السبت، 31 أكتوبر 2015

المسؤولية الجزائية عن إساءة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية ( دراسة مقارنة ) تأليف الدكتور علي عدنان الفيل

المسؤولية الجزائية عن إساءة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية ( دراسة مقارنة ) تأليف الدكتور علي عدنان الفيل

أولا : المقدمة

غالباً ما تفرز الاكتشافات العلمية نتائج إيجابية وأخرى سلبية، فهي تعمل من جهة على دفع خطوات التقدم في مجالات الحياة المختلفة قدما إلى الأمام، ومن جهة أخرى ينشأ عنها بعض الآثار السلبية تتمثل في كثير من الجرائم التي ترتكب من خلال استغلال هذه الاكتشافات العلمية في تسهيل مهمة المجرم أو قد تقع الجرائم عليها  فتصبح هذه المكتشفات الجديدة محلاً للجريمة أو وسيلة لتسهيل ارتكابها.
وكما معلوم فقد أدى التقدم الحضاري والتكنولوجي ونحن في القرن الحادي والعشرين إلى اختراع العديد من الوسائل والأدوات المتطورة وابتكار العديد من الأجهزة الدقيقة تتعامل بها المصارف مع زبائنها ويتعامل بها الأفراد في معاملاتهم وأنشطتهم المالية والمصرفية والتجارية سواء أكان ذلك على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي، بحيث أصبح الصراف الآلي (البنك الإلكتروني) سمة عصرنا الحالي وعصب تعاملنا اليومي فظهرت بطاقة الائتمان الإلكترونية أو بطاقة الوفاء  (Visa card). حيث أخذت في الانتشار بصورة متسارعة يوماً بعد يوم وبدأت تحل محل النقود الحقيقية، بل والشيكات في التداول اليومي بين أفراد المجتمع ([1]).
نتيجة لذلك أصبحت بطاقات الائتمان محلاً للعديد من الجرائم التي تقع في مجال النشاطات المصرفية الإلكترونية. حيث تعتبر بطاقة الائتمان الإلكترونية من أدوات الدفع المالي المتطورة وقد تستخدم بطريقة غير مشروعة مما ينتج ذلك العديد من المشاكل. فهناك علاقة وثيقة بين نظام الحاسبة الإلكترونية واستعمال بطاقة الائتمان الإلكترونية والتي تتجسد باستخدام جهاز الحاسبة الإلكترونية كمحل للتحايل والسرقة. كما قد تكون هذه البطاقات عرضة للتزوير أو تستعمل في الاستيلاء على أموال أصحابها المودعة في البنوك أو تلتقط أرقامها السرية أثناء استعمالها عبر شبكة الانترنت وربما قد تستخدم هذه البطاقات استخداماً غير مشروع من قبل مالكيها أنفسهم.

ثانيا.أهمية البحث
يستمد هذا البحث أهمية من الانتشار الواسع لبطاقات الائتمان الإلكترونية في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت هذه النقود الإلكترونية تحل محل العملات الورقية والمعدنية، بل وأكثر من ذلك فقد حلت محل الشيكات في التعامل اليومي. فضلاً عن ذلك يستمد هذا البحث أهمية من كثرة الجرائم المتصلة ببطاقات الائتمان الإلكترونية كسرقتها وتزويرها أو استعمالها من قبل الغير والاستحواذ على أموال أصحاب هذه البطاقات والمودعة في الحسابات البنكية أو التقاط أرقامها السرية حين استعمالها عبر شبكة الانترنت ومن ثم الاستيلاء على أموال أصحابها، كذلك إساءة استخدام تلك البطاقات من قبل حامليها.
كل ذلك دفعنا إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع الحيوي، فمن الناحية النظرية العدد الكبير من جرائم الأموال غير المستهان بها، ومن الناحية العملية فان هذا الموضوع يمس الكثير من الحقوق والمصالح الاجتماعية، ذات الطابع المالي وخاصة تلك المتعلقة بالمصارف والبورصة وبقية المؤسسات المالية والمصرفية من خلال التداول الإلكتروني والسحب الآلي من الحسابات بواسطة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية.

ثالثا.مشكلة البحث
تتمثل مشكلة البحث في الإجابة على الأسئلة التالية:
1-     ما هي القواعد القانونية الجزائية التقليدية التي يمكن أن توفر حماية جزائية كاملة لبطاقة الائتمان الإلكترونية؟ وهل تكفي تلك القواعد؟ أو أنه من الضروري إدخال نصوص قانونية جزائية خاصة لتكملة النقص في القواعد السابقة؟ ثم ما هي الأحكام التي يجب أن تتضمنها تلك النصوص القانونية الجزائية المستحدثة؟
2-     هل نحن بحاجة إلى تدخل تشريعي جنائي لضمان الحماية الجزائية لبطاقة الائتمان الإلكترونية؟
3-     هل أن نصوص قانون العقوبات إذا ما تم تفعيلها وتطويعها لملائمة واستيعاب مثل هذا النوع من الجرائم الإلكترونية المستحدثة كافية ووافية لتجريم وإيقاع العقاب بحق كل من يُسيء استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية؟
4-     ثم ما هي الجرائم التي ترتبط بوجود واستعمال بطاقة الائتمان الإلكترونية؟
رابعا.أهداف البحث    
1-     نظراً للطبيعة الخاصة ببطاقة الائتمان الإلكترونية وتكوينها من عناصر وبيانات إلكترونية، فقد برزت الحاجة لتحديد ما إذا سوء الاستخدام في حاجة إلى تحديد ووضع نصوص قانونية جديدة في قانون العقوبات لضبط وحكم ذلك.
2-     استحداث نصوص قانونية جزائية لتجريم بعض صور الاعتداء على المصالح الأساسية التي ترتبط باستعمال بطاقة الائتمان الإلكترونية؟


المبحث الأول : تحديد ماهية بطاقة الائتمان.

لغرض تحديد موضوع البحث والإلمام بكل جوانبه والإحاطة بكل تفصيلاته، فلابد من معرفة التطور التاريخي لبطاقة الائتمان الإلكترونية وتعريفها ثم بيان الطبيعة القانونية لها. عليه فقد تم تقسيم هذا المبحث إلى أربعة مطالب تناولنا في المطلب الأول التطور التاريخي لبطاقة الائتمان الإلكترونية وفي المطلب الثاني تم تعريف بطاقة الائتمان الإلكترونية وفي المطلب الثالث وضحنا الطبيعة القانونية لها وأخيراً في المطلب الرابع بينا أوجه الشبه والاختلاف بين بطاقة الائتمان عن غيرها من البطاقات المصرفية.



المطلب الأول: التطور التاريخي لبطاقة الائتمان الإلكترونية

تعد بطاقة الائتمان إحدى الخدمات المصرفية التي استحدثها الفن المصرفي في الولايات المتحدة الأمريكية منذ قرابة ثلاث وخمسين سنة.
ذلك أن من عادة تاجر التجزئة من قديم، أن يعطي زبائنه بضائع بالآجل ويجري حسابه معهم كل أسبوع أو كل شهر، ليبدأ فترة جديدة بعد سداد ما استحق له من قبل، وكان التاجر يمسك دفتراً لهذا الغرض حتى يراجع مع كل عميل حسابه، وكانت هذه العملية تمثل صعوبة للتاجر الذي له فروع كثيرة يتعامل معها العميل، إذ يلزم تجميع حسابه من مختلف الفروع، فأنشئت لكل عملية بطاقة كارتونية تضم ما منح إليه من ائتمان تجاري، ثم استبدلت هذه البطاقات لدى التجار في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1910 ببطاقات معدنية تحمل اسم العميل بواسطة آلة طبع العناوين البارزة لتسجيل اسم العميل وما عليه من حساب، فكانت بطاقات الائتمان بهذا الشكل تؤدي وظيفتين التعريف بالعميل وإدراج بيانات مديونيته ورغم ثقل هذه البطاقات المعدنية، إلا أنها كانت ناجحة([1]).
وترجع البداية الحقيقية لبطاقات الائتمان بالمفهوم الحديث، للأمريكيين كل من (فرانك بكنمارا ورالف سيندر) في عام 1950، حيث كان الاثنان يتناولان طعام الغداء في أحد مطاعم منهاتن، ففوجئا أنهما نسيا نقودهما، ولم يكونا معروفين لصاحب المطعم، مما أدى إلى نقاش معه، الأمر الذي أدى بهما إلى التفكير في إنشاء مؤسسة تضمن للمطاعم المشتركة لديها دفع حساب العملاء المنضمين لهذه المؤسسة مقابل اشتراك معين، بعد إبراز هؤلاء العملاء للبطاقات المصدرة لهم من قبل المؤسسة للمطعم المشترك، على أن يرسل للعميل في نهاية كل شهر كشف ليقوم بسداده. ثم اتسع الاستخدام الفعلي لبطاقات الائتمان على يد المصارف، فقد أصدرت لعملائها بطاقات الائتمان لتسهيل شراء احتياجاتهم اليومية، وخلال رحلاتهم بالخارج.
وقد استوحت المصارف الأمريكية فكرة بطاقات الائتمان من شركات النفط الأمريكية عام 1914 حيث كانت تصدر بطاقات معدنية لعملائها، يحصلون بواسطتها على البنزين وزيوت السيارات من محطاتها ولا يدفعون قيمتها في الحال، وإنما بشيك في نهاية الشهر إلى المركز الرئيسي للشركة، كما استخدمتها في البداية الفنادق والمتاجر الكبرى وشركات السياحة، إذ كانت تصدرها لعملائها بغية استمرار تعاملهم معها، مقابل ما تقدمه لهم من تسهيلات في الوفاء([2]).
ثم تطور استخدام هذه البطاقات فانفصلت عن الجهة التي تصدرها، بحيث يجوز استخدام البطاقة لشراء احتياجات متنوعة، وعلى مستوى جغرافي واسع دون التقيد بمنافذ التوزيع التابعة للجهة المصدرة للبطاقة.
وأول البنوك الأمريكية التي أصدرت بطاقات الائتمان هو بنك فرانكلين الوطني عام 1951 وتم تسمية البطاقة(National Card)، ثم تبعه البنك الأمريكي عام 1958 حيث أصدر بطاقة (American Card) ثم ظهرت بطاقة(American Express Card) عام 1958 لتمكن حاملها من استفادة الحصول على السلع والخدمات من الفنادق والشركات، على أن تحصل من عملائها ما يضمن استرداد ما تقوم بدفعه لحساب فواتيرهم([3]).
كما ظهرت بطاقات الائتمان في فرنسا عام 1954 حيث ظهرت بطاقات(Cartes du diners) وانتشر استخدام هذه البطاقات خاصة البطاقات الزرقاء عام 1967 فضلاً عن الكارت المذهب الصادر عن اتحاد الفنادق. كان نجاح بطاقات الائتمان محدوداً في بداية ظهورها، ثم زاد انتشارها عن طريق المصارف في أمريكا وأوربا حتى بلغ عدد بطاقات الائتمان المستخدمة في فرنسا عام 1993 واحداً وعشرين مليون بطاقة ([4]).
وعلى مستوى بلادنا العربية، فقد شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة نمواً متسارعاً في قطاع بطاقات الائتمان في منطقة الشرق الأوسط، ففي عام 2001 ارتفع عدد البطاقات المتداولة بنسبة (15%) ليصبح عددها ما يقارب خمسمائة ألف بطاقة([5]).
وفي مصر فان تجربة المصارف في بطاقات الائتمان قد بدأت متأخرة، فقد بدأ بنك مصر بإصدار بطاقة (فيزا بنك مصر) عام 1990 ثم اشترك أيضاً في عضوية بطاقة ماستر كارد بإصدار بطاقة ماستر كارد بنك مصر، بفئات ثلاث مرتبة تنازلياً حسب الحد الأقصى للبطاقة إلى (جولد كارد، بيزنس كارد، استار كارد). كما قام البنك الأهلي المصري بإصدار (بطاقة ضمان الشيك) ثم بطاقة فيزا البنك الأهلي المصري، وبطاقة ماستر كارد البنك الأهلي المصري، وفي أواخر عام 1996 بدأ بنك القاهرة في إصدار أول بطاقة ائتمان. وقد بلغ حجم البطاقات المصدرة في مصر حتى نهاية عام 1996 حوالي (110000) مائة وعشرة آلاف بطاقة، كما أن عدد المتاجر المتعاقدة مع البنوك المحلية المصدرة، بلغ حوالي (40000) أربعون ألف متجراً([6]). أما في الأردن فقد قامت الشركة الأردنية لخدمات الدفع بالحصول على ترخيص من الشركة المصرفية الدولية لإصدار البطاقة المصرفية والماستر كارد وهناك بطاقة(National Express) صادرة عن المجموعة الوطنية السريعة للبطاقات، وهي شركة تضامنية أردنية تأسست عام 1992 ([7]).
نخلص إلى القول، أن بطاقات الائتمان ونحن في القرن الحادي والعشرين تمثل المرحلة الأخيرة من مراحل التطور في الأدوات المالية، فبعد عصر المقايضة وتبادل السلع، جاء عصر التقييم وفق بعض السلع، ثم التقييم وفق المعادن الثابتة، ثم التقييم بالذهب والفضة، ثم تداول الأوراق النقدية، لذا تعد بطاقات الائتمان آخر تحول في هذا المجال وهو يترك آثاره في توسيع الائتمان إلى حد كبير.


([1]) د. محي الدين إسماعيل علم الدين، موسوعة أعمال البنوك من الناحيتين القانونية والعملية، ج2، 1993، ص737.
([2]) Jauffret, Alfred, Droit Commercial, 20 edition par Jacques meste, Libraire generale de droit et de Jurisprudence, Paris, 1991, p. 572.
([3]) Drury and Ferrier, Credit Card, London Butterworth, 1984, pp. 14-29. 
([4]) Bertrand, Andre, Leclech, Philippe, La pratique du droit des cartes, 2nd edition, 1989, p. 45.
([5]) محمد بلعرج، ماستر كارد تستكمل خطة توسعها العالمية السريعة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مجلة اتحاد المصارف العربية، ع (257)، مايو 2002، بيروت، ص64.
([6]) د. محمد عبد الحليم عمر، الجوانب الشرعية والمصرفية والمحاسبية لبطاقات الائتمان، ط1، ابتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص43.
([7])نداء كاظم المولى، الطبيعة القانونية لنظام البطاقة المصرفية والمنشور على شبكة الانترنت، موقع المكتبة الإلكترونية المجانيةwww.fiseb.com.

المطلب الثاني: تعريف بطاقة الائتمان الإلكترونية :

تتولى البنوك إصدار بطاقة الائتمان الإلكترونية إلى زبائنها الذين لديهم حسابات مصرفية. وقد عرفها المشرع الفرنسي في المادة الثانية من القانون الذي صدر في 3/12/1991 على انها أداة تصدر من إحدى مؤسسات الائتمان وتسمح حاملها بسحب أو تحويل نقود من حسابه([1]).
إما على مستوى فقهاء القانون وشراحه فهناك من عرفها على أنها بطاقة مصنوعة من مادة بلاستيكية تحتوي على شريط ممغنط يتضمن بيانات عن حساب العميل لدى البنك، كما يتضمن شريطاً لاصقاً مدوناً عليه توقيع صاحب الحساب بالإضافة إلى صورة شخصية للعميل، تستخدم هذه البطاقة في سحب المبالغ النقدية وفي دفع ثمن المشتريات([2]).
وهناك من عرفها على أنها عبارة عن مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع والخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالاً لتضمنه التزام المصدر بالدفع، كما يمكنه أيضاً من سحب النقود من البنوك([3]). كما أنها عرفت على أنها صك مصنوع من البلاستيك أو من مادة يصعب تزوير بياناتها يتضمن بيانات خاصة بحامل الصك، كاسمه وعنوانه ورقم حسابه، تمكن صاحبها من الحصول على السلع والخدمات التي يحتاجها في حدود مبلغ معين، ومن مؤسسات معينة، يحددها مصدر الصك سواء أكان بنكاً أو مؤسسة أخرى وذلك مقابل تعهد هذا الأخير، بدفع هذه المبالغ، على أن يستردها بعد ذلك من حامل الصك، وفقاً لشروط العقد المبرم بينهما ويسمى بعقد الانضمام مضافاً لها عمولة أو فائدة متفق عليها([4]). وهناك من عرفها على أنها بطاقات تصدر بواسطة مؤسسة مالية باسم أحد الأشخاص وتقوم تلك البطاقة بوظيفتي الوفاء والائتمان، أي أن حاملها يملك إمكانية تتابع سداد المبالغ التي استخدمها من الاعتماد المفتوح من جانب مصدر البطاقة([5]).
أما الفقه الفرنسي فقد عرفها على أنها أداة تسمح لحاملها باتخاذ الإجراءات اللازمة والمباشرة لخصم المبلغ الذي يريده – لمصلحة شخص آخر – من حسابه لدى البنك الذي أصدر هذه البطاقة([6]). وهكذا نرى أن بطاقة الائتمان تقوم على فكرة أساسية وهي الائتمان فهي جوهر البطاقة لافتراضها وجود فاصل زمني بين تقديم مانح الائتمان لوسائل الوفاء لعملية الشراء وبين استرداد تلك الوسائل. وهناك من أطلق على هذه البطاقة تسمية بطاقة الاعتماد لارتباطها باعتماد يتم فتحه لمصلحة حامل البطاقة([7]).
ولكن لما كانت العبرة بفكرة الائتمان وليس بفكرة الاعتماد، فإن المصطلح الأدق هو مصطلح بطاقة الائتمان([8]). كما أن هناك من يفضل مصطلح بطاقات الإقراض باعتباره الوصف المناسب الدال على حقيقتها وماهيتها المميز لها عن غيرها من البطاقات الأخرى في الشروط وتسديد الديون، ولأن ترجمة كلمة (credit) في المصطلح الاقتصادي والتجاري والقانونين الإنكليزي والأمريكي في مجال البطاقات المالية تعني صراحة (الإقراض)([9]). إلا أن هذا القول منتقد، فبطاقة الائتمان لا تعد قرضاً لأن عقد القرض يقيم علاقة ثنائية بين المقرض والمقترض ولا يُنشئ أي علاقة مباشرة بين المقرض والغير، على خلاف الحال في بطاقة الائتمان، فهي تقوم على علاقة بين ثلاثة أطراف عقد ينشأ بين الجهة المصدرة والتاجر، وعقد ينشأ بين الجهة المصدرة والعميل الحامل للبطاقة.
من خلال ما تقدم، يتبين لنا أن بطاقة الائتمان الإلكترونية تستخدم في نوعين من التعامل:
أولاً: وظيفة الوفاء
أي دفع هذه المشتريات من بعض المحلات التي تمتلك آلات وأجهزة إلكترونية تم توصيلها بأجهزة الكمبيوتر الخاصة ببعض المصارف، حيث يتم إدخال هذا النوع من البطاقات في ماكينة خاصة وضعها المصرف تحت تصرف المحل التجاري عندما يرغب حامل البطاقة في دفع ثمن مشترياته عندئذ يتم خصم هذا المبلغ النقدي من حساب العميل وإضافته إلى حساب صاحب المحل التجاري([10]). فعندما يرغب حامل البطاقة بشراء سلعة، فإنه يقوم بتقديم البطاقة إلى التاجر الذي يدون بياناتها عادة باستخدام آلة طابعة يدوية أو إلكترونية في فاتورة من عدة نسخ يوقعها العميل حامل البطاقة. يرسل التاجر نسخة من هذه الفاتورة إلى البنك (الجهة التي أصدرت البطاقة) لتتولى سداد قيمتها، على أن تقوم في نهاية كل شهر بسداد القيمة للتاجر ثم تستردها لاحقاً من الحامل على دفعات مضافاً لها عمولة أو فائدة 1.5% في الشهر عن الرصيد المتبقي دون سداد بعد فوات الآجال المحددة للسداد، بينما لا يدفع أية فوائد على هذا الائتمان إذا قام بالسداد خلال الآجال المحددة، كما يتقاضى البنك عمولة من المحلات المتعاقد معها من 3% إلى 5% من قيمة المبيعات التي تمت بهذه البطاقة([11]).
ثانياً: وظيفة سحب النقود
أي سحب مبلغ نقدي من ماكينة السحب الآلي الخاصة بالمصرف (الصراف الآلي) أو ببنوك أخرى بناء على اتفاق سابق على صلاحية السحب بنفس البطاقة من عدة مصارف عن طريق إقامة شبكة من الاتصالات بين تلك المصارف تسمح بمعرفة حساب العميل وتلبيه طلبه في السحب وخصم المبالغ النقدية المسحوبة بين تلك المصارف([12]).
أما أطراف بطاقة الائتمان الإلكترونية فهم كل من:
1-     حامل البطاقة (مالكها): حيث تحقق له البطاقة عدم المخاطرة بحمل مبالغ ضخمة من النقود لتلبية احتياجاته وعدم دفع قيمة مشترياته من البضائع والخدمات التي تؤدى إليه فور حصوله على البضاعة أو الخدمة والاستفادة من تأجيل الوفاء إلى الموعد المحدد بالعقد، كما تمكنه من سحب النقود التي يحتاج إليها.
2-     المصرف (مصدر البطاقة): حيث يستفيد من انخفاض تكلفة التعامل بالبطاقة عن الشيكات ويستفيد أيضاً من العمولة التي يدفعها حامل البطاقة عن النقود التي يسحبها وكذلك التي يدفعها المستفيد (التاجر) للمصرف مقابل قيامه بالوفاء الفوري له.
3-     المستفيد (التاجر): يستفيد من الضمان الكامل من قبل المصرف بالوفاء بقيمة مشتريات حامل البطاقة، كما أنها تزيد من مبيعاته وأعماله التجارية([13])، حيث يقوم التاجر بتقديم شبكة الاتصال المباشر مع البنك مصدر البطاقة بحيث يقوم حامل البطاقة بطرق رقمه السري فقط على الآلة الأوتوماتيكية فيتم خصم المبلغ فوراً من حسابه لدى البنك لمصلحة التاجر([14]).   
ونظراً لأنه دائماً ما ترتبط المزايا بالالتزامات، لذا فإن كل من حامل البطاقة والتاجر والبنك يقع عليهم عدة التزامات مصدرها العلاقات القانونية التي تربط بين كل منهم بالآخر، حيث تنشأ بطاقة الائتمان عن طريق العقد، الذي يتكامل في ثلاثة عقود يتمثل العقد الأول بين حامل البطاقة والبنك مصدرها، والعقد الثاني بين التاجر والبنك، وعقد ثالث بين الحامل والتاجر([15]).
فالبنك تربطه بحامل البطاقة علاقة ائتمانية بحتة يحكمها عقد مبرم بينهما حيث تلزم الجهة مصدرة البطاقة (البنك) بموجبه بإصدار البطاقة باسم الحامل ويوضع قيمة الائتمان تحت تصرفه، وبسداد ديون الحامل الناشئة عن استخدام بطاقته، وبمضاهاة توقيع الحامل لديها والمسجل على الفاتورة وبإرسال كشف حساب دوري للحامل بعملياته، وأخيراً بعدم الرجوع في العقد قبل انتهاء مدته. وفي المقابل يلتزم حامل البطاقة تجاه البنك بالتوقيع على البطاقة نفسها بنفس توقيعه لديها، والتوقيع على إشعار العملية بنفس التوقيع المحفوظ لدى البنك، وبعدم السماح للغير باستعمال البطاقة والالتزام بسحب ما هو مصرح له في العقد، والالتزام برد البطاقة عند انتهاء فترة العقد، وبإبلاغ البنك في حالة فقده لها أو سرقتها، وأخيراً الالتزام برد قيمة العمليات التي نفذت بواسطة البطاقة إلى البنك مضافاً إليها الفوائد والعمولات المتفق عليها([16]).
كما تربط البنك بالتاجر (المستفيد الدائن) علاقة وفاء غير محدود مصدرها عقد مبرم بينهما. فبموجب هذا العقد يلتزم البنك بالوفاء بقيمة السلعة أو الخدمة التي أداها التاجر لحامل البطاقة، وبإصدار البطاقة بشكل معين وبإعلان التاجر بالبطاقات المبلغ عن فقدها أو سرقتها. وفي المقابل يلتزم التاجر تجاه البنك بقبول التعامل بالبطاقة([17])، وبمنح الخدمة أو السلعة لحامل البطاقة دون المطالبة بالسداد الفوري منه وبذات القيمة التي يؤديها إلى الغير، وبعدم تجاوز حد إصدار البطاقة أثناء البيع أو تأدية الخدمة، والالتزام بقبول خصم العمولة لصالح البنك من قيمة العملية التي قام بها، والالتزام بتقديم فواتير العملية مصحوبة بالإشعار الموقع عليه من قبل حامل البطاقة، والتحقق من شخصية حامل البطاقة وبصلاحيتها وأخيراً عدم دفع مبالغ نقدية للحامل([18]).
وأخيراً تربط حامل البطاقة بالتاجر علاقة ترتب التزامات لكل منهما تجاه الآخر وهذه الالتزامات ليس مصدرها عقد مبرم بينهما وانما العقد المبرم بين كل منهما والبنك، فالتاجر يلتزم تجاه حامل البطاقة بأن يعطيه السلعة أو يؤدي إليه الخدمة بنفس سعرها ولو كان الدفع نقدي لأجر لا يحمل البطاقة، وفي المقابل يلتزم الحامل بالوفاء بقيمة السلعة أو الخدمة التي أدت إليه إذا لم يتم السداد من قبل البنك([19]).
فإذا أدى كل طرف من أطراف بطاقة الائتمان التزاماته السابقة فلا تثور مشكلة قانونية نتيجة استخدام البطاقة، وعلى العكس فإذا أخل أحد أطراف البطاقة بأخذ التزاماته تجاه الآخر، عندئذ يثور الحديث عن المشكلات القانونية التي تنجم عن هذا الإخلال، وبصفة خاصة حول مدى مساءلته جزائياً للمخالف ونوع الجريمة التي يساءل عنها. أما البيانات التي تتضمنها بطاقة الائتمان فهي اسم حاملها، رقم البطاقة السري، تاريخ إصدار البطاقة ومدة صلاحيتها، توقيع حاملها واسم البنك الذي أصدر البطاقة. والواقع أن بطاقة الائتمان تعد وسيلة مبتكرة للائتمان ولا صلة لها بالأوراق التجارية لأن البيانات الإلزامية التي يجب أن تتضمنها الورقة التجارية ليست ذاتها الواردة ضمن بطاقة الائتمان، فضلاً عن أن الأوراق التجارية تكون قابلة للتداول عن طريق التظهير بينما بطاقة الائتمان لا يمكن تداولها إلا من خلال حاملها الشرعي وغير قابلة للانتقال للغير.


([1]) Bouilhol H. La Loi du 2 decembre 1991 relative a La securite des cheques et des cartes de paiement, Rev. No. 529, 1992, p. 681.
([2]) د. غنام محمد غنام، الحماية الجنائية لبطاقات الائتمان الممغنطة، والمنشور على شبكة الانترنت، موقع الدليل الإلكتروني للقانون العربي والمتاح على الرابط الإلكتروني www.arablawinfo.com
([3]) د. زين محمد الزماني، التزوير والتزييف عن طريق بطاقات الائتمان، مجلة المحامي، ع3، الرياض، 1421هـ، ص52.
([4]) د. أبو الوفا محمد أبو الوفا إبراهيم، المسئولية الجنائية عن الاستخدام غير المشروع لبطاقة الائتمان في القانون المقارن والفقه الإسلامي، بحث مقدم إلى مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون لكلية الشريعة والقانون وغرفة تجارة وصناعة دبي والذي عقد في دولة الإمارات العربية المتحدة للفترة من 10-12/5/2003، ص2044.
([5])د. فايز رضوان، بطاقات الوفاء، ط1، المطبعة العربية، القاهرة، 1990، ص71.
([6]) Cavalda, Le droit penal des cartes de paiement et de credits, Dalloz, 1994, p.1.

([7]) د. جميل عبد الباقي الصغير، القانون الجنائي والتكنولوجيا الحديثة، الكتاب الأول (الجرائم الناشئة عن استخدام الحاسب الآلي)، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص34؛ د. علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، ص543.
([8]) فداء يحيى أحمد الحمود، النظام القانوني لبطاقة الائتمان، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1999، ص13.
([9]) د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، البطاقات البنكية الاقراضية والسحب المباشر من الرصيد (دراسة فقهية قانونية اقتصادية تحليلية)، ط1، دار القلم، دمشق، 1998، ص23-31.
([10]) د. جميل عبد الباقي الصغير، الحماية الجنائية والمدنية لبطاقات الائتمان الممغنطة، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص13.
([11]) د.عوض بدير الحداد، تسويق الخدمات المصرفية، ط1، البيان للطباعة والنشر، القاهرة، 1999، ص20.
([12]) د. كيلاني محمود، النظام القانوني لبطاقات الوفاء والضمان، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، 1996، ص201.
([13]) إبراهيم زكي، بطاقة الائتمان والمثلث الخفي، مجلة البنوك، ص76؛ د. زين محمد الزماني، مصدر سابق، ص53.
([14]) د. عمر فاروق الحسيني، تأملات في الحماية الجنائية لنظام الحاسب الآلي. تقرير مقدم إلى اتحاد المصارف العربية في دورته التدريبية التي عقدت في القاهرة بتاريخ 25/9/1991.
([15])هدى غازي محمد عطا الله، الجوانب القانونية للبطاقات الائتمانية، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، 1997، ص5.
([16]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص57؛ إبراهيم زكي، مصدر سابق، ص78.
([17]) Aubrey, Commercial and Consumer Credit, London, 1982, p. 329.
([18]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص 426، 580.
([19]) ابراهيم زكي، مصدر سابق، ص79؛ د. زين محمد الزماني، مصدر سابق، ص53.





المطلب الثالث: الطبيعة القانونية لبطاقة الائتمان

لكي يكون في مقدورنا من بيان نطاق الحماية الجزائية لبطاقة الائتمان الإلكترونية في ظل التشريعات الجزائية العربية، علينا أن نحدد أولاً طبيعتها القانونية. وقد أثار عدم التنظيم القانوني للعقود التي تعد الأساس القانوني للوفاء ببطاقة الائتمان خلافاً محتوماً حول طبيعتها القانونية لوجود مزج كبير لصور ومفاهيم قانونية لهذا العقد بسبب الصياغة المتبعة لها والتي تنفرد بها، بهدف ضمان استيفائها لحقوقها كاملة.
يوجد هنـاك أكثر من رأي بصدد تحديد الوصف القانوني لبطاقة الائتمان الإلكترونية:
الرأي الأول:
يرى أن التعامل ببطاقة الائتمان الإلكترونية مع الغير سواء أكانوا تجاراً أو شركات يعتبر وكالة يتم بمقتضاها توكيل حامل البطاقة البنك الذي أصدر البطاقة في دفع ثمن السلعة أو الخدمة التي حصل عليها ثم يخصمها البنك من حسابه الموجود لديه. إذن هذا الرأي يرى بوجود عقد وكالة، الموكل هو حامل البطاقة والوكيل هو البنك، وهذا هو رأي القضاء الإنكليزي في طبيعة الوفاء ببطاقة الائتمان([1]). إلا أن هذا الرأي منتقد للأسباب التالية:
1-     إن هذا الوصف يخالف ما هو معمول به في التداول ببطاقة الائتمان وتحديداً مع بعض القوانين التي خصصت نصوصاً قانونية لحماية بطاقة الائتمان من أي اعتداء.
2-     إن بعض القوانين ومنها القانون الفرنسي لا يجيز الرجوع في أمر الدفع إلا في الحالات التي تفقد فيها البطاقة، أو تسرق، أو في حالة التصفية القضائية، بالإضافة إلى أن طبيعة الحوالة تمكن الآمر بالدفع أن يلغي الحوالة متى أراد، إلا أن هذه الميزة لا توجد عند استخدام بطاقة الائتمان. ومن ثم يعد الدفع عن طريق بطاقة الائتمان باعتبارها وكالة لا شك أن فيه مخالفة للواقع العملي والميداني والقانوني([2]).
الرأي الثاني:
يذهب هذا الرأي إلى القول بأن بطاقة الائتمان الإلكترونية هي نقود إلكترونية تشبه العملات الأخرى كالنقود الورقية والمعدنية المعترف بها في التداول قانوناً وتعاملاً ([3])، إلا أن هذا الرأي منتقد لأنه يتجاهل الصفة الذاتية للنقود باعتبارها أداة للوفاء والتعامل والقبول الإلزامي بين الأفراد وهي قابلة أيضاً لإعادة الاستعمال من عدة أشخاص. وهذا مالا يتلاءم وبطاقة الائتمان التي تعد من النقود المكتوبة ويتم تداولها بطريقة آلية عن طريق استعمالها بأدوات إلكترونية حديثة ومن ثم فهي غير قابلة للتداول.
الرأي الثالث:
يذهب إلى القول بأن بطاقة الائتمان الإلكترونية هي أداة للوفاء بطبيعتها مستحقة الدفع بمجرد الإطلاع عليها ولا يجوز الرجوع فيها إلا وفقاً للحالات المحددة على سبيل الحصر في الاتفاق والمتمثلة في فقدانها أو سرقتها أو انتهاء العمل بها بين العميل والبنك، وهي بذلك تتشابه مع الشيك كأداة للوفاء بمجرد الإطلاع لا يجوز تحويله إلى أداة ائتمان فقط. ويمكن القول بعدم إمكانية إخضاع بطاقة الائتمان الإلكترونية لنفس أحكام الشيك لاختلاف كل منهما شكلاً وموضوعاً وحماية قانونية، مما يستدعي خضوع كل منهما لقواعد خاصة به من حيث التجريم والمسؤولية.
الرأي الرابع:
إن بطاقة الائتمان لها طبيعة خاصة مميزة، فعقد بطاقة الائتمان هو مزيج من الوكالة والضمان والتعهد عن الغير والقرض، وان جانب الضمان أو الكفالة هو الأغلب، لأن ذمة العميل حامل البطاقة تبرأ أمام التاجر بثمن المشتريات بمجرد تقديم البطاقة بضمان وكفالة مصدر البطاقة الذي يقوم بالوفاء فيما بعد([4]).


([1]) Howard Johson, credit cards. International Banking Law, Nov. 1988, pp. 82-83.
([2]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص109؛ د. محمد صبحي نجم، المسؤولية الجزائية عن الاستخدام غير المشروع لبطاقة الائتمان، بحث مقدم إلى مؤتمر الأعمال المصرفية الإلكترونية بين الشريعة والقانون لكلية الشريعة والقانون وغرفة تجارة وصناعة دبي الذي عقد في دولة الإمارات العربية المتحدة للفترة من 10-12/5/2003، ص1163.
([3]) Tronche, La monaie electrinique, Revue de La association nationale en Droit, No. 42, 1982, p. 3.
([4]) د. ابو الوفا محمد ابو الوفا ابراهيم، مصدر سابق، ص2047.





المطلب الرابع: تمييز بطاقة الائتمان عن غيرها من البطاقات المصرفية

أولاً: تمييز بطاقة الائتمان عن بطاقة التحويل الإلكتروني
تختلف بطاقة الائتمان عن بطاقة التحويل الإلكتروني عند محلات البيع والشراء، فبطاقة التحويل الإلكتروني هي بطاقة حسم فوري تعمل عند توفر ربط إلكتروني مباشر بين البنك والمحل التجاري الذي يتم عنده الدفع وتتكون شبكة التحويل الإلكتروني عند محلات البيع من حساب مركزي يرتبط بحسابات جميع البنوك الأعضاء بشبكة التحويل الآلي، وكذا بجميع الأجهزة الإلكترونية التي يتم احتيالها ووضعها في المحلات التجارية من قبل البنوك. وقد ترتبط هذه الأجهزة الإلكترونية مباشرة بحسابات البنوك دون أن تمر من خلال الكمبيوتر المركزي. وبذلك تقوم بطاقة التحويل الإلكتروني عند المحلات التجارية بأداء دور بطاقة الوفاء حيث تحول إلى الحسابات من حساب العميل إلى حساب التاجر بشكل فوري([1]).
ثانياً: تمييز بطاقة الائتمان عن بطاقات ضمان الشيكات
تختلف بطاقة الائتمان عن بطاقات ضمان الشيكات والتي تعطي للعميل إمكانية السحب الأسبوعي أو الشهري لمبلغ محدد بواسطة الشيك وذلك من كل البنوك المنظمة لهذا النظام، ويضمن البنك مصدر هذه البطاقات الوفاء بقيمة الشيكات التي يصدرها العميل حامل البطاقة، لذا تعد نوعاً من أنواع الضمان الصادر في ورقة مستقلة. ويتعين أن يضع العميل رقم البطاقة على ظهر الشيك حتى يستطيع المستفيد الإفادة من هذا الضمان([2]).
ثالثاً: تمييز بطاقة الائتمان عن بطاقة الدفع (الوفاء)
تختلف بطاقة الائتمان عن بطاقة الدفع التي تعرف على أنها بطاقة تصدرها إحدى مؤسسات الائتمان يسمح لحاملها بسحب أو تحويل مبلغ من النقود([3]). فبطاقة الدفع الفوري بهذا المعنى تتضمن إلزاماً من جانب المؤسسة المالية التي أصدرتها بدفع مبلغ معين من النقود فوراً لحاملها أو لشخص آخر يعينه حامل البطاقة وفقاً للشروط المنصوص عليها في عقد الإصدار فيستطيع حامل البطاقة دفع قيمة المشتريات لدى تجار معتمدين من المؤسسة المالية المصدرة، أو من مؤسسة مالية أخرى ترتبط بالمؤسسة المصدرة بمجرد تقديم البطاقة وتكوين رقمه الشخصي فيتم تحويل المبلغ المطلوب من حساب الحامل (المشتري) إلى حساب التاجر المستفيد (البائع)([4]).
وهكذا يتبين لنا أن المقصود بالدفع الفوري، أن يصير تسجيل المبلغ على حساب العميل فور ورود القيد أو فاتورة الحساب إلى البنك.
وهكذا تمثل بطاقة الدفع بديلاً للنقود والشيكات وبطاقات الائتمان في محلات البيع والشراء، حيث انه يتم القيد على حساب العميل المشتري فوراً في وقت ومحل البيع أو سحب النقود، ويمكن أيضاً استخدامها للسحب النقدي من فروع المؤسسة المالية أو أجهزة الصراف الآلي.
فمن الواضح أن بطاقة الدفع تختلف عن بطاقة الائتمان، حيث تستهدف بطاقة الائتمان توفير تسهيلات للحامل لسداد مدفوعاته، حيث تصدر عادة لطائفة منتقاة من العملاء ومن أمثلتها بطاقة الأمريكان اكسبريس وبطاقة الأيروكارت وبطاقة دينركلب وذلك من خلال مؤسسات مالية غير تلك التي يوجد لديها حساب العميل، فتدفع المؤسسة المصدرة لبطاقة الائتمان قيمة ما أجراه العميل من مشتريات للبائع المعتمد. ثم تحصل على المبالغ المستحقة لها بعد ذلك وفي مواعيد متفق عليها من العميل نقداً أو بشيك أو بتمويل مصرفي أو بأي طريقة أخرى. ومن الممكن أن تؤدي بطاقة الائتمان الوظيفتين معاً فتستخدم كأداة للدفع ووسيلة للائتمان([5]).
رابعاً: تمييز بطاقة الائتمان عن البطاقة الذكية
البطاقة الذكية وهي بطاقة بلاستيكية ذات مقاييس ومواصفات معينة وتحتوي هذه البطاقة على رقائق إلكترونية، يمكن للعميل شحنها بمبلغ محدد من النقود من حسابه بواسطة جهاز الصراف الآلي، وتخزن عليها كافة البيانات الخاصة بحاملها مثل الاسم والهاتف والعنوان والبنك المصدر والمبلغ المصروف عند دفع قيمة المشتريات لدى التاجر. وتبين البطاقة الرصيد المتبقي بعد كل عملية شراء ودفع وبالتالي تعمل كمحفظة نقود إلكترونية وصولاً لمجتمع لا يستخدم النقود ولا يشترط أحياناً أن يكون لحامل البطاقة الذكية حساب جاري أو وديعة لدى البنك، بل يمكنه دفع المبلغ الذي يريده إلى البنك مقابل شحن البطاقة به فإذا أنفقه لا يتمكن من استعمال البطاقة إلا بعد شحنها مرة أخرى بمبلغ جديد. فهي عبارة عن كمبيوتر متنقل وتمتاز هذه البطاقة بحماية كبيرة ضد التزوير والتزييف أو سوء الاستخدام من قبل الغير([6]).
تاريخياً، فقد اخترعت البطاقة الذكية عام 1974 وبدأ استخدامها سنة 1981 من قبل شركة (Philips) ثم أخذت في الانتشار، حيث أصبحت البطاقة الذكية في بريطانيا بعد عام 1995 ممثلة لكل أنواع العملات الإنكليزية ولها جهاز أمان يمكن صاحبها من غلقها برمز خاص يمنع استعمالها من قبل الآخرين وهي مزودة بتنظيم له القدرة على معالجة الذاكرة وجهاز الأمان. ومن البطاقات الذكية الشهيرة على مستوى العالم بطاقة (Mondex) وهي عبارة عن محفظة نقود إلكترونية، بحيث توفر لحاملها جميع مزايا الأوراق النقدية إلى جانب إمكانية شحنها عن طريق التلفون وتمثل وسيلة دفع للمشتريات المختلفة من السلع والخدمات سواء من المحلات التجارية أو عبر شبكة الانترنت. وتعد البطاقة الذكية اليوم واحدة من أهم وسائل الدفع التي تحل محل النقود الاعتيادية حيث شاركت في ازدهار النمو المتسارع للتجارة الإلكترونية، غير أن أكثر البطاقات الائتمانية لدى البنوك ليست ذكية وعلى ذلك فالبطاقة الذكية تعد بطاقة دفع وليست بطاقة ائتمان([7]).
خامساً: تمييز بطاقة الائتمان عن بطاقة الصراف الآلي
تمكن بطاقة الصراف الآلي حاملها من سحب مبالغ نقدية من حسابه بحد أقصى متفق عليه من خلال أجهزة خاصة، وهي لا تقدم أي ائتمان للعميل، إنما هي أداة سحب المبالغ المودعة من قبله، ولا يتم صرف أي مبلغ عن طريقها في حالة عدم وجود رصيد للعميل، كما أن التاجر لا يقبل هذه البطاقة لسداد قيمة المشتريات حتى وان كان هناك رصيد للحامل([8]). ومن ثم تختلف بطاقة الائتمان عن بطاقة الصراف الآلي التي تمثل أدوات لتوفير الخدمة الذاتية بنوعية أحسن وبتكلفة أقل، حيث تشير التقديرات إلى أن كلفة تنفيذ عملية مصرفية بواسطة جهاز الصراف الآلي تشكل فقط 10% من كلفة تنفيذها بالطريقة التقليدية البيروقراطية عبر المكاتب الإدارية والموظفين. وتتجه المصارف العالمية نحو دمج أنواع بطاقات المعاملات الدائنية في بطاقة واحدة تستخدم داخل حدودها وخارج حدودها وذلك بدمج بطاقة الائتمان والتحويل الإلكتروني والصراف الآلي في بطاقة واحدة، حيث تحمل البطاقة شعار البنك جنباً إلى جنب مع شعار المنظمات العالمية مثل (Visa Card, Master Card, American Express Card)،كما يمكن لحاملي البطاقات العالمية من استخدام بطاقاتهم داخل البلاد على أجهزة التحويل الإلكتروني([9]).
سادساً: تمييز بطاقة الائتمان عن بطاقة الوفاء المؤجل
تختلف بطاقة الائتمان عن بطاقة الوفاء المؤجل وهي التي يتم فيها خصم المبلغ بالكامل آخر كل شهر ويستفيد العميل بفترة سماح بغض النظر عن تاريخ شرائه للسلعة أو الخدمة ودون تسجيل أية فوائد مديونية على حسابه. وينحصر دور هذه البطاقات في كونها أداة للوفاء بثمن البضائع والخدمات التي يحصل عليها العميل من بعض التجار المقبولين لدى الجهة التي أصدرت البطاقة، ولا يقوم حامل البطاقة بدفع ثمن البضائع والخدمات التي يحصل عليها فوراً أو بشيك، ولكنه يقتصر على تقديم بطاقة الوفاء الخاصة به إلى التاجر الذي يقوم بدوره بتدوين بياناتها في فاتورة من ثلاث نسخ يوقعها العميل، يحتفظ التاجر بإحداها ويعطي الثانية للعميل ويرسل الثالثة إلى البنك – الذي يقوم بتجميع الفواتير الموقعة من العميل – لتسديد قيمتها في نهاية الشهر مع خصم المبلغ من الحساب الجاري للعميل لديه لأن مصدر البطاقة سواء أكان مصرفاً أو مؤسسة مالية يمسك للعميل حساب وديعة أو حساب جاري، ويسترد حقوقه منه بالقيد في الحساب وليس بالمطالبة عن كل فاتورة. ويلاحظ أن العميل بموجب هذا النوع من البطاقات يتمتع بأجل حقيقي للوفاء بثمن البضائع والخدمات التي حصل عليها، لذا فإنها تعد أداة للوفاء خالصة، ولا تتضمن أية تسهيلات ائتمانية من البنك. وتحتل بطاقات الوفاء أعلى درجة في الضمان للتاجر الذي يقبل الوفاء بها، حيث تلتزم الجهة المصدرة لها بالوفاء، فهي تؤدي وظيفة الشيك المعتمد من البنك المصدر لضمان الوفاء لحامله([10]).


([1]) المصدر أعلاه.
([2]) د. سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص309.
([3]) انظر نص المادة (57-1) من قانون حماية الشيكات وبطاقة الدفع الفرنسي رقم (91-1382) لسنة 1991.
([4]) Martin, D., Analyse Juridique du reglement par carte de payement. Dalloz, 1987, p. 51.
([5]) د. علي سيد قاسم، قانون الاعمال، ج3 (وسائل الائتمان التجاري وأدوات الدفع في القانون رقم 17 لسنة 1999)، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص461.
([6])انظر منتدى القانون العماني والمتاح على الرابط الإلكتروني التالي:
([7]) خليل النجار، الخدمات المصرفية الجديدة، مجلة البنوك، ع(6)، المجلد التاسع عشر، 2001، ص12؛ د. سحنون محمود، النظام المصرفي والبطاقات البلاستيكية، بحث مقدم إلى مؤتمر تشريعات عمليات البنوك بين النظرية والتطبيق والذي نظمته كلية القانون بالتعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة اليرموك، إربد في الفترة من 22-24/12/2002.
([8]) نداء كاظم المولى، الطبيعة القانونية لنظام البطاقة المصرفية والمنشور على شبكة الانترنت، موقع المكتبة الإلكترونية المجانية www.fiseb.com.
([9]) د. جوزيف طربية، الصيرفة الإلكترونية (تطبيق التكنولوجيا للصمود والنجاح في الاقتصاد الجديد)، مجلة اتحاد المصارف العربية، ع(244)، المجلد (21)، بيروت، 2001، ص13.
([10]) د. سميحة القليوبي، مصدر سابق، ص309.



المبحث الثاني: إساءة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية من قبل مالكها

إذا صدرت بطاقة الائتمان من الجهة المختصة بإصدارها وهي غالباً ما يكون البنك واستعملت من قبل حاملها وهو من صدرت باسمه وإلا يتعدى استخدامه لها الرصيد المسموح له به وكان استعماله لها خلال فترة صلاحيتها وفي حدود المصرح به وفقاً للعقد المبرم بينه وبين البنك. كان استخدامه لبطاقة الائتمان صحيحاً ومشروعاً وقانونياً.
لكنه بمفهوم المخالفة يكون استعمال بطاقة الائتمان الإلكترونية من قبل مالكها غير مشروع متى تعسف في استعماله لها في غير الحدود المصرح له به رغم صلاحيتها، أو استعمالها رغم عدم صلاحيتها وكذلك في حصوله بصورة غير مشروعة على بطاقة الائتمان من الجهة المختصة بإصدارها، أي أن وسيلة الحصول كانت غير مشروعة، عندئذ يساءل الحامل جزائياً لمجرد امتناعه عن رد البطاقة أو استمراره في استخدامها بعد إلغائها من البنك المصدر لها، أو استمراره في استخدامها بعد انتهاء مدة صلاحيتها، حيث يساءل جزائياً عن هذا الاستخدام السيئ.
عليه تم تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، تناولنا في المطلب الأول إساءة استخدام بطاقة الائتمان خلال فترة صلاحيتها وفي المطلب الثاني إساءة استخدام بطاقة الائتمان بعد انتهاء صلاحيتها وفي المطلب الثالث الحصول غير المشروع على بطاقة الائتمان.



المطلب الأول: إساءة استخدام بطاقة الائتمان خلال فترة صلاحيتها :

رغم أن بطاقة الائتمان صالحة للاستعمال وصحيحة ورغم أن مستعملها هو من صدرت باسمه، الا انه يتصور أن تستخدم بصورة غير مشروعة، أي أن يساء استخدامها من قبل حاملها ويتخذ ذلك أحد صورتين. أولهما السحب من جهاز توزيع العملة رغم عدم وجود رصيد كاف له، وثانيهما الحصول على بضائع أو خدمات تتعدى المبلغ الذي حدده البنك مصدر البطاقة. عليه فقد تم تقسيم هذا المطلب إلى فرعين، تناولنا في الفرع الأول السحب من جهاز توزيع العملة رغم عدم وجود رصيد كاف وفي الفرع الثاني الوفاء بقيمة البضائع والخدمات رغم عدم وجود رصيد كاف.


الفرع الأول: السحب من جهاز توزيع العملة رغم عدم وجود رصيد كاف :

يلتزم حامل البطاقة بعدم سحب مبالغ من الجهاز الآلي لتوزيع النقود يتعدى الرصيد المسموح به، ومن ثم فقد يستعمل الحامل تلك البطاقة في سحب مبلغ نقدي يفوق المسموح به وفقاً للنظام المعمول به لهذه البطاقة. وهكذا يعد قيام حامل البطاقة بسحب نقود أكثر من الرصيد المسموح به عملاً غير مشروع لانطوائه على إخلال بالتزاماته تجاه مصدر البطاقة الائتمانية له. عندئذ يثار التساؤل التالي: هل يندرج تصرفه هذا تحت النصوص القانونية التجريمية التقليدية؟ أم يحتاج الأمر إلى تدخل المشرع الجنائي لتجريم هذا السلوك بنص قانوني تجريمي جديد باعتباره جريمة مستقلة؟ ام أن الأمر لا ينطوي على جريمة، وكل ما ينطوي عليه مجرد إخلال بالتزاماته العقدية ومن ثم يقتصر الأمر على تحقق مسؤوليته المدنية!
في ضوء موقف القضاء والفقه، يمكننا التمييز بين رأيين في هذا الصدد:
الرأي الأول:
يرى جانب من الفقه يؤيده العديد من أحكام القضاء الجنائي الفرنسي أن السلوك الذي صدر من حامل بطاقة الائتمان في هذه الواقعة يخضع لنصوص قانون العقوبات. لكنهم اختلفوا فيما بينهم حول التكييف السليم لهذه الواقعة، اتجه رأي في الفقه إلى اعتبار الأمر يشكل جريمة خيانة أمانة باعتبار أن العميل حامل البطاقة تسلم من البنك بطاقة الائتمان على سبيل الأمانة وقام باستعمالها بطريقة تعسفية متوصلاً بذلك إلى الاستيلاء على مال للبنك([1]). الا أن هذا الرأي منتقد استناداً إلى أن العميل حامل البطاقة لم يتسلم بطاقة الائتمان على سبيل الأمانة بمقتضى عقد من عقود الأمانة.
فذهب رأي آخر إلى القول باعتبار الأمر يشكل جريمة سرقة يؤيده في ذلك بعض أحكام القضاء الجنائي الفرنسي في بداية الأمر ([2])، إلا أن هذا الرأي انتقد أيضاً لأن البنك ومن خلال جهازه الآلي قام بتسليم العميل حامل البطاقة، فذهب رأي ثالث بمسألته عن جريمة احتيال، حيث اتجه أحد أحكام القضاء الجنائي الفرنسي إلى هذا الوصف([3])، إلا أن هذا الرأي انتقد لأن الأمر لا يتعلق ببطاقة مزورة، كما لا يتعلق باستعمال بطاقة الغير بدون موافقته أي انه لا يتضمن انتحالاً لصفة غير صحيحة.
هذا الخلاف الفقهي أصبح الآن عبارة عن فروض نظرية، لأن هذه الصورة من الاستخدام اللامشروع لبطاقة الائتمان من قبل حاملها لم يعد لها تطبيق عملي اليوم لعدم تصور ارتكابها غالباً بسبب نجاح التقنيات العلمية في المجال الإلكتروني في برمجة الأجهزة الآلية لتوزيع النقود وكذلك المحلات التجارية وكل الأماكن التي يمكن التعامل معها بالبطاقة بحيث تعطي بيان للتاجر عن حالة البطاقة ما إذا كانت ملغية أو أبلغ عن فقدها أو سرقتها أو منتهية الصلاحية أو ليس لها رصيد كاف. كما أن هذه الآلات برمجت على سحب البطاقة في حالة كونها أصبحت غير صالحة للاستعمال وكذلك الامتناع عن صرف نقود تتعدى الرصيد المسموح به لحاملها. ومن ثم نخلص إلى القول إلى عدم انطواء هذا التصرف على جريمة وفقاً للنصوص القانونية التجريمية الحالية([4]).
الرأي الثاني:
على نقيض الرأي الأول، حيث يرى جانب كبير من الفقه يؤيده موقف القضاء الجنائي الفرنسي الحالي بعدم انطباق النصوص القانونية التجريمية في قانون العقوبات على هذه الواقعة، ومن ثم لا ينطوي قيام حامل البطاقة الائتمانية بسحب نقود أكثر من الرصيد المسموح له به على جريمة وان الأمر في حقيقته لا يعدو أن يكون إخلالاً بأحد الالتزامات التعاقدية مع البنك والتي قد تمنح مصدر البطاقة الحق في اتخاذ إجراءات إدارية كسحب البطاقة أو ترتب مسألته مدنياً([5])، وهذا ما اتجهت إليه محكمة النقض الفرنسية التي استبعدت وصف الجريمة ولم ترى في سلوك المتهم غير فعل يبرر المسؤولية المدنية لحامل بطاقة الائتمان([6]).

الفرع الثاني: الوفاء بقيمة البضائع والخدمات رغم عدم وجود رصيد كاف :

إذا قدم حامل البطاقة الائتمانية بطاقته إلى أحد المتاجر لشراء بضائع منه أو للحصول على خدمة منه دون دفع قيمتها نقداً معتمداً على بطاقة الائتمان التي في جيبه، حيث يحل البنك المصدر لها محله في الوفاء بقيمة عملياته هذه ليقوم هو بعد ذلك خلال المدة الممنوحة له بالسداد إلى البنك مستفيداً من المهلة المعطاة له على سبيل الائتمان، واكتشف صاحب المتجر أو البنك بعد ذلك عدم وجود رصيد كاف لحامل البطاقة لتغطية قيمة هذه العملية التجارية، فماذا يفعل كل من التاجر أو البنك؟
ابتداءً نقول أن على الجهة التي أصدرت بطاقة الائتمان يقع عليها التزام بسداد قيمة ما حصل عليه الحامل من مشتريات في حدود المبلغ المسموح به، أما فيما يجاوز هذه الحدود، فان الجهة المصدرة للبطاقة لا تقوم بالوفاء إلا بشرط التحصيل من العميل. وتفادياً لذلك، فان على التاجر – حتى يضمن التحصيل من البنك – في حالة تجاوز المشتريات الحد المسموح به بموجب البطاقة، أن يحصل على موافقة الجهة التي أصدرت البطاقة على عملية البيع من خلال الاتصال الهاتفي بمركز الإذن إذا كان مجهزاً بآلة الطباعة اليدوية، أو قيام الآلة نفسها بالاتصال آلياً إذا كان التاجر مجهزاً بآلة إلكترونية، عندئذ لن يتضرر التاجر لأنه سوف يحصل على حقه من البنك المصدر للبطاقة، حيث سيقوم البنك بالدفع على المكشوف مبالغ نقدية قد لا يحصل عليها ويتحملها باعتبارها من مخاطر المهنة ولا يملك إزاء العميل سوى إلغاء بطاقة الائتمان ورفض تجديد عقد إصدارها في المستقبل. أما إذا أغفل التاجر الحصول على هذه الموافقة فانه سوف يقوم بعملية البيع على مسؤوليته ولا يلتزم البنك المصدر للبطاقة بالوفاء له([7]).
أما إذا كان حامل البطاقة سيء النية، فهل ينطوي فعله – المتمثل باستخدامه بطاقة الائتمان في الحصول على بضائع وخدمات بما يجاوز الحد المسموح به دون أن يكون في مقدوره ولا في نيته سداد قيمة ما حصل عليه – على جريمة ما؟ وهل يمكن مسألته جزائياً، وعن أي جريمة يمكن نسبه ارتكابها إليه؟ لقد اختلفت الآراء فقهاً وقضاءاً في مسؤولية حامل بطاقة الائتمان سيء النية في رأيين:
الرأي الأول:
يرى بمساءلة حامل بطاقة الائتمان جزائياً عن جريمة احتيال في مواجهة التاجر، لأنه بتقديمه البطاقة إلى التاجر متجاوزاً الحد المسموح به يعد مرتكباً لوسيلة احتيالية من شأنها الإقناع بوجود ائتمان وهي مما تقوم به جريمة الاحتيال([8]).
ويستند هذا الرأي إلى أن القضاء الجنائي الفرنسي أخذ به في بعض المحاكم، من ذلك حكم محكمة (Douai) الذي أدان حامل بطاقة الائتمان بتهمة الاحتيال، لأنه استخدم بطاقة الائتمان العائدة له ودفتر الشيكات في سحب أوراق البنكنوت من فرع آخر للبنك خلافاً للفرع القائم بمسك حساب العميل، حيث ينطبق هذا الحكم على حالة الوفاء للتجار باستخدام بطاقة الائتمان عند تجاوز الحد المسموح به([9]).
إلا أن هذا الرأي يؤخذ عليه، انه لا يجوز القياس في نطاق التجريم والعقاب ولأنه إذا كان يمكن استنباط القصد الجنائي من مجرد واقعة غياب الرصيد في يوم السحب بشيك بالنسبة لدفتر الشيكات، فإنه من الصعب إثبات تحقق القصد الجنائي لحظة استخدام بطاقة الائتمان خاصة وان الحامل لم يقم بإغلاق حسابه في البنك. أضف إلى ما تقدم، أن مجرد تقديم بطاقة الائتمان لا يعد استعمالاً لطرق احتيالية، لاسيما وان التاجر يعلم بالمبلغ الذي يلتزم البنك بالوفاء به، مما يعدم أساس قيام جريمة الاحتيال([10]).
الرأي الثاني:
يرى بعدم انطواء هذه الواقعة عن جريمة في ضوء نصوص قانون العقوبات ومن ثم عدم ارتكاب حامل بطاقة الائتمان جريمة احتيال في مواجهة التاجر لأنه يعلم تماماً بموجب العقد الذي بينه وبين الجهة المصدرة للبطاقة بالحد الأقصى للمبلغ الذي يلتزم البنك بسداده، لذا فان التاجر يقوم بالعملية على مسؤوليته. ولا يقبل من التاجر الإدعاء بأنه قدم البضائع والخدمات نتيجة خداعه والتحايل عليه من حامل البطاقة، حيث لم يصدر من الحامل طرقاً احتيالية من شأنها الإيهام بوجود ائتمان، ومجرد تقديم بطاقة الائتمان لا يشكل طرقاً احتيالية تقوم بها جريمة الاحتيال بسبب معرفة التاجر سلفاً بالحد الأقصى للمبلغ الذي يلتزم البنك بالوفاء به([11]). وإذا انتفى استعمال حامل بطاقة الائتمان لطرق احتيالية، فإنه لا يمكن مسألته عن جريمة احتيال، وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي المصري حيث قضت محكمة النقض المصرية (لإمكان تطبيق المادة 293 عقوبات، يجب إثبات أن المتهم استعمل مع المجني عليه من الطرق الاحتيالية، مما كان من شأنه غش هذا الأخير وتضليله) وفي قرار آخر لها (بما أن جريمة النصب لا تقوم إلا على الغش والاحتيال، والطرق الاحتيالية التي بينها قانون العقوبات في المادة 236 كوسائل للاحتيال، يجب أن تكون موجهة إلى خداع المجني عليه وغشه، وإلا فلا جريمة)([12]).
وقد أخذ القضاء الجنائي الفرنسي بهذا الرأي، حيث قضت بعض المحاكم الفرنسية ببراءة حامل بطاقة الائتمان من تهمة الاحتيال لأن تسديد قيمة الفواتير مؤجل إلى حين ورود كشف الحساب الشهري. كما قضت محكمة النقض الفرنسية بأن حقيقة تجاوز صاحب الحساب لحد الائتمان المسموح به، لا يشكل جريمة احتيال أكثر من كونه جريمة سرقة([13]).
فكل ما في الأمر أنه لا يتعدى كونه مجرد إخلال حامل بطاقة الائتمان بالتزاماته التعاقدية مع البنك مصدر البطاقة، مما أدى ببعض شراح القانون الجنائي إلى مطالبة المشرع الجنائي بالتدخل لإيجاد نص قانوني جديد لتجريم هذا التصرف في قانون العقوبات، لأنه مما يتعارض مع قواعد العدالة أن يعاقب الشخص الذي يصدر شيكاً بدون رصيد ولو كان بمبلغ بسيط، بينما لا يساءل جزائياً حامل بطاقة الائتمان الذي يقوم بتسديد مشترياته بالرغم من تجاوز الحد المسموح به من مصدر البطاقة مع أن بطاقة الائتمانتستخدم مثل الشيك كأداة وفاء([14]).
ولم يحظ هذا الرأي بالقبول من قبل البعض الآخر من شراح القانون الجنائي، لأنه لا يمكن مساواة بطاقة الائتمان بالشيك، حيث انه إذا لم يكن للشيك رصيد، فسوف يرفض البنك الوفاء بقيمته، وذلك على عكس الحال في بطاقة الائتمان، إذ الفرض أن حامل بطاقة الائتمان حصل على المشتريات أو الخدمات من التاجر فعلاً ولأن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يمنع القياس في نطاق التجريم([15]). وفي الحقيقة، أن هذا الرأي بمطالبته تدخل المشرع الجنائي لإيجاد نص قانوني يجرم فعل حامل بطاقة الائتمان الذي يستخدم بطاقته فيما يجاوز الحد المسموح به على غرار تجريم إصدار شيك بدون رصيد لا يعد قياساً، لأن القياس هو إلحاق حكم من مسألة نص على حكمها إلى مسألة لم ينص على حكمها لاتحادهما في العلة، وغايته مواجهة نقص النصوص بحيث تعالج الحالات التي لم يورد لها الشارع حكماً على ضوء الحالات التي أورد المشرع حكماً لها متى كانت العلة واحدة في الحالتين([16]). لكن ذلك لا يعني بأننا نؤيد الرأي الذي ينادي بضرورة تدخل المشرع الجنائي لتجريم تصرف حامل بطاقة الائتمان على غرار تجريم إعطاء شيك من دون رصيد، بسبب أن من صلب واجبات التاجر أن يرفض تقديم البضائع وتأدية الخدمات لحامل بطاقة الائتمان عند تجاوزه للحد المسموح به لمعرفة التاجر مسبقاً بسقف المبلغ النقدي.
أضف إلى ما تقدم، أن التشريعات الجزائية تتدخل بتجريم فعل إعطاء شيك من دون رصيد ليس لحماية المصارف، فالبنوك من واجبها بذل الجهد اللازم للتأكد من وجود رصيد قبل صرف قيمة الشيك، وإلا كانت مسؤولة عن الصرف. وإنما تدخلها كان حماية لمنفعة عامة تتمثل في ضمان قيام الشيك بدوره كأداة وفاء بمجرد الإطلاع عليه ولأنه قد يستغل بعض ضعاف النفوس الشيكات في الاستيلاء على ثروة الغير بإصدار شيكات ليس لها رصيد حيث لا يتطلب ذلك حيلة أو خدعة، كما أن من يستلم هذه الشيكات لا يشعر ولا يحس وقت تسلمه إياها أنه قد وقع ضحية للساحب.
كل هذه المعاني غير موجودة في بطاقة الائتمان، فالتاجر يعلم مسبقاً بسقف المبلغ المسموح التعامل في حدوده مع حامل بطاقة الائتمان ومن ثم فهو في غير حاجة ملحة لتدخل المشرع لحمايته جزائياً، كما أن غير التاجر ليس في حاجة ملحة أيضاً لمثل هذا النوع من الحماية، لأن بطاقة الائتمان لا تقبل التداول على خلاف الحال في الشيكات التي تقبل التداول بالتسليم أو التظهير. ومع ذلك نجد أن بعض التشريعات الجزائية كالمشرع العماني قد تدخلت وجرمت هذا السلوك([17]).


([1]) Michel Masse. L'utilisation abusive de distributeur automatique de billets, Expertises des systemes dinformation, Nov. 1981, p. 6.
([2]) Trib.Corr. troyes. 27 avril 1976, D. 1977.J.P. 122, rev. Sc. Crim. 1977, J. P.122, Lyon 20 avril 1982, D. 1982, J.P. 538 rev. Sc. Crim 1982, p. 619.
([3]) Angers 2 dec. 1981, G.P., J.P. 704.
([4]) د. محمود أحمد طه، الاستخدام غير المشروع لبطاقة الائتمان، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص20-27.
([5]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص44.
([6]) Crim. 24 Nov. 1983, J.P. 465.
([7]) د. محمد بهجت عبد الله قايد، عمليات البنوك والإفلاس، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص176.
([8]) Aubecle Nadine, Les infractions penales favorisees pas L'informatique, these Montpellier. 1984. p. 92.
([9]) C.A. Douai. 10-3-1976 Revue de trimestrielle de droit commercial 1976 abs Cabrillac (M) et Rives-Lange (J.L) . p. 584.
([10]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص74-75.
([11]) Jeandidier, Wilfrid, Droit penal general. Montchrestien, Paris, 1988, p. 227; Michel Cabrillac et Christian Mouly, Droit penal de La Banque et du credit, Masson, Paris, 1982, p. 240.
([12]) انظر قرار محكمة النقض المصرية المؤرخ في 14/2/1929 وقرارها المؤرخ في 11/12/1944، مجموعة القواعد القانونية، ج1، 6، ص56، 64.
([13]) T.C.I. Paris 9-5-1972. Revue de trimestrielle de droit commercial. 1975. p. 57 abs cabrillac (m) et Rives-Lange (J.L.) .
([14]) د. هدى قشقوش، جرائم الحاسب الإلكتروني في التشريع المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص129-130.
([15]) د. عمر سالم، الحماية الجنائية لبطاقة الوفاء (دراسة مقارنة)، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص58.
([16]) د. محمد سليم العوا، في تفسير النصوص الجنائية (دراسة مقارنة)، ط1، مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، الرياض، 1981، ص627.
([17])انظر نص الفقرة (1) من المادة (276 مكرر/4) من قانون الجزاء العماني.




المطلب الثاني: إساءة استخدام بطاقة الائتمان بعد انتهاء صلاحيتها :

لا تعد بطاقة الائتمان صالحة للاستخدام ولا يمكن تقديمها للتاجر في ثلاث حالات، أولها إذا تم إلغائها من قبل البنك مصدر البطاقة وثانيها إذا انتهت مدة صلاحيتها المبينة في العقد المبرم بين حامل البطاقة والبنك مصدر البطاقة وثالثها إذا أخبر حامل البطاقة عن فقدانها أو سرقتها أو ضياعها.
فإذا افترضنا أن حامل بطاقة الائتمان قام باستخدامها سواء في سحب النقود من الصراف الآلي، أو في الوفاء بقيمة البضائع المشتراة أو الخدمات المؤداة من قبل التاجر الذي قبل التعامل بها مع البنك مصدر البطاقة. فهل ينطوي سلوك حامل بطاقة الائتمان على جريمة وفقاً لنصوص قانون العقوبات؟ أم يحتاج الأمر إلى تدخل المشرع الجنائي لتجريم ذلك بنص قانوني جديد؟
بناء عليه، تم تقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، تناولنا في الفرع الأول إساءة استخدام بطاقة الائتمان الملغاة وفي الفرع الثاني إساءة استخدام بطاقة الائتمان منهية الصلاحية وفي الفرع الثالث إساءة استخدام بطاقة الائتمان الضائعة أو المسروقة.




الفرع الأول: إساءة استخدام بطاقة الائتمان الملغاة

قد يحدث أن تصدر الجهة مصدرة بطاقة الائتمان قرارها بإلغاء بطاقة الائتمان السابق إصدارها لعميلها نتيجة تعسفه في استعمالها سواء بالسحب أو بالوفاء، أو لعدم سداده لمديونياته في المدد المتفق عليه في العقد، وذلك لمواجهة عدم تجريم التعسف في استعمالها على النحو السابق إيضاحه.
فإذا افترضنا أن حامل بطاقة الائتمان قام باستعمالها سواء بالسحب أو بالوفاء رغم إخطاره بإلغاء بطاقة الائتمان التي يحملها من قبل البنك مصدر البطاقة، فهل ينطوي فعله على جريمة؟ وما هي هذه الجريمة؟
هذا ما سنبحثه الآن، وقبل ذلك نبحث إمكانية مدى تجريم مجرد امتناع حامل بطاقة الائتمان عن إرجاعها رغم طلبها من قبل البنك مصدر البطاقة.
أولاً: الامتناع عن إعادة بطاقة الائتمان المنتهية صلاحيتها
إذا انتهت صلاحية بطاقة الائتمان سواء لإلغائها أو لانتهاء مدتها وطلب البنك مصدر البطاقة من حاملها ردها، التزم حامل البطاقة بإعادتها إلى البنك لأنها سلمت إليه كعارية استعمال([1]). فإذا رفض ردها يعتبر حامل البطاقة خائناً للأمانة، لأن البطاقة سلمت إليه على سبيل الأمانة لاستعمالها. وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي الفرنسي حيث قضت محكمة باريس بأحقية البنك في استرداد بطاقة الائتمان، وفرضت غرامة تهديدية على الحامل بمقدار 50 فرنك عن كل يوم تأخير في ردها([2]).
نخلص إلى القول بأن حامل بطاقة الائتمان يعد مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة وما ذلك إلا لاكتمال أركانها فالجاني امتنع عن رد بطاقة الائتمان إلى البنك، رغم ثبوت علمه بالاخطار المرسل إليه من البنك بالرد، حيث تسلم هذه البطاقة إلى الحامل بموجب عقد الانضمام الذي يسمح له على سبيل عارية الاستعمال([3])، استخدامها وإعادتها بعد انتهاء العقد أو إلغائه وتظل البطاقة ملكاً للجهة المصدرة وليس للحامل. وبيان ذلك أن بطاقة الائتمان تعد من قبيل الأشياء، وهي تعد منقولاً ذا طبيعة مادية وهو ما تقع عليه جريمة خيانة الأمانة، كما أن الركن المعنوي لهذه الجريمة يتوافر بقيام الحامل بالاستيلاء على البطاقة وامتناعه عن إعادتها لمن يجب إعادتها إليه، فضلاً عن أن الامتناع عن رد البطاقة إلى البنك رغم طلبها – حتى ولو لم يستعملها بعد ذلك – يعد اختلاساً وهو أحد صور النشاط الإجرامي لجريمة خيانة الأمانة، ومن باب أولى لو استخدمها فإن استخدامه هذا للبطاقة رغم إلغائها لا يجوز ويكشف عن تغيير نيته في نقل حيازته للبطاقة من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة([4]).
ثانياً: استخدام بطاقة الائتمان الملغاة في سحب النقود
إذا قام حامل بطاقة الائتمان الملغاة في سحب النقود من الصراف الآلي فهل يساءل جزائياً؟ وما هو نوع الجريمة؟
اختلف الفقه والقضاء في هذا الصدد، ويمكننا التمييز بين رأيين في هذا الصدد:
الرأي الأول: يرى البعض بمسألته جزائياً عن جريمة احتيال
الرأي الثاني: يرى البعض الآخر بمسألته جزائياً عن جريمة خيانة أمانة.
وفي الواقع أن تصرف حامل بطاقة الائتمان لا يمكن أن يشكل جريمة من الناحية العملية في الوقت الحاضر بسبب نجاح التكنولوجيا الحديثة في برمجة أجهزة الصراف الآلي في اكتشافها لبطاقة الائتمان الملغاة غير الصالحة للاستخدام ومن ثم نخلص إلى القول إلى عدم انطواء تصرف حامل بطاقة الائتمان على جريمة وفقاً للنصوص القانونية التجريمية الحالية([5]).
ثالثاً: استخدام بطاقة الائتمان الملغاة في الوفاء
إذا كانت بطاقة الائتمان تحمل تاريخ انتهائها، وجب على التاجر أن لا يقبلها في الوفاء بثمن المشتريات لأنه ملزم بالتحقق من صلاحية البطاقة للاستعمال، فإذا أهمل ذلك وقبل الوفاء ببطاقة الائتمان الملغاة، فإنه يتحمل تبعة هذا الوفاء ولا يحق له مطالبة البنك مصدر البطاقة بسداد ثمن المشتريات. ونفس الحكم ينطبق في حالة إشعار البنك مصدر البطاقة للتاجر بإلغائها وقبل التعامل بها فلا يحق له الرجوع على البنك لأن تقديم البطاقة الملغاة يعد أسلوباً ساذجاً لا ينخدع به أحداً ويتحمل التاجر مخاطر الوفاء بقيمة تعاملاته مع حاملها. كما أن الحكم لا يتغير بإدعاء حامل بطاقة الائتمان كذباً بصلاحية البطاقة للاستعمال، لأن هذا يعد كذباً مجرداً، ليس من شأنه أن ينطلي على التاجر ولا تقوم به جريمة الاحتيال لعدم امتداد الكذب إلى الإقناع بوجود ائتمان وهمي([6]). فمن المقرر أن الكذب المجرد لا يكفي لتنهض به جريمة الاحتيال وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي المصري حيث قضت محكمة النقض المصرية (إذا كان ما وقع من المتهم مجرد كذب تهاون المجني عليه منه فصدقه، فإن مجرد هذا الكذب الذي ليس من شأنه أن يجوز على مثله، لا يكون الطرق الاحتيالية المرادة بالقانون، ولا يستوجب العقاب)([7]) كما قضت (من المقرر أن مجرد الأقوال والإدعاءات الكاذبة مهما بالغ قائلها في توكيدها، لا تكفي لوحدها لتكوين الطرق الاحتيالية، بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوباً بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجني عليه على الاعتقاد بصحته)([8]). فضلاً عن ذلك، أن هذا الكذب يمكن اكتشافه بسهولة عن طريق التاجر الذي يلتزم تعاقدياً بالإطلاع على تاريخ صلاحية بطاقة الائتمان المدون عليها. وقد يحصل أن لا يقوم البنك بإخطار التاجر بإلغاء بطاقة الائتمان التي قدمها الحامل واستخدمها في الوفاء بثمن مشترياته لدى التاجر، عندئذ تنهض المسؤولية الجزائية للحامل عن هذا الاستخدام المباشر، ولكن عن أي جريمة تقوم مسؤوليته؟
اختلف الفقه والقضاء في رأيين:
الرأي الأول: يرى بانه يعد مرتكباً لجريمة خيانة الأمانة وليس جريمة احتيال، فالحمال ظل يستخدم بطاقة الائتمان على الرغم من مطالبة البنك له بردها إلا انه تعسف في استخدامها، وهذا ما أقرته بعض المحاكم الفرنسية، حيث أقر القضاء الجنائي الفرنسي في تحديد مفهومه لجريمة خيانة الأمانة إضافة الاستعمال إلى التبديد والاختلاس بسبب قصور نص المادة (314-1) من قانون العقوبات الفرنسي وتحديداً في حالة إساءة الأمين استعمال الشيء أو استغلاله بما قد يؤدي إلى فقده حيث ينوي الجاني رد الشيء إلى مالكه ولكن بعد أن يكون قد استخدمه على نحو يجرده من قيمته كلها أو بعضها([9]).
إلا أن هذا الرأي منتقد لأن الاستعمال والانتفاع الذي تقوم به جريمة خيانة الأمانة هو أن يستعمل الجاني الشيء المسلم إليه استعمالاً لا يجوز أن يصدر عن غير المالك، ويظهر للناس عن إنه أصبح ينظر إليه نظرة المالك إلى شيء يملكه وهذا المعنى غير متحقق في حامل بطلقة الائتمان الملغاة أو حتى تلك منتهية الصلاحية، فهو لا يظهر بمظهر المالك، وإنما يظهر بمظهر حامل بطاقة ائتمان صالحة للاستعمال وإنه ما زال يتمتع بالمزايا التي يمنحه إياها البنك مصدر البطاقة، ومن ثم فلا يعد مرتكب لجريمة خيانة الأمانة وهذا ما استقر عليه رأي الفقهاء من أن الفعل الذي يستخدم به المتهم شيئاً يجوز استخدامه من المالك ومن غيره لا تقوم به جريمة خيانة الأمانة وإن كان مخالفاً للعقد المبرم بين حائز الشيء ومالكه([10]). وقد أكد على ذلك القضاء الجنائي المصري حيث قضت محكمة النقض المصرية (إن مناط العقاب في جريمة خيانة الأمانة، ليس الإخلال بتنفيذ عقد الائتمان في ذاته، وإنما هو العبث بملكيه الشيء المسلم بمقتضى العقد)([11]).
الرأي الثاني: يرى بان استخدام حامل بطاقة الائتمان الملغاة كان مصحوباً بأعمال احتيالية لإقناع التاجر بعدم إلغائها من يشكل جريمة الاحتيال. وهذا ما أخذت به بعض المحاكم الفرنسية، حيث قضت بإدانة الحامل بجريمة الاحتيال الذي تعسف في استخدام بطاقته الائتمانية، مما حمل البنك على إلغائها وطلب من العميل ردها إليه، ومع ذلك ظل يستخدمها، فقيام الحامل بتقديم بطاقة الائتمان الملغاة يهدف إلى الإقناع بوجود ائتمان وهمي والحصول من البنك على وفاء للتجار الذين قدموا سلعاً لحامل البطاقة مما يشكل استيلاء على ثروة الغير. فتقديم بطاقة الائتمان الملغاة وعدم وقوع خطأ من جانب التاجر الذي قبلها بعد تأكده من صلاحيتها وذلك من خلال الوسائل الموضوعة تحت تصرفه (القائمة السوداء) يعد صفة غير صحيحة، لأنه بإلغاء البطاقة تزول كل صفة عن الشخص باستخدامها، مما يؤدي إلى القول بقيام جريمة الاحتيال باستعمال صفة غير صحيحة بسبب إنه يدخل في الصفة غير الصحيحة من يدعى صفة كانت له ثم زالت عنه([12]). ومما يعزز هذا القول أحد الآراء في الفقه الجنائي الفرنسي الذي ذكر أن الصفة غير الصحيحة هي أن حامل بطاقة الائتمان هو موكل والبنك مصدر البطاقة هو وكيل عن الحامل في الوفاء بثمن مشترياته مما يعد تأكيداً كاذباً لصفة الموكل([13]). ويتفق هذا الرأي مع اتجاه محكمة النقض الفرنسية إلى أنه يعد من قبيل الصفة غير الصحيحة ادعاء الجاني كذباً بأنه وكيل عن شخص طبيعي أو معنوي مما تقوم به جريمة الاحتيال، وكذلك اتجاه محكمة النقض المصرية بان مجرد ادعاء الوكالة كذباً لسلب مال الغير يعد وحده وسيلة من الوسائل التي تحقق بها قانوناً جريمة الاحتيال([14]).
أضف إلى ما تقدم أن هذه الصفة غير الصحيحة تتمثل في جانب كبير منها في الكفالة، بمعنى أن الحامل بتقديمه لبطاقته الائتمانية الملغاة إنما يدعي أنه مكفول عنه وإن البنك مصدر البطاقة هو كفيل عنه في الوفاء بثمن مشترياته. وهكذا يكفي أن يقدم العميل بطاقة الائتمان الملغاة للتاجر الذي لم يتم اخطاره بذلك لكي تتوافر جريمة الاحتيال في حق العميل باستعمال صفة غير صحيحة دون حاجة إلى أفعال أو مظاهر خارجية احتيالية أخرى تؤيد المزاعم. وبهذا الرأي أخذ قانون الجزاء العماني ([15]).


([1]) نصت المادة (2/3) من الشروط العامة لعقد البطاقة المصرفية الصادر عن اعتماد ليون على انه "تبقى البطاقة ملكاً للمؤسسة المصدرة لها التي تملك حق سحبها في اية لحظة او عدم تجديدها ... ويلتزم حامل البطاقة بناء على ذلك بردها بمجرد أول طلب لها، ويتعرض للجزاءات إذا استمر في استعمالها بعد إعلانه بسحب البطاقة بخطاب عادي" تقابلها المادة (10) من عقد الحامل لبطاقة فيزا البنك الأهلي المصري.
([2]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص818-819.
([3]) انظر نص المادة (341) من قانون العقوبات المصري والمادة (362) من قانون العقوبات القطري والمادة (404) من قانون العقوبات الإماراتي والمادة (314-1) من قانون العقوبات الفرنسي.
([4]) د. محمود أحمد طه، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، ج3، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص405.
([5]) د. محمود أحمد طه، الاستخدام غير المشروع لبطاقة الائتمان، مصدر سابق، ص38-39.
([6]) فداء يحيى احمد الحمود، مصدر سابق، ص106؛ د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص84-85.
([7]) انظر حكم محكمة النقض المصرية في 12/3/1931، مجموعة، ج2، رقم 200، ص259.
([8]) انظر حكم محكمة النقض المصرية في 19/2/1973، مجموعة أحكام النقض، س24، رقم 50، ص226 وقرارها المؤرخ في 11/12/1978، مجموعة أحكام النقض، س29، رقم 191، ص927.
([9]) Commet le delit non pas d'escroquarie, mais d'abus de confiance. Le titulaire d'un carte bleue "visa" qui en depit des demandes de restitution reiterees emanant de la banque, Justifiees par L'utilisation abusive de la carte a continue a L'utiliser. T. G. I. Creteil 15-1-1985. Dalloz, information rapides, P. 344, Obs ASSEUR.
([10]) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988، ص1207.
([11]) انظر حكم محكمة النقض المصرية المؤرخ في 18/3/1968، مجموعة أحكام النقض، س19، رقم 64، ص344.
([12]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، 82.
([13]) Jeandidier, op. cit. p. 72.
([14]) انظر حكم محكمة النقض المصرية المؤرخ في 12/6/1967، مجموعة أحكام النقض، س18، رقم 157، ص 781 وحكمها المؤرخ في 1/3/1976، مجموعة أحكام النقض، س27، رقم 6، ص283.
([15])انظر نص الفقرة (2) من المادة (276 مكرر/4) من قانون الجزاء العماني.


الفرع الثاني: إساءة استخدام بطاقة الائتمان المنتهية الصلاحية

بطاقة الائتمان دائماً مؤقتة، أي لا تصدر بصفة دائمة بل لمدة محددة مؤقتة، ويتم تدوين تاريخ صلاحيتها عليها بحروف بارزة، ويتم تجديدها بصورة تلقائية ما لم يطلب حاملها عدم تجديدها أو رفض البنك مصدر البطاقة تجديدها.
وكان سابقاً يشترط أن يقوم البنك بأخطار حامل بطاقة الائتمان قبل انتهاء مدة صلاحيتها بشهرين، أما الآن فلا يشترط الإخطار بعدم التجديد قبل انتهاء مدتها.
والأصل أن يبادر الحامل بتسليم بطاقة الائتمان المنتهية الصلاحية، إلا أنه قد يحدث أن يحتفظ بها الحامل رغم انتهاء مدتها، فإذا حدث أن استخدمها الحامل رغم انتهاء مدة صلاحيتها، فهل يمكن مسألته جزائياً؟ وعن أية جريمة يساءل؟
للإجابة على ذلك، نبين حكم استخدامها في السحب وفي الوفاء.
أولاً: استخدام بطاقة الائتمان المنتهية الصلاحية في الوفاء.
إذا لجأ الحامل إلى استخدام الطرق الاحتيالية في إقناع التاجر بقبول بطاقة ائتمان منتهية الصلاحية كان مرتكباً لجريمة الاحتيال باستخدام هذه الطرق وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي المصري حيث قضت محكمة النقض المصرية (يبلغ الكذب مبلغ الطرق الاحتيالية، إذا اصطحب بأعمال خارجية أو مادية تحمل على الاعتقاد بصحته)([1]). ويعد من قبيل الأعمال الخارجية أو المادية التزوير في بطاقة الائتمان منتهية الصلاحية، فقد يقوم الحامل بكشط ثم تعديل مدة صلاحية بطاقة الائتمان بعمل أرقام وبيانات جديدة مطبوعة طباعة خاصة بواسطة آلة طباعة معينة على الشريط الممغنط بواسطة جهاز تشفير بعد محو ما عليه من بيانات قديمة([2]). وهنا نكون بصدد تغيير جزئي للحقيقة، حيث لم يكن في المحرر غير بيان واحد مخالف للحقيقة، وكانت سائر بياناته صحيحة وهذا القدر يكفي لقيام التزوير لأن اقل نصيب من تغيير الحقيقة في المحرر يكفي لإهدار كل الثقة التي يمثلها أو على الأقل يثير الشك حول صدق البيانات الصحيحة([3]). وهنا يعد الحامل مرتكباً لجريمة تزوير مرتبطة بجريمة احتيال ارتباطاً لا يقبل التجزئة باعتبار أنه ارتكبهما تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد وهو الحصول على مشترياته من التاجر ببطاقة ائتمان مزورة، فتوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد. كذلك من الطرق الاحتيالية، التواطؤ بين حامل بطاقة الائتمان والتاجر على قبول الوفاء ببطاقة ائتمان منتهية الصلاحية بقصد الأضرار بالبنك المصدر لها ويستعين التاجر في ذلك بتزوير تاريخ انتهاء صلاحية البطاقة على الفاتورة (إشعار البيع) أو يعلن عمداً تاريخ غير صحيح لانتهاء صلاحية البطاقة عند طلب الأذن، أو يقوم بتقديم تاريخ عمليات الوفاء المنفذة، وبتوافر الطرق الاحتيالية تقوم جريمة الاحتيال. ففي هذا النوع من المساهمات الجنائية، يعد حامل بطاقة الائتمان فاعلاً أصلياً في جريمة الاحتيال وشريكاً في جريمة التزوير بالاتفاق، وبالمقابل يعد التاجر فاعلاً أصلياً في جريمة الاحتيال وفاعلاً في جريمة التزوير تطبيقاً للقواعد العامة في المساهمة الجنائية التي تحدد الفاعل الأصلي بأنه الذي أتى فعلاً يعد عملاً تنفيذياً، وهو الدور الرئيسي في الجريمة، والمساهم التبعي (الشريك) بأنه من قام بعمل ثانوي في الجريمة. ونظراً لقيام التاجر بدور هام في جريمة الاحتيال بتأييد مزاعم الحامل بصلاحية البطاقة، مما حمل البنك على الوفاء بثمن المشتريات، فإنه يعد فاعلاً أصلياً آخراً لها([4])، وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي المصري حيث قضت محكمة النقض المصرية (أن الطرق الاحتيالية من العناصر الأساسية الداخلة في تكوين الركن المادي لجريمة الاحتيال واستعمال الجاني لها يعد عملاً من الأعمال التنفيذية، إذ استخلص أن الطاعنة الثانية قد قامت بدور هام لتأييد مزاعم زوجها وأدى ذلك بالمجني عليه إلى دفع مبلغ من النقود له، فان الحكم المطعون فيه يكون قد طبق القانون تطبيقاً سليماً، إذ عد هذه الطاعنة فاعلة أصلية في الجريمة)([5]).
وقد يحصل أن لا يقوم البنك مصدر بطاقة الائتمان بإشعار التاجر بانتهاء صلاحيتها، ويقوم الحامل باستخدامها وتقديمها للتاجر للوفاء بثمن مشترياته، عندئذ تنهض المسؤولية الجزائية للحامل عن هذا التقديم، إلا أن الفقه والقضاء قد اختلفوا فيما بينهم في تحديدهم للوصف القانوني للجريمة في رأيين اللذين سبق الإشارة لهما بخصوص بطاقة الائتمان الملغاة.
ثانياً: استخدام بطاقة الائتمان المنتهية الصلاحية في سحب النقود.
نفرق هنا بين فرضيتين، الأولى حالة استخدام حامل بطاقة الائتمان منتهية الصلاحية في سحب النقود خطأ أي لا يعلم بان فترة نفاذها قد انقضت، عندئذ يساءل جزائياً عن جريمة خيانة أمانة والفرضية الثانية عندما يتعمد استخدام بطاقة الائتمان في سحب النقود وهو يعلم بان صلاحيتها قد انقضت فإذا كان استعماله لها قد تم بالصورة الاعتيادية عندئذ يساءل جزائياً عن جريمة خيانة أمانة أما إذا كان استعماله لها مصحوباً بطرق احتيالية عندئذ يساءل جزائياً عن جريمة احتيال. علماً بأن هذه الفرضيات نظرية لندرة تصور ذلك عملياً بسبب نجاح التكنولوجيا الحديثة المتقدمة في المجال الإلكتروني في برمجة أجهزة الصراف الآلي في الامتناع عن صرف نقود لبطاقة ائتمان منتهية الصلاحية.


([1]) انظر حكم محكمة النقض المصرية في 31/10/1932، مجموعة القواعد القانونية، ج2، رقم 280، ص610 وحكمها المؤرخ في 25/10/1973، مجموعة أحكام النقض، س24، رقم 79، ص369.
([2]) د. رياض فتح الله بصلة، جرائم بطاقة الائتمان (دراسة معرفية تحليلية لمكوناتها وأساليب تزييفها وطرق التعرف عليها)، ط1، دار الشروق، القاهرة، 1995، ص114.
([3]) د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص219.
([4]) د. جميل عبد الباقي الصغير، الحماية الجنائية لبطاقة الائتمان، مصدر سابق، ص85.
([5]) انظر حكم محكمة النقض المصرية المؤرخ في 7/5/1962، مجموعة أحكام محكمة النقض، س13، رقم 112، ص443.



الفرع الثالث: إساءة استخدام بطاقة الائتمان الضائعة أو المسروقة

من المشاكل التي تواجه حامل بطاقة الائتمان سرقتها أو فقدانها، ويزيد من صعوبة المشكلة، ما لوحظ في العمل من أن العملاء يخشون نسيان الرقم السري (PIN)، فيكتبونه على البطاقة أو في المفكرة الشخصية ومن ثم عندما تسرق البطاقة أو المفكرة يسهل على السارق معرفة الرقم السري.
وللتقليل من مخاطر ضياع البطاقة أو سرقتها، فإنه ينص في عقد انضمام الحامل لبطاقة الائتمان على التزامه بالمحافظة عليها وإخبار البنك أو الجهة المصدر للبطاقة بفقدها أو سرقتها وذلك لتجنب استعمال الغير لها.
وقد تشترط بعض الجهات المصدرة للبطاقة أن يتم الإعلان بشكل كتابي عن الضياع أو السرقة وإثبات ذلك بمحضر رسمي وإلا عد الحامل مُخلاً بالتزامه.
وعندما لا تحدد الجهة المصدرة للبطاقة طريقة معينة للإخبار، يكون الحامل الحق في اختيار الأسلوب المناسب للإخبار حتى وإن كان عن طريق الهاتف ولكن يجب إثبات الإخبار عندئذ،لأن المسؤولية بعد الاخطار تنتقل من عاتق الحامل إلى عاتق الجهة مصدرة البطاقة([1]).
وقد يحدث أن يبلغ حامل بطاقة الائتمان الجهة المصدرة لها بفقدانها أو سرقتها، ثم يستخدمها بعد ذلك في السحب أو الوفاء وقبل أن يقوم البنك ببرمجة الأجهزة الآلية لتوزيع النقود بعدم قبول البطاقة المبلغ عن فقدها أو سرقتها، فهل توجد مسؤولية جزائية؟ وعن أية جريمة يساءل؟
فكثيراً ما يقع التواطؤ بين حامل بطاقة الائتمان والتاجر، حيث يتفقان على إخطار البنك، بفواتير مبيعات بمبالغ نقدية كبيرة من التاجر إلى الحامل، ثم يدعي الحامل أن بطاقته مفقودة أو مسروقة وانه لم يشتر شيئاً من هذه البضائع كي تكون مسؤولية الوفاء بقيمة هذه البضائع على عاتق البنك، ثم يقتسم الحامل مع التاجر المبلغ النقدي بعد صرفه من البنك، وعندئذ يكون كل من الحامل والتاجر مرتكبين لجريمة احتيال باعتبارهم فاعلين أصليين لقيامهما بطرق احتيالية تحمل البنك على الوفاء بثمن هذه البضائع للتاجر.
وقد يرتكب الحامل وحده هذه الجريمة، دون تواطؤ مع التاجر، وذلك بقيام الحامل بتنفيذ كل ما يجب عليه في حالة فقد البطاقة أو سرقتها من معارضه لدى البنك مصدر البطاقة مع إبلاغ السلطات المختصة، في حين أن البطاقة ما زالت في حوزته مستمراً في استخدامها في الوفاء لدى التجار المزودين بآلة الطباعة اليدوية خوفاً من اكتشاف أمره عن طريق الآلات الحديثة، بحيث لا يمكن اكتشاف الغش لدى هؤلاء التجار إلا في وقت لاحق عن طريق المواجهة بين التاجر والحامل. وقد يتحقق الغش بالاحتيال على التاجر لعدم مراجعة رقم البطاقة على أرقام البطاقات الملغاة نتيجة لفقدها أو سرقتها، وذلك بالإدعاء باستعجاله وأنه إذا لم يبع له التاجر فهناك غيره، أو أن مظهره يوحي بالثقة فيخجل التاجر من مراجعتها. ففي كل هذه الحالات يكون الحامل قد تحايل لحمل البنك على الوفاء بثمن مشترياته لدى التاجر، مما يعد طرقاً احتيالية بالإدعاءات الكاذبة وتقديم مستندات تؤيد هذه الإدعاءات وهذا يكفي لقيام جريمة الاحتيال. ذلك أن الحامل قد فقد صفته كحامل شرعي ابتداء من لحظة المعارضة أو الاخطار بفقد البطاقة أو سرقتها، وبالتالي يجب أن ينظر إليه على أنه من الغير مما يؤدي إلى حمل البنك على الاعتقاد بأن أي استخدام للبطاقة بعد تاريخ المعارضة يكون من عمل الغير([2]). وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي الفرنسي، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بتوافر أركان جريمة الاحتيال في مواجهة الحامل الذي استخدم بطاقته الائتمانية وقدمها للتجار بعد الإعلان الكاذب عن سرقتها أو ضياعها ووضع تزوير موقع على إشعارات البيع بهدف حمل البنك على الوفاء بهذه الفواتير مما يؤكد استعمال الطرق الاحتيالية بهدف الإقناع بوجود ائتمان وهي (وليس مجرد كذب بسيط) مما تقوم به جريمة الاحتيال([3]).


([1]) محمد بلعرج، مصدر سابق، ص64.
([2]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص96؛ د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص876.
([3]) Cass. Crim 16-6-1986. Revue de droit international des systemes electroniques de payment, 1987, No.18, P.9.


المطلب الثالث: الحصول غير المشروع على بطاقة الائتمان :

إن بطاقة الائتمان تصدر بناء على طلب ممن يحتاج إليها، فبعد قيام الشخص بتقديم طلب إلى البنك لغرض الحصول على بطاقة الائتمان، يكون طلبه هذا خاضعاً للسلطة التقديرية للبنك في منحه بطاقة الائتمان.
ويلتزم طالب البطاقة بالإعلان عن العناصر اللازمة لتحديد شخصيته لانعقاد العقد، إذ يتوجب عليه أن يفصح عن أسمه ولقبه وعنوانه وموقفه المهني وحالته المادية وتوقيعه. وفي ضوء هذه المعلومات والبيانات المقدمة من قبل طالب البطاقة التي تفصح عن شخصيته وحالته المهنية والمادية تقرر الجهة المختصة بإصدار البطاقة إصدارها لطالبها من عدمه.
وإزاء أهمية هذه البيانات التي يتعين أن يقدمها طالب البطاقة في موافقة أو عدم موافقة الجهة المختصة على إصدارها لمن طلبها، وجب على طالب الحصول على البطاقة تقديم معلومات صحيحة، فإذا قدم بياناته هذه وفي ضوئها أصدرت الجهة المختصة له بطاقة الائتمان، ثم اتضح لها بعد ذلك عدم صحة المعلومات التي قدمها طالب الحصول على البطاقة، فانه مما لاشك فيه يكون قد خدع وغش الجهة المختصة بإصدار البطاقة إليه. فهل توجد مسؤولية جزائية؟ وعن أية جريمة يساءل عنها؟
إن بطاقات الائتمان تدخل من ضمن التسهيلات المصرفية الائتمانية التي يقدمها البنك للعميل وأن البنك قد قام بإصدار بطاقة الائتمان للحامل بناء على غش وخداع من طالبها ولولا هذا الغش والخداع (البيانات المخالفة للحقيقة) ما تم إصدار البطاقة له. مما يعني أن طالب البطاقة أدلى ببيانات كاذبة انطوت على تغيير الحقيقة والذي يشكل السلوك الإجرامي لجريمة الاحتيال وكذلك جريمة التزوير، إلا أن هذا التغيير للحقيقة قد تم لغرض الحصول على منقول له قيمة على العكس من جريمة التزوير التي ترد على ختم أو توقيع أو محرر([1]). وقد أكد القضاء الجنائي الألماني على هذه النظرة، ففي إحدى الوقائع المعروضة أمام محكمة النقض الألمانية قام أحد الأشخاص بالحصول على بطاقتي الأمريكان اكسبريس والدنيرز كلوب مستخدماً الطرق الاحتيالية حيث كان عاملاً في إحدى الصيدليات لكنه أدعى عند طلبه للبطاقة أنه صيدلي منتحلاً بذلك صفة غير صحيحة.
كما قدم مستندات تثبت أنه ميسور الحال على عكس الحقيقة إذ كان معسراً مثقلاً بالديون. وبذلك أوقع المصدرين للبطاقتين في الغلط وحصل عليهما بفضل البيانات الكاذبة المقدمة، وقد أدانته محكمة النقض الألمانية عن جريمة الاحتيال([2]).    
نلاحظ من خلال ما تقدم أن المدان قد استخدم وسائل احتيالية تجسدت في تقديمه لبعض المستندات المخالفة للحقيقة والتي من شأنها إحداث الأمل بقدرته على تسديد قيمة العمليات التي سيقوم بها مستعملاً بطاقة الائتمان وذلك عندما ذكر أنه موسر وليس مثقلاً بالديون على خلاف الحقيقة. بالإضافة إلى انتحاله صفة الغير عندما ذكر انه صيدلي على خلاف الحقيقة، بالإضافة إلى أنه قام بهذه الأفعال وهو يعلم أن من شأن أقواله هذه وبياناته المخالفة للحقيقة حمل الجهة المختصة بإصدار البطاقة على إصدار حالة.
نخلص إلى القول بان التكييف القانوني لهذه الواقعة على أنها جريمة احتيال([3]).


([1]) د. محمود أحمد طه، شرح قانون العقوبات، مصدر سابق، ص245.
([2]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص604.
([3]) د. غادة موسى عماد الدين الشربيني، المسؤولية الجنائية عن الأعمال البنكية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1998، ص359.


المبحث الثالث: إساءة استخدام بطاقة الائتمان من قبل الغير



يعرف الغير في هذا المبحث هو كل من لم تصدر بطاقة الائتمان باسمه من الجهة المختصة بإصدارها، فإذا استعمل الغير بطاقة الائتمان كان استعماله هذا استعمالاً غير قانونياً، وما ذلك إلا للطابع الشخصي الذي تتصف به هذه البطاقة.
واستعمال الغير لبطاقة الائتمان يكون في حالتين لا ثالث لهما، اما أن تكون بطاقة الائتمان المستعملة صحيحة أو أن تكون غير صحيحة بمعنى آخر مزورة.
بناء عليه، تم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، تناولنا في المطلب الأول استعمال الغير لبطاقة الائتمان صحيحة وفي المطلب الثاني استعمال الغير لبطاقة ائتمان غير صحيحة (مزورة).



المطلب الأول: استعمال الغير لبطاقة ائتمان صحيحة :

قد يحصل في الواقع العملي أن تكون بطاقة الائتمان صحيحة لا لبس فيها صدرت عن الجهة المختصة بإصدارها، الا أنها استخدمت من قبل شخص غير من صدرت باسمه. وهذا التصرف يعد استخداماً غير قانوني وغير مشروع لبطاقة الائتمان، حيث يمكن أن نتصور أن يستخدم الغير بطاقة ائتمان سليمة في عدة حالات. اما أن يحصل على بطاقة الائتمان ويستعملها بإذن وموافقة مالكها، ففي مثل هذه الحالة لا ينطوي هذا التصرف على جريمة نظراً لأن بطاقة الائتمان صحيحة وان استعمالها من قبل الغير تم برضا وقبول صاحبها وعلمه، الا انه ينطوي على إخلال بالتزاماته العقدية والواردة في العقد المبرم بين البنك وحامل بطاقة الائتمان نظراً للطابع الشخصي لها، الأمر الذي يعطي الحق للبنك في إلغاء بطاقة الائتمان أو سحبها.
وأما أن يحصل عليها الغير ويستعملها دون علم وموافقة مالكها، كأن يحصل عليها بارتكاب جريمة السرقة أو بالعثور عليها بعد أن فقدها صاحبها. وفي أكثر الأحيان، يقوم من يعثر على البطاقة الضائعة أو سارقها باستخدامها سواء بالسحب أو بالوفاء. ففي مثل هذه الحالة تنهض المسؤولية الجزائية. كما يتصور أن يتم العثور على بطاقة ائتمان ضائعة أو يتم سرقتها ولكن دون معرفة الرقم السري لها، ففي مثل هذه الحالة فاستخدام البطاقة أما أن يتم عن طريق التحايل أو التجربة، إلا أنه من الناحية العملية فقد تم برمجة الأجهزة الإلكترونية لحماية بطاقة الائتمان خشية استعمالها من قبل شخص آخر غير صاحبها، فمن حقه أن يجرب ثلاث مرات، فإذا جرب المرة الثالثة ولم يكن الرقم السري صحيحاً، قامت الآلة بسحب البطاقة، أو أن يتم استخدامها عن طريق إفشاء سر الرقم السري من قبل الموظف المؤتمن عليه، وهذا يثير مشكلة تعدد الجرائم، ومن ثم تختلف نوع الجريمة باختلاف الفروض المتقدمة.
بناء عليه، تم تقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، تناولنا في الفرع الأول سرقة بطاقة الائتمان أو العثور عليها دون استعمالها وفي الفرع الثاني استعمال بطاقة الائتمان المسروقة أو الضائعة وفي الفرع الثالث سرقة واستعمال بطاقة الائتمان.


الفرع الأول: سرقة بطاقة الائتمان أو العثور عليها دون استعمالها

قد يحدث أن يعثر شخص على بطاقة ائتمان ضائعة ولا يقوم بتسليمها إلى مالكها الشرعي رغم معرفته له، أو لا يقوم بتسليمها إلى البنك أو الجهة المصدرة لها أو إلى جهاز الشرطة مقرراً الاحتفاظ بها لديه دون أن يهدف من ذلك استعمالها. ففي مثل هذه الحالة تنهض المسؤولية الجزائية، حيث تأخذ حكم العثور على الأشياء الضائعة. فمن المعروف أن المال المفقود لا يعد مالاً مباحاً ولا متروكاً وإنما يعد مالاً مملوكاً للغير، إذ لم يخطر ببال مالكه أن يتخلى عنه، وكل ما في الأمر أنه خرج مادياً من حيازته دون رضائه([1]).
وقد بينت التشريعات الجزائية العربية واقعة اللقطة أو الكتم أو حالة دخول مال هفوة في حيازة الجاني وكيفتها على أنها تعد من جرائم إساءة الائتمان([2])، فإذا فقد مالك بطاقة الائتمان بطاقته بسبب هفوة أو غلطة أو إهمال منه ثم عثر عليها أحد الأشخاص وكتمها أو امتنع عن ردها لصاحبها أو أنكر عثوره عليها عندئذ تنهض مسؤوليته الجزائية عن جريمة كتم اللقطة([3]).
كما قد يحدث قيام شخص بسرقة بطاقة ائتمان من صاحبها. وهذه السرقة قد تكون مصحوبة بسرقة رقمها السري، وقد لا تكون مصحوبة بذلك. فان كانت سرقة بطاقة الائتمان مصحوبة بسرقة رقمها السري فان هذه الواقعة تعد جريمة سرقة لا محال لأن بطاقة الائتمان تعتبر في حد ذاتها مالاً منقولاً مملوكاً للغير([4])، كما أن معرفة الرقم السري يجعل لها قيمة مادية أكثر نظراً لإمكانية استعمالها في السرقة سواء بنفسه أو عن طريق الغير. وكذلك لو كانت سرقة بطاقة الائتمان بدون معرفة رقمها السري، فإن الواقعة تعد جريمة سرقة سواء أكان ذلك بفرض استعمال بطاقة الائتمان أو الإضرار بمالكها دون استعمالها. ففي مثل هذه الواقعة يتعذر على السارق استعمالها نظراً لعدم علمه بالرقم السري والذي عن طريقه يتمكن من استخدامها، الا أن عدم الاستعمال لا ينفي كون الواقعة تعد سرقة لأن الجاني قام بسرقة بطاقة الائتمان، وهي منقول لها قيمة في حد ذاتها، ناهيك عن احتمال نجاح السارق في استعمالها أو تمكين الغير من طبع الرقم السري على البطاقة. وفيما يتعلق بالركن المعنوي فانه يعد متحققاً للجاني متى اختلس بطاقة الائتمان بنية تملكها أو بنية الانتفاع بها أي استخدامها، وحتى لو كان بنية إتلافها اذ المهم نية حرمان صاحبها من استعمالها والاستفادة بها أي الإضرار بصاحبها ومن ثم فانه يساءل عن جريمة سرقة([5]). ولا يحول دون ذلك تعذر استعمال الجاني لبطاقة الائتمان لعدم معرفة رقمها السري، فالسرقة شيء والاستفادة من الشيء المسروق شيء آخر، وذلك على غرار من سرق شيكات غير موقع عليها، فالشيكات هذه يصح أن تكون محلاً لجريمة السرقة لأنها وان كانت ضئيلة القيمة فإنها ليست مجردة من كل قيمة([6]).


([1]) د. محمود أحمد طه، شرح قانون العقوبات، مصدر سابق، ص44.
([2]) انظر نص المادة (450) من قانون العقوبات العراقي والمادة (321 مكررة) من قانون العقوبات المصري والمادة (425) من قانون العقوبات الأردني.
([3]) د. محمد صبحي نجم، مصدر سابق، ص1170.
([4]) انظر نص المادة (399) من قانون العقوبات الأردني والمادة (439) من قانون العقوبات العراقي والمادة (311) من قانون العقوبات الفرنسي.
([5]) د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات (القسم الخاص)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992، ص842.
([6]) Cavalda, op. cit., P. 49.


الفرع الثاني: استعمال بطاقة الائتمان المسروقة أو الضائعة

قد يحدث أن يعثر شخص على بطاقة ائتمان، إلا انه لا يقوم باستعمالها بل يعطيها إلى شخص آخر بعد أن يطلعه على رقمها السري ثم يقوم هذا الشخص الآخر باستخدامها سواء في السحب أو الوفاء، كما قد يحصل أن يسرق بطاقة الائتمان شخص، الا انه لا يستخدمها بل يقوم بإعطائها إلى شخص آخر لاستعمالها. فما حكم هاتين الواقعتين جزائياً؟
أولاً: استعمال بطاقة الائتمان الضائعة
تثير هذه الواقعة مسؤولية من عثر عليها وقام بتسليمها إلى الغير الذي قام بدوره باستعمالها، وكذلك مسؤولية من استعملها وهو يعلم انها ضائعة وصاحبها يبحث عنها.
بالنسبة لمدى مساءلة من عثر على بطاقة الائتمان وسلمها إلى الغير، نفرق بين تسليم البطاقة ممن عثر عليها إلى من أدعى ملكيته لها، ففي هذه الحالة لا يساءل عن الجريمة التي ارتكبها من تسلمها منه سواء أكان استعماله لها في السحب أو الوفاء، وبين تسليمها إلى غير مالكها وهو يعلم بذلك، فإنه يعد شريكاً لمن تسلمها واستعملها.
أما بالنسبة لمدى مساءلة من تسلم البطاقة الضائعة ممن عثر عليها، فإنه يساءل عن جريمة سرقة لهذه البطاقة، لأن يد من عثر عليها عارضه ومن ثم فتسليمها له لا ينفي الاختلاس لعدم الاعتداد بتسليمه هذا، على عكس ما ذهب إليه القضاء الجنائي المصري في بعض أحكامه حيث كان يعتبر التسليم من جانب من عثر على الشيء المفقود نافياً للاختلاس ومن ثم نافياً للسرقة([1]).
وفيما يتعلق بواقعة استعماله للبطاقة الضائعة والتي ادعى ملكيته لها أو تسليمها بعلم من عثر عليها بأنه ليس مالكاً لها، فإن بحث مسؤوليته الجزائية لا يختلف عن بحث مسؤوليته الجزائية في حالة ما إذا كانت بطاقة الائتمان التي تسلمها من الغير مسروقة.
ثانياً: استعمال بطاقة الائتمان المسروقة
نفرق بين حالتين، أولهما تسلمه للبطاقة المسروقة بمعرفة رقمها السري وثانيهما تسلمه للبطاقة المسروقة دون معرفة رقمها السري.
الحالة الأولى: استلام البطاقة المسروقة بمعرفة رقمها السري
يساءل جزائياً عن جريمة احتيال متى استعمل بطاقة الائتمان المسروقة سواء أكان استعماله في سحب النقود أو الوفاء للتاجر. وأساس ذلك أن الجاني باستعماله البطاقة المسروقة يكون قد اتخذ اسماً كاذباً يتجسد في استعماله اسم صاحب البطاقة الحقيقي وهو أحد طرق الاحتيال إذ يكفي للعقاب عن استعمال الاسم الكاذب أن ينجم عن هذا الاستعمال تسليم النقود أو الوفاء بقيمة عملياته التجارية، وهذا ما قضت به بعض المحاكم الفرنسية([2]).
كما يساءل كذلك عن جريمة تزوير وذلك في حالة استخدامه لها في الوفاء بقيمة عملياته التجارية وذلك لتوقيعه باسم صاحب البطاقة الحقيقي على فواتير بيع البضاعة التي يجب التوقيع عليها حتى يمكن الوفاء بقيمتها من قبل البنك مصدر البطاقة([3]). كذلك يساءل عن جريمة إخفاء أشياء مسروقة نظراً لإخفائه بطاقة الائتمان التي سرقها الغير وسلمها إليه، ومن ثم فخلاصة ما تقدم نجد هذا الشخص الآخر مرتكباً لعدة جرائم مرتبطة فيما بينها ارتباطاً لا يقبل التجزئة لأنها تعد تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد، ومن ثم فتطبق عليه عقوبة الجريمة الأشد.
أما بالنسبة لسارق بطاقة الائتمان أو الذي عثر عليها وسلمها للغير، فإنه يساءل عن جريمة سرقة، كما يساءل عن اشتراك في جريمة الاحتيال والتزوير بالمساعدة. وفيما يتعلق بالتاجر الذي يقبل استخدام الغير لبطاقة الائتمان في الوفاء بقيمة عملياته التجارية وهو يعلم بأنها مسروقة يعد شريكاً في جريمة الاحتيال([4]).
الحالة الثانية: استلام البطاقة المسروقة دون معرفة رقمها السري
يساءل جزائياً عن جريمة حيازة أشياء مسروقة من يحصل على بطاقة ائتمان مسروقة أو مفقودة ودون أن يعلم برقمها السري لغرض استخدامها، حيث أن الأجهزة الإلكترونية لتوزيع النقود قد تم برمجتها في حالة إساءة استخدامها من قبل الغير بعدم الاستجابة إلكترونياً وذلك لحمايتها من السرقة.
كما يساءل جزائياً عن جريمة شروع في احتيال استناداً إلى أن إدخال بطاقة الائتمان في الجهاز الإلكتروني يعد بدءً في التنفيذ إلا أن النتيجة المقصودة لم تتحقق لسبب خارج عن إرادة المتهم والمتمثل بعدم علمه بالرقم السري. ولكن قد يحصل أن يعلم بالرقم السري بطريقة ما ومن ثم ينجح في استعمال بطاقة الائتمان، عندئذ يساءل جزائياً عن جريمة احتيال([5]).
أما بالنسبة لمن سلم وأعطى بطاقة الائتمان إلى الجاني فنفرق بين فرضيتين، فإن كان يعلم بأنه يعطيها إلى غير مالكها فانه يساءل عن جريمة سرقة كما يعد شريكاً في جريمة احتيال، أما إذا كان يعتقد بأنه يسلمها إلى مالكها عندئذ لا يساءل عن أية جريمة.


([1]) انظر حكم محكمة أسوان الجزئية المؤرخ في 8/8/1912، المجموعة الرسمية، ص14، رقم 28، ص50.
([2]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص146.
([3]) د. عمر سالم، مصدر سابق، ص42؛ Cavalda, op. cit, P. 90 .
([4]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص884 - 885.
([5]) Pradel, op. cit., P. 424.


الفرع الثالث: سرقة واستعمال بطاقة الائتمان

في أكثر الأحيان تقترن سرقة بطاقة الائتمان باستعمالها سواء في السحب أو الوفاء بعد معرفة رقمها السري. فمن المحتمل أن يكون مالك بطاقة الائتمان قد أخل بالتزامه العقدي المتمثل بالمحافظة على الرقم السري لبطاقة الائتمان لكي لا يعلمه الغير ومن ثم يكون عرضة لجريمة السرقة. إلا أن هذا الإخلال بالالتزامات التعاقدية والناشئ عن إهمال مالك بطاقة الائتمان يترتب عليه تحمله وتكبده لعمليات البيع والشراء وسحب النقود التي يقوم بها الجاني قبل إشعاره البنك مصدر البطاقة بسرقتها أو ضياعها.
أما الجاني فإنه يساءل عن جريمة سرقة لبطاقة الائتمان كما يساءل عن جريمة احتيال نتيجة استعماله للبطاقة الائتمانية المسروقة مستخدماً الطرق الاحتيالية المتمثلة باتخاذ الصفة الكاذبة في إقناع المجني عليه الجهة مصدرة البطاقة بوجود ائتمان وهمي، ومن ثم سنكون إزاء ارتباط للجرائم متمثل بتعدد مادي فالسرقة تمت بهدف استعمال بطاقة الائتمان وهو ما يعرف بارتباط الجرائم غير القابل للتجزئة([1]).
غير انه قد يحدث أن يسرق شخص بطاقة ائتمان بنية استخدامها ثم ردها إلى صاحبها بعد ذلك، فما هو حكم هذه المسألة؟
من المقرر أن مجرد أخذ الشيء أو نزعه من حائزه لا يحقق معنى السرقة ما لم يقترن بنية التملك والاستئثار بالشيء والظهور عليه بمظهر المالك وهذا ما أكد عليه القضاء الجنائي المصري في العديد من قراراته حيث قضت محكمة النقض المصرية (إن القصد الجنائي في السرقة هو قيام العلم عند الجاني وقت ارتكاب فعلته بأنه يختلس المنقول المملوك للغير من غير رضاء مالكه بنية امتلاكه، فإذا كان الحكم مع تسليمه بأن المتهم لم يستول على أدوات الطباعة إلا بقصد الاستعانة بها على طبع منشورات لسب مدير المطبعة والقذف في حقه، قد اعتبر عناصر جريمة السرقة متوافرة، بقوله أن القصد الجنائي فيها يتحقق باستيلاء الجاني على مال يعلم انه غير مملوك له، بنية حرمان صاحبه منه ولو مؤقتاً، فإنه يكون قد أخطأ، لأن الاستيلاء بقصد الاستعمال المؤقت لا يكفي في القصد الجنائي، إذ لابد فيه من وجود نية التملك)([2]). وفي قرار آخر لها (إن المتهم ما أخذ البطانية محل دعوى السرقة إلا لمجرد الالتحاف بها اتقاء البرد فإنه يكون من الواجب على المحكمة أن تتحدث عن قصده الجنائي وتقيم الدليل على توافره، فإذا هي لم تفعل كان حكمها قاصراً)([3]).
فنلاحظ بأن من أركان جريمة السرقة أن يأخذ السارق الشيء بنية تملكه، والمفروض أن من يختلس شيئاً فإنما ينوي تملكه، وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن محكمة الموضوع غير ملزمة بالتحدث عن نية التملك في جريمة السرقة إذا لم تكن هذه النية محل خلاف، ولكن متى كان المتهم قد نازع في تحقق هذا الركن وانه لم يقصد السرقة بل الانتفاع بالشيء بعض الوقت ورده ثانية إلى مالكه، كان واجباً على محكمة الموضوع في هذه الحالة أن تتحدث عن القصد الجنائي، فتقيم الدليل على توافره، فإذا هي لم تفعل ذلك كان حكمها قاصراً بما يعيبه ويوجب نقضه. فأهم قرينة للتمييز بين نية التملك ونية الاستعمال أو الانتفاع، هي العزم على رد الشيء الذي ينتفي حتماً حينما تتوافر نية التملك وتتحقق نية التملك حينما لا توجد نية الاستعمال أو الانتفاع([4]).
إلا أن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لبطاقة الائتمان، لأن من استولى على بطاقة الائتمان من صاحبها دون علمه ورضاه وقام باستعمالها والانتفاع منها وحصل على نقود من حساب المجني عليه فيكون قد أخذ مال منقول مملوك للغير رغم انتفاء نية تملك بطاقة الائتمان التي تمثل القصد الجنائي الخاص لجريمة السرقة، فاستعمال بطاقة الائتمان هو بمثابة استهلاك لها، أي استهلاك للشيء المسروق، ومن ثم فان إعادتها بعد ذلك إلى مالكها تكون ناقصة القيمة بقدر ما تم سحبه من الجهاز الآلي([5]). وقد أكد على ذلك القضاء الجنائي الفرنسي عندما اعتبرت محكمة النقض الفرنسية الاستيلاء على سيارة بنية استعمالها ثم ردها إلى المكان الذي أخذت منه سرقة، فقناعة محكمة النقض الفرنسية بنيت على توافر نية التملك ولو كانت بصفة مؤقتة([6]). كما أن هذا الحكم ينسجم ويتفق مع مفهوم السرقة في القانون الفرنسي حيث عرفت المادة (311/1/2) من قانون العقوبات الفرنسي السرقة على أنها "يرتكب السرقة كل من أخذ بالغش شيئاً لا يملكه بالاختلاس بقصد الغش لمنقولات الغير". وكذلك يتماشى مع مفهوم السرقة في قانون السرقة الإنكليزي الصادر عام 1978 حيث نصت المادة الأولى منه على انه "يعد مرتكباً لجريمة السرقة كل من حصل بطريق الغش وبصفة غير مشروعة على منفعة من الغير"([7]).
ومع ذلك، فهناك من ذهب إلى القول إلى عدم تكييف هذه الواقعة بانها جريمة سرقة أو حتى على الأقل جريمة ملحقة بالسرقة والسبب أن جريمة السرقة لا تقوم في حالة التسليم الإرادي للمال المنقول، بينما في هذه الواقعة المفترضة نجد أن الجهاز الآلي أو الصراف الآلي يقوم بدور التسليم الإرادي للسلع وتحويل النقود للتاجر من حساب الجهة مصدرة البطاقة نظراً لاتخاذ الجاني صفة كاذبة وهي صفة الحامل الشرعي للبطاقة وقيامه باستعمالها مما حمل الجهاز الآلي أو الصراف الآلي على قبول هذه البطاقة ومن ثم تحويل النقود للتاجر من حساب البنك الجهة مصدرة بطاقة الائتمان. وبناء على اتخاذ الجاني صفة غير صحيحة وهي إحدى الوسائل الاحتيالية، فان يكون مرتكباً لجريمة الاحتيال، أي أن الجاني لم يحصل على السلع والخدمات محل الجريمة خلسة بل عن طريق الغش والخداع واستخدام صفة غير صحيحة([8]). وهذا التكييف يتفق مع اتجاه الفقه والقضاء الفرنسيين في أن الوسائل الاحتيالية كما انها تستعمل تجاه الإنسان، فإنه يمكن استعمالها تجاه أجهزة الصراف الآلي بناء على إمكانية خداع الآلة، حيث تكون هذه الأجهزة الأوتوماتيكية أكثر استعداداً من الإنسان لتكون عرضة لجريمة الاحتيال ويتمثل ذلك باستخدام بطاقة ائتمان خاصة بالغير باستعمال اسم كاذب من أجل سحب أوتوماتيكي لمبالغ نقدية من حساب الغير([9]). كما نجد أن القضاء الجنائي الكويتي قد سار على نفس الاتجاه عندما قضت محكمة استئناف الكويت إدانة الشخص الذي قام بسرقة بطاقة السحب الآلي والرقم السري وسحب مبلغ من الرصيد بثلاثة تهم وهي السرقة والتزوير في محررين من أوراق البنوك هي كشف العملاء وكشف العمليات لجهاز السحب الآلي من بنك الكويت وبنك الشرق الأوسط زائد جريمة الاحتيال بانتحال اسم كاذب باستخدام بطاقة السحب الآلي من البنك([10]).
وقد يحدث في أكثر الأحيان أن يقوم سارق البطاقة وعند استعماله لها في الوفاء لأحد التجار بالتوقيع باسم صاحب البطاقة المدون اسمه عليها على فاتورة البضاعة المقدمة إليه من قبل التاجر فيعد مرتكباً لجريمة التزوير([11])، وان كان القضاء الجنائي الفرنسي قد قضى بمعاقبته عن جريمة احتيال لحصوله على سلع وخدمات من محل تجاري ودفعه ثمنها بموجب بطاقة ائتمان مسروقة ولتوقيعه على الفاتورة باسم صاحب البطاقة المسروقة. أما بالنسبة لاستعماله البطاقة في السحب، فإن الجاني يساءل عن جريمة احتيال نظراً لاستعماله طرقاً احتيالية لإقناع المجني عليه بتسليم المال له([12]).
كما قد يحصل أحياناً أن يقوم سارق البطاقة الائتمانية بعد التواطؤ مع الموظف المختص بحفظ سرية الأرقام السرية للبطاقات الائتمانية بالحصول على الرقم السري للبطاقة الائتمانية المسروقة، ففي مثل هذه الواقعة يساءل الجاني عن جريمة سرقة للبطاقة الائتمانية باعتبارها مستند في حد ذاته، كما يساءل عن جريمة احتيال بسبب استعماله للبطاقة الائتمانية سواء في السحب أو الوفاء، وفوق ذلك فانه يساءل عن جريمة رشوة فيما إذا ثبت انه قدم رشوة للموظف المختص لغرض الحصول على الرقم السري، ولكن إذا ثبت انه لم يقدم رشوة بل ادعى أمام الموظف بانه صاحبها الحقيقي ففي مثل هذه الحالة يساءل عن جريمة احتيال، أو قد يحصل على الرقم السري للبطاقة الائتمانية بدون التواطؤ مع الموظف المختص كأن يسرقه، عندئذ فإنه يساءل عن جريمة سرقة أخرى. أما الموظف المختص فإنه يساءل عن جريمة إفشاء أسرار المهنة لأنه أفشى الرقم السري لبطاقة الائتمان المؤتمن على سريتها لغير صاحبها([13]).


([1]) انظر نص المادة (142) من قانون العقوبات العراقي والمادة (32/2) من قانون العقوبات المصري.
([2]) انظر حكم محكمة النقض المصرية المؤرخ في 18/10/1943، مجموعة القواعد القانونية، ج6، رقم 239، ص868.
([3]) انظر حكم محكمة النقض المصرية المؤرخ في 20/11/1950، مجموعة أحكام النقض، س2، رقم 74، ص189.
([4]) د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص868.
([5]) د. عمر سالم، مصدر سابق، ص39-40؛ د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص818.
([6]) Cass. Crim. 19 Fev. 1969. B. C. No. 123, D. note Rouju de Boube. Cass. Crim. 21 mai. 1963, 568, P. 1963.
([7]) Cavalda, OP. cit., P. 90.
([8]) د. سميحة القلوبي، مصدر سابق، ص313.
([9]) Rassat Michel-Laure, Droit Penal special, infractioas des et contre Les Particuliers, Dalloz, DELTA, 1997 No 98, P. 106-107, No 121 P. 125-126.
([10]) انظر حكم محكمة استئناف الكويت رقم (1589/87) جزائي والمنشور في مجلة الحقوق، ص22، العدد (1)، 1998، ص283.
([11]) انظر نص المادة (287/أ) من قانون العقوبات العراقي والمادة (441/1) من قانون العقوبات الفرنسي والمادتين (214 مكرراً، 215) من قانون العقوبات المصري.
([12]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، ص1154 .
([13]) انظر نص المادة (327) من قانون العقوبات العراقي والمادة (310) من قانون العقوبات المصري وقانون سرية الحسابات البنكية المصري رقم (205) لسنة 1999.



المطلب الثاني: استعمال الغير لبطاقة الائتمان غير صحيحة (مزورة) :

قد يحصل أن يتم تزوير أو تقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية، أي أن هذه البطاقة ليست سليمة من الناحية القانونية لأنها لم تصدر من الجهة المختصة بإصدارها. ومن ثم فهناك عدة فرضيات فقد يحصل أن يقوم شخص بتزوير أو تقليد بطاقة ائتمان إلكترونية ثم يضعها في التداول أو يقوم بتزويرها شخص آخر، ومن المحتمل أن يقوم مزور بطاقة الائتمان الإلكترونية باستعمالها بنفسه وهكذا.
عليه تم تقسيم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع تناولنا في الفرع الأول جريمة تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية وفي الفرع الثاني جريمة استعمال بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة وفي الفرع الثالث نتناول واقعة استعمال بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة من قبل مزورها.



الفرع الأول: جريمة تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية

يعرف التزوير على انه تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي حددها القانون تغييراً من شأنه إحداث ضرر بالغير وبنية استعمال هذا المحرر فيما زور من أجله([1]). وقد أجمعت التشريعات الجزائية العربية على معاقبة جريمة تزوير المحررات سواء أكانت رسمية أو عرفية([2]).
أما فيما يخص بطاقة الائتمان الإلكترونية، فتزويرها قد يتخذ عدة أشكال وكما يلي:
أولاً التزوير الكلي: فقد يتخذ صورة تزوير كلي كامل لبطاقة الائتمان الإلكترونية ذاتها، بمعنى آخر يتم تزوير المادة المكونة للبطاقة نفسها وما فيها بتقليدها ببطاقة ائتمان إلكترونية أخرى مشابهة لها، علماً بأن هناك رأيين حول مدى إمكانية تزوير وتقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية من الناحية العملية:
الرأي الأول: يرى بعدم إمكانية تقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية بسبب أن لكل بطاقة رقم يعرفه صاحب البطاقة وقد تم برمجته على حساب صاحبها ولكل بطاقة رقم سري (password) لا يمكن استعمالها إلا به، ولكي يتم تقليد مثل هذا النوع من البطاقات يتعين صنع البطاقة في نفس المادة التي تصنع منها البطاقة الأصلية وأن تأخذ نفس رقمها ورقمها السري وتتم ممغنطتها . وهذا مما يستحال القيام به إلا إذا كان الجاني على صلة بموظف البنك مصدر بطاقة الائتمان الإلكترونية حتى يمكن أن يعطيه نسخة أخرى من نفس البطاقة المراد تزويرها ليستعملها إذ يعطيها الشريك له([3]).
الرأي الثاني: يرى بإمكانية تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية، إذ يتصور أن يتم تزويرها بعدة طرق منها، نسخ كربون المتخلفة عن الاستعمال الصحيح للبطاقة لدى التجار، وذلك بعد تخلص هؤلاء التجار منها بإلقائها في سلة المهملات، أو من خلال بيانات بطاقة صحيحة يتم الحصول عليها بتصويرها فوتوغرافياً بواسطة التاجر، كما يمكن أن يتم تدوين بيانات وهمية على البطاقة لا تقابلها بيانات صحيحة أو بالتواطؤ مع الحامل الشرعي للبطاقة، أو أن يقوم الغير بالاستيلاء على بطاقة أحد الحاملين لها سواء بالرقم أم بالعثور عليها. ثم يقوم الجاني بالاتصال بهذا الحامل هاتفياً مدعياً أنه موظف بالبنك المصدر للبطاقة وبأنه سوف يرسل لهذا الحامل بطاقة جديدة ويطالبه بإبلاغه برقم البطاقة السري، فيقوم صاحب البطاقة بإبلاغه بالرقم السري، وعندئذ يقوم الجاني بتغيير البطاقة لتفادي سحبها بواسطة الآلة([4]).
ونحن بدورنا نتفق مع الرأي الثاني فمن الناحية الواقعية فإن تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية وان كان صعباً الا انه ليس بمستحيل حيث يمكن استخدام مثل هذا النوع من بطاقات الائتمان الإلكترونية المزورة في سحب النقود من الأجهزة الآلية أو الصراف الآلي وذلك باستخدام أرقام بدلاً من الرقم السري للبطاقة.
ثانياً: التزوير الجزئي: فقد يقوم الجاني بكشط ما على بطاقة الائتمان الإلكترونية المسروقة أو المفقودة من شريط توقيع ولصق آخر بدلاً منه والتوقيع عليه بتوقيع يستطيع كتابته بطلاقة، أو الإبقاء على الشريط ثم تقليد التوقيع الصحيح على البطاقة عند التوقيع على الوصولات وفواتير الشراء أو المحو الآلي أو الكيميائي للتوقيع الأصلي أو لأجزاء من هذا التوقيع. وقد تكون هذه البطاقة مجهزة بصورة فوتوغرافية لشخص العميل، فالجاني قد يلجأ إلى التخلص من هذه الصورة أو تغطيتها، ووضع صورة أخرى في مكانها إما بالحفر، وإما باللصق، وإما بالحفر واللصق معاً([5])، وعندئذ تكون أمام ما يعرف بالتعدد المادي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بين جرائم السرقة والتزوير والاحتيال، حيث ارتكبها الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد وهو الحصول على السلع والخدمات من التاجر بموجب بطاقة الائتمان الإلكترونية المسروقة ومن ثم فيعاقب بعقوبة الجريمة الأشد([6]).
بناء عليه، فإذا قام الجاني بتغيير الحقيقة المتعلقة ببطاقة الائتمان سواء بتقليد بطاقة صحيحة أو بتغيير بعض بياناتها الجوهرية، فإذا كانت البطاقة صادرة من أحد بنوك الدولة عندئذ تعد البطاقة محرراً رسمياً، وإن كانت صادرة من أحد البنوك الأهلية تعد البطاقة محرراً عرفياً وسواء أكان التزوير بأحد الطرق المادية أو المعنوية، فقد يحصل عن طريق الاصطناع بأن ينشئ الجاني المحرر وينسبه إلى غير محرره كما في حالة تقليد بطاقة الائتمان الإلكترونية، أو أن يتم التزوير بإحدى الطرق المعنوية بانتحال شخصية الغير كأن يدعي شخص أمام جهة رسمية أو أمام شخص عادي بأنه فلان الفلاني متخذاً اسماً غير اسمه أو بانتحال صفة الغير وهو ما يتم في حالة التزوير الجزئي لبطاقة الائتمان ([7]).
وقد يحصل أن يقوم الجاني بسرقة رقم سري بطاقة ائتمان إلكترونية صحيحة ثم يقوم بتزوير بطاقة ائتمان إلكترونية بالرقم السري المسروق ثم يستعملها سواء في السحب أو الوفاء، وهذا ما توصل إليه حديثاً مزوروا البطاقات الائتمانية الإلكترونية إلى ابتكار جهاز إلكتروني صغير يمكنه التقاط المعلومات والبيانات السرية للبطاقة الائتمانية الإلكترونية خلال بضعة ثواني ومن ثم اصطناع بطاقات مزورة بالرقم السري المسروق نفسه، ففي مثل هذه الواقعة يساءل الجاني عن جريمة سرقة للرقم السري وعن جريمة تزوير للبطاقة وعن جريمة احتيال لاستخدامه طرقاً احتيالية تعدم الكذب في سحب النقود من الصراف الآلي([8]).
أما العقوبة فهي تختلف بحسب ما إذا كانت بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة صادرة من أحد بنوك الدولة عندئذ تكون العقوبة أشد، في حين إذا كانت واقعة التزوير متعلقة بأحد بطاقات الائتمان الإلكترونية الصادرة من أحد بنوك القطاع الخاص فتكون العقوبة أقل شدة لأنها ستعد في حكم المحرر العرفي ([9])، علماً بأن القانون الفرنسي لم يفرق في عقوبة جريمة تزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية، حيث قضى بالحبس من عام إلى سبعة أعوام والغرامة أو بإحداهما مع مصادرة وإتلاف بطاقات الائتمان المزورة مع مصادرة المواد والمعدات والأدوات التي استخدمت أو التي كانت معدة للاستخدام في التقليد أو التزوير([10]). وعلى خطى القانون الفرنسي، نجد أن القانون العماني قضى بعقوبة الحبس والغرامة([11]).


([1]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، (ج1)، ص285.
([2]) انظر نص المواد (289-298) من قانون العقوبات العراقي والمواد (213، 221) من قانون العقوبات المصري.
([3]) د. أحمد تمام، الحماية الجنائية لبطاقة الائتمان، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، ص537.
([4]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص846-848.
([5]) د. رياض فتح الله بصلة، مصدر سابق، ص115.
([6]) انظر نص المادة (142) من قانون العقوبات العراقي والمادة (32/2) من قانون العقوبات المصري.
([7]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، (ج1)، ص286.
([8]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، ص1154.
([9]) انظر نص المواد (295-297) من قانون العقوبات العراقي والمواد (212، 214 مكرراً) من قانون العقوبات المصري.
([10]) انظر نص المادة (67/1) من القانون الفرنسي رقم (1382) لسنة 1991 الخاص بأمن الشيكات وبطاقات الوفاء.
([11]) انظر نص الفقرة (1) من المادة (276 مكرر) من قانون الجزاء العماني.



الفرع الثاني: جريمة استعمال بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة

جرمت التشريعات الجزائية العربية واقعة استعمال المحرر المزور حتى ولو لم يكن المستعمل للمحرر المزور هو نفسه من زوره.
وقد أجمع الفقه والقضاء على المساءلة الجزائية لكل من استعمل بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة سواء بالسحب أو بالوفاء، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم حول نوع الجريمة التي يساءل عنها وكما يلي:
الرأي الأول: يرى بعض الفقه العربي مساءلة مرتكب هذه الواقعة عن جريمة سرقة مشددة لاستعماله مفتاح مصطنع، واستدلوا بأن المال خرج من حيازة المجني عليه بغير رضائه وان البطاقة المزورة تعد من قبيل المفتاح المصطنع، على أساس أن المفتاح المصطنع هو كل أداة تقوم بذات الوظيفة التي يقوم بها المفتاح بغض النظر عن شكلها أو حجمها أو المادة المصنوع منها، خاصة وان البطاقة في حقيقتها مجرد أداة للوصول إلى سحب النقود من الحساب، فالجهاز يعتبر خزينة نقود والرقم السري لبطاقة الائتمان هو المفتاح الذي يفتح به الجاني خزينة النقود([1]).
إلا أن هذا الرأي تعرض للنقد من قبل غالبية الفقه المصري مستندين في أن تسليم النقود قد تم إرادياً من قبل الجهاز الآلي لتوزيع النقود بمجرد إدخال البطاقة الإلكترونية في الجهاز وكتابة الرقم السري لها وليس خلسة، كما أن هذه البطاقة الائتمانية الإلكترونية لا تعد ولو حكماً مفتاحاً مصطنعاً لأن المفتاح المصطنع يعرف على انه تلك الأداة المستخدمة من قبل الجاني في فتح قفل الباب الخارجي للمكان، سواء أكان مفتاحاً مقلداً أم مفتاحاً حقيقياً للباب قلده صاحبه واستعاض عنه بغيره، فعثر عليه السارق ([2]). كما أن هذا المفتاح يستخدم للدخول إلى المكان الذي سوف ترتكب فيه واقعة السرقة وهو ما لا يتحقق في بطاقة الائتمان الإلكترونية فهي لا تستعمل في الدخول لمثل هكذا مكان، بل هي أداة الجريمة نفسها. أضف إلى ما تقدم، فالمبادئ العامة في القانون الجنائي تمنع القياس في النصوص القانونية التجريمية لأن القول بأن بطاقة الائتمان الإلكترونية هي بمثابة مفتاح مصطنع يعد نوعاً من القياس وهو ما لا يجوز قانوناً([3]).
الرأي الثاني: يرى بأنه إذا قام أحد الأفراد باستعمال بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة سواء أكان ذلك في السحب أو الوفاء فانه يعد مرتكباً لجريمة الاحتيال ودليلهم في ذلك أن استعمال مثل هذا النوع من البطاقات المزورة هو بمثابة استخدام طرق احتيالية لخداع الجهاز الآلي الذي يقوم بدوره بسحب النقود أو إيهام التاجر بوجود ائتمان بهدف الحصول على السلع والخدمات([4]). وقد أخذ بهذا الرأي القضاء الجنائي الفرنسي حيث قضت محكمة النقض الفرنسية أن الجهاز الآلي لتوزيع النقود يمكن خداعه لأنه يوجد خلف كل جهاز صاحبه وهو موظف البنك، على الرغم من أن بعض المحاكم الجزائية الفرنسية قد اعترضت على هذا الرأي مستندة إلى أن الطرق الاحتيالية يجب أن تربط بين شخصين وهما الجاني والمجني عليه وهو ما لا يتحقق هنا، فالعلاقة التي تنشأ عن استخدام بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة في السحب مثلاً تكون بين شخص وهو الجاني وبين شيء وهو الصراف الآلي([5]).
الرأي الثالث: يرى بأن استعمال بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة يشكل جريمة استعمال محرر مزور وذلك لتوافر أركان هذه الجريمة في هذه الواقعة، فموضوع الجريمة يرد على محرر مزور وهو هنا بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة، كما يشترط في النشاط المادي لجريمة استعمال محرر مزور أن يحتج بالمحرر المزور على أنه صحيح وهو ما حدث في هذه الواقعة، حيث استعملها حائزها سواء أكان ذلك في السحب أو الوفاء، كما يشترط أن ينخدع التاجر أو الجهاز الآلي بها وهو ما حدث بالفعل حيث تمكن من السحب أو الوفاء، بعد استعانته بالبيانات التي تضمنتها البطاقة المزورة للتأثير على التاجر من أجل قبول تلك البطاقة في الوفاء([6]).
فضلاً عن تحقق القصد الجنائي لدى مستعمل بطاقة الائتمان الإلكترونية فهو يعلم بأنها مزورة وتنصرف إرادته إلى استعمالها فيما زورت من أجله([7]). وبهذا الرأي أخذ قانون الجزاء العماني([8]).
ونحن بدورنا نتفق مع ما ذهب إليه الرأي الثالث لرجاحة حججه وقناعة أدلته . مع ملاحظة أن الجاني باستخدامه بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة من قبل الغير يعد مرتكباً لجريمة استعمال محرر مزور وجريمة احتيال باستعمال اسم كاذب وصفة غير صحيحة، ونظراً لارتباط الجريمتين ببعضهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة، فإنه تطبق عليه عقوبة الجريمة الأشد.


([1]) د. هدى قشقوش، مصدر سابق، ص134؛ د. فاضل نصر الله عوض، الطبيعة القانونية للاستيلاء على الأموال من البنك الآلي، تعليق على حكم محكمة الاستئناف رقم (1589، 87 جزائي)، مجلة الحقوق، السنة (22)، العدد (1)، الكويت، 1998، ص283-300.
([2]) د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984، ص496.
([3]) د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص955؛ د. عمر سالم، مصدر سابق، ص38.
([4]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص112.
([5]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، ص1145.
([6]) د. فايز رضوان، مصدر سابق، ص214.
([7]) Cavalda, OP. cit., P. 92.
([8])انظر نص الفقرة (2) من المادة (276 مكرر) من قانون الجزاء العماني.


الفرع الثالث:جريمة استعمال بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة من قبل مزورها

في معظم الأحيان، أن الذي يقوم بتزوير بطاقة الائتمان الإلكترونية هو نفسه يقوم باستعمالها فيما زورت من أجله سواء أكان ذلك في السحب أو الوفاء، ففي مثل هذه الواقعة نكون إزاء تعدد في الجرائم وهي ارتكابه لجريمة تزوير محرر زائداً ارتكابه لجريمة استعمال المحرر المزور. وهذا التعدد للجرائم قد يكون تعدداً معنوياً وذلك إذا تم التزوير والاستعمال بفعل واحد كأن يوقع المتهم على الفواتير لدى أحد التجار، فالتوقيع تزوير واستعمال للبطاقة في أن واحد، عندئذ يعاقب المتهم على الجريمة ذات الوصف الأشد([1]). كما قد يكون تعدداً مادياً متى ارتكبت الجريمة بفعلين مستقلين، وهذا التعدد قد يكون مرتبطاً ارتباطاً غير قابل للتجزئة وذلك متى ارتكبت الجريمتين لغرض واحد مثل تغيير اسم صاحب البطاقة واستعمالها، كما قد يكون ارتباطاً بسيطاً إذا لم يكن لغرض واحد كمن استعمل بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة لتحقيق أغراض لم تكن في ذهنه وقت تزويره للبطاقة([2]).


([1]) انظر نص المادة (142) من قانون العقوبات العراقي والمادة (32/1) من قانون العقوبات المصري.
([2]) د. كيلاني محمود، مصدر سابق، ص856-857.



 الخاتمة :

 أولاً: النتائج
1.       إن بطاقة الائتمان الإلكترونية تمثل مرحلة متقدمة من مراحل التطور في الأدوات المالية، فبعد عصر المقايضة ومبادلة السلع، جاء عصر التقييم وفق بعض السلع، ثم التقييم وفق المعادن الثابتة، ثم التقييم بالذهب والفضة، ثم تداول الأوراق النقدية.
2.       تعد بطاقة الائتمان الإلكترونية وسيلة مستحدثة للوفاء، دون أن يتم الدفع نقداً للتجار، وبهذا يتفادى المواطن حامل البطاقة الأخطار التي يتعرض لها عند حمله النقود. كما تجعل البطاقة في مأمن من رفض التاجر قبول هذه الوسيلة في الوفاء، كما يحدث بالنسبة للشيك، إضافة إلى توفيرها الأمان للتجار، فهي تعد لهم وسيلة مضمونة للوفاء، وتحميهم من انخفاض القيمة الشرائية للنقود وتراكم الأموال لديهم، علاوة على تخليصهم من أخطار السرقة والضياع وزيادة عدد عملائهم.
3.       يمكن لبطاقة الائتمان الإلكترونية أن تقوم مقام النقود في الوفاء، فإذا كان الهدف من إيجاد وسائل وفاء هو الحد من تداول النقود وانتقالها بما تتعرض له من أخطار السرقة والضياع، فقد أوجدت البيئة التجارية كثيراً من هذه الوسائل التي استعملت في الوفاء بأثمان السلع الكبيرة مثل الأوراق التجارية، وبالرغم من شيوع هذه الوسائل التقليدية وقيامها بوظيفة الوفاء، إلا أنها ظلت غير مقبولة للوفاء بقيمة المشتريات الأساسية وخاصة قيمة السلع والخدمات التي يحتاجها العميل. فقد اعتاد التجار على قبول النقود في الوفاء دون سواها لهذه المشتريات. ولكن بطاقة الائتمان الإلكترونية أصبحت تغطي هذا النقص، بل أنها أصبحت تنافس وسائل الوفاء التقليدية في مجال تطبيقها نظراً لما تحققه من سبل حماية أكثر مما يتوافر للوسائل التقليدية في الوفاء.
4.       كما أن بطاقة الائتمان الإلكترونية تعد وسيلة ضمان، حيث تضمن للتاجر وفاءً كاملاً بقيمة المشتريات التي تعاقد عليها الحامل في حدود الرصيد المتفق عليه من قبل البنك.
5.       نظراً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية ابتدع العرف التجاري هذا النظام ثم أخذته البنوك، لتتوسع به لدرجة أنه أصبح عملية مصرفية تقدمها المصارف ضمن الخدمات المصرفية التي تضعها بين يدي الجمهور.
6.       لو أمعنا النظر في  العلاقات التي ترتبط بالبطاقة لوجدنا نوعاً من التناغم والانسجام بينها. فالعقد المبرم بين التاجر والبنك للحصول على البطاقة كونها وسيلة وفاء، وارتباطها بمجموعها بالنظام الإلكتروني الموجود لدى التاجر والبنك، يجعل البطاقة تتآلف معه، لتنفيذ ما ترتب من العلاقات القانونية بطريقة تقنية حديثة، بحيث يصبح لدينا النظام القانوني ذا صبغة تقنية حديثة للوفاء والضمان.
7.       لاحظنا أن إساءة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية إما أن تكون من قبل مالكها أو من قبل الغير، فإن كان الاستخدام غير المشروع للبطاقة من قبل مالكها فإما أن يكون خلال فترة صلاحيتها أو بعد انتهاء مدة صلاحيتها أو بالحصول غير المشروع على بطاقة الائتمان الإلكترونية، وقد لاحظنا بأن المسؤولية الجزائية لا تقوم بحق الحامل إذا استعملها في السحب من حسابه بأزيد مما هو مقرر أو بأزيد مما تسمح له به حالة الرصيد بل تقوم بحقه المسؤولية المدنية مع اتخاذ إجراءات إدارية.
8.       أما بخصوص قيام الحامل بالوفاء بقيمة البضائع والخدمات لدى المحلات التجارية باستخدام بطاقته الائتمانية الإلكترونية رغم عدم وجود رصيد كافٍ، فيوجد هناك رأيين لدى الفقه الجنائي، فالرأي الأول يذهب إلى القول بمسؤولية الحامل عن جريمة احتيال، بينما يذهب الرأي الثاني إلى القول بعدم تحقق المسؤولية الجزائية والاقتصار فقط على تحقق المسؤولية المدنية.
9.       كما لاحظنا أن الفقهاء قد اختلفوا في تكييف واقعة استخدام الحامل لبطاقته الائتمانية الإلكترونية الملغاة والمنتهية الصلاحية في الوفاء بقيمة السلع والخدمات وذهبوا في ذلك إلى رأيين، أحدهما يرى باعتبار الواقعة جريمة خيانة أمانة وثانيهما يرى بأن الواقعة جريمة احتيال.
10.   أضف إلى ما تقدم، فإن بطاقة الائتمان الإلكترونية يمكن أن تكون محلاً لجريمة السرقة بغض النظر عما إذا كان الحساب به رصيد أو ليس به رصيد، لأنها تمثل قيمة في حد ذاتها، كما إنها تصلح لأن تكون محلاً لجريمة تزوير المحررات باعتبارها من المحررات الإلكترونية، وأخيراً فان استعمال بطاقات الائتمان الإلكترونية كوسيلة للدفع عن طريق شبكة الانترنت قد ارتبط به ظهور جرائم ممن يلتقط الأرقام السرية لتلك البطاقات ويقوم بالسحب من حسابات أصحابها.



ثانياً: التوصيات
1.       التدخل التشريعي لمواجهة القصور في التشريعات والقوانين الجزائية العربية الحالية أو تحديثها بالنص صراحة على تجريم إساءة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية اعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات حتى نصل إلى إقامة بنية قانونية للتصدي لمثل هذا النوع من الجرائم.
2.       تأهيل القائمين على أجهزة إنفاذ القانون لتطوير معلوماتهم في مجال تقنية المعلومات، وذلك من خلال تدريب وتأهيل القائمين بالضبط والخبراء وسلطات التحقيق والقضاة، وخاصة تدريب القضاة على التعامل وتفهم هذا النوع من القضايا التي تحتاج إلى خبرات فنية عالية لملائمة قبول هذا النوع من الأدلة في الإثبات وتقديرها، حتى يتمكن من الفصل في القضايا المتعلقة بهذا النوع من الجرائم الإلكترونية.
3.       ضرورة اهتمام المصارف بالشركات التجارية العربية التي تتعامل ببطاقة الائتمان الإلكترونية بالوقوف على كل طرق وأساليب الاحتيال والخداع والتزوير في الاستخدام غير المشروع لبطاقة الائتمان الإلكترونية مع ضرورة تدريب الموظفين والعاملين على كل ما يستجد في هذا المجال وذلك بإقامة برامج تدريبية مكثفة لموظفي المصارف.
4.       ضرورة إعداد برامج إلكترونية دقيقة يمكن من خلالها أن يشفر حامل البطاقة رقم بطاقته بنفسه ويرسله إلى التاجر المعتمد والذي بدوره يستطيع فك التشفير وذلك منعاً لاختراق المعلومات المصاحبة لاستخدام بطاقة الائتمان عبر شبكة الانترنت.
5.       الدعوة إلى إنشاء قسم خاص داخل إدارات مكافحة الجريمة بوزارات الداخلية العربية يكون متخصصاً في مكافحة جرائم بطاقة الائتمان الالكترونية مع تدريب العاملين به على أساليب التحري والضبط في هذا النوع من الجرائم.
6.       إنشاء لجان تنسيق مشتركة بين الجهات الفنية والبحثية والشرطية والقضائية وبين المصارف فيما يتعلق بإصدار بطاقات الائتمان الالكترونية،حيث يتم وضع ضوابط لعمليات إصدار واستخدام  بطاقات الائتمان الالكترونية مع ضرورة تقيد المصارف بهذه الضوابط.
7.       قيام المصارف المصدرة لبطاقات الائتمان الالكترونية بتنظيم دورات تدريبية لرجال الإعمال العرب وأصحاب المتاجر والمحلات ومؤسسات البيع التي تتعامل ببطاقاتهم، مع ضرورة توعيتهم في طريقة تمييز بطاقات الائتمان الالكترونية الصحيحة من غير الصحيحة (المزورة).



ثانياً: التوصيات
1.       التدخل التشريعي لمواجهة القصور في التشريعات والقوانين الجزائية العربية الحالية أو تحديثها بالنص صراحة على تجريم إساءة استخدام بطاقة الائتمان الإلكترونية اعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات حتى نصل إلى إقامة بنية قانونية للتصدي لمثل هذا النوع من الجرائم.
2.       تأهيل القائمين على أجهزة إنفاذ القانون لتطوير معلوماتهم في مجال تقنية المعلومات، وذلك من خلال تدريب وتأهيل القائمين بالضبط والخبراء وسلطات التحقيق والقضاة، وخاصة تدريب القضاة على التعامل وتفهم هذا النوع من القضايا التي تحتاج إلى خبرات فنية عالية لملائمة قبول هذا النوع من الأدلة في الإثبات وتقديرها، حتى يتمكن من الفصل في القضايا المتعلقة بهذا النوع من الجرائم الإلكترونية.
3.       ضرورة اهتمام المصارف بالشركات التجارية العربية التي تتعامل ببطاقة الائتمان الإلكترونية بالوقوف على كل طرق وأساليب الاحتيال والخداع والتزوير في الاستخدام غير المشروع لبطاقة الائتمان الإلكترونية مع ضرورة تدريب الموظفين والعاملين على كل ما يستجد في هذا المجال وذلك بإقامة برامج تدريبية مكثفة لموظفي المصارف.
4.       




هناك 3 تعليقات:


  1. هل تحتاج إلى تمويل؟
    هل تبحث عن المالية؟
    هل تبحث عن المال لتكبير عملك؟
    نحن نساعد الأفراد والشركات للحصول على قرض للأعمال التجارية
    وتوسيع وإعداد الأعمال الجديدة التي تتراوح أي مبلغ. الحصول على قرض بأسعار فائدة معقولة من 3٪، هل تحتاج هذا النقد / قرض للأعمال التجارية ومسح الفواتير الخاصة بك؟ ثم مراسلتنا على البريد الإلكتروني الآن لمزيد من المعلومات الاتصال بنا الآن عبر البريد الإلكتروني: powerfinance7@gmail.com

    ردحذف
  2. أفضل شهادات الاستثمار
    للحصول على افضل شهادات الاستثمار و بطاقات الائتمان عليك الاعتماد علينا حيث اننا نعمل على تقديم كافة الخدمات التى عن طريقها سوف تتمكن من الحصول على هذة الخدمة فى أفضل صورة لها وفى اسرع وقت ممكن لذا يمكنك الان أن تتواصل معنا اذا اردت الحصول على أفضل شهادات الاستثمار و بطاقات الائتمان
    بطاقات الائتمان
    https://www.faydety.com/

    ردحذف
  3. شهادة حول كيفية حصولي على قرض بفائدة 2% كضمان. هل تحتاج إلى قرض؟ هل أنت مدين؟ هل ترغب في بدء مشروع تجاري وتحتاج إلى رأس المال؟ هل تحتاج إلى قرض أو تمويل لأي سبب من الأسباب؟ لديك المكان المناسب لحلول القروض الخاصة بك هنا! أوصي لكم جميعًا بـ (مؤسسات القروض الائتمانية). يقدمون القروض لأي شخص مهتم بالحصول على أي نوع من القروض. لقد أقرضوني مبلغ 36000 دولار مع أو بدون ضمانات بمعدل فائدة 2%. إنهم يقدمون جميع أنواع القروض، حتى مع درجات الائتمان السيئة. تشمل خدماتهم قروض التعليم، وقرض السيارة، وقرض الشاحنة، وقرض إعادة التمويل، والقرض المضمون وغير المضمون، والقرض الشخصي، وقرض توحيد الديون، وقرض الأعمال، وقرض الرهن العقاري، وقرض المنزل، وقرض الطالب وما إلى ذلك. يرجى مراسلتنا على رقم Whatsapp: +393512640785 أو : +393509313766
    أو :+393512114999. البريد الإلكتروني: Loancreditinstitutions00@yahoo.com
    من فضلك أنا إحالة للحصول على قرضي من شركتها.

    ردحذف