الجمعة، 27 مايو 2016

خيانة اليهود بين الأمس واليوم إعداد : محمد أبوغدير المحامي

اولا : معنى الخيانة لغةً واصطلاحًا .
ثانيا : ذكر صفة الخيانة في الكتاب والسنة ، وبيان خيانة اليهود في القرآن الكريم .
ثالثا : خيانة اليهود وغدرهم بالنبي بالمدينة ، وأنهم مصدر كل فساد في كل زمان ومكان .
رابعا : اختراق اليهود العالم الإسلامي والسعي لتفتيته ، وهرولة الحكام نحو التطبيع الكامل معهم .

تقديم :
الذي يمعن النظر في آيات القرآن الكريم يرى أَنَّ الله تبارك وتعالى يصف اليهود - لعنهم الله - بأقبح الصفات والأخلاق ، وأن أخص صفاتهم هي الخيانة والغدر ، لأن اليهود يرون أنفسهم أفضل الأجناس ، ويعتقدون أَنَّهم الجنس السامي والراقي ، وأنهم شعب الله المختار ، وأن الناس جميعاً لهم عبيد .
وبالأمس قتل اليهود الأنبياء وخانوا وغدروا بالرسول في المدينة ، وكانوا وراء الإلحاد ، وسوء الأخلاق ، وفساد التصور والفكر ، وتفكك الأسر وتفتيت المجتمعات ، وفسـاد الصحافة والإعلام ، ولذلك أطلق القرآن وصفه لهم بالسعى في الأرض فسادا ، مطلق الفساد دون تقييده بنوع معين ، وهم  مصدر لكل فساد في كل زمان ومكان .

واليوم أحتل اليهود الاراضي المقدسة ودنسوها ، واخترقوا  العالم الإسلامي ، وسعوا لتفتيته ،  وتخاذل الحكام العرب والمسلمين عن الدفاع عن اوطانهم العربية ومقدساتهم الإسلامية ، وسارعوا وتسابقوا نحو التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني .

والحديث حول خيانة اليهود وغدرهم يقتضي بيان العناصر الآتية :
اولا : معنى الخيانة لغةً واصطلاحًا .
 ثانيا : ذكر صفة الخيانة في الكتاب والسنة ، وبيان خيانة اليهود في القرآن الكريم .
ثالثا : خيانة اليهود وغدرهم بالنبي بالمدينة ، وأنهم مصدر كل فساد في كل زمان ومكان .
رابعا : اختراق اليهود العالم الإسلامي والسعي لتفتيته ، وهرولة الحكام نحو التطبيع الكامل معهم .
وبيان ذلك في الآتية :



أولا : معنى الخيانة لغةً واصطلاحًا :


أ - معنى الخيانة لغةً:

الخيانة نقيض الأمانة، من خانه خَوْنًا وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو خائن وخائنة وخؤون وخَوَّان والجمع خانة وخَوَنَةً وخُوَّان، ويقال: خُنْتُ فلانًا، وخنت أمانة فلان .


٢ - معنى الخيانة اصطلاحًا :

قال الراغب: الخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ، والأظهر أنها شاملة لجميع التكاليف الشرعية .

وقال ابن عاشور: حقيقة الخيانة عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة .



ثانيا : ذكر الخيانة في الكتاب والسنة  :


أ - ذكر الخيانة في القرآن الكريم :

قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال : 27
قال الله تعالى : ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) الأنفال : 58 .
قال الله تعالى : ( وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) النساء : 107 .
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) ، الحج : 38 .


ب - ذكر الخيانة في الحديث الشريف  :

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ) رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنَّه بئس الضجيع ، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة ) سنن ابن ماجه .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَن ) رواه البخاري .
وعن جابر رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوَّنهم، أو يلتمس عثراتهم ) رواه مسلم .


ج- القرآن الكريم يفضح خيانة اليهود وغدرهم  :

صفة الخيانة والغدر من أخص صفات اليهود إذ أنهم دائماً ينقضون عهد الله وميثاقه، وكذلك يلبسون الحق بالباطل ، وكانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، قد تكرر في سورة البقرة تذكيرهم بهذا الغدر وهذه الخيانة، وتذكيرهم بنقض عهد الله من بعد ميثاقه وتكرر ذمهم على ذلك في سورة البقرة أربع مرات .

الموضع الأول : قال الله تعالى : ( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَكُم وَرَفَعنَا فَوقَكُمُ الطٌّورَ خُذُوا مَا ءَاتَينَاكُم بِقُوَّةٍ, وَاذكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ(63)ثُمَّ تَوَلَّيتُم مِن بَعدِ ذَلِكَ فَلَولاَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لَكُنتُم مِنَ الخَاسِرِينَ ) 64 البقر .
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أَنَّ موسى عليه السلام لَمَّا رجع من عند ربه بالألواح قال لهم : إِنَّ فيها كتاب الله فقالوا : لن نأخذ بقولك حتى نرى الله جهرة ، فيقول هذا كتابي فخذوه فأخذتهم الصاعقة فماتوا ثم أحياهم ، ثم قال لهم بعد ذلك : خذوا كتاب ربكم فأبوا فرفع فوقهم الجبل جبل الطور ، وقيل لهم : خذوا الكتاب وإِلاَّ طرحناه إليكم فأخذوه ثم نبذوه وراء ظهورهم فلم يعملوا به ولذلك قال الله تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّيتُم مِن بَعدِ ذَلِكَ } البقرة ، أي ثم أعرضتم عن الميثاق و الوفاء به.

الموصع الثاني : قال الله تعالى : {وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَكُم وَرَفَعنَا فَوقَكُمُ الطٌّورَ خُذُوا مَا ءَاتَينَاكُم بِقُوَّةٍ, وَاسمَعُوا قَالُوا سَمِعنَا وَعَصَينَا ) 93 البقرة  .
قال القفال: فحرفوا التوراة وتركوا العمل بها، وقتلوا الأنبياء وكفروا بهم وعصوا أمرهم ) ، فكان لسان حالهم مؤيداً لسان قولهم سمعنا وعصينا .

وأَمَّا الموضع الثالث : فصرح الله فيه بغدر اليهود وخيانتهم ونقضهم عهد الله من بعد ميثاقه قوله تعالى: { وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرَائِيلَ لاَ تَعبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلاَّ قَلِيلاً مِنكُم وَأَنتُم مُعرِضُونَ ) 83 البقرة .
وهذه الآية تدل على وحدة الدين ووحدة أصوله ، وأصل الدين هو التوحيد ومعناه إفراد الله -تعالى- بالعباد بحيث لا يعبد غيره ولا يعبد معه غيره، إِنَّمَا يعبد وحده لا شريك له، ولهذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب .

الموضع الرابع : قول الله تعالى : { وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَكُم لاَ تَسفِكُونَ دِمَاءَكُم وَلاَ تُخرِجُونَ أَنفُسَكُم مِن دِيَارِكُم ثُمَّ أَقرَرتُم وَأَنتُم تَشهَدُونَ(84)ثُمَّ أَنتُم هَؤُلاَءِ تَقتُلُونَ أَنفُسَكُم وَتُخرِجُونَ فَرِيقًا مِنكُم مِن دِيَارِهِم تَظَاهَرُونَ عَلَيهِم بِالإِثمِ وَالعُدوَانِ وَإِن يَأتُوكُم أُسَارَى تُفَادُوهُم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُم إِخرَاجُهُم أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ , فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلاَّ خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ ) 85 البقرة.

ومما ينبغي على كل مسلم أن ينتبه له : أن اليهود هم أصل كل فساد وقع في الأرض، وهم الذين أوقدوا نيران جميع الحروب التي وقعت في العالم، فإنهم كما وصفهم الله : ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين ) المائدة 64 .



ثالثا : خيانة اليهود وغدرهم بالنبي بالمدينة ، وأنهم مصدر كل فساد في كل زمان ومكان :

كان اليهود من أقوى سكان المدينة لأنهم يمتلكون ناصية تجارتها ، وقبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة كان لهم دور كبير في إثارة الخلافات بين القبائل الموجودة فيها ، لكي يبقوا هم الأقوى في المدينة .

وعندما هاجر صلى الله عليه وسلم إليها بدأ اليهود يشعرون بأن دورهم قد انتهى ، لذلك كان ترحيبهم بهجرة الرسول ترحيباً مفتعلا ومشوباً بالحذر ولا يتضمن تسليمهم بقيادة الرسول فضلا عن نبوته والخضوع لأحكام الإسلام .

  ويعتقد اليهود أن النبوة فيهم أبدا وليس في أية سلالة عربية ، وقد جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ سورة البقرة: الآية 89 ، لذلك كانت خيانتهم ومؤامراتهم على الرسول المستمرة في المدينة ، وذلك على التفصيل الآتي بيانه :-


أ - خيانة اليهود للرسول وخروجهم على وثيقة المدينة  :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على علم بطبيعتهم النفسية والسلوكية الماكرة الغادرة التي كانوا يمارسونها قبل هجرته ، وأدرك الرسول واقعهم الجديد وتفاعلاته التي تضر بالبنية الداخلية للدولة الناشئة ، فعقد صلى الله عليه وسلم " وثيقة المدينة" أو المعاهدة بين المسلمين واليهود، كما أطلق عليها دستور المدينة أيضاً.

وقد ذكر ابن هشام هذه الوثيقة في سيرته فقال : كتب الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم... وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.. وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم، وللمسلمين مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يُوتغ - يعني يهلك - إلا نفسه وأهل بيته، وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم. وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم. وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين .

وقد تضمنت موافقة اليهود على الوثيقة اعترافا ضمنيا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم رتبت عليهم واجبات هي وقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وخضوعهم إلى أحكامه ، ومن ثم ضرورة التزامهم ببنود هذه المعاهدة ، وكفلت لهم حرية الاعتقاد وجعلتهم مع المسلمين أمة واحدة لهم ما لها وعليهم ما عليها من التعاون والتناصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، والدفاع عن المدينة عند تعرضها لأي اعتداء ، ومن هنا دخلت معظم القبائل اليهودية هذه المعاهدة تباعاً، وشاطروا المسلمين الحياة في المدينة.

ولكن أنى لمن جبلت نفسه على الخيانة والغدر أن يطيق الالتزام ويتحمل تبعات المعاهدات والمواثيق ولو لمرة واحدة في التاريخ؟!
فلقد ارتفع غليان حقد اليهود على الجماعة المسلمة حال انتصارها في معركة بدر الكبرى رمضان عام 2هـ على كفار قريش ، فانطلق اليهود بكل ما يملكون من دس وكيد وتآمر يحاولون تفتيت الصف الإسلامي، وإلقاء الحيرة في قلوب المسلمين، ونشر الشبهات والشكوك، في عقيدتهم وفي أنفسهم على السواء .


ب - خيانة بني قينقاع للنبي صلى الله عليه وسلم عقب غزوة بدر :

أثار انتصار المسلمين في موقعة بدر في (رمضان عام 2 هـ-623م) اليهود لاسيما يهود بني قينقاع منهم الذي أظهروا للمسلمين الحسد والحقد ، حتى بلغ بهم الأمر إلى حد المجاهرة بالعداء ! ، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ذلك أراد أن يأتيهم بالتي هي أحسن فجمعهم في سوقهم - وكانوا صاغة - ليدعوهم إلى الإسلام من جديد ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً، قالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا  ، سنن أبي داود.
وكان هذا الرد يتضمن عنجهية من يهود بني قينقاع واستعلاء واستفزازا وتهديدا للرسول صلى الله عليه وسلم وللجماعة المسلمة إلا أنه غض الطرف وتركهم وشأنهم ، ثم استبد الطغيان والسفاهة في بني قينقاع بحيث بلغ بهم الاستهتار أن اعتدوا على حرمات المسلمين .

فقد ذكر ابن هشام في سيرته أنه : كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله – وكان يهودياً – وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين نبي قينقاع فلم يجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - بدًّا من غزو هؤلاء الخائنين ، وقد نقضوا العهد الذي بينه وبينهم بهذه الفعلة النكراء ، فحاصرهم خمس عشرة ليلة ، ثم فك الحصار عنهم وأجلاهم عن المدينة بعد أن أخذ أسلحتهم ، فارتحلوا مخذولين إلى حدود بلاد الشام   .
وهكذا كان بنو قينقاع أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، وذلك بأن يخرجوا بأنفسهم ونسائهم وذراريهم دون أموالهم من المدينة .


ج - خيانة بني النضير ومحاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم :

إن بني النضير مثل غيرهم من اليهود لم يفرحوا بنصر المسلمين في بدر وكانوا يكتمون للمسلمين حقداً، وحسداً لتعاظم شأنهم، وكانوا يتربصون بالمسلمين،ويكيدون لهم فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعين بهم في دية القتيلين من بني عامر، اللذين قتلا عمرو بن أمية الضّمريّ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف، فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذلك القتيلين قالوا: نعم، يا أبا القاسم، نعينك ما أحببت مما استعنت بنا عليه.
ثم خلا بعضهم ببعض - وكان ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه ؟
فانتدب لذلك عمر بن جحاش بن كعب، أحدهم ، فقال: أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضوان الله عليهم .
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء مما أراد القوم ، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة فلما استلبث النبي أصحابه قاموا في طلبه ، فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلاً المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه ، فأخبرهم الخبر، بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم ، ثم سار بالناس حتى نزل بهم ، فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله بقطع النخيل والتحريق فيها.. وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم ألا الحَلْقة [السلاح كله] ففعل» وورد في الأثر:«قال: حاربت النضير وقريظة، فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم، حتى حاربت قريظة [ أي نقضت العهد وصارت محاربة ]. صحيح البخاري .
وهكذا نقض بنو النضير عهودهم التي تحتم عليهم ألا يؤووا عدواً للمسلمين ففعلوا ولم يكتفوا بهذا النقض بل حاكوا مؤامرة لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانوا من قبل ذلك أرشدوا أعداء المسلمين إلى مواطن الضعف في المدينة وأفشوا بأخبار المسلمين فيها إليهم. وقد حصل ذلك في غزوة "السويق" في ذي الحجة السنة الثانية للهجرة .


د - خيانة يهود بني قريظة للنبي صلى الله عليه وسلم حال غزوة الأحزاب  :

إن أبرز خيانة واجهها الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة معه كانت من بني قريظة الذي نقضوا عهودهم في وقت كان المسلمون محاطين بأعدائهم من كل الجهات وجاء اليهود ليغدروا بهم من الداخل في ظن منهم أن المسلمين في ضيق شديد وأن خيانتهم وتحالفهم مع الأحزاب ستكون الضربة القاضية للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته .

وقصة خيانة بني قريظة للنبي صلى الله عليه وسلم تبدأ بعد أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وادع وعاهده كعب بن أسد القُرظي على قومه وعاقده على ذلك ، وفي وقت كان الأحزاب فيه يحاصرون المسلمين في غزوة الخندق .
 حيث خرج عدوا الله حُيَيُّ بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القُرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم.
فلما سمع كعب بحُيَيِّ بن أخطب بمحاصرة الأحزاب للمدينة أغلق دونه باب حصنه ، فاستأذن على كعب بن أسد القُرظي فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي : ويحك يا كعب! افتح لي قال: ويحك يا حيي. إنك امرؤ مشؤوم ، وإني قد عاهدت محمداً فلستُ بناقضٍ ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاءً وصدقاً.قال: ويحك! افتح لي أكلمك. قال : ما أنا بفاعل.
قال : والله! إن أغلقت الحصن دوني إلا على جشيشتك [طعام من البحر يطحن غليظاً] أن آكل منها معك ! فحفظ الرجل ففتح له ، فقال ويحك يا كعب ! جئتك بعزّ الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش.. وبغطفان.. قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبارحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه .
فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراقَ ماءَه ، فهو يرعد ويبرق وليس فيه شيء ، ويحك يا حيي ، فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاء.
فلم يزل حييّ بكعب يفتله في الذروة والفارب حتى سمع له على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقاً، لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم » .

لا شك أن ما قام به كعب بن أسد ليس مجرد نقض للمعاهدة ، إنما هو نقض وغدر ومحاربة في آن واحد؟!
وهل هناك أعظم من ذلك النقض في ذلك الظرف، في ساعة العسرة متعمدين، ومتحالفين مع الأحزاب الذي قدموا المدينة للإجهاز على الإسلام وأهله ، ومعدين أنفسهم لاستباحة المدينة، وقتل رجالها واسترقاق نسائها وبيع ذراريها في الأسواق .
ولكن الله سبحانه وتعالى خيب آمالهم فنصر عبده محمداً صلى الله عليه وسلم وأعز جنده المسلمين وهزم الأحزاب الكافرين. وما إن رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل حتى أتاه جبريل «فقال: أو قد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال نعم ، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم . إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عائد إليهم فمزلزل بهم .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس: من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلّينَّ العصر إلا ببني قريظة... وحاصرهم رسول الله خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب.
فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الرسول بأسراهم فكتفوا بالرباط ، وأخرج النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحيته وجمعت أمتعتهم وسلاحهم وأموالهم ، وأوكل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحكم على بني قريظة إلى سعد بن معاذ رضي الله عنه ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم أو خيركم.
فحكم سعد قائلاً: «فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» .
وهكذا كان جزاء يهود بني قريظة من جنس عملهم، حين عرضوا بخيانتهم العظمى أرواح المسلمين للقتل، ونسائهم وذراريهم للسبي وأموالهم للسلب. وقد جعلت المعاهدة منهم أمة مع المسلمين وما قاموا به يسمى اليوم خيانة عظيمة تعاقب عليه معظم القوانين الوضعية بالإعدام. ولذلك كان عقابهم عقاباً عادلاً وكان جزاؤهم جزاء وفاقا ً.


هـ - خيانة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر :

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأديب يهود خيبر لما كان منهم من تحريض للقبائل المشركة في غزوة الأحزاب على حرب المسلمين، ولما كانوا يبيتونه من عداء وغدر للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقد حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حصونهم تلك (بضعة عشرة ليلة) حتى عرضوا الصلح عليه فقبله بشرط أن يخرجوا من خيبر بأنفسهم ونسائهم وذراريهم، دون الأموال والسلاح.
ولما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجليهم عن (خيبر) سألوه أن يعاملهم في الأموال على النصف, وقالوا: نحن أعلم بها منكم وأعمر لها فصالحهم رسول الله على ذلك بشرط أن يخرجوا منها متى شاء المسلمون، وذلك لما يعرفه من طبع اليهود، من عدم الوفاء بعهودهم وانتهازهم أية فرصة تسنح للغدر والخيانة .
ومع هذا كله لم يتوقف اليهود عن الخيانة فقدموا للرسول صلى الله عليه وسلم شاة مسمومةَ فقد ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري: لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اجمعوا إليّ من كان ها هنا من يهود).
فجمعوا، فقال: (إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه). فقالوا: نعم، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (من أبوكم). قالوا: فلان، فقال: (كذبتم، بل أبوكم فلان). قالوا صدقت، قال: (فهل أنتم صادقين عن شيء إن سألت عنه).
فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: (من أهل النار؟). قالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اخسؤوا فيها، والله لا نخلفنكم فيها أبداً). ثم قال: (هل جعلتم في هذه الشاة سُماً). قالوا: نعم، قال: (ما حملكم على ذلك). قالوا: أردنا إذا كنت كاذباً نستريح. وإن كنت نبياً لن يضرك» رواه البخاري.

وهكذا كان مسلك اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا كان تعاملهم مع المعاهدة التي انضموا إليها طواعية ، وهكذا هو سلوكهم وممارستهم في كل زمان ومكان ، فعندما يظنون أنفسهم في أمان يسبون ويتطاولون ، وعندما تواتيهم الفرصة يقتلون ويفجرون ، فإذا ضاق الخناق حول رقابهم يتباكون ويتذللون ، فهم يتلوّنون لكل حالة بالشكل الذي يظنونه نافعاً لهم ، أما العهود والمواثيق والقيم الخلقية، والمعاني الإنسانية فلا حساب لها في ميزانهم.


رابعا : اليهود يخترقون العالم الإسلامي ويفتتونه ، والحكام يهرولون نحو التطبيع الكامل معهم :


خيانة اليهود للعهدود والمواثبق طبيعة وعادة متأصلة فيهم وهي ديدنهم في كل زمان ومكان ، بل هم أساس كل فساد في كل زمان ومكان ، وأينما وجد الفساد فهو شاهد على حضورهم .

ورغم احتال اليهود للاراضي المقدسة وتدنيسها منذ منتصف القرآن الماضي ، واخترقهم العالم الإسلامي ، وسعيهم لتفتيته ،  إلا ان حكام العرب والمسلمين تخاذلوا   عن الدفاع عن اوطانهم العربية ومقدساتهم الإسلامية ، وسارعوا وتسابقوا نحو التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني .


أ - اليهود هم أساس كل فساد في كل زمان ومكان :


قال الكتاب عبد العزيز كامل فى كتابه القيم ( قبل أن يهدم الأقصى ) أن اليهود هم المصدر الأصلي لفساد العالم وخرابه !!!
فقال : وهذا الفساد والإفساد قد ترك بصماته السوداء على صفحات التاريخ توقيعا عن اليهود ، وشاهدا على حضورهم في كل مجال يمكن الإفساد فيه.

فاليهودي «أبو عفك » واليهودي «كعب بن الأشراف» واليهودي «ابن أبى الحقيق» كانوا من أوائل من ألبوا الأحقاد ، وقلبوا الأمور في الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة ، فجمعوا بين اليهود من بني قريظة وغيرهم، وبين قريش من مكة ، وبين القبائل الأخرى في الجزيرة على محاربة المسلمين .

واليهودي «عبد الله بن سبأ» هو الذي أثار العوام، وجمع الشراذم وأطلق الشائعات في فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وما تلا ذلك من النكبات.

واليهودي «مدحت باشا» كان وراء إثارة النعرات القومية، واستخدام المخططات الماسونية في دولة الخلافة العثمانية ، مما أدى في النهاية إلي سقوط تلك الخلافة على يد اليهودى الأصل «مصطفى كمال أتاتورك.

واليهودي «كارل ساركس» هو الذي كان وراء الموجة الإلحادية، التي أصبحت فيما بعد قوة ودولة، بل معسكرا دوليا، بنى نفسه على أنقاض بلاد المسلمين وشعوبهم.

واليهودي «فرويد» كان وراء النزعة الحيوانية التي أصبحت فيما بعد منهجا تتلوث به العقول الناشئة، فيما يصنف تعسفا على أنه علم وتقدم.

واليهودي «جان بول سارتر» كان وراء نزعة أدب الانحلال في علاقات الأفراد والجماعات.

واليهودي «جولد تسيهر» كان وراء حركة الاستشراق إلتي استشرى فسادها وعم ظلمها وإظلامها.
واليهودي «صمويل زويمر» هو الذي خطط لحركات التبشير، أو بالأحرى : التكفير في بلاد المسلمين. لا لمجرد إدخال المسلمين في النصرانية، بل لإخراجهم من الإسلام.

واليهودي «ثيودر هرتزل» هو الذي وضع البذرة الأولى في محنة العصر المسماة بأزمة الشرق الأوسط، عندما خطط ورسم معالم «الدولة اليهودية» في كتابه المسمى بهذا الاسم، تلك الدولة التي ولدت بعد مماته سفاحا، فكانت بؤرة للإفساد في الأرض.

وأخيرًا فإذا أردنا أن نصدق أن اليهود قد تخلصوا من صفة الغدر والخيانة ، أو صفة الفساد والإلحاد، فإنه ينبغي علينا التصديق أن بإمكان الجمل أن يلج في رسم الخياط!! وكلاهما مستحيل، وليس إليه سبيل!!


ب - إستراتيجية الكيان الصهيوني لاختراق العالم العربي والإسلامي :

منذ منتصف القرن التاسع عشر، والغرب يسعى في تنفيذه مخططاته لتقسيم العالم العربي والإسلامي ، وكان أساس استراتيجيه غرس الكيان الصهيوني في المنطقة لتحقيق هذا الهدف، بحيث يسهل عليهم اختراقها وتنفيذ مخططاتهم الخبيثة بقصد استنزاف ثرواتها والقضاء على مقدراتها، والاطمئنان لعدم نهوضها مرة أخرى ، وتتمثل تلك الاستراتيجية في عدة أمور، أهمها:

1 -  تعميق مشاعر الكراهية بين طوائف العالم العربي والإسلامي :

ولقد استغل الغرب الكيان الصهيوني وجود عشرات الطوائف في العالم العربي والإسلامي من مسيحيين وبهائيين إسماعيليين ونقشبنديين ودروز وعلويين وشيعة وزيديين، وحوثيين كفيلة بإشعال فتيل الثورات والاضطرابات في أي وقت ، وثمة كراهية شديدة بين تلك الجماعات الدينية والاثنية بالمنطقة تجاه بعضها البعض، ولذلك يعمل الغرب بدعم من الكيان الصهيوني على إعادة تقسيم الشرق الأوسط، انطلاقًا من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات.

2 -  تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية واستغلالها ضد أي مشروع وحدوي :

العرب يشكلون 88 % من سكان العالم العربي ، أما الأقليات الأخرى فتتوزع على الأكراد والبربر والزنوج والتركمان، وهناك أقليات دينية مسيحية ويهودية ، والغرب الكيان الصهيوني يسعى كل منهما مجتمعين على تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية واستغلالها وحضّ هذه الأقليات على التمرد والانفصال ، حتى لا يقوم أي مشروع وحدوي ،.

3 -  إتباع سياسة شد الأطراف ثم بترها :

وهذه السياسة تعني مد جسور العلاقة مع الأقليات الموجودة في العديد من الدول العربية ، وخاصة في دول الخليج العربي، ثم جذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال ، كما سبق وحدث في السودان ، وكما يحدث حاليًا مع الأكراد في العراق وسوريا وتركيا، في محاولة لإنشاء دولة كردية في المنطقة، حتى تبقى الأزمات مشتعلة ، وتبقى للقوى الغربية والكيان الصهيوني الكلمة العليا في كل التطورات التي تشهدها المنطقة.
ففي إطار تلك الإستراتيجية قامت عناصر الموساد بفتح خطوط اتصال مع الأكراد في العراق، والموارنة في لبنان، والجنوبيون في السودان .

4 - التغلغل داخل الدول العربية والإسلامية وإقامة علاقات إستراتيجية :

وذلك بقصد تقديم كافة أنواع الدعم للعناصر والحركات التي تساعد في إثارة القلاقل والاضطرابات الداخلية داخل البلاد ، مثلما حدث مع الحوثيين في اليمن، حيث تم تزويدهم بالسلاح والعتاد العسكري ، حتى يتم تمزيق الدولة اليمنية وتهديد الجنوب السعودي، ومثلما نشاهد اليوم في العراق، حيث تم تمويل وإعداد أحد أخطر الحركات المتطرفة في العالم لتهديد الشمال السعودي، وإبقاء المملكة تحت ضغط شديد من كافة الجبهات، بحيث تظل معتمدة على الغرب في توفير احتياجاته العسكرية، وبذلك يسهل عليهم استنزافه ونهب ثرواته، ليس هذا فحسب، بل وتهديد أمن واستقرار شعوب المنطقة.

5 -  تدريب رجال الأمن في بعض الدول :

وإقامة أنظمة أمنية في بعضها الآخر، بالإضافة إلى إقامة العديد من القواعد العسكرية في دول الخليج العربي، بزعم توفير الحماية لتلك الدول، بينما الواقع أن تلك القواعد تحافظ على مصالح أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة، وتضمن تدفق النفط بأرخص الأسعار، مثلما هو حادث الآن.

6 -  السيطرة على الاقتصاد في الوطن العربي :

وذلك من خلال افتتاح الشركات وبدء أنشطة متعددة - سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- وقد كشف قادة أكراد عن غزو صهيوني لمناطق الشمال، امتد لمناطق أخرى في العراق بشكل مستتر، ورصدت قوى سنية عراقية هذا الوجود الصهيوني في العراق ومنطقة الخليج، وما يشير إلى أن الأصابع الصهيونية تتحرك بهمة ونشاط لتنفيذ الشق الثاني من خطط تفتيت العالم العربي.


ج - مشروع الكيان الصهيوني لتفتيت العالم العربي والإسلامي:


وضع لويس برنارد لويس مشروع هذا العصر لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب ، ولويس هذا هو مستشرق بريطاني الأصل يهودي الديانة صهيوني الانتماء أمريكي الجنسية ، وقد نشر هذا المشروع في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية ، وقد تمَّ تقنينه واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة ، وتفاصيل المشروع الصهيوأمريكي لتفتيت العالم الإسلامي كالآتي :

1 - تقسيم مصر إلى أربع دويلات هي:

دولة النوبة المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية ، الدولة النصرانية وعاصمتها الإسكندرية ، سيناء وشرق الدلتا وتبقى تحت النفوذ اليهودي ، مصر الإسلامية وعاصمتها القاهرة وهي  الجزء المتبقي من مصر.

2 -  تقسيم السودان إلى أربعة دويلات هي :

دويلة النوبة المتكاملة مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية التي عاصمتها أسوان ، دويلة الشمال السوداني الإسلامي ، دويلة الجنوب السوداني المسيحي  ، دارفور.

3 -   دول الشمال الإفريقي :

تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة: دولة البربر تقع على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان ، دويلة البوليساريو ، الباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.

4 -  شبه الجزيرة العربية والخليج :

إلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة ومحو وجودها الدستوري بحيث تتضمن شبه الجزيرة والخليج ثلاث دويلات فقط هي : دويلة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين ، دويلة نجد السنية ، دويلة الحجاز السنية.

٥ - تقسيم العراق عرقيا ودينيا ومذهبيا إلى ثلاث  دويلات هي :
دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة ، دويلة سنية في وسط العراق حول بغداد، دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي حول الموصل (كردستان) تقوم على أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفيتية (سابقًا).

٦ - تقسيم سوريا عرقيًّا أو دينيًّا أو مذهبيًّا إلى أربع دويلات هي :

دولة علوية شيعية (على امتداد الشاطئ) ، دولة سنية في منطقة حلب ، دولة سنية حول دمشق ، دولة الدروز في الجولان ولبنان ( الأراضي الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضي اللبنانية).

٧ - تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية هي :

دويلة سنية في الشمال (عاصمتها طرابلس) ، دويلة مارونية شمالاً (عاصمتها جونيه) ، دويلة سهل البقاع العلوية (عاصمتها بعلبك) خاضعة للنفوذ السوري شرق لبنان ،  بيروت الدولية (المدوّلة) ،  كانتون فلسطيني حول صيدا وحتى نهر الليطاني تسيطر عليه منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) ، كانتون كتائبي في الجنوب والتي تشمل مسيحيين ونصف مليون من الشيعة ، دويلة درزية (في أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية والفلسطينية المحتلة) ،  كانتون مسيحي تحت النفوذ الإسرائيلي.

٨ - إيران وباكستان وأفغانستان تقسيمها إلى عشرة كيانات عرقية ضعيفة هي : كردستان ، أذربيجان. تركستان ، عربستان ، إيرانستان (ما بقي من إيران بعد التقسيم) ، بوخونستان ، بلونستان ، أفغانستان (ما بقي منها بعد التقسيم) ،  باكستان (ما بقي منها بعد التقسيم). كشمير

ج - الحكام العربي يسيرون باتجاه التطبيع الكامل مع إسرائيل:

في ظل مخططات الصهاينة اليهود لاختراق العالم العربي والإسلامي ، ومشروعاته لتفتيت العالم العربي والإسلامي ، لم يتخاذل الحكام العرب والمسلمين عن الدفاع عن اوطانهم العربية ومقدساتهم الإسلامية فقط ، وإنما سارعوا وتسابقوا نحو التطبيع الكامل مع العدو الصهيوني .

فعلى قناة الجزيرة وتحت عنوان ( العلاقات العربية الإسرائيلية بين الممانعة والتطبيع  ) قال الدكتور علي عقلة عرسان : أن  العالم العربي يسير باتجاه التطبيع الكامل بدليل أن الرئيس بشار الأسد قالها بوضوح في 5 أغسطس 2013 : نحن نريد ونسعى لعلاقات طبيعية عادية مع إسرائيل .

وجاء في تقرير نشرته صحيفة معاريف في ٢٨/٤/٢٠١٦ ، إن مسئولين إسرائيليين يتجولون في العالم العربي بوتيرة غير مسبوقة ، مشيرة إلى لقاءات سرية بين ثلاثة مسؤولين إسرائيليين وثلاثة مسئولين سعوديين، جرى الكشف عنها في الفترة الأخيرة، وعقدت خلال العامين الماضيين في روما والتشيك والهند.
وفي لقاءٍ خاصا، بين كل من المدير السابق للمخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء يعقوب عميدرور ، عقد معهد واشنطن لسياس للأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط ، في 2016 - 05 - 6 ، أكّد تركي الفيصل على أهمية التعاون بين اسرائيل والدول العربية لمواجهة التحدّيات , وقال في هذا الصدد “كما إن التعاون بين الدول العربية وإسرائيل لمواجهة التحديات مهما كان مصدرها سواء كانت إيران أو أي مصدر آخر ستكون مدعمة بصورة أقوى في ظرف يكون فيه سلام بين الدول العربية وإسرائيل، ولا أستطيع أن أرى أي صعوبات بالأخذ بذلك ، وتابع قائلا : أقول دائما للمشاهدين اليهود أنه بالعقول العربية والمال اليهودي يمكننا المضي قدما بصورة جيدة ، وفكروا ما يمكن تحقيقه في المواضيع العلمية والتكنولوجيا والمسائل الإنسانية والعديد من الأمور الأخرى التي بحاجة إلى النظر إليها”.

وعلى صفحة الجزيرة نت الالكترونية جاء أنه ، في ١٧/5/2016 م كان خطاب عبد الفتاح السيسي - زعيم الانقلاب في مصر  في مدينة أسيوط المصرية- دعى بصراحة ووضوح الى التقارب  مع إسرائيل مغيبا لخطاب القضية الفلسطينية وثوابتها التي كانت حاضرة في خطابات كافة الرؤساء المصريين سابقا.
وكان السيسي قد أكد في خطابه على ضمانات لأمن إسرائيل تتطابق مع رؤية إسرائيلية للحل الذي تشترط الحصول على ضمانة الأمن الشامل قبيل الموافقة على مسار تفاوض جدي مع الفلسطينيين .



سادسا : وسائل الأمة للتصدي لخيانة وغدر اليهود :


صحوة الشعوب المسلمة وعودة حكامها الى الحق ليعرفوا حقيقة اليهود وخطورة مخططاتهم ، فضلا عن استعدادهم للدفاع عن اوطانهم واسترداد مقدساتهم المسلوبة ، يحتاج ذلك إلى جهاد أجيال وليس عمل جيل واحد ، فيجب ان تتربى الأطفال على الجهاد في سبيل الله ، وبذل النفس والمال والحياة لأجل الدين والوطن ، وفضح مخططات العدو واعتداءاته على الأوطان ، مع معاداتهم وتحريم مودتهم ، الأمل في نصر الله تعالى .

1 - تربية الأطفال على حب الله وحب رسوله وحب الجهاد :

تغرس كل أسرة مسلمة في قلبها وقلب أبنائها وأن ترضعهم في المهد حب الله وحب رسوله وحب الجهاد في سبيل الله، وأن حب فلسطين والمسجد الأقصى من الإيمان.. وأن تحصنهم بالمصل الواقي ضد دعوى المساواة بين الجهاد والإرهاب، وأن الجهاد تضحية في سبيل رد المغتصب والدفاع عن العرض وطرد المحتل ، ولتكون كلمة الله هي العليا، وأن الإرهاب هو الاحتلال لبلاد الغير، والنهب لخيراته ، وإفزاع أهله الآمنين، وإراقة دماء الأبرياء من أبناء الوطن ونساءه وأطفاله..

2 - بذل النفس والمال والوقت والحياة للحفاظ على الدين والوطن :

إن سبيلنا الوحيد لصد الهجمة الشرسة عن أرضنا، واسترداد عزنا ومجدنا، لا يكون إلا ببذل النفس والمال والوقت والحياة، وكل شيء في سبيل غايتنا النبيلة ألا وهي المحافظة على الدين والوطن، واسترداد المغتصب.. وهي غاية تحفظها كل الأديان السماوية، وترعاها وتقرها كل القوانين والهيئات والمواثيق الدولية.. بما في ذلك هيئات وليعلم المسلمون أن القوة التي يستدعيها الجهاد تنبع من حسن إخلاصهم، وقوة إيمانهم، ومتانة أخلاقهم، وقوة اتحادهم كالبنيان المرصوص: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف: 4) .
وروي عَنْ أَبِي مُوسَى رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. البخاري. وبعد قوة الإيمان والاتحاد إعداد ما نستطيع من قوة، وإن لم تكن كقوتهم: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال:60).

 3 - فضح المشروع الصهيوني وتعريته :

وذلك بفضح اليهود وطبيعتهم ، وهذا واجب علماء الأمة وقادة الرأي فيها، أن يعرِّفوا الشعوب بعدوها مستندين على القرآن الكريم والسنة المطهرة وما فيهما من وصف مفصل لليهود، ثم على كتب التاريخ وكتابات المعاصرين عنهم – المسلمين وغير المسلمين – المكتوبة باللغة العربية أو غيرها من اللغات مثل كتاب أحلام الصهوينية وأضاليلها للمفكر الفرنسي المسلم " رجاء جارودي " ومن الواقع المعاصر، فبين أيدينا تجارب كثيرة في الحرب والسلم ،وسلسلة من الهدنات والاتفاقات كلها تبين أنّ اليهود لا يعرفون غير منطق القوة وأنهم لا إيمان لهم ولا عهد ولا ذمة، وأنّ أبرز صفاتهم هي العنصرية فهم يرون أنفسهم شعب الله المختار، كما أن تطلعاتهم التوسعية لإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات لا تخفى على أحد، بل هم يريدون السيطرة على العالم كله.

4 - فضح الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين :

في جميع المؤسسات الدولية، والعمل على المحافظة على الآثار العربية والإسلامية في المدينة المقدسة، حيث تسببت إجراءات الاحتلال في تدمير كل شيء من تيتيم للأطفال، وتَرَمُّلٍ للنساء، وتدمير للمصانع والمؤسسات، وتجريف للمزروعات، وكذلك ما تتعرض له الأراضي الفلسطينية عامة والمقدسات بصفة خاصة من محاولات لهدمها، وتدنيسها، وتقسيمها، وإقامة الجدار العازل، ومصادرة الأراضي، وطرد أهلها، لذلك يجب التصدي لهذه الاعتداءات بالعمل على إعادة المؤسسات التي هُجِّرت قسراً من القدس إلى مكانها السابق حفاظاً على الهوية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة.

5 - وجوب بغض اليهود ومعاداتهم وتحريم مودتهم وموالاتهم :

قرر القرآن الكريم في آيات صريحة وجوب بغض اليهود وجوب معاداتهم حتى يؤمنوا بالله وحده ، قال تعالى :  ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) سورة المائدة الآية 51.
وقال عز وجل في شأن اليهود : ( تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا  ) سورة المائدة الآية 80-82.

كما حرم الله  مودة اليهود وموالاتهم وذلك يعني بغضهم والحذر من مكائدهم وما ذاك إلا لكفرهم بالله وعدائهم لدينه ومعاداتهم لأوليائه وكيدهم للإسلام وأهله ، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بما يعملون محيط ) سورة آل عمران الآيتان 118-120.

ومواقف اليهود من الإسلام ورسول الإسلام وأهل الإسلام كلها تشهد لما دلت عليه الآيات الكريمات من شدة عداوتهم للمسلمين، والواقع من اليهود في عصرنا هذا وفي عصر النبوة وفيما بينهما من أكبر الشواهد على ذلك، وهكذا ما وقع من النصارى وغيرهم من سائر الكفرة من الكيد للإسلام ومحاربة أهله، وبذل الجهود المتواصلة في التشكيك فيه والتنفير منه والتلبيس على متبعيه وإنفاق الأموال الضخمة على المبشرين بالنصرانية والدعاة إليها، كل ذلك يدل على ما دلت عليه الآيات الكريمات من وجوب بغض الكفار جميعا والحذر منهم ومن مكائدهم ومن اتخاذهم بطانة.

6 - الأمل في نصر الله وعدم اليأس :

وعلينا أن نوقن أن النصر من عند الله، وأنه كائن لا محالة، والشاك في ذلك عليه أن يصحح إيمانه لقوله تعالى (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ( يوسف: ٨٧ ) )قَالَ تعالى ( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ( (الحجر: ٥٦)وقوله تعالى (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: ٢١( وعلى المسلمين أن يتدارسوا المبشرات ليواجهوا المثبطين ، وعلينا أن نذكر الناس بأن الخلافة الإسلامية ستقوم، وسيجلى اليهود عن ديار المسلمين، ولا ينجيهم حجر ولا شجر.. وأحاديث ملاحم آخر الزمان محفوظة ومعلومة، وما علينا إلا الإيمان بها والسعي لأن نكون من جنود الحق في وقتها.

الخميس، 19 مايو 2016

الحق في الحياة : تقريره وضماناته وانتهاكاته في المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية . إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الحق في الحياة : تقريره وضماناته وانتهاكاته
في المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية   .

إعداد : محمد أبوغدير المحامي

الحق في الحياة من أجل حقوق الإنسان الأساسية ، بل هو الحق الأكثر أهمية على الإطلاق ، لأنه رأس المال الحقيقي للإنسان ، والهبة العظيمة التي منحها الله له تكريما وتفضيلا له على كثير من مخلوقاته ، نجد أن الشريعة الإسلامية أقرت الحق في الحياة على رأس كافة حقوق الإنسان وقاوله تعالى : { ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب “ . وهو حق طبيعي لجميع الناس بحكم أدميتهم لا تمنحه دولة أو مجتمع وإنما تقتصر مهمتها على الاعتراف به، إذ لا يمكن إلغاؤه أو التنازل عنه تحت أي ظرف أو ضرورة  .
وفي هذه السطور سنبين تقرير هذا الحق ، تقريره وضماناته وانتهاكاته وذلك من خلال المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية   .

أولا : تقرير الحق في الحياة في المواثيق الدولية  الشريعة الإسلامية :

أ - تقرير حق الحياة في المواثيق الدولية  :

ولقد كرسـت الشرعة الدولية الحق في الحياة في وثائق أممية عديدة هي : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية و البرتوكول الاختياري الثاني الملحق به ، وبيان ذلك في الآتي :
1. في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1948: بعد أن نصت المادة الأولى من هذا الإعلان على أن جميع الناس يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق قررت المادة الثالثة منه الحق في الحياة فنصت على أنه : ( لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية         البدنية ) .
2. كما يحمي القانون الإنساني الدولي حق الفرد في عدم حرمانه من الحياة تعسفا.  وتحظر المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع "في جميع الأوقات والأماكن...الاعتداء علي الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله" ضد الأشخاص الذين لا يشتركون اشتراكا فعليا في نزاع مسلح لا يتسم بطابع دولي.
3. وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  الصادر في عام  1966 وفي المادة السادسة منه قررت الحق في الحياة ، بأن نصت في الفقرة الأولى على أن : ( الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان ،  وأنه على القانون الوطني  أن يحمى هذا الحق ، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ) .
4. وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  الصادر في عام  1966 وفي المادة السادسة منه قررت الحق في الحياة ، بأن نصت في الفقرة الأولى على أن : ( الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان ،  وأنه على القانون الوطني  أن يحمى هذا الحق ، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ) .

ب - تقرير حق الحياة في الشريعة الإسلامية :

إن الحياة في الإسلام  مصونة والنفس البشرية من الكليات الخمس التي هي أسمى ما يجب الحفاظ عليه في الشريعة الإسلامية ، وجاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تقرر هذا الحق وتحميه :

من القرآن الكريم :
1. قال تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة32
2. و حرم الإسلام الوأد، الذي كان معروفا عند بعض قبائل العرب بالنسبة للبنات {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ  بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }التكوير9 .
3. وبلغ من عناية الإسلام بهذا الحق أن توعد منتهكه بالخلود في نار جهنم ، فقال الله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } النساء93

ومن السنة النبوية :
1. ما ورد في حجة الوداع ، تلك الخطبة الجامعة التي أعلن فيها الرسول الكريم حرمة الدماء والأموال والأعراض تحريم إلهي قاطع، حيث قال : " فإن الله تبارك وتعالى قد حرَّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت" ثلاثاً " صحيح البخاري ، باب ظهر المؤمن حمى إلا حد و حق .
2. وفي تأكيد أن حرمة حق الحياة من حرمة الدين  ، روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً )   .

ثانيا : ضمانات وكفالة الحق في الحياة في المواثيق الدولية  الشريعة الإسلامية :

أ - ضمانات وكفالة حق الحياة المواثيق الدولية  :

في مجال ضمانات وكفالة حق الحياة في المواثيق الدولية ، نصت المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الفقرات من الثانية حتى السادسة الإجراءات الآتية :
1. حظرت على البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام ، أن تحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ، ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة .
2. أنه في حالة كون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية ، فإنه يحظر على أي دولة طرفا في هذا العهد أن تعفى نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتبا عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
3. أن لكل من حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
4. عدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفيذ هذه العقوبة بالحوامل.
5. حظرت على أية دولة طرف في هذا العهد التذرع بهذه المادة الامتناع عن إلغاء عقوبة الإعدام أو التأخير في تنفيذه ذلك .
6. ومن ضمانات حق الحياة وكفالته أيضا ما نص القانون الأساسي لمنظمة العفو الدولية ، في المادة الأولى منه أن من ضمن أهدافها معارضة إعدام الأشخاص خارج نطاق القضاء , سواء أكانوا من السجناء أو المعتقلين ، أو ممن فرضت القيود على حريتهم أم لا  .

ب - ضمانات وكفالة حق الحياة في الشريعة الإسلامية:

1- تحريم قتل الإنسان : قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ} [الأنعام:151] .
2- سد الذرائع المؤدية للقتل : ومن صورها :
• تحريم حمل السلاح على المسلمين : روى مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وســلم : ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) ، وقال ابن دقيق العيد: " فيه دلالة على تحريم قتال المسلمين والتشديد فيه " .
• تحريم مقاتلة المسلمين : روى مسام عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) .
3- القصاص في القتل : قال تعالى: { أَيُّهَا الذِينَ امنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى } البقرة:178 .
وقال عز وجل: {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاٰةٌ يا أُولِي ٱلألْبَاٰبِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }  البقرة:179.
4- تحريم الانتحار : روى البخاري ومســـلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وســـلم قال : ( من تردى من جبل فَقَتَلَ نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سُماً فقتل نفسه، فسُمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) .  .
5- تحريم قتل الجنين : قال تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا }  الإسراء:31 .
6- إيجاب الضمان في قتل الجنين : روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بغرة عبد أو أمة )

ثالثا : القصاص وعقوبة الإعدام ضمان للحق في الحياة :

القصاص في الشريعة الإسلامية هو اقوي ضمان لحق الحياة ، ولا ينال منها بتاتا، ذلك أن القصاص حد القتل ، وما شرعت الحدود في الإسلام إلا لحماية حقوق الإنسان وحرياته ، فهي العقوبات المحددة المنصوص عليها من الله - سبحانه وتعالى - والتي يعتبر تنفيذها عبادة ، إذا تأملنا فيها - إلا لحماية هذه الحقوق ،  فحد القصاص شرع لحماية حق الحياة ، حد الحرابة لحماية حق الأمن الاجتماعي ، وحد السرقة لحماية حق التملك ، وحد الزنا لحماية حق النسل وبناء الحياة الاجتماعية  ، وحد القذف لحماية حق الفكر والإرادة   وحماية العقل مما يغتاله من الخمر والمخدرات .

فالحقوق دين ، والاعتداء عليها جريمة ، وعقوبة المعتدي حدية لا مجال فيها للاجتهاد ، لذلك لا يصح القول أن القصاص بقتل الجاني تعدي على حق الحياة لأن المشرع للحد هو الله الذي خلق الإنسان هو أعلم بالحقوق والتشريعات التي تحقق له الســعادة والمصلحة ، قال - تعالى - : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك :14 وصدق الله القائل : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ) [البقــرة:179]
وإذا كان القصاص يعني إعدام الجاني فإن عقوبة الإعدام لها المعنى قد نصت الشرائع السماوية عليها كوسيلة لمنع الجرائم و الحفاظ على حياة الناس و أموالهم و أعراضهم ، ففي الشريعة الموسوية ورد في الفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج ما نصه : أن من ضرب إنسانا فمات فليقتل قتلا ، وإذا بغى رجل على آخر فقتله اغتيالا فمن قدام مذبحي تأخذه ليقتل ، ومن ضرب أباه و أمه يقتل قتلا ، وإن حصلت أذية فأعط نفسا بنفس وعينا بعين و سنا بسن .

رابعا : انتهاكات الحق في الحياة في المواثيق الدولية:

ويشكل انتهاكات الحق في الحياة الجرائم الآتية :  الإعدام التعسفي  ، الإبادة الجماعية ، محاولة القيام بإعدام تعسفي ، التهديد بالموت .

1. الإعدام التعسفي :

تعريف الإعدام التعسفي :
هو قتل شخص على يد وكيل للدولة أو أي شخص آخر يعمل تحت سلطة الحكومة أو بتواطئها معهم  أو تغاضيها عن أفعالهم أو قبولها ولكن بدون أي عملية قضائية أو بدون عملية قضائية مناسبة.
وحالات الإعدام  المنبثقة عن حكم بالإعدام صادر عن محكمة هي أيضا حالات إعدام تعسفي إذا لم تُحترم ضمانات المحاكمة المنصفة المنصوص عليها في المادتين 14 و15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
حالات الإعدام التعسفي :
وهي التي تختلف عن حالات الإعدام بعد محاكمة منصفة) هي في كثير من الأحيان أعمال قتل ترتكب في ظروف مشبوهة وتتسم بما يلي:
• الوفاة التي تقع في حال وجود الشخص في قبضة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (كأن يكون مثلا محتجزا من قبل الشرطة) أو  الموظفين العموميين أو الأشخاص الآخرين  العاملين بصفة رسمية.
• الوفاة التي تقع في ظروف لم يجر فيها تحقيق رسمي.  ولم  تُجر السلطات تشريحا لجثة الضحية أو لم تتخذ الخطوات اللازمة للحصول على أدلة ذات صلة (تقريرا طبيا أو علامات على وقوع تعذيب سابق، الخ).
• أعمال القتل التي تُقترف لأسباب سياسية وحالات الوفاة   الناجمة عن التعذيب أو غير ذلك من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية  أو المهينة وأعمال القتل في أعقاب الاختطاف أو الاختفاء القسري في حالة توفر الشروط المذكورة.

2 . الإبادة الجماعية :

تعريف جريمة الإبادة الجماعية
تحدد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 من الدول أن "تعاقب على الإبادة الجماعية سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب"  (المادة1).
وتحدد الاتفاقية الإبادة الجماعية على أنها ارتكاب أحد الأفعال التالية، علي قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية:
• قتل أعضاء من الجماعة،
• إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة،
• إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا .
• فرض تدابير تستهدف الحرمان من إنجاب الأطفال داخل الجماعة،
• نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخري.
وينبغي ملاحظة أن الإبادة الجماعية لا تتطلب القتل، ولكنها قد تشمل الإجراءات الأخرى المحددة في الاتفاقية إذا ارتكبت بقصد الإبادة الجماعية، وبخاصة إذا انطوت على إبادة أعداد كبيرة من الأشخاص.

3 . محاولة الإعدام التعسفي :

تشكل محاولة القيام بإعدام تعسفي، والتي تفشل لأسباب  تتجاوز النية الأولية لواحد أو أكثر من وكلاء الحكومة، محاولة للإعدام التعسفي.
وينبغي أن  تكون جميع هذه المحاولات موضع تحقيق مع أخذ  العناصر التالية في الاعتبار :
• النشاط السياسي أو النقابي أو الديني أو الاجتماعي الذي يمارسه الشخص الضحية.
•  وظيفة أو نطاق نشاط الشخص المفترض قيامه بمحاولة الإعدام التعسفي.
• أي تحريض أو تحرش أو تهديد أو مطاردة يكون قد تعرض لها الضحية أو أقاربه قبل محاولة الإعدام.
• استعمال، عند الشروع في القتل، وسيلة من شأنها تحقيق النتيجة المطلوبة.
• شكل ووسيلة محاولة الإعدام.

4 .  التهديدات بالموت :

تعريف التهديد بالموت :
هو أي عمل أو قول صريح أو ضمني قد يبث في نفس شخص خوفا  له ما يبرره بالوقوع ضحية لإعدام تعسفي.
وينبغي للناشط الحقوقي تكريس انتباههم إلى التهديدات بالقتل:
• الصادرة عن أفراد القوات المسلحة أو أي مؤسسات عامة أخرى؛
• الصادرة عن أفراد أو جماعات شبه عسكرية متصلة بالسلطات أو تعمل بالتواطؤ معها أو بموافقتها الضمنية؛
• حيثما كان هناك سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه التهديدات تشكل جزءا من ممارسة للإعدام التعسفي؛ وعندما يكون التهديد دقيقا وإذا كان هناك سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن التهديد سيعقبه إجراء.
وينبغي للناشط الحقوقي أن يولي أولوية لأجراء تحقيقات في الحالات التي يوجد فيها ما يعرض الحياة للخطر.  وينبغي أن تسعى التحقيقات إلى تقرير وجود إعدام تعسفي أو محاولة إعدام تعسفي أو تهديد بالموت عن طريق تحديد عناصر الانتهاكات .

الأربعاء، 18 مايو 2016

العدالة الإجرائية في الفقه الإسلامي أ.د. أحمد عوض هندى أستاذ قانون المرافعات

العدالة الإجرائية في الفقه الإسلامي

أ.د. أحمد عوض هندى أستاذ قانون المرافعات
عميد كلية الحقوق - جامعة الاسكندرية سابقاً  



1- مفهوم العدالة وأهميتها وصورها :

 يتمثل العدل فى وضع الشيء فى موضعه وهو ضد الظلم ، والعدل فى الحكم هو تحرى المساواة والمماثلة بين الخصمين ( ) أو هو اعطاء كل ذى حق حقه أو اعطاء كل شخص ما يستحقه ، فجوهر العدالة هو حصول كل إنسان على حقه مما يحقق التوازن بين مصالح أفراد المجتمع ويكفل الاستقرار للمجتمع وتقدمه ، فالنظام لا يستقر فى أى مجتمع دون عدالة ( ) . فمن أهم مقاصد الشريعة الاسلامية - وكذلك القانون الوضعى- تحقيق العدل بين أفراد المجتمع ، مع إقرار النظام فيه ( ) فالمقصد الذى تدور حوله عامة أحكام التشريع الاسلامى أو أصوله هو العدل ، وخاصة فى التشريع الجنائى أو الاجرائى الاسلامى ، ذلك أن أحكام الشريعة أوامر ونواه ولكل أمر أو نهى جزاء ، والعدل لا ينفك عن الجزاء ، لذلك درج الفقهاء على القول أن العدل عماد الشريعة ، كما أن التوحيد عماد العقيدة ، والعدل مركوز فى الفطرة الإنسانية ولذلك فالشرائع كلها تقره ولا تقرره أى أنها تنزل على حكمه ولا تنشئه ، وإذا كان للجسد حواس فللعقل مثلها ، ومن هذه الحواس حاسة العدالة ، ولما كان الاسلام دين الفطرة فمن الطبيعى أن تكون أحكامه أكثر انسجاماً مع فكرة العدل ( ).
 وإذا كان اعطاء كل صاحب حق حقه بصورة مطلقة هو العدل وعكس ذلك هو الظلم (الذى هو الجور ومجاوزة الحد ووضع الشيء فى غير موضعه) ( ) ، فإن اعطاء الأفراد حقوقهم على ضوء الظروف والأحوال والملابسات الخاصة لكل منهم يمثل العدالة ، فالعدل (الذى هو أحد أسماء الله الحسنى) ، وهو مقصد الشريعة والقانون والناس كافة ، وهو مطلق ، هو أمر إن كان الجميع يبحث عنه إلا انه غاية صعبة المنال ، لذلك يحاول الكل تحقيق العدالة - التي تحرص على أن يحصل الانسان على ما يستحقه  على ضوء ظروفه وأحواله وظروف وأحوال غيره فى المجتمع .
 ولاشك أن للعدالة أهميتها ، إذ بدونها يشعر الأفراد بالظلم ، مما يدفعهم إلى الحقد على غيرهم وعدم احترام النظام والقانون فى المجتمع ، ويكون ذلك سبباً قوياً لانهيار النظام والأمن فى أى دولة . فإذا كان النظام لا غنى عنه لبقاء المجتمع وتقدمه، إلا أن تحقيق هذا النظام فى المجتمع لا يمكن أن يتم دون تحقيق العدل . وتنهار الدول ، أو يعيش أفرادها أشقياء ، إذا لم تحقق العدل بين أفراد المجتمع .
 وللعدالة صور كثيرة : ومن أهم صورها العدالة الموضوعية والعدالة الاجرائية، فالقواعد التى تنظم حياة الأشخاص وحقوقهم وواجباتهم ، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الجنائية ، هى قواعد ترمى - فى الأصل - إلى تحقيق العدالة الموضوعية ، أى العدالة فى حقوق أفراد المجتمع ، بحيث لا يحصل فرد على أكثر أو أقل من حقه . على أنه لا تكفى القواعد الموضوعية التى تقرر للأشخاص حقوقاً متساوية ، لقيام العدالة ، وإنما يجب أن تكون هناك قواعد إجرائية - تكفل حماية هذه الحقوق إذا تم الاعتداء عليها . ذلك أن الحق دون حماية لا قيمة له. وهذه الحماية تتم من خلال القضاء فى الدولة ، حيث توجد القواعد التى تنظم اجراءات التقاضى فى الدولة ، وهذه القواعد يجب أن تستهدف تحقيق العدل بين الأفراد، فيتم تنظيم الاجراءات المتبعة أمام المحاكم بصورة تضمن أن يحصل كل صاحب حق على حقه ، دون خطر ضياع هذا الحق أو انتقاصه . ولا قيمة للقواعد التى ترسى العدالة الموضوعية دون القواعد التى تكفل تحقيق العدالة الاجرائية ، فهذه القواعد الأخيرة هى السياج الذى يحمى حقوق الأفراد ويضمنها .

2- ضرورة أن تكون العدالة ناجزة :

 لا يكفى - لضمان حقوق الأفراد - تحقيق العدالة ، بأن يحصل كل صاحب على حقه ، وإنما يجب أن تكون هذه العدالة عدالة ناجزة ، أى أن يحصل صاحب الحق على حقه بسرعة ، أو فى وقت مناسب أو ملائم أى دون تأخير . فينبغى العمل على سرعة تحقيق العدالة حتى تستقر الحقوق لأصحابها ولردع المعتدين وحتى يسود الأمن فى المجتمع . أى يجب سرعة دفع الاعتداءات على الحقوق حتى لا يلجأ الأفراد للقصاص الخاص وحتى يكون فى أحكام القضاء إشباع كامل وسريع لرغبات وحريات الأفراد .
 فالعدالة البطيئة (وهى شائعة الآن فى مختلف الدول) وإن كانت تؤدى فى النهاية إلى حصول صاحب الحق على حقه ودفع الاعتداء ، إلا أنها معيبة لأنها لا تحقق الاشباع الكامل لحقوق المتقاضين ، حيث أن صاحب الحق يرمى، من الالتجاء إلى القضاء ، إلى رد الاعتداء على حقه والحصول على هذا الحق دون انتقاص وبطريقة سهلة ميسرة ودون أعباء مالية أو عوائق اجرائية . وإذا لم يتحقق له ذلك فإنه يعانى فى سبيل الحصول على حقه ، الذى إن حصل عليه فى النهاية فإن ذلك يكون بعد فترة طويلة (تزيد أحياناً على عشر سنوات) منقوصاً (لتآكل قيمة الحق مع الزمن) وبشق الأنفس ، بل أن حقه يتهدده الضياع بسبب طول الاجراءات وتعقدها وتعسف الخصم وسلبية القضاة ، وهو ما يشعره فى النهاية بالظلم ، لذلك قيل بحق أن العدالة البطيئة نوع من الظلم .
 لذلك ، وحرصاً على حصول كل صاحب حق على حقه ، يجب أن تكون اجراءات التقاضى ميسرة وغير مكلفة ، وبسيطة ، بحيث يحصل صاحب الحق على ما يستحقه فى وقت قصير (يجب إلا يزيد على سنة ، كما يحدث فى أغلب دول العالم) وسبب بطء التقاضى هو العيوب التى تعترى اجراءات التقاضى ، أو تعيب العدالة الاجرائية ، فليس العيب فى قواعد العدالة الموضوعية ، وإنما السبب الرئيسى فى تأخر حصول صاحب الحق على حقه هو طول اجراءات التقاضى وتعقدها ، لذلك من الضرورة أن تكون هذه الاجراءات بسيطة وسريعة حتى تساهم الاجراءات فى حصول صاحب الحق على حقه فى وقت مناسب ، فالإجراءات ما هى إلا وسيلة لحماية الحق ولا ينبغى أن تكون بأى حال سبباً فى ضياع هذا الحق أو انتقاص قيمته.
 وحتى يحصل صاحب الحق على حقه ، فى وقت مناسب ، يجب أن تكون العدالة عدالة ناجزة أى سريعة وبسيطة وهو ما تكفله القواعد التى تنظم اجراءات التقاضى أى قواعد العدالة الاجرائية . وحتى تتحقق العدالة الاجرائية على هذا النحو، يجب احترام المبادئ الاجرائية الأساسية التى تحكم اجراءات التقاضى ، كما ينبغى تبسيط الاجراءات المتبعة أمام القضاء ، بالإضافة إلى استحداث نظم تساهم فى سرعة تحقيق العدالة . ونعرض لهذه الأمور الثلاثة فى الواقع الذى تعيشه أغلب الدول الاسلامية ثم فى الفقه الاسلامى .

3- المبادئ التى تساهم فى تحقيق العدالة الإجرائية :

 تحكم الاجراءات أمام القضاء مبادئ هامة تضمن تحقيق العدالة فى التقاضى، وهى مبادئ أساسية تلتزم بها الدول فى قوانينها ويلتزم القضاة باحترامها حتى دون النص عليها ، إذ أنها مبادئ قرينة العدالة ، أى انها مبادئ ضرورية لتحقيق العدالة الاجرائية سواء أمام القضاء أو التحكيم أو غيرهما من طرق فض المنازعات ، ولا يستقيم القضاء - أو التحكيم - بدونها . وأهم هذه المبادئ مبدأ المواجهة ، ومبدأ المساواة ومبدأ العلانية ، ومبدأ احترام حق الدفاع ومبدأ التقاضى على درجتين .
 ومبدأ المواجهة يعنى أن تتخذ جميع الاجراءات فى مواجهة الخصوم (أطراف الدعوى) بحيث يعلمون بها عن طريق اجرائها فى حضورهم - كإبداء الطلبات وإجراء التحقيق - أو عن طريق اعلانهم بها أو تمكينهم من الاطلاع عليها ومناقشاتها. ويجب احتراما لهذا المبدأ تمكين الخصم من الحضور - بإعلانه - لإبداء دفاعه وسماع وجهة نظره ، فالعدالة تقضى بعدم جواز الحكم على انسان من غير سماع اقواله ،وهو ما يستلزم أن القاضى لا يمكن أن يحكم دون سماع جميع الاطراف، فبغير سماعهم لا يمكنه معرفة الحقيقة ، كما أن من حق كل خصم أن يبلغ بالأوراق التى يقدمها الخصم الاخر للمحكمة ويبدى ملاحظاته عليها، وهو ما يقتضى ايضاً أن ادلة اثبات الحق يتولاها الخصوم ، فليس للقاضى أن يقضى بعلمه. ومبدأ المواجهة هو حجر الزاوية فى الاجراءات وهو الضمانة الاساسية لكل عنصر يمكن أن يوصف بالعدل ، فإذا غابت المواجهة غابت العدالة ( ) .
 ومن المبادئ الاجرائية الهامة والتى تقتضيها العدالة الاجرائية مبدأ المساواة أمام القضاء ، إذ به تتحقق ثقة الناس فى القضاء ويصبح موضع طمأنينتهم ، بل أن المساواة هى اول لبنة يقوم عليها أي صرح قضائي عادل ، ذلك انها تتفق وما فطر عليه الانسان. وحتى تتحقق المساواة يلزم : أن يكون لكل مواطن الحق فى الالتجاء إلى القضاء ، كما يلزم عدم التمييز بين المتقاضين واحترام حق كل مواطن فى الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ( ). فعلى القاضى أن يساوي بين الخصمين فى جميع الحقوق والإجراءات التى يتخذها، وان يستمع اليهم جميعاً ويعطيهم كل الفرص الممكنة لعرض وجهة نظرهم وتقديم أدلتهم ومناقشتها معهم ، وألا يفرق فى معاملة كل منهم ، سواء فى جلسات المحكمة أو فى فحصه للأوراق والمستندات وأدلة كل خصم أو فى اصداره لحكمه ، وان يحرص على أن يعطى صاحب الحق حقه .
 كذلك من المبادئ الإجرائية الأساسية التى تقترن بالعدالة الاجرائية مبدأ العلانية ، وهو يعنى أن القضاء يجب أن ينظر الدعاوى فى جلسات علنية يسمح فيها بالحضور لكل شخص ، وان يتم تحقيق الدعوى والمرافعة فيها فى جلسات يتاح لعامة الشعب - من يريد - أن يحضرها فى قاعات مفتوحة ، دون أن تغلق فى وجه أحد. وهو ما يقتضى أيضا النطق بالحكم فى جلسة علنية ، وأن يسمح بنشر المناقشات والمرافعات ومنطوق الأحكام فى الصحف وسائر وسائل الاعلام ، كما أن مبدأ العلانية يقتضى أن يسبب القاضى حكمه ، أى أن يذكر أدلته القانونية والواقعية. وهذه العلانية تكفل حسن آداء القاضى لعمله وتؤكد نزاهته ، كما تثبت فى نفوس المتقاضى الثقة والطمأنينة فى عمل القاضى وتكفل للرأى العام مراقبة عمل القاضى( ).
 أيضاً من أهم المبادئ والحقوق الاجرائية مبدأ احترام حق الدفاع ، فعلى القاضى أن يُمَّكن كل خصم من تقديم دفاعه بالصورة التى يراها ، شفاهة (بالمرافعة) أو كتابة (بتقديم مذكرات ومستندات) أو من خلال الاستعانة بمحام ، يساعده فى عرض وجهة نظره ، يكون افصح لساناً من الخصم وأقدر منه على عرض حقه وأدلته ومناقشة الخصم الآخر ، كما يلزم السماح للخصم بتقديم كافة الدفوع التى يرى تقديمها وكذلك أوجه الدفاع المختلفة والرد على ادعاءات خصمه ، وان يناقش القاضى هذه الدفوع وأوجه الدفاع ، فإما أن يستجيب لها أو يرفضها بعد الرد عليها . ويجب ضمان حق الدفاع للخصوم طوال مراحل المحاكمة أو الخصومة . وعلى المحكمة أن تتيح للخصم الآخر العلم بما قدمه خصمه من أوراق أو مذكرات والاطلاع والرد عليها . سواء قدمت فى حضوره ، هنا يطلع عليها ولا يعلن بها ، أو فى غيابه ، وهنا يجب اعلانه بها . والدفاع ليس واجباً على الخصم بل هو حق له ، ويجب على المحكمة أن تمكنه من ايداع دفاعه ، أما ابداؤه بفاعلية فهو أمر يتوقف عليه ، فللخصم أن يباشر دفاعه أو لا يباشره حسبما يرى ، ولا يلتزم القاضى بأن يلفت نظره إلى حقه فى هذا الدفاع أو إلى مقتضياته ، وإذا لم يقدم الخصم الدليل على دفاعه فإن للقاضى أن يغفل الرد على هذا الدفاع . ويشترط إلا ينحرف الخصم فى استعماله لهذا الحق فى الدفاع أو يتجاوز بنسبة أمور شائنة لخصمه ماسة باعتباره وكرامته وألا كان مسئولاً عما ينشأ عن خطئه هذا من ضرر ( ) .
 وخامس المبادئ ، التى تكفل تحقيق العدالة الاجرائية ، مبدأ التقاضى على درجتين، ويعنى أن الدعوى (النزاع) تنظر مرتين ، الأول أمام محكمة الدرجة الأولى وتنظر ثانية أمام محاكم الاستئناف أو محاكم الدرجة الثانية ، ويقصد به اتاحة الفرصة للخصم (لصاحب الحق) الذى حكم لغيره صالحه بعرض النزاع أمام محكمة أعلى درجة لتفصل فيه من جديد ، دفعاً للظلم الذى يراه واقعاً عليه وتحقيقاً للعدالة فلا يجوز تحصين أى حكم أو قرار ضد الطعن . فهذا المبدأ يكفل حسن سير العدالة، إذ يحث قضاة محكمة الدرجة الأولى على العناية بأحكامهم والتأنى فى اصدارها خشية إلغائها أو تعديلها من محاكم الدرجة الثانية ، وهى تُشكل عادة من قضاة أكثر عدداً من قضاة أول درجة ، وأكثر خبرة ودراية . كما يسمح هذا المبدأ للخصوم بتصحيح ما قد يقع فيه القاضى من اخطاء وتدارك ما فاتهم من أوجه دفاع أمام محكمة الدرجة الأولى باعتبار أن الحكم عمل بشرى قد يرد فيه خطأ أو نسيان ، فضلا عن انه يشبع غريزة العدالة فى نفس المحكوم عليه بإتاحة الفرصة امامه بعرض النزاع من جديد أمام محكمة أعلى درجة قضائها أكثر عدداً وخبرة ( ) .
 هذه هى المبادئ الاجرائية التى تضمن تحقيق العدالة الاجرائية ، ويلتزم بها القضاء فى عمله . ونعرض الآن لهذه المبادئ فى الفقه الاسلامى .

4- المبادئ الاجرائية فى ضوء الفقه الاسلامى :

 تحكم المبادئ الاجرائية - التى تساهم فى تحقيق العدالة الاجرائية - عمل القضاة . وقد كان القضاء فى صدر الاسلام يتولاه الحاكم أو الخليفة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول قاض فى الاسلام ، فكان يفصل بين المسلمين فى جميع نوازلهم ويقيم الحدود على المذنبين بمقتضى القرآن الكريم والوحى والاجتهاد والإلهام الربانى ، قال تعالى (فاحكم بينهم بما انزل الله) . وكثيراً ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستأنس برأى الصحابة ، فقد كانوا اشبه بالمستشارين فى العصر الحديث. وكان نظام القضاء فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأخذ الشكل المعروف الآن ، إذ كانت سماته تتجلى فى أن يُسأل فى أمر من أمور الناس فيجيب على المسألة وفقا لما يوحى به إليه . وكان طريق القضاء سهلا وبسيطاً يتناسب والبداءة التى كانت سمة ذلك العصر ، فلا كتبة ولا محضرون ولا اعلانات ولا مذكرات ولا دفوع ولا معارضات ولا استئنافات ، بل كان الخصوم يرتضون حكم الرسول ويتخذونه طوعاً ، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الميل إلى اصلاح ذات البين ، فقد كان يقول "ردوا الخصوم كى يصطلحوا" ( ) .
 وتولى القضاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون وكان نظام القضاء عندهم متمثلاً فى الأخذ من كتاب الله وسنة رسوله، سائرين فى ذلك على نفس المئوال ومهتدين بهدى الرسول الكريم. ولما اتسعت رقعة الدولة الاسلامية وتعددت امورها السياسية والدولية اعطى ولاه الامصار حق استقضاء القضاء وتوليتهم دون الخليفة . وسار القضاة فى عهد بنى امية على طريق الخلفاء الراشدين من استنباط الاحكام من الكتاب والسنة والإجماع ، وكان القضاة يجتهدون برأيهم . وفى العصر العباسي اتسعت الحضارة الاسلامية وانتشر الاسلام شرقاً وغرباً وتفرق حفاظ الشريعة ورواتها فى الامصار، واقتضى العمران وتشعب المعاملات لدى الامم التى دخلت فى الاسلام اتساع دائرة القضاء. وسار القضاة فى الامصار على نهج السابقين، من الاحتكام للقرآن والسنة والإجماع ثم الاجتهاد( ) .
 وقد حرص الحكام والولاة على اختيار أصلح الناس لتولى القضاء ، باعتبار أن القضاء امانة يجب أن يتولاها الاكفاء والأصلح دون توريث ( ) . ويجب أن تتوافر فى القاضى شروط انعقاد الولاية ، ولعل أهمها العدالة - فلا تصح ولاية الظالم وإن عين غير العدل وجب عزله ، اما ولاية الفاسق ففيها خلاف . كذلك يجب توافر العلم فى القاضى ، فلا تصلح ولاية الجاهل - وإن كان القاضى مجتهداً فإنه يقضى بالراجح عنده وإن كان مقلدا جاز له أن يحكم بالمشهور من مذهبه وإن لم يكن راجحاً عنده . اما اتباع الهوى فى الحكم فحرام ، ولا يشترط أن يبلغ القاضى مرحلة الاجتهاد( ) . ولقد عظم الاسلام منصب القضاء ، ففى الحديث الصحيح سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه اولهم الامام العادل ، وقال صلى الله عليه وسلم هل تدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة - قالوا الله ورسوله اعلم قال الذين إذا اعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وإذا حكموا للمسلمين حكموا كحكمهم لأنفسهم. ولكن فى نفس الوقت حذر الاسلام من تولى القضاء ، فقد قال صلى الله عليه وسلم من ولى القضاء فقد ذبح بغير سكين ، فهذا الحديث الشريف فيه تحذير من القضاء من الظلم ويعتبر فى نفس الوقت دليلا على شرف القضاء وعظيم منزلته وان المتولى له مجاهد لنفسه وهواه وهو دليل على فضيلة من قضى بالحق ، وقد كان على بن ابى طالب ومعاذ بن جبل قاضيان ، فالتحذير عن الظلم لا عن القضاء ، فالجور فى الأحكام وإتباع الهوى فيه من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر . وحديث القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة فيقصد بالقاضيان اللذين فى النار الجائر العالم والجاهل اما المجتهد فله اجران . وقال عبد الله بن مسعود لأن اقضى يوما احب إلى من عبادة سبعين عاما( ) .
 وقد حرص القضاة ، طوال العصور الاسلامية ، على تحقيق العدل بين الناس، بقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.  استجابة لقوله تعالى " أن الله يأمركم أن تؤادوا الأمانات إلى اهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وقوله " أن الله يأمر بالعدل والإحسان" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أن الله مع القاضى ما لم يجر ، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان) وقوله عليه الصلاة والسلام ( من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضياه فلم يقض بينهما بالحق فعليه لعنة الله) وقوله (عدل ساعة فى حكومة- أي فى حكم- خير من عبادة ستين سنة) وقال كذلك (أن اعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد شيئاً ثم لم يعدل بينهم)( ).

 وحتى يحصل صاحب الحق على حقه ، ويتحقق العدل ، يجب على القاضى، وهو ينظر فى الخصومات ، أن يتمسك بمبادئ العدالة الاجرائية - المساواة والمواجهة وحق الدفاع والعلانية والتقاضى على درجتين - ولقد اكد الفقه الاسلامى على ذلك سواء فقه أهل السنة (المالكية ، الحنفية ، الشافعية ، الحنابلة) أو فقه الشيعة (الامامية والزيدية والاباضية) ، وحرص القضاة، منذ فجر الاسلام على هذه المبادئ الأساسية فى التقاضى التى نعرض لها الآن .

5- مبدأ المساواة فى الفقه الاسلامى :

 القضاء - الذى هو اخبار عن حكم شرعى على سبيل الإلزام ( ) - حرص على احترام مبدأ المساواة ، ففى رسالة القضاء لعمر بن الخطاب إلى قاضيه ابى موسى الاشعرى (وآسو بين الناس فى مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا ييأس الضيف من عدلك ولا يطمع الشريف فى ضعفك) . فعلى القاضى إذا حضر الخصمان بين يديه أن يسوى بينهما فى النظر اليهما والتكلم معهما ، ما لم يتعد احدهما فلا بأس أن يسوء نظره إليه تأديباً له ويرفع صوته عليه لما صدر منه من اللدد ، وليقعد الخصمين بين يديه ضعيفين كانا أو قويين أو ضعيف مع قوى ولا يقرب احدهما إليه ولا يقبل عليه دون خصمه ولا يميل إلى احدهما بالسلام فيخصه به ولا بالترحيب ولا يرفع مجلسه ولا يسأل احدهما عن حاله ولا عن خبره ولا عن شيء من اموره ولا يسارر احدهما فى السر ، فيجب على القاضى أن يسوى دائما بين الخصمين ولو كان احدهما ذمياً ( ) .
 من ذلك نجد حرص الفقه الاسلامى على وجوب مراعاة القاضى لمبدأ المساواة بين الخصمين : فى الجلوس والإقبال والإشارة والنظر ، لا فرق فى ذلك بين الكبير والصغير والخليفة والرعية والدنئ والشريف والأب والأبن والمسلم والذمى والكافر . ويمتنع على القاضى مسارة أحد الخصمين والقيام له والضحك فى وجهه وضيافته إلا إذا كان معه خصمه ، ولا يكلم احدهما بلغة لا يفهمها الآخر ، ولا يخلو القاضى بأحد الخصمين فى منزله ، ولا يضيف أحد الخصمين إلا أن يكون خصمه الآخر معه ، وبالجملة لا يفعل مع احدهما فعلا يتهم به ويكسر قلب الآخر حتى لا يقوى على القيام بججه . وعلى القاضى أن يسمع الخصمين معا ، وأن يأمر كاتبه أن يكتب كلام الخصمين كما سمعه ولا يزيد عليه أو ينقص لئلا يوجب حقاً لم يجب أو يسقط حقا واجباً ، وعليه سماع شهود الخصمين مع احترام الشهود لقوله صلى الله عليه وسلم (اكرموا الشهود فإن الله يحمى بهم الحقوق) ( ) .
 فالشريعة الاسلامية لا تفرق بين الناس أمام القضاء بحسب الأصل أو الحسب أو المكانة أو العقيدة ، فهى تطبق على جميع المتقاضين نفس الاجراءات وتحيطهم بذات الضمانات . فلا يجوز التمييز بين المتقاضين لأى سبب أو بأى طريقة ، ومتى خص القاضى أحد المتخاصمين - بالدخول عليه أو القيام له أو بصدر المجلس أو الاقبال عليه والبشاشة له والنظر إليه ، كان ذلك عنوان حيفه وظلمه ، وفى تخصيص احد الخصمين لمجلس أو اقبال أو اكرام مفسدتان : احداهما فى أن يكون الحكم له فيقوى قلبه وجناته ، والثانية أن الخصم الآخر ييأس من عدله ويضعف قبله وتكسر حجته ، كما قال ابن القيم ( ) .

6- مبدأ المواجهة فى الفقه الاسلامى :

 أما عن مبدأ المواجهة -(ضرورة علم الخصم بما قدم ضده وتمكينه من الحضور والرد على ادعاءات خصمه)  فإن الفقه الاسلامى حرص على ذلك بتأكيد أن القاضى لا ينبغى له أن يجيب أحد الخصوم فى غيبة الآخر ( ) ، وهو ما يعنى أن القاضى يجب أن يعلم الخصم بما قدم ضده وان يسمع الخصمين معاً وإذا غاب أحد الخصمين فيجب اعذاره وإنذاره بالحضور للدفاع عن نفسه . وفى معين الحكام "وينبغى للقاضى أن لا يحكم على احد حتى يتعذر إليه برجل أو رجلين . ويحكم القاضى بعد أن يسأل ابقيت له حجة - والمتبادر للذهن انه يوجه ذلك إلى المدعى عليه فإن قال بقيت لى حجة انظره القاضى" ( ) .
 فلا يجوز للقاضى أن يسمع بينة أحد الخصمين دون الآخر ، مما يستلزم أن يكون المدعى عليه حاضراً حتى يمكن اقامة الحجة عليه وإتاحة الفرصة له ليرد دعوى المدعى ، فإن قضى عليه دون حضوره فإن ذلك يعتبر - بحسب الأصل - مصادرة على المطلوب وحكما فى الواقعة دون سماع أقوال كل من طرفيها وهو ما لا يجوز. وروى عن عمرو بن عثمان بن عقال قال "اتى عمر بن الخطاب رجل قد فقئت عينه فقال له عمر تحضر خصمك ، فقال له : يا أمير المؤمنين اما بك من الغضب إلا ما أرى ؟ فقال له عمر ، لعلك قد فقأت عينى خصمك معاً ، فحضر خصمه قد فقئت عيناه معا فقال : إذا سمعت حجة الآخر بان القضاء" حيث دل هذا الأثر على أن عمر ابن الخطاب قد اشترط حضور الخصم حتى يقضى عليه ولا يعلم له فى ذلك مخالف من الصحابة فيكون اجماعاً ( ) . كما لا يجوز القضاء على الغائب إلا عند الضرورة كما إذا توجه القضاء على الخصم فاستتر( ).
 وحينما ولى الرسول صلى الله عليه وسلم على بن ابى طالب على اليمن قال له : يا على أن الناس سيتقاضون اليك ، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لإحدهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه احرى أن يتبين لك القضاء وتعلم الحق"( ) . فالحق لا يتبين للقاضى ، ولا يمكن لحكمه أن يكون عادلاً إلا بعد أن يسمع كلا الخصمين ، وهو ما يكفله مبدأ المواجهة ، الذى يساهم فى تحقيق العدالة الاجرائية .
 وفى القرآن الكريم ، يقول تعالى فى سورة ص (الآيات 21 - 24) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ  وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ". فهذه الآيات تخبر عن خصومة عرضت وقائعها أمام نبى الله داود عليه السلام ادعى احد طرفيها انه قد ظلم من الطرف الآخر ، وقدم حججه مقرونة بأن خصمه قد عزه فى الخطاب ، أى كان اقوى منه ابانة فى تحقيق مراده على حساب الحق الواضح للمدعى .
 وفى هذه القصة القرآنية مارس المدعى حق الدفاع عن نفسه ، فبين مدى ما لحقه من ظلم فعله به خصمه ، حيث انه لا يملك إلا نعجة واحدة ، كما قال جمهور المفسرين ، وخصمه تسعاً وتسعين ، ومع ذلك طمع فى نعجة المدعى ، وطلب منه أن يتنازل عنها له ، وبعد أن قدم حجته وعرض قضيته ودافع عن حقه ، قرر نبى الله داود عليه السلام انه أن كان الأمر كما يقول المدعى يكون المدعى عليه ظالما ، حيث حكم بعد سماع حجة المظلوم ودفاعه دون أن يسمع رد الآخر وكان سبباً للوقوع فى ذنب استغفر ربه وخر راكعاً وإناب ( ).  على أن مجمل القضية يدل على أن الحكم القضائى قد جاء بعد دفاع وإبانة ، وهو ما يجب أن يكون ، فإن القضية وإن كانت منقولة عن شرع من قبلنا ، إلا انه من المقرر شرعا أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يوجد دليل ناسخ ، وليس فى شرعنا ما ينسخ هذا الحكم بل العمل عندنا على وفقه( ).

7- مبدأ احترام حق الدفاع فى الفقه الاسلامى :

 ومن أهم المبادئ الاجرائية - قرينة العدالة - فى الفقه الاسلامى مبدأ احترام حق الدفاع : ففى رسالة القضاء لعمر بن الخطاب  إلى ابى موسى الأشعرى (أجعل للمدعى حقاً غائباً أو بينة اجلاً ينتهى إليه فإن احضر بينة أخذ بحقه وإلا وجهت عليه القضاء فإن ذلك اجلى للعمى وأبلغ فى العذر...) ، فالقاضى يجب أن يترك للخصوم الدفاع عن أنفسهم وتقديم حججهم وأدلتهم على الحق - وقال ابن الحاجب ومالك : أن القاضى يحكم بعد أن يقول المحكوم ابقيت لك حجة فيقول لا ، فإن قال نعم انظره ما لم يتبين له لدده ، ولا يقبل منه حجة بعد انفاذ القضاء ( ) .
 فحق الدفاع فى الاسلام هو من المسلمات ، فللمتهم أن يدافع عن نفسه ، ولكل من المدعى والمدعى عليه أن يقدم دفاعه ، بينته ، مع تفنيد حجج خصمه( ) ويجب على القاضى أن يساوى بين الخصوم فى حق الدفاع ، فلا يعطى احدهما حقه فى الدفاع عن دعواه ويحرم الآخر من هذا الحق ، فذلك لو حدث سيكون نوعاً من الارهاب والتسلط والإذعان القائم على القهر والظلمة والإذلال من طرف لآخر وهذا لا يستقيم مع شرع الله ولا مع مبادئ العدالة ( ) . ومن مظاهر حرية الدفاع فى الاسلام الامهال والتأجيل لكل من المدعى والمدعى عليه ، فينبغى على القاضى أن يوسع على الخصوم ويمهلهم ولا يتعجل بالحكم ويعطيهم الوقت الكافى الذى يستطيعون فيه تحضير حججهم وتهيئة دفوعهم وإكمالها وحتى يتمكنوا من بسط ادعاءاتهم وتدعيمها بالأدلة الكافية والحجج والقوية . ومن هذه المظاهر ايضا حق المشهود عليه فى عرض شهادة الشهود عليه ليقوم بدفعها عنه مما لا يرضى بها ، كذلك يجب أن يُمَّكن الخصم من الاطلاع على الأوراق والمستندات والوثائق التى يقدمها خصمه وان يأخذ منها نسخاً ليتمكن من الدفاع عن نفسه وخصومه ، وفقهاء الاسلام اقروا بحق الخصم فى الدفع اكثر من مرة وجوزوا دفع الدفع إلى أن تنتهى القضية ( ) .
 ولا يقتصر واجب القاضى فى الشريعة الاسلامية على الحفاظ على حقوق الخصوم فى الدفاع والمساواة بينهما فى ذلك ، وإنما القاضى يساعد الخصم فى اظهار حججه وأدلته ، فلا بأس أن يلقن أحد الخصوم حجة عمى عنها (وإنما كره له أن يلقنه حجة الفجور) وصورة ذلك أن يقول لخصمه يلزمك على قولك كذا وكذا فيفهم خصمه حجته ولا يقول لمن له منفعة قل له كذا ، فلا بأس أن يلقن القاضى الخصم حجة لا يعرضها (كما قال ابن عبد الحكم) ، فينبغى للقاضى (كما قال ابن الماجشون) تنبيه كل خصم على تفنيد ما ينتفع به من قول خصمه انه غفل ولا ينبه بعضاً دون بعض( ) .
 وحق الدفاع ، الذى هو مجموعة من الاجراءات أو التصرفات التى تستهدف تبصير العدالة والانتصار للحق والتماس الأسباب التى تؤدى إلى رفع الظلم أو منع وقوعه ( ) هو حق لكل خصم ، يباشره بنفسه ، ويمكن أن يوكل شخصاً آخر- أكثر قدرة وخبرة ودراية بمباشرته عنه ، يسمى الوكيل بالخصومة ، وهو فى الغالب محام. وأصبح الاستعانة بمحام ليتولى حق الدفاع ضرورة الآن ، حيث يتولى عرض مظالم المتظلمين وحججهم أمام القضاء ، لأن الشخص العادى قد يعجز عن ابداء الحجج التى يستند إليها فى سبيل الوصول إلى حقه أو قد يعجز عن معرفة قوة دلالتها فيحتاج إلى خبير للقيام بذلك ، لأن الأحكام التى يصدرها القضاة تقوم على الحجج التى تقدم لهم ( ) . فاستخدام الكلام هو ارقى وسيلة للدفاع عن الناس ، والمحاماة كانت مهمة الرسل عليهم السلام لخير الناس ، فى عاجل حياتهم وفى آجلها ، فالدين النصيحة لله وللرسول ولائمة المسلمين وعامتهم ، ولذلك كرر الرسول صلى الله عليه وسلم أمره "بإبلاغ حاجة من لا يستطيع ابلاغها ، فإن من ابلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه يوم تزل الاقدام " "وإلا يمنعن رجلا مخافة الناس أن يقول الحق إذا علمه " "وان الناس إذا رأوا الظالم ولم يضربوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعذاب" "وخير الجهاد كلمة حق تقال فى وجه سلطان جائر" "وانصر أخاك ظالما أو مظلوماً" ( ) .
 فعن طريق المحاماة يتم مباشرة حق الدفاع ، وقد حث الاسلام على ممارسة هذا الحق ، أو الواجب ، ويقوم واجب الدفاع فى الشريعة الاسلامية على التكافل الاجتماعى والتعاون على اقامة العدل والقضاء على الظلم استنادا إلى قوله تعالى (وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) "المائدة 20" . وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من مشى مع المظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الاقدام" ( ) . لذلك استقر غالبية المجتهدين المحدثين على أن الاشتغال بالمحاماة إذا كان فيه احقاقاً للحق وإبطالاً للباطل شرعاً ورد الحقوق إلى أصحابها ونصرة المظلوم فإنه مشروع لما فيه من التعاون على البر والتقوى ، مع الالتزام بالضوابط الشرعية ، فيجب أولا على الموكل أن يصدق محاميه وعلى المحامى تحرى الدقة فى وكالته فلا يتوكل فيما يعلم انه باطل ، وعلى المحامى دائما أن يعاون القاضى للوصول إلى الحقيقة ، وله أن يقر على موكله ، وإذا قدم الموكل إلى محاميه وثائق أو معلومات جديدة وجب على المحامى أن يبرزها مباشرة ولو كانت تضر قضية موكله ( ) .

8- مبدأ العلانية فى الفقه الاسلامى :

 أما رابع المبادئ الاجرائية التى تضمن تحقيق العدالة فهو مبدأ العلانية . فنظراً لأن القضاء كان يتولاه الحاكم - خاصة فى عهد الرسول والصحابة - فإن العلانية كانت تتحقق دائما ، ففى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفى عهد الخلفاء من بعده كان القضاء علنياً ( ) - حيث كان يحضره عامة الناس ولا يقتصر الحضور على الخصوم فقط ، كما كان يحضر مجلس القضاء الفقهاء والمجتهدون. وقال البعض انه لا يقضى القاضى إلا بحضرة أهل العلم ومشورتهم لأن الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم "شاورهم فى الأمر" إلا أن يخاف القاضى المضرة من جلوس أهل العلم ويشتغل قلبه بهم والحذر منهم ، وقال غيرهم انه لا ينبغى للقاضى أن يكون معه فى مجلسه من يشغله عن النظر كانوا أهل فقه أو غيرهم فإن ذلك يدخل عليه الحصر والاهتمام بمن معه ( ) .
 وكانت جلسات القضاء - المحاكمة - تنعقد فى منزل الحاكم (أو القاضى) أو فى المسجد . وكان يجلس فى المسجد مستقبلا القبلة ، وبذلك يكون مجلسه اقرب على الناس فى شهودهم ويصل إليه الضعيف والمرأة  فمجلس القضاء يكون حيث الجماعة ، جماعة الناس ، وفى المسجد الجامع إلا أن يعلم ضرر ذلك بالنصارى وأهل الملل والحيض فيجلس فى رحبة المجلس ، وان كان البعض يرى أن القاضى لا يقضى فى المسجد لان فيه تضييق على الناس فمنهم الحائض والجنب وأهل الذمة، وفيه امتهان للمسجد بكثرة اللغط واللجاج وما يقع من الخصوم ، كما أن بعض العوام يدخل المسجد ورجل فيها بلل وربما كانت غير طاهرة ، لذلك يرى البعض أن يعقد القضاء فى بيت القاضى ، أو داره شريطة فتح ابوابها وجعل سبيلها سبيل المواضع المباحة من غير منع ولا حجاب ، كما ينبغى أن تكون دار القاضى وسط البلد فى موضع لا يشق على الناس القصد إليها ، كما ينبغى أن يتخذ القاضى لجلوسه للقضاة وقتاً معلوماً لا يضر الناس فى معايشهم ، ولا ينبغى أن يحكم فى الطريق إلا فى أمر استغيث فيه ، ويجب أن يجعل للرجال مجلساً والنساء مجلساً ، فإذا اجتمعت الرجال والنساء فى مجلس واحد لخصومة عرضت لهم افرد لهم مجلساً( ) وينبغى للقاضى أن يمنع رفع الصوت عنده فإن ذلك مما يبرمه ويضجره ويحيره( ) .
 بذلك نجد أن مبدأ العلانية - نظر الدعاوى فى حضور عامة الناس دون قصر الحضور على الخصوم - هو أمر مستقر فى الفقه الاسلامى منذ بداية ظهور الدولة الاسلامية ، وهو ما يدفع القاضى إلى الاهتمام بعمله ويضفى نوعا من الرقابة للشعب على القضاء . على أن هذا لا يمنع القاضى من نظر بعض الدعاوى بصورة سرية (لا يحضرها سوى الخصوم) إذا وجد مبرراً لذلك ، من حفظ الآداب والأخلاق، خاصة فى دعاوى الأسرة - أو الأحوال الشخصية ، وفى كل الأحوال فإن القاضى يبسط سلطته على الحضور ، ويفرض النظام والهدوء فى مجلس القضاء. ولا تقتصر العلانية على نظر الجلسات وإنما عند إلى اصدار الأحكام ، كما أن من مظاهر العلانية نشر الأحكام والجلسات فى وسائل الاعلام المختلفة . وللقاضى أن ينظم حضور الجمهور للجلسات ، فله منع الدخول إذا امتلاءت القاعة أو ينظم الدخول ببطاقات أو دعوات تعطى لمن يريدها .

9- مبدأ التقاضى على درجتين فى الفقه الاسلامى :

 من أهم المبادئ الاجرائية مبدأ التقاضى على درجتين ، الذى يكفل العدالة بإتاحة الفرصة لقضاة آخرين بمراجعة الحكم وتعديله إذا خالف العدالة ويشيع لدى أصحاب الحقوق الطمأنينة على حقوقهم والثقة فى القضاء . فالحكم من عمل البشر وقد يخطئ القاضى وقد يصيب فيجب فتح الباب أمام مراجعته أو نقضه ، تصحيحاً للخطأ وصوناً لحقوق الناس وأعراضهم وحرياتهم . وفى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما انا بشر وأنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقض له على نحو ما اسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا يأخذ منه فإنما اقطع له قطعة من النار ( ) . فهذا الحديث يدل على أن الرسول حينما يقضى بين الناس إنما يقضى بصفته البشرية الانسانية العادية دون الصفة النبوية ، مثله فى ذلك مثل أى قاض من البشر ، وان مناط الحكم الدليل والحجة ويحذر المتخاصمين من الادعاء بغير حقوقهم ( ) . ويستفاد من هذا الحديث أن القاضى - وهو بشر (إنما انا بشر) قد يصيب وقد يخطئ ، وان القاضى إنما يقضى بناء على ظاهر الحال أمامه (اقضى على نحو ما اسمع) وبالتالى إذا اخطأ القاضى - وهو أمر وارد - فلا يجب على من قضى له الحق أن يحصل عليه (ارجع الرسول صلى الله عليه وسلم هنا المحكوم له إلى وازعه الدينى وحذره من عذاب يوم القيامة) أى أن قضاء القاضى يقبل المراجعة والرد هنا دفعاً للظلم وحتى يحصل صاحب الحق على حقه .
 وقد أرسى عمر بن الخطاب كذلك مبدأ مراجعة الحكم فى رسالته إلى ابى موسى الأشعرى - رسالة القضاء - حيث جاء فيها (ولا يمنعك قضاء قضية فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق) ، فهو بذلك لا يرى مانعاً من أن يراجع القاضى حكمه فيعدل عنه أو يعدل فيه تحقيقا للعدل ودفعاً للظلم الذى وقع فيه، وهو ما يفيد - من باب أولى- أن لغير القاضى مصدر الحكم (قاض اعلى أو عدة قضاة) تعديل حكم القاضى ويلغيه أن وجده ظالماً .
 كما أن فكرة رفع الحكم (القضاء) إلى قاض أعلى درجة هى فكرة لها أصولها فى القضاء الاسلامى . فقد روى أن على بن ابى طالب رضى الله عنه لما ولى أمر اليمن فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حدث أن حفر الناس حفرة لأسد يقع فيها، فلما وقع الأسد بالحفرة تزاحم الناس حولها لينظروه فوقع واحد منهم فى الحفرة فامسك بثان فوقع ، والثانى بثالث والثالث برابع حتى وقع الأربعة فى الحفرة وقتلهم الأسد. فاحتكم أهل القتلى إلى على رضى الله عنه فقضى للأول بربع الدية وللثانى بالثالث وللثالث بالنصف وللرابع بدية كاملة ، وأوجب هذه الديات على عواقل المزدحمين حول الحفرة . فلم يرتح أهل القتلى لهذا الحكم ، واتوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى موسم الحج وعرضوا عليه الأمر فأقر الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء على وقال : هو ما قضى بينكم ( ) . فالرسول هنا بمثابة محكمة طعن ، تطرح عليه الاقضية المفصول فيها من القضاة فيؤيد الصحيح منها ويلغى أو يعدل ما شابه خطأ أو بطلان ( ) .
 وحينما تولى عبد الله ابن مسعود قضاء الدولة من قبل عمر بن الخطاب ، اتى برجل من قريش وجده مع امرأة فى ملحفتها ولم تقم البينة على غير ذلك ، فضربه عبد الله بن مسعود أربعين وعرفه للناس أى اذاع أمره بين الناس ، فغضب قوم الرجل من هذا الحكم وذهبوا إلى عمر بن الخطاب قائلين لقد فضح عبد الله رجلاً منا، فسأل عمر عبد الله ابن مسعود فى ذلك فقال اتيت به وقد وجد مع امرأة فى ملحفتها ولم تقم البينة على غير ذلك ، فضربته أربعين وعرفته للناس ، فقال عمر : أرأيت ذلك قال عبد الله نعم ، فقال عمر الرأى ما رأيت ( ) .
 فمبدأ مراجعة الحكم - الذى اصدره القاضى - من غيره (وإن كان الحاكم ، الذى كان يعتبر القاضى الأول) هو أمر معروف منذ بداية القضاء فى الاسلام . كما أنه يجوز مراجعة الحكم ونقضه فى بعض الحالات لدى الفقه الاسلامى، كما إذا صدر من قاض غير مختص أو متهم بالفسق أو الرشوة أو لا يجوز قضاؤه ، ونقض الحكم فى هذه الأحوال واجب ( ) . كما يجوز نقض الحكم لمخالفته نص فى الكتاب أو السنة أو الاجماع مثل القضاء بحل متروك التسمية عمدا ومثله الحكم بإدخال لحوم لم تذبح وفق أحكام الشريعة الاسلامية أو أن يقدم الحكم حق وارث على سداد الدين أو أن يحكم القاضى بحل المطلقة ثلاثاً بعقد الزواج الثانى بلا دخول حقيقى لمخالفته حديث العسيلة ، أو الحكم بحل نكاح المتعة أو الحكم بتوريث ذوى الارحام مع وجود اصحاب الفروض أو العصبات ( ) . وكذلك يجوز نقض الحكم إذا بنى على سبب يظن القاضى وجوده وهو ليس موجوداً مثل الحكم بناء على شهادة زور لا يعلم القاضى بتزويرها . فهذه امثلة لحالات يجوز نقض الحكم فيها تدل على أن مبدأ نقض الأحكام والتقاضى على درجتين من الأمور المقررة فى التشريع الاسلامى( ) .
 من ذلك نجد أن حكم القاضى يجوز فى الفقه الاسلامى أن ينقضه غيره ، ولا يحاج هنا بالقول بأن الاجتهاد لا ينقضه اجتهاد( ) ، خاصة فى مجال القضاء ذلك أن الاجتهاد الظالم - وهو اراد كثيراً - يجب رفعه صونا للحقوق وتحقيقا للعدل وحتى لا نصل لقاض مستبد ، خاصة إذا ذكر القاضى فى حكمه الوجه الذى بنى عليه حكمه فوجد مخالفاً لنص أو اجماع ، أو إذا وقع من الخطأ سهو أو غلط ، فحكم القاضى العادل الجاهل ينقض إذا تبين خطأه ، اما القاضى الجائر فى احكامه إذا كان معروفاً بذلك وكان غير عدل فى حاله وسيرته - عالما كان أو جاهلاً ظهر جوره أو خفى - فإن أحكامه كلها ترد صوابا كانت أو خطأ لانه لا يؤمن حيفه ، عدا حكمه فيه صواب وكذلك باطن أمره فيكون صحيحاً( ) .

10- أهمية تبسيط الاجراءات وسرعتها لتحقيق العدالة (ضرورة التقاضى الالكترونى) :

 لا يكفى لتحقيق العدالة حسن تنظيم القضاء ، ووجود قاض عادل يحل خلافات الناس ، ويلتزم الشريعة الاسلامية ، ويحترم المبادئ الاجرائية الأساسية فى عمله ، وإنما يجب أن تكون الاجراءات المتبعة فى نظر القضية بسيطة وسريعة، حتى يحصل صاحب الحق على حقه فى أسرع وقت وبأقل تكلفة ومشقة، حتى لا يشعر بالظلم ، خاصة مع تزايد عدد المحاكم وأنواعها ، وتضخم القوانين - الموضوعية والاجرائية- وتعدد النصوص التى تنظم الحقوق وإجراءات التقاضى ، وذلك مع التزايد فى اعداد القضايا والمنازعات وتعقدها ، خاصة الهامة منها.
 وإذا كانت مشكلة بطء الاجراءات وتعقدها لم تكن قائمة فى عصور الاسلام الأولى ، نظراً لقلة عدد القضايا وعدم تعسف الناس فى ادعاءاتهم حيث كان يغلب على علاقاتهم احترام الالتزامات والعهود ومراعاة الجانب الخلقى واحترام احكام الشريعة وحيث كان القاضى يعقد مجلسه فى أى مكان ، فى المسجد أو فى بيته - دون تعقيدات أو عرائض أو مذكرات أو دفوع أو محضرين أو محامين أو اعلانات معقدة ، وكانت القواعد التى يطبقها محددة وواضحة وكان يستشير فيها اهل العلم . لذلك لم تظهر بقوة مشكلة تعقد اجراءات التقاضى وصعوبتها وتكليفها إلا أن الوضع اختلف الآن ، خاصة مع تغير طبائع الناس وكلما ضاقت دائرة الاخلاق اتسعت دائرة القانون .
 ولما كانت هذه المشكلة تعانى منها مختلف الدول الاسلامية - خاصة كثيرة العدد قليلة الامكانيات - وأصبحت تهدد حقوق المتقاضين وتهدد العدالة وهو ما من شأنه أن يشعرهم بالظلم ويهدد الأمن والاستقرار . لذلك بدأت الدول تتجه إلى ايجاد حلول لمشكلة بطء التقاضى - وتأخر العدالة وصعوبة الحصول عليها . ويهدف سرعة حصول صاحب الحق على حقه دون تكاليف كبيرة . وإذا كانت أسباب بطء التقاضى عديدة ، إلا أن من أهمها تعقد الاجراءات وتعددها .
 وبالاستفادة من تجارب مختلف الدول - وبالذات الدول المتقدمة (علمياً) - أصبح من الضرورى الاستعانة بالوسائل الالكترونية الحديثة فى التقاضى ، خاصة بعد أن قامت دولاً عديدة منها عدة دول اسلامية - بإنشاء الحكومة الالكترونية ( ) . ذلك أن تبنى أدوات الحكومة الالكترونية يعنى أن القضاء مدعو لفض المنازعات من خلال انزال الحكم على الوقائع فى إطار المتغير الجديد . فاستخدام وسائل الاتصال الحديثة فى التقاضى يساعد على تبسيط الاجراءات المتبعة أمام المحاكم ويؤدى إلى اختصار الوقت الذى تستغرقه القضية للفصل فيها ، كما ييسر عمل القاضى ويساعده على حسن نظر النزاع وسرعة الفصل فيه ، بالإضافة إلى التخفيف على الخصوم فى اعداد القضية ومتابعتها والاطلاع على أوراقها ، بجانب التخفيف عن المحاكم مما يساعد فى النهاية على تحقيق العدالة الناجزة .
 فالوسائل الالكترونية - التى أصبحت تتمثل فى الحاسب الآلى المتصل بالانترنت واستخدام شبكات التواصل الاجتماعى (الفيس بوك ، تويتر...) فى اجراءات التقاضى متاح أمام كافة الدول ولم يعد حكراً على الدول المتقدمة . فإذا كانت هذه الدول قد قطعت شوطاً كبيرا فى التقاضى الالكترونى ( ) ، فإن عدداً من الدول الاسلامية بدأت تخوض هذه التجربة وقطعت شوطاً لا بأس به فى استخدام وسائل الاتصال الحديثة فى التقاضى ، حيث بدأت المملكة العربية السعودية الأخذ بهذا النظام سنة 2000 وقطعت شوطا طويلاً ، ومحكمة جدة تخوض تجربة جدية للعمل بنظام التقاضى الالكترونى باستخدام النظام الشامل بدءاً باستقبال المعاملات والاستدعاءات الكترونيا وانتهاء باستخراج الصك القضائى ، ويتولى المجلس الأعلى للقضاء فى السعودية حالياً تطوير عملية التفتيش القضائى باستخدام الكمبيوتر ، كذلك الوضع فى الامارات العربية المتحدة حيث بدأت عام 2013 حملة تحت شعار المحكمة الذكية تقوم على محاور أربعة - نظام القاضى الذكى، المحامى الذكى ، التسجيل الذكى ، ونظام كاتب العدل ، وفى دبى تم وضع نظام الكترونى للنيابة العامة . وقريب من ذلك الوضع فى المغرب وسوريا ولبنان والكويت( ) .
 ولاشك فى أن الأخذ بالوسائل الحديثة للتقاضى الالكترونى هو أمر تقتضيه طبيعة العصر ، وفوائده عديدة وأهمها سرعة تحقيق العدالة مع توفير الشفافية والنزاهة فى العمل القضائى . وهى اعتبارات لها اهميتها فى الاسلام ، وليس فى ذلك أى مخالفة لمبادئ الشريعة الاسلامية ، بل أن هذه المبادئ تدفع إليها ، فالإسلام يرمى دائما إلى التيسير على الناس ، وما خير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا وأختار ايسرهما . كما أن التخفيف على الناس وضمان حقوقهم هى أمور يحض عليها الاسلام ، بالإضافة إلى أن مقصد العدل (الذى لا يعنى فقط أن يحصل صاحب الحق على حقه وإنما أن يحصل عليه فى وقت مناسب قصير) هو من أهم مقاصد الشريعة الاسلامية .

11- ضرورة تخصص القضاء واستحداث نظم اجرائية :

 إذا كان مبدأ التقاضى على درجتين ، أو مراجعة الحكم يقتضى أن توجد محاكم دعاوى (محاكم درجة أولى) ومحاكم طعون (محاكم درجة ثانية) لضمان تحقيق العدالة ، فإن تعدد الدعاوى وتنوعها ، يقتضى اختلاف المحاكم وتنوعها ، فهناك محاكم مدنية (تنظر كذلك الدعاوى العمالية والدعاوى التجارية ودعاوى الأحوال الشخصية) التى تفصل فى الدعاوى حول الحقوق المدنية والتجارية والعمالية والأسرية. وهناك محاكم جنائية (تفصل فى الجرائم التى ترتكب ضد الأفراد أو ضد الدولة) بالإضافة إلى المحاكم الادارية (وهى محاكم تفصل فى الدعاوى التى تكون الدولة طرفا فيها) .
 عل أن الذى يسود القضاء المدنى هو عدم تخصص القاضى ، فالقاضى يمكن أن ينظر - أثناء عمله - دعاوى جنائية ودعاوى مدنية ودعاوى الأسرة ودعاوى عمالية أو اقتصادية - بجانب دعاوى مستعجلة ودعاوى تنفيذ . ولاشك فى أن ذلك من شأنه أن يهدد العدالة حيث انه يصعب على القاضى أن ينظر دعاوى مختلفة الأنواع ، فيشتت جهده بين القوانين المدنية والجنائية والعمالية وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها ، وهو ما من شأنه أن يؤدى فى النهاية إلى صدور أحكام ضعيفة أو غير محققة للعدالة ، لأنه مع تعدد القوانين وتعقدها يصعب أن يلم القاضى فى ذات الوقت بها ويطبقها التطبيق الصحيح على دعاوى مختلفة شديدة التنوع ، فهى تتطلب قاضى موسوعة !
 لذلك فإن تخصص القضاء هو ضرورة عصرية ، لحسن سير القضاء ، ولتحقيق العدالة . بأن يتفرغ القاضى المدنى لنظر الدعاوى المدنية طوال عمله فى القضاء ، ويتفرغ القاضى الجنائى للقضايا الجنائية وحدها فقط ، ويتخصص قاضى ثالث فى دعاوى الأحوال الشخصية ، ورابع فى الدعاوى العمالية وخامس فى القضايا الاقتصادية ، وهكذا . وهذا ما أخذت به دول عديدة متقدمة ، ولكن الوضع فى أغلب الدول العربية والإسلامية لا يسير عليه . فمن الضرورى العمل على تخصص القضاء - ولا يكفى أن توجد دوائر متخصصة بالمحكمة ، فهى لا تعتبر محاكم مستقلة ، وإنما يجب تخصص القاضى نفسه فى فرع معين فى فروع القانون طوال عمله ، وبالتالى يكون هناك محاكم متخصصة .
 ولا يكفى حتى وجود محاكم متخصصة إن لم يوجد قاض متخصص . فأفراد محاكم للأسرة يعبر عن محاكم متخصصة والحقيقة غير ذلك ، لأن هذه المحاكم وإن كانت لا تنظر إلا دعاوى الأسرة (الأحوال الشخصية) إلا أن القضاة بها غير متخصصين ، فمنهم من كان يعمل قبل ذلك فى الدعاوى المدنية وسيعمل بعد فترة فى الدعاوى الجنائية أو العمالية ، وهكذا . كذلك الحال فى المحاكم التجارية أو الاقتصادية ، هى محاكم مخصصة للدعاوى التجارية والاقتصادية ولكنها ليست متخصصة بمعنى أن القضاة بها لا يتخصصون فى الدعاوى التجارية والاقتصادية وإنما يعملون فى قضايا أخرى . نفس الوضع فى المحاكم العمالية ، ودوائر التنفيذ ، وكذلك الحال فى المحاكم الجنائية .
 فالقاضى هو أهم عضو فى المحكمة - بل أن المحكمة هى المكان الذى يجلس فيه القاضى للفصل فى منازعات الناس ، فلا محكمة بلا قاض . وهذا القاضى يجب أن يكون قادرا على الفصل فى الدعاوى وتحقيق العدل . ومهما كان القاضى كفؤا فإنه لا يستطيع أن يفصل فى دعاوى مختلفة متنوعة متباعدة معقدة . أو أن يلم بقوانين عديدة متنوعة . ذلك يجب أن تعمل الدول الاسلامية على تطبيق نظام تخصص القاضى حتى يكون القاضى قادراً على تحقيق العدل بين الناس . ولاشك فى انه لا يوجد فى الفقه الاسلامى ما يحول دون تخصص القضاء .

الخاتمة

 إن تحقيق العدالة هو من أهم مقاصد الشريعة الاسلامية ، والعدل من اسماء الله الحسنى ، وبه تقوم السموات والأرض ، وحتى تتحقق العدالة ويحصل كل ذى حق على حقه ، ونتجنب الظلم يجب أن تكون القوانين عادلة ، والقضاة اكفاء ، والإجراءات ميسرة ، وحتى تتحقق كفاءة القضاة يجب أن يكون هناك تخصص للقضاء ، وحتى تكون الاجراءات سهلة وميسرة يجب العمل على تبنى وسائل الاتصال الحديثة فى التقاضى ، كذلك من الضرورى أن يحترم القاضى المبادئ التى تحكم العدالة الإجرائية ، وأهمها مبدأ المساواة ومبدأ المواجهة ومبدأ احترام حق الدفاع ومبدأ العلانية ومبدأ التقاضى على درجتين .
 لقد ساهم الفقه الاسلامى فى إرساء هذه المبادئ منذ اكثر من أربعة عشر قرناً، فى وقت كانت أوروبا تعيش فيه فى ظلام العصور الوسطى ، وأرسى قواعد اجرائية تفصيلية ، وتعرض بالتوضيح للإجراءات والقواعد التى يجب أن تسود المحاكمات العادلة ، ولقد نقل الغرب عن الفقهاء المسلمين هذه المبادئ والقواعد ، والتزموا بها ، لذلك أصبحت العدالة لديهم سهلة ميسرة ، وهو ما يفسر كذلك عدم وجود تناقض بين آراء الفقه الاسلامى وبين القوانين الغربية فى المسائل الاجرائية.

التوصيات :
1- التأكيد على أهمية المبادئ الإجرائية التى تضمن تحقيق العدالة ، والتى ارساها الفقه الاسلامى ، والعمل على تقنينها والحرص عليها .
2- العمل على تخصص القضاة وأهمية وجود محاكم متخصصة فى المنازعات المدنية ، ومحاكم أسرة ومحاكم عمالية ومحاكم تجارية بالإضافة إلى المحاكم الجنائية والإدارية والتى يتخصص القاضى فيها جميعا بنوع واحد من المنازعات ولا يعمل فى سواها .
3- العمل على الأخذ بوسائل الاتصال الحديثة فى التقاضى لسرعة تحقيق العدالة من خلال تعديل القوانين وتجهيز المحاكم  بالوسائل التكنولوجية الحديثة .
4- أهمية وجود ديوان للمظالم فى مختلف الدول الاسلامية ، للمساهمة فى رفع الظلم عن الناس .
 تم بحمد الله ..
ورقة عمل مقدمة لمؤتمر
"الفقه الإسلامي : المشترك الإنساني والمصالح"  
(تطور العلوم الفقهية - فقه رؤية العالم والعيش فيه
سلطنة عمان 6 - 9 ابريل 2014

العدالة الإجرائية في الفقه الإسلامي

أ.د. أحمد عوض هندى
أستاذ قانون المرافعات
عميد كلية الحقوق - جامعة الاسكندرية سابقاً

الأحد، 1 مايو 2016

المنـــــــــازعــــات الدوليــــــــــــة دراسة،إعداد و تقديم الدكتور الأستاذ عزالدين بن سالم



المنـــــــــازعــــات الدوليــــــــــــة

 دراسة،إعداد و تقديم  الدكتور الأستاذ عزالدين بن سالم

النزاع الدولي

بدأت المفاوضات مع بدء الخليقة,منذ حوارات ادم وحواء, وحوار هابيل وقابيل,إلى يومنا هذا سواء كانت على مستوى الأفراد او على مستوى المنظمات,والدول, وتأكدت أهمية المفاوضات لحل المنازعات بكافة أشكالها ودرجاتها لان البديل المنتظر هي الحروب والويلات والفقر,والمرض,والتخلف,التي عانت منها البشرية بسبب عدم قدرة قادتها على حل مشاكلهم بأسلوب آخر غير الحروب, الذي سيخرج منها المنتصر مهزوما حتى لو ادعى هزيمة خصمه, لان المنتصر دفع فاتورة انتصاره من أبناءه,وموارده. لذلك تداعت الشعوب والقادة من اجل ان تكون المفاوضات اولا والطرق السلمية الأخرى فيما بعد هى البديل عن الحرب,ولذلك أصبح لزاما على من يخوض غمار المفاوضات أن يتسلح بأصولها,وأساليبها,ومهاراتها وأشكالها,وان المفاوض الماهر يولد ولا يصنع ويعتبر بعض الكتاب ان المفاوضات حرفه لها أصولها وعلومها وانها خبره تتراكم لتدعيم الأعمال حيث يهدف كل طرف للوصول الى اتفاق يتحرك كل طرف من خلاله نحو نتيجة تعتبر جيده وتخدم مصالحهما المشتركة

تقع المنازعات بين الدول كما تقع بين الأفراد، وهي كانت وما تزال قائمة. ولقد كان القانون الدولي عبر تاريخه ، معنياً دوماً بحل المنازعات الدولية، وهذا أمر طبيعي ومنطقي، طالما أن معالجة المنازعات هي أحد الأهداف الرئيسية لأي قانون على أي مستوى، ويتبع القانون في ذلك إحدى الطريقتين : أما منع وقوعها أصلاً أو تسويتها بعد وقوعها.

المقصود بالنزاع الدولي :النزاع الدولي هو خلاف حول نقطة قانونية أو واقعية أو تناقض وتعارض الآراء القانونية أو المنافع بين دولتين ، أما المنازعات بين أفراد من جنسيات مختلفة فلا تعد نزاعات دولية حيث يحكمها القانون الدولي الخاص ، وكذلك المنازعات بين دولة وفرد من جنسية أخرى من نطاق النزاعات الدولية وتخضع لقواعد الحماية الدبلوماسية.

ويكون النزاع دولياً إذا كان طرفاه من أشخاص القانون الدولي العام وهم ( الدول و المنظمات الدولية )

متى يعد النزاع دولياً ؟

يعد النزاع دولياً في ثلاث حالات وهي :

1/ النزاع الذي ينشأ بين دولة وأخرى .

2/ النزاع الذي ينشأ بين دولة ومنظمة دولية .

3/ النزاع الذي ينشأ بين منظمتين دوليتين .

ما هي المنازعات التي لا تعتبر منازعات دولية ؟!

1/ المنازعات التي تنشأ بين أفراد تابعين لدول مختلفة

لأنها تعتبر من قبيل منازعات الأفراد التي تخضع  » للقانون الدولي الخاص  » .

2/ المنازعات التي تنشأ بين دولة ومواطني دولة أخرى

لأنها تعتبر من قبيل المنازعات الداخلية التي تخضع  » للقانون الداخلي للدولة الأولى «

أصطلح فقهاء القانون الدولي على تصنيف المنازعات في نوعين رئيسيين : منازعات سياسية ومنازعات قانونية .

المنازعات القانونية : يكون الأطراف فيها مختلفين على تطبيق أو تفسير قانون قائم. وعادة ما يتم حل هذه المنازعات عن طريق التحكيم أو باللجوء إلى المحاكم الدولية .

المنازعات السياسية : تلك التي يطالب فيها أحد الأطراف بتعديل الأوضاع القانونية القائمة . ويتم حل مثل هذه

المنازعات بالطرق الدبلوماسية أو السياسية .

الطرق الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية

الطرق الدبلوماسية : هي التي بموجبها تسعى الدول المتنازعة إلى الاتفاق عن طريق المفاوضات الدبلوماسية لحل المنازعات الدولية .

الطرق الدبلوماسية لحل المنازعات الدولية

عرف القانون الدولي التقليدي العديد من هذه الوسائل أهمها :

1/ المفاوضات

2/ الخدمات الودية  » أو  » المساعي الحميدة

3/ الوساطة

4/ التحقيق

5/ التوفيق

وتعتبر المفاوضات بأشكالها المباشرة والغير مباشره هي الأكثر شيوعا والمألوفة, لعقد مختلف المعاهدات والاتفاقات الدوليه, لحل النزاعات ومن المسلمات كأولى الطرق السلمية لفض المنازعات,في حالة ما اذا اتفقت الأطراف على اجندة الحوار والموضوعات المثارة بين الأطراف,والمفاوضات المباشرة الناجحة تؤدى الى تضيق شقة الخلافات وحل المنازعات اذا كانت القوى السياسية متكافئة, والنية السليمة أما اذا لم تكن متكافئة, يؤدى ذلك الى ضرر للدولة الضعيفة, ففاعلية المفاوضات المباشرة تعتمد على توافر حد ادنى من تعادل القوى السياسية بين الطرفين المتفاوضين(العطيه, ,1987, ,ص429)

وسنتناول في دراستنا هذه مجموعه من الموضوعات ففى المبحث الأول سنتناول في المطلب الأول مفهوم وتعريف المفاوضات, والمفاوضات في القانون الدولي,طرق المفاوضات,عناصر التفاوض الرئيسية وفى المطلب الثاني سنتناول مراحل المفاوضات المباشرة,مبادئ التفاوض,المهارات الاساسيه للتفاوض,مهارات ومميزات المفاوض الناجح خصائص المفاوضات, ,وفى المبحث الثاني ستكون دراسة الحالة عن كامب ديفيد سنتناول ى المطلب الأول خطه البحث والمقدمة,وفى المطلب الثاني سنتناول الأجواء التي عقدت فيها المفاوضات المباشرة في اولا,وحشد الدعم والإسناد في ثانيا وثالثا سنعرض للمقترحات الاسرائيليه للحل والردود الفلسطينية غليها ثم نختم بالنتائج للدراسه.

المبحث الأول

المطلب الأول

النزاع الدولي: – المفهوم الكلاسيكي: يعرف النزاع الدولي أنه ذل الخلاف الذي يكون أطرافه دولا فقط.

نقد: هذا المفهوم أصبح ناقصا وعاجزا عن تفسير بعض المظاهر الجديدة التي أصبح يحتويها المجتمع الدولي.

– المفهوم الحديث: يعرف النزاع الدولي أنه ذلك الخلاف الذي يقوم بين أشخاص القانون الدولي العام حول موضوع قانوني أو سياسي أو اقتصادي أو غيره مما يرتبط بالمصالح المادية والمعنوية للمجالات المدنية والعسكرية أو غيرها معنى ذلك هناك ارتباط بين الشخصية القانونية والنزاع الدولي فقد يكون الخلاف قانوني كما قد يكون سياسي وقد يكون اقتصادي ونقول أن غالبية النزاعات تكون ذات طبيعة مختلطة. اختلفت طرق حل النزاعات من فترة الى أخرى.

– في العصر القديم: النزاع الدولي كان الحل الأساسي فيه هو الحرب وحتى في العصر الوسيط معنى ذلك أن المجتمع الدولي سواء الكلاسيكي أو الحديث لم يكن يعرف طرق أخرى غير الحرب فلم يكن هناك طرق سلمية باستثناء الحضارة الإسلامية التي عرفت الطرق السلمية كأساس لحل النزاع أما الحرب فكاستثناء  » وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. » وقال تعالى  » وإن جنحوا للسلم فاجنح لها. »

– ثم جاء العصر الحديث قبل سنة 1945 قبل ولادة منظمة الأمم المتحدة وفي بداية هذا العصر بدأ المجتمع الدولي يتطور بمفهوم جديد هو السيادة فأعطى مفهوم الدولة الحديثة وظهورها أدى الى وجود علاقات دولية جديدة بين تلك الدول فبعض الدول تجمعها أهداف معينة كالدول الأوربية والاختلاف في الأهداف يؤدي الى التعارض في المصالح وهذا التعارض يؤدي الى نزاعات دولية وبالتالي ظهرت المؤتمرات الدولية كمؤتمر فينا … هذه المؤتمرات مهدت الطريق الى ظهور ما يسمى بالاتفاقيات الاجتماعية بعد أن كانت تعقد معاهدات دولية أي بين دولتين فقط.

هذه الاتفاقيات كاتفاقية فرساي، فينا….. كانت تنظم المصالح المشتركة مثل تنظيم الملاحة الجوية والبحرية في الأنهار والهدف منها منع قيام نزاعات ثم بعد ذلك أصبحت الدول الأوربية تبرم اتفاقيات ذات طبيعة خاصة تحدد طرق حل النزاعات بين الدول عند قيامها  » اتفاقية لاهاي1 1899، واتفاقية لاهاي2 1907  » هاتين الاتفاقيتين خاصة بطرق حل النزاع الدولي أي تنظم ماهي الوسائل التي من خلالها تحل إذا قام أي نزاع دولي ثم جاء مؤتمر جنيف 1928.

ملاحظة: قبل هذه المؤتمرات الثلاث حل النزاعات كان يتم بالعرف الدولي وكان العرف مصدر من مصادر العلاقات الولية. وجاءت هذه الاتفاقيات بأساس سلمي ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة في العصر الحديث هو الأساس الأول في تنظيم طرق حل النزاعات الدولية وذلك من خلال الفصل السادس من الميثاق تحت عنوان حل المنازعات بالطرق السلمية وذلك من خلال المادة33/01  » ينبغي على المتنازعين في كل خلاف قد يؤدي استمراره الى تهديد السلم والأمن الدوليين أن يسعوا لحله بادئ البدء بطريق المفاوضة أو التحقيق أو الوساطة والمقاربة والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء الى الجماعات( المنظمات) أو الاتفاقيات الإقليمية أو يعتبرها من الوسائل السلمية التي يختارونها. »

باستقراء أحكام هذا النص يمكن أن يرد عليه عدة ملاحظات:

– المشرع الدولي يربط مدى جسامة النزاع الدولي بمفهوم السلم والأمن الدوليين ومدى تأثيره عليه.

– أن المشرع الدولي قد أورد هذه الوسائل على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.

– أن هذا الترتيب وهذه الدعوة غير ملزمة لأطراف النزاع ومع ذلك يمكن لأطراف النزاع وبكل حرية أن يختاروا أي وسيلة يرونها ناجعة. المهم أن هذا النزاع لا يؤثر سلبا على السلم والأمن الدوليين.

– يمكن أن يفهم من مضمون هذا النص أن المشرع الدولي يتجه الى تحريم الحرب تدريجيا بالنظر الى المادة33 نقول أن المشرع يتجه الى إيجاد وسائل لحل النزاع الدولي ولكن لم يكن دقيقا في ذلك فهذا النص في تقديرنا يمكن أن يخلق بعض النقائص أثناء التطبيق العملي ولهذا حتى تكون دراستنا شاملة فإننا نرى كما يذهب غالبية الفقه الدولي أن وسائل حل النزاع الدولي ينقسم الى نوعين

– الوسائل السلمية. – الوسائل الغير سلمية( القصرية)

– الوسائل السلمية تنقسم الى 03 طرق: أ- الوسائل السياسية. ب- اللجوء الى المنظمات الدولية. ج- الوسائل القضائية.

أ- الوسائل السياسية: تنقسم الى05 وسائل:

أ/1- المفاوضات. أ/2- المساعي الحميمة. أ/3- الوساطة. أ/4- التحقيق. أ/5- التوفيق.

ب- اللجوء الى المنظمات الدولية: تنقسم الى قسمين: ب/1- المنظمات الإقليمية. ب/2- المنظمات الدولية العالمية.

ج- الحلول القضائية: تنقسم الى قسمين: ج/1- التحكيم الدولي. ج/2- القضاء الدولي محكمة العدل الدولية.

أولا: الوســائل السلمية

– الحلول السياسية: قد يفضلها أشخاص المجتمع الدولي بدلا من الحلول القضائية لسببين:

أ- أن الحلول السياسية يمكن تطبيقها في كل أنواع المنازعات الدولية سواء كانت ذات طبيعة اقتصادية أو قانونية أو سياسية.

ب- أن الحلول السياسية لا تترك شعور بالاستياء لدى الدولة عند لجوئها إليها ضف الى ذلك أن الحلول السياسية ليست حصرية فأطراف النزاع يمكن أن تلجأ الى وسيلة أخرى بشرط المحافظة على السلم والأمن الدوليين وبالتالي الوسائل التي سنتعرض إليها واردة على سبيل المثال.

– المفاوضات: إن المفاوضات في القانون الدولي تتم بين ممثلي أطراف النزاع الذين يجرون فيما بينهم مباحثات بقصد الهدف تبادل الرأي في الموضوعات المختلف عليها وتقريب وجهات النظر فيها والحصول على حلول من شأنها ترضي الطرفين وقد تكون شفوية في مؤتمرات أو خطية في تبادل كتب ومستندات إلا أنه يشترط لنجاحها تكافؤ الأشكال السياسية لبتي تتبع من قبل من يباشرها. ويمكن أن تتم المفاوضات في إقليم أطراف النزاع أو في دولة محايدة. فمثلا اتفاقية ايفيان في مدينة سويسرا بين الجزائر وفرنسا. ولنجاح المفاوضات لابد من تكافؤ القوى والفرص . القاعدة العامة للمفاوضات أن ليس لها قيمة قانونية ملزمة خاصة إذا كانت شفهية أما إذا كانت كتابية فهي ملزمة للأطراف لأنها مقدمة لالتزام دولي وخاصة إذا كنا بصدد اتفاقية شارعه جماعية

– والمفاوضات تقوم بها السلطة التنفيذية فقط وتجسد في رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ويكون بمقتضى نص كتابي ويكون هذا التفويض محدد المدة.

– من خصائص المفاوضات أنها تتكون من أطراف النزاع فقط وإذا تدخلت دولة خارجة عن النزاع القائم يعتبر بمثابة وساطة، والفقه يؤكد لنجاح المفاوضات لابد من تكافؤ أطراف النزاع مثال المفاوضات التي تتم بين الفلسطينيين والاسرائليين فشلت هذه المفاوضات لأن الطرف الإسرائيلي تؤيده الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا وبالتالي عدم تكافؤ أطراف النزاع خريطة الطريق.

المفاوضات في القانون الدولي ملزمة للطرفين :-

– المفاوضات كقاعدة عامة في القانون الدولي هي غير ملزمة ولكن هذه المفاوضات إذا حصلت على توقيع السلطة المعنية في الدولة فإنها تكتسب طبيعته، ولكن التوقيع يختلف من دولة الى أخرى فبعض المعاهدات يشترط لنفاذها مصادقة البرلمان على ذلك وبالتالي تصبح ملزمة وأخرى تشترط فقط توقيع رئيس الدولة لكي تصبح نافذة.

– نفرق بين المفاوضات في الاتفاقيات الثنائية والاتفاقيات الجماعية: فالاتفاقيات الثنائية تكون غير ملزمة إلا إذا صادق عليها البرلمان أو رئيس الدولة أما الاتفاقيات الجماعية تكون ملزمة لأطراف النزاع.

المطلب الثاني :

أولا:مفهوم التفاوض

التفاوض هو موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض وتبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.

تعريف المفاوضات: قد ظلت عبارة مفاوضات تستعمل للتعبير عن التعامل السلمي بين الدول حتى منتصف القرن السابع عشر ، حيث حلت محلها عبارة الدبلوماسية التي يعرفها البعض حتى الآن بأنها المفاوضات ، وتعرف الدبلوماسية المعاصرة علي انها إدارة العلاقات الدولية بالتفاوض (نيكلسون،ص53) .وتعد المفاوضات أول القنوات الهامة التي ينبغي علي الدول أن تسلكها عادة لإزالة أي خلاف أو توترات قد تنشأ فيما بينها، وذلك لما تتميز به من مرونة ويسر في تسوية جميع أشكال المنازعات تسوية مباشرة وودية سواء كانت ذات طابع سياسي او قانوني وتستخدم لتعزيز الظروف علي استمرار العلاقات من خلال تذليل او حل أو مواجهة أي مصاعب قد تقف في طريق هذا الاستمرار (الخطيب،1990،16). و يعرف الدكتور على صادق ابو هيف المفاوضات بأنها  » تبادل الراى بين دولتين بقصد الوصول الى تسويه للنزاع القائم بينهما .. ويكون تبادل الآراء شفاها او في مذكرات مكتوبة او بالطريقتين معا .( ابو هيف, ,1992,ص730).وتعرف المفاوضات علي أنها تبادل وجهات النظر بين أشخاص القانون الدولي بغية الوصول الى اتفاق بينها بخصوص مسالة معينه او موضوع معين.(صباريني, 2007,ص46) . يعرف M.Pedler المفاوضات هى التباحث مع طرف آخر بهدف التراضي او الاتفاق (Pedler,1977,p.18)

يتضح لنا مما سبق ان جميع التعريفات التي طرحت لتعريف مفهوم المفاوضات، جميعها تدور حول قضية معينة مختلف عليها من قبل طرفين او أكثر والمفاوضات تكون هي الوسيلة للخروج من الأزمة بحل يرضي جميع الأطراف بحيث لا يكون هناك غالب ومغلوب و تتم التسوية بينهم ويفتح المجال أمام إقامة علاقات بين تلك الأطراف ولكن ما أريد أن انوه له هنا بان المفاوضات قد تكون ناجحه,اذا اعد لهابشكل صحيح,وتوفرت لدى الاطراف المتفاوضه النيه السليمه والصادقه,لكى يعطى ويأخذ,وقد تفشل هذه المفاوضات اذا لم يعد لهابالشكل الصحيح,ولم تتوفر الاراده الصادقه للحل,واذا حاول احد الاطراف ان يكسب كل شئ,وتعتبر المفاوضات المباشره أفضل وسيلة لتسوية النزاعات بين الأطراف المختلفة حول القضية ذات الصلة ،وأضيف الي ذلك أن المفاوضات هي التي تحل قوة الحجة محل حجة القوة في التعامل الإنساني والفردي والدولي(الشاعرى,2000,ص30)

ثانيا: طرق المفاوضات

1-طريقة التفاوض العادية المباشرة: وهي الأطراف التي تجلس فعلا إلى مائدة المفاوضات وتباشر عملية التفاوض,سواء كانت طريقة المفاوضة بشكل كتابي أو شفاهي. وتعتبر المفاوضات المباشرة أبسط الوسائل التي تلجأ إليها الدول لحل نزاعاتها، وتتم عادة على يد ممثلي الحكومات او الأطراف المتنازعة الذين يجرون فيما بينهم محادثات بقصد تبادل الرأي في الموضوعات المتنازع فيها وتقليب وجهات النظر فيها قصد الوصول إلى حلول مرضية للفريقين.

والمفاوضات قد تكون شفوية تجري في مؤتمرات، أو خطية تتجلى في تبادل مذكرات وكتب ومستندات. ويشترط لنجاحها تكافؤ الأساليب السياسية التي تتبع من قبل من يباشرها وإلا سقطت الدولة الضعيفة فريسة الدول الكبرى(شكري،مايو،2010). ومن الأفضل قبل البدء في أي عملية مفاوضات مباشرة رسمية بين أطراف النزاع، أن يكون هناك اجتماع تمهيدي ودي غير رسمي بين الأطراف من أجل التعارف والتقارب في وجهات النظر وذلك لخلق نوع من الألفة والمودة ،وتحديد المواضيع والقضايا التي ستتناولها تلك المفاوضات الرسمية ، لان التجربة أثبث أن اغلب المفاوضات الرسمية التي سبقتها اجتماعات ودية كانت أكثر نجاحا من تلك المفاوضات المباشرة التي بدأت بدون اجتماعات تمهيدية غير رسمية. وهذا يتطلب حسن ادراك لادارة المفاوضات وكيفية احتوائها في اطارها وعدم الخروج عن جدول الاعمال المحدد لها بمعني ان يكون التفاوض والحوار والنقاش في الموضوعات المطروحة للمناقشة(اليوسفي،1997، 33).

2- طريقة التفاوض الغير مباشره وهى تكون عبر الأطراف التي تشكل قوى ضاغطة لاعتبارات المصلحة أو التي لها علاقة قريبة أو بعيدة بعملية التفاوض.(الحسن, ,1993, ص75)

ثالثا: المفاوضات في القانون الدولى.

جاءت المادة الثالثة والثلاثون من ميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة بحل النزاعات التى تنشأ بين الدول بصوره سلميه كما يلى. المادة(33)

1- يجب على أطراف اى نزاع من شأن استمراره ان يؤدى الى تهديد السلم والامن الدوليين ان يلتمسوا حله بادئ ذى بدء بطريق المفاوضة,والتحقيق والوساطة,والتوفيق والتحكيم,والتسوية القضائية,أو إن يلجئوا الى المنظمات الإقليمية, او غيرها من الوسائل السلمية التى يختارونها.

2- يدعو مجلس الأمن, أطراف النزاع الى تسوية نزاعهم بالطرق المذكورة اذا رأى

يتبين مما سبق ان عملية التفاوض تعتمد على حقائق هامه تتعلق بفهم عملية التفاوض يمكن تحديدها كما يلى

1- عملية التفاوض تعتمد على منهج متكامل يشتمل على جوانب فنيه ويتطلب مهارات محدده.

2- ان الفرق بين متفاوض واخر يرجع الى تملك هذا او ذاك المتفاوض لمهارات السلوك التفاوضي واستخدامها بكفاءة وفعالية في المواقف المختلفة.

3- إن السلوك التفاوضي هو سلوك إنسان لفظي وادائى وان كان له مقومات وراثية, ومن ثم فان اكتساب المهارات بالتعلم أمر قررته نتائج البحوث والدراسات (شوقي,ابو الثمن,1991, ص39) .

رابعا:عناصر التفاوض الرئيسية

أ- الموقف التفاوضي: يعد التفاوض موقف ديناميكي أي حركي يقوم على الحركة والفعل ورد الفعل إيجابا وسلبا وتأثير أو تأثرا. والتفاوض موقف مرن يتطلب قدرات هائلة للتكيف السريع والمستمر وللمواءمة الكاملة مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية.

وبصفة عامة فان الموقف التفاوضي يتضمن مجموعة عناصر يجب:

1- الترابط: وهذا يستدعي أن يكون هناك ترابط على المستوى الكلي لعناصر القضية التي يتم التفاوض بشأنها أي أن يصبح للموقف التفاوضي (كل) عام مترابط وإن كان يسهل الوصول إلى عناصره وجزئياته.

2- التركيب: حيث يجب أن يتركب الموقف التفاوضي من جزيئات وعناصر ينقسم إليها ويسهل تناولها في إطارها الجزئي وكما يسهل تناولها في إطارها الكلي.

3- إمكانية التعرف والتمييز: يجب أن يتصف الموقف التفاوضي بصفة إمكانية التعرف عليه وتمييزه دون أي غموض أو لبس أو دون فقد لأي من أجزائه أو بعد من أبعاده أو معالمه.

4- الاتساع المكاني والزماني: ويقصد به المرحلة التاريخية التي يتم التفاوض فيها والمكان الجغرافي الذي تشمله القضية عند التفاوض عليها.

5- التعقيد: الموقف التفاوضي هو موقف معقد حيث تتفاعل داخله مجموعة من العوامل وله العديد من الأبعاد والجوانب التي يتشكل منها هذا الموقف ومن ثم يجب الإلمام بهذا كله حتى يتسنى التعامل مع هذا الموقف ببراعة ونجاح.

6- الغموض (الشك) : ويطلق البعض على هذا الموقف (الشك) حيث يجب أن يحيط بالموقف التفاوضي ظلال من الشك والغموض النسبي الذي يدفع المفاوض إلى تقليل دائرة عدم التأكد عن طريق جمع كافة المعلومات والبيانات التي تكفل توضيح التفاوضي خاصة وإن الشك دائما يرتبط بنوايا ودوافع واتجاهات ومعتقدات وراء الطرف المفاوض الآخر.

ب-أطراف التفاوض : يتم التفاوض في العادة بين طرفين، وقد يتسع نطاقه ليشمل أكثر من طرفين نظرا لتشابك المصالح وتعارضها بين الأطراف المتفاوضة. ومن هنا فان أطراف التفاوض يمكن تقسيمها أيضا إلى أطراف مباشرة، وهي الأطراف التي تجلس فعلا إلى مائدة المفاوضات وتباشر عملية التفاوض. وإلى أطراف غير مباشرة وهي الأطراف التي تشكل قوى ضاغطة لاعتبارات المصلحة أو التي لها علاقة قريبة أو بعيدة بعملية التفاوض.

ج: القضية التفاوضية: لابد أن يدور حول (قضية معينة) أو (موضوع معين) يمثل محور العملية التفاوضية وميدانها الذي يتبارز فيه المتفاوضون، وقد تكون القضية، قضية إنسانية عامة، أو قضية شخصية خاصة وتكون قضية اجتماعية، أو اقتصادية أو سياسية، أو أخلاقية… الخ. ومن خلال القضية المتفاوض بشأنها يتحدد الهدف التفاوضي، وكذا غرض كل مرحلة من مراحل التفاوض، بل والنقاط والأجزاء والعناصر التي يتعين تناولها في كل مرحلة من المراحل والتكتيكات والأدوات والاستراتيجيات المتعين استخدامها في كل مرحلة من المراحل (المرجع السابق,

د: أهداف الأطراف المتفاوضة

1- التسوية: بعد فشل الوسائل الأخرى في حل النزاع,تكون وسيلة التسوية للنزاع عن طريق المساومة الدبلوماسية في جو حسن النية المتبادلة, حيث تكون التسوية الهدف الحقيقي للمتفاوضين .

2- الدعاية: قد تسعى الدولة الى تحسين صورتها في المجتمع الدولي وكسب التأييد لموقفها,او تشويه صورة الطرف الآخر وإحراجه في أثناء العملية التفاوضية,وتحميله مسؤولية فشل المفاوضات.

3- المفاوضة: حيث تكون المفاوضات هدفا لذاتها,كونها تبقى قناه حوار مفتوحة مع الخصم.

4- تحسن الوضع العسكري: تستخدم بعض الدول فتره المفاوضات للمماطلة والتسويف,والتضليل والتجسس,والهدف من ذلك تحسين ظروفها وأوضاعها القتالية ومن ثم العودة لأرض المعركة ومواصلة القتال (ابو عامر, 2004،ص207 )

لا تتم أي عملية تفاوض بدون هدف أساسي تسعى إلى تحقيقه أو الوصول إليه وتوضع من أجله الخطط والسياسيات. فبناء على الهدف التفاوضي يتم قياس مدى تقدم الجهود التفاوضية في جلسات التفاوض وتعمل الحسابات الدقيقة، وتجري التحليلات العميقة لكل خطوة. ويتم تقسيم الهدف التفاوضي العام أو النهائي إلى اهداف مرحلية وجزئية وفقا لمدى أهمية كل منها ومدى اتصالها بتحقيق الهدف الإجمالي أو العام أو النهائي.

المطلب الثاني

أولا:مراحل المفاوضات المباشرة

1- التعرف على حاجات الطرف الآخر وتوقعاته من التسوية.

2- بناء التوقعات : يسعى المفاوض خلال هذه المرحلة الى إيجاد شيئا من التعارض في موقف الطرف الآخر ,وذلك من خلال تقديم معلومات واقعيه تناقض ما أدلى به الطرف الآخر.

3- إيجاد الحركة: يحاول المفاوض الفعال خلال هذه المرحلة حمل الطرف الآخر على تقديم تنازلات من اجل تحريك المفاوضات,وإذا كان الوضع المثالي هو ان يبدا بتقديم تنازلات مهمه,فان المتفاوض الفعال يلجأ الى تقديم تنازلات قليلة الأهمية بالنسبة له.

4- التوصل الى اتفاق :بعد انتهاء المفاوضات تلجا الأطراف المتفاوضة إلى كتابة الاتفاقية التى تم التوصل اليها.((

Donald.1982,p.p.39-61

ثانيا:مبادئ التفاوض

يمكن تقسيمها الى نوعين

النوع الأول: مبادئ تتعلق بالمفاوض نفسه والسلوك التفاوضي كما يلى.

1- التركيز على الأشخاص الذين يملكون السلطة والقرار,وتجنب التفاوض مع الذين لا يملكونها.

2- وضع أهداف كمية ونوعيه,وعدم التركيز على الأهداف قصيرة المدى,وإغراء نجاحات مؤقتة,تؤدى الى خسارة اكبر.

3- التحلي بالهدوء والثقة بالنفس,وروح التفاؤل ونشره بين أعضاء الفريق,وذلك لحماية المفاوض وفريقه من الوقوع كفريسة للانفعال,يمكن ان تستغل من قبل الطرف الأخر ,

4- العمل على تفهم حاجات الطرف الآخر,والتعامل معه من موقع قوه المفاوض الناجح ,مع عدم الاستخفاف بالآخرين.

5- الاستعداد الجيد للمفاوضات, وإتقان كيفية الاستفادة من ردود الأفعال,ويفضل عدم التفاوض في حالة عدم الاستعداد الكافي.

6- إخضاع اى مبادرة للتقييم والتحليل,وعدم الاستسلام لضغوط من شانها التأثير,لاتخاذ قرارات متسرعة.(شيخه,1997, ص87)

7- ينبغي التعامل مع الطرف الآخر بوصفه طرفا قويا,ولكن من الممكن التغلب عليه والحذر من لجوء الطرف الآخر من استخدام (إستراتيجية الضعيف )بهدف الخداع والمناورة.

8- اعتماد مبدا السرية,وعدم كشف الأوراق دفعه واحده

9- تهيئة الطرف الآخر لتقبل الاقتناع, بالرأي الذي تتبناه.

10-الابتعاد عن التردد,فالتردد يضعف الموقف التفاوضي

11-يفضل اختتام الجلسة التفاوضية بملاحظه ايجابيه بغض النظر عن نتيجة هذه الجلسة .

النوع الثانى: مبادئ تتعلق بنظام العمل في المفاوضات

1- تغيير مبادئ الاتفاقية أخيرا,يهدد المفاوضات بالفشل

2- ان يعمل أعضاء الفريق وفق الخطة المرسومة,وان يكمل بعضهم بعض.

3- إشاعة جو من الثقة المتبادلة وحسن النية, وخاصة مع بداية الجلسة الافتتاحية,

4- المحافظه على حسن المظهر وكياسة السلوك, وعدم التعجل في في اختزال المهمه التفاوضيه.

5- القناعه بالراى قبل اقناع الاخرين

6- تحليل دوافع من يفتعل الغضب,لمعرفة ان كان دافعه هو الاثاره.

7- ضرورة تفحص بنود الاتفاقيه التى تم اتوصل اليها, وخاصه اذا صاغها الطرف الاخر.(المرجع السابق, ص89)

ثالثا: المهارات الأساسية للتفاوض

1- مهارة جمع وتحليل واستخدام المعلومات

ان المفاوضات بجوانبها المتعددة تستند على المعلومات,ذلك لان هذه العملية تعتمد بدرجه كبيره على مقدار المعلومات المتاحة وإمكانية توظيفها في خدمة الأهداف التفاوضية.ويجب أن تتميز المعلومات ب…

– دقة وتعدد مصادر المعلومات ذات الصلة بجزيئات التفاوض .

– جدة المعلومات التى تتناول موضوعات التفاوض.

– تغطية المعلومات لجوانب التفاوض.

كما يجب ان يستغل المفاوض الجلسه الافتتاحيه لرصد اى اشاره او انطباعات,عن شخصيات وسلوكيات,ودرجة ثقافة المشاركين (شوقى,مرجع سابق,ص93-73).

2- مهارة الاتصال وتبادل المعلومات

الاتصال فن من فنون التفاوض,لان المفاوضات تهدف لاقناع الطرف المقابل بوجهة نظرك,والوصول الى اتفاق, ولتحسين الاتصال بين الاطراف يقترح Scott عدد من الخطوات

– خلق المناخ الودى والملائم

– عرض المعلومات بصوره مبسطه

– الاستفاده من وسائل الاتصال الغير شفهيه

– الانصات بصوره جيده والتركيز وتسجيل الملاحظات وطلب التوضيح(محمد,مرجع سابق, ص306)

3- مهارة اليقظة والتركيز خلال المفاوضات وذلك من خلال

– حدة الذكاء وعمق الفهم وسرعة الخاطر

– استمع جيدا لا تقاطع ودون النقاط الرئيسية,وعند إبداء الراى لا تطيل في المقدمة.

– ليكن سؤالك بسيطا مختصرا ومركزا ويحمل فكره واضحه.

– راقب مدى اطلاع الطرف الثانى عن القضيه وحاول أن تحصل على اكبر قدر من المعلومات لنواياه التفاوضية(الحسن,1993,ص 148).

4-مهارة الإلمام بمعارف متنوعة ذات صله بالتفاوض

إن العملية التفاوضية تفرض على المتفاوض الإلمام بالجوانب,السياسية ,والاداريه,

الاجتماعية, الاقتصاديه, وبمعنى اخر يجب ان يتمتع المفاوض بموسوعية المعرفة المتصلة بموضوع التفاوض ,اضافه الى التخصص الدقيق بموضوعة التفاوض

5- مهارة اعتماد الاستراتيجي المناسبة والمناورة والتكتيك

يعد اختيار ألاستراتيجيه المناسبة والتكتيكات الضروريه لتحقيق الاهداف المرغوبه, مهارة أساسيه تهدف الى تسليح المتفاوض بالوسائل والأساليب التى تجعله قادرا على مقابلة الطرف الآخر وتحركاته ,والتجاوب معه او معارضته عندما يتطلب الأمر ذلك. (شلبى,1980,ص4).

6- مهارة اتخاذ القرار

ان عملية صنع القرار في المفاوضات هى ليست من اجل صناعة قرار واحد ولكنها تشمل سلسله من القرارات المتعاقبه والمترابطة ازاء جميع الإجراءات والخطوات التى يقدم المتفاوض عليها من خلال المراحل المختلفة لعملية التفاوض0 ويركز العديد من الباحثيين لتحسين عملية اتخاذ اقرار على مسائل منها تقدير الاحتمالات,اساليب حل المشاكل,القدره على التنبؤ,تحديد الاهداف,تميز استراتيجية الطرف الأخر,المرونة والتركيز والتفاعل كل ذلك يساعد على مساعدة المفاوض في فهم أفضل لهذه العملية(محمد, مرجع سابق, ص 311)

رابعا:- مميزات المفاوض الناجح

بعد ان اخذ التفاوض مكانته بين مختلف الميادين,اهتم الباحثين في تحديد من هو المفاوض الناجح ,ونتيجه للدراسات والتحليل لشخصيات المفاوضين استنتجوا اهم المزايا والمهارات التى يجب ان يتميز بها المفاوض الناجح ومنها .

1- فن طرح السؤال وذلك من خلال

– لا يسئل اسئله كثيره,ولا يجب ان تكون مباشره.

– لا يوجه اكثر من سؤال في وقت واحد.

– المفاوض الناجح من يكون عنده قدره الاستمرار في المناقشة.

2- الوقت والمفاجأة في التفاوض:- قد تتعثر المفاوضات وتصل الى حائط مسدود,يكون المفاوض أمام أمرين إما إيقاف المفاوضات او الإذعان لإجابة مطالب الطرف الاخر وهما ضد مصلحة التفاوض, وهنا تبرز مهارة المفاوض فى مفاجأة الطرف الاخر باقتراح جديد,وأيضا يطلب وقتا للتفكير والدراسة .

3- مواجهة تكتيك الطرف المفاوض الآخر عن طريق

– فرض جدول أعمال الخاص بك .

– التذرع بحجج محدودية الصلاحية,مثل التذرع بان حريته في العمل والتحرك والصلاحيات محدوده, او التحجج باسباب غير واقعيه

– الادعاء بسابقه مماثله,وعلى المفاوض المقابل الرد بان الظروف السابقه لم تعد قابله للتطبيق,ولا تلائم التطورات في الوقت الحالى.

– اللعب على الرزنامه واستغلال الوقت, وذلك عن طريق معرفة ظروف السفر للطرف الاخر ثم يناور,ويطيل حتى يقترب موعد سفر الطرف الاخر ثم تثار المواضيع بشكل مكثف فتربك الطرف الاخر .(الحسن,مرجع سابق,ص117-124)

4-مهارات اخرى هامه ومنوعه مثل

– المفاوض الناجح من يحدد موضوعه وفق استراتيجيته,ويستخدم التكتيكات المناسبه,فيسعى للحصول على المعلومات بلباقه ودبلوماسيه.

– المفاوض الناجح من يشعر الطرف الآخر بالراحة والاستعداد للكلام,فلكل إنسان ميل الى ان يعترف بقيمته

– المفاوض الناجح من يتقن فن الاستماع ( الحسن,المرجع السابق,ص125).

نتائج البحث

1- تعتبر المفاوضات المباشره من افضل الوسائل السلميه في حل النزاعات.

2- تطبيق قواعد واسس ومبادئ المفاوضات المباشره من اهم عوامل نجاح حل النزاعات

3- تعتبر المفاوضات المباشره علم له موضوعه,ومنهجهوالامر الذى يحتم اقامة المعاهد المتخصصه,في دراسة هذا العلم.

4- يشترط في نجاح واستمرار نتائج المفاوضات, ان تبنى على قاعده المصلحه المشتركه.

دكتور دولة الاستاذ عزالدين بن سالم