : ع12ج3ص660 .
(32) مجلة مجمع الفقه (د.الضرير) : ع12ج3ص604 .
(33) البطاقات البنكية لعبد الوهاب أبو سليمان : ص197 ، ومجلة المجمع (د.محمد بالوالي) : ع12ج3ص567 .
(34) البطاقات المصرفية للحجي : ص156 .
(35) الإشراف على مذاهب أهل العلم لابن المنذر : 1/120 ، ومواهب الجليل : 5/113 .
(36) البطاقات المصرفية للحجي : ص128 .
(37) مجلة المجمع : ع7ج1ص390 ، ع8ج2ص596 ، وهذا رأي الشيخ عبد الله بن بية والشيخ علي السالوس والشيخ حمادي : انظر : ع12ج3ص642،648،664.
(38) بحث القري : المجلة ع7ج1ص392 ، ع12ج3ص555 ،642،648.
(39) بحث د. نزيه حماد : المجلة : ع12ج3ص509 .
(40) بحث القري : المجلة ع7ج1ص397 .
(41) البطاقات البنكية : ص222 ، وتعقيب العثماني : مجلة المجمع : ع7ج1ص674 ، ومحاضرة الدكتور الأطرم .
(42) مجلة المجمع : ع8ج2ص658 .
(43) بحث القري : المجلة ع7ج1ص392 ، ع12ج3ص664 .
(44) مجلة المجمع : ع12ج3ص676 ، وأجاز المجمع هذه الرسوم بشرط أن تكون رسوماً مقطوعة بصفتها أجراً فعلياً على قدر الخدمات المقدمة من المصدر .
(45) جاء ذلك في ص24 من المعيار في المادة 4/3 .
(46) انظر القرار رقم (463) في السنة الثالثةـالدورة الثالثة 19/3/1422هـ ، وانظر الشرط 3 من المرفق 1 (شروط وأحكام إصدار بطاقة الراجحي الائتمانية) ، مع توقف الدكتور عبد الرحمن الأطرم والدكتور أحمد بن علي سير المباركي فيما زاد عن مقدار التكلفة الفعلية ، حيث يرى المباركي منعه لأنه يؤدي إلى قرض جر نفعاً ، فقرار الهيئة اُتخذ بالأغلبية لا بالإجماع .
(47) انظر الوثيقة رقم (1) في مجلة مجمع الفقه : ع7ج1ص467 من إعداد مركز تطوير الخدمة المصرفية في بيت التمويل .
(48) قرارات وتوصيات الندوة : ص203 .
(49) البطاقات البنكية : ص150 ، ومجلة المجمع : ع7ج1ص362،410 ، ع12ج3ص509،657 .
(50) مجلة المجمع : ع7ج1ص471 ، ع12ج3ص509،482 ، وقرارات ندوة البركة : ص203 .
(51) مجلة المجمع : ع12ج3ص482،509 .
(52) البطاقات البنكية : ص153 ، وانظر : حاشية عميرة على شرح المحلي للمنهاج : 2/258 .
(53) البطاقات المصرفية : ص179 .
(54) بحث القري في المجلة : ع7ح1ص381 ، وانظر إحصائية بمبالغ رسوم الإصدار في البنوك السعودية في البطاقات البنكية لعبد الوهاب أبو سليمان : ص152 ، حيث يصل بعضها إلى 600 ريال سعودي ، مع التنويه إلى تفاوت البنوك والبطاقات في الرسوم حسب الخدمات المقدمة والسقف الائتماني ، مع أن هذه الإحصائيات قديمة، فقد تزيد وقد تنقص بسبب المنافسة بين جهات الإصدار .
(55) بحث د.نزيه حماد في مجلة مجمع الفقه : ع12ج3ص509 .
(56) البطاقات اللدائنية : ص203،204 .
(57) البطاقات المصرفية : ص123 وما بعدها ، وانظر : المنفعة في القرض ص240 .
(58) انظر القرار رقم (204)،والقرار رقم (209،الشرط رقم10 من الشروط المرفقة) من قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي.
(59) البطاقات المصرفية : ص175 .
(60) بحث القري في مجلة المجمع : ع7ج1ص393 .
(61) مجلة مجمع الفقه (الوثيق رقم 1) : ع7ج1ص472 .
(62) قرارات وتوصيات الندوة : ص206 .
(63) المصدر السابق : ع7ج1ص667 ، ع12ج3ص489 .
(64) المصدر السابق : ع7ج1ص367،472 ، ع12ج3ص490 .
(65) تعقيب السالوس : ع7ج1ص662 ، وانظر : بحث د.نزيح حماد : ع12ج3ص521 .
(66) البطاقات المصرفية : ص184 .
(67) انظر القرار رقم (463) في السنة الثالثةـالدورة الثالثة 19/3/1422هـ ، وانظر الشرط 4 من المرفق 1 (شروط وأحكام إصدار بطاقة الراجحي الائتمانية) ، وكذلك القرار رقم (466) في نفس التاريخ .
(68) جاء ذلك في ص24 من المعيار في المادة 4/5 .
(69) قرار المجمع : ع12ج3ص676 .
(70) بحث نزيه في المجلة : ع12ج3ص520 ، وتعقيب السالوس : ع7ج1ص647 .
(71) جاء ذلك في تحفظه على قراري الهيئة رقم (463)،(466)، حيث رأى أن ما زاد على التكلفة الفعلية يؤدي إلى قرض جر نفعاً ، فيما توقف الدكتور عبد الرحمن الأطرم فيما زاد على التكلفة الفعلية من رسم السحب النقدي من مكائن الصرف .
(72) البطاقات المصرفية : ص184 .
(73) بحث د. نزيه حماد : ع12ج3ص521 ، وقرار المجمع : ع12ج3ص676 .
(74) كما في بيت التمويل الكويتي . انظر : مجلة المجمع : ع7ج1ص274 .
(75) انظر القرار رقم (50) من قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي